هل يصح فرض التعليم الديني في المناهج الدراسية ام لا؟


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 6510 - 2020 / 3 / 10 - 21:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لطالما كان هذا موضوع نقاش وجدل ساخن وليس هناك وقتا اكثر ملائمة من الان لاثارة هذا الجدل لاسيما في ايامنا هذه ونحن على اعتاب تغييرات جذرية في العراق منذ انطلقت الانتفاضة الجماهيرية الكبرى في 1 اكتوبر 2019.
قبل الخوض في الموضوع حتى، هناك اسئلة عديدة تطرح نفسها علينا:
اذا قررت ادخال التعليم الديني في المناهج الدراسية فاي ديانة ستختار؟ هل تختار دين الاغلبية في البلد؟ وماذا عن "الاقليات".
اذاكنا نتحدث عن مجتمع مدني يضمن حقوق كل افراده اليس من حق كل الاطفال ان تتعلم ديانة عوائلها بصورة رسمية في المدرسة؟ ولنفرض اننا خصصنا دروسا لتعليم كل الديانات الموجودة في البلد، فماذا عن المحايد دينيا (اللاادري) والمفكر الحر واللاديني والغير مؤمن؟
اذا ما كان الموضوع هو حول تعليم الدين كمعتقد وطريقة تفكير يعتنقه بعض الناس اليس من الضروري اغناء عقول اطفالنا وتدريسهم كافة انواع المعتقدات الموجودة بضمنها اللادينية لكي نغرس الانفتاح الفكري والثقة بالنفس فيهم كي يصبحوا قادرين على صنع القرارات وبضمنها القرار على اختيار واتباع المعتقد الذي يرونه صحيحا بعيدا عن الاحكام المسبقة والضغوط الاجتماعية؟
برائيي ان فرض التعليم الديني على المناهج الدارسية له تاثيرات سلبية اكثر بكثيرمما هي ايجابية:
يجادل البعض من انصار الفكرة بانه غالبية الاديان تتكلم عن صفات كحب ومساعدة الاخرين والعطف وغيرها من الصفات التي لاينكر ايجابيتها في تكوين شخصية الطفل ولكننا نرى ان نفس هذه الاديان تروي في نفس الوقت قصص ودروس مروعة في العنف مازال معتنقيها (وهنا بالاخص عندما يختلط الدين بالسياسة) يروجون لها وقد يمارسونها ايضا لحد يومنا هذا مما يشكل حالة حيرة لدى الطفل ومما يجعل تدريس الموضوع صعبا لكثرة وجود التناقضات فيه.
دعنا عن العنف والقتل، فكيف تفسر وتبرر لطفل بان والدته (التي هي في نظره اهم انسان في الكون) تساوي نصف انسان في نظر دين ما؟ وكيف ستشرح له بان لوالده الحق في ضربها (بشرط ان لايترك اثرا!) والاساءة اليها ولعائلتها كيفما شاء وان هي رفعت صوتها واعترضت اعتبرت خارجة عن طاعة زوجها ويحاكمها المجتمع قبل القانون؟ وكيف تفسر التناقض في كون كل افعالك في حياتك على الارض مكتوب لك حتى من قبل ان تولد ولكنك بالرغم من ذلك ستعاقب بالنار الازلية في "الحياة الاخرى". فاذا كانت ارادة "الخالق" ان تفعل ما كتبه لك، لماذا اذا العقاب الابدي؟
اليست هذه كلها نتاقضات يصعب اقناع اي انسان بها؟
هنا اتطرق الى سؤال اخر يفرض نفسه الا وهو من اي عمر يبدا التدريس الديني للاطفال؟ وهذا السؤال بنفسه موضوع بحث اخر عميق لايسع الخوض فيه هنا. ولكن يذكر ان اغلبية المناصرين لفكرة ادخال التدريس الديني في المناهج الدراسية يحبذون بدا ذلك من عمر صغير، وهم غالبا ما يروجون لتعليم مذهبهم الخاص بهم وليس المذاهب الفكرية والمعتقدات الاخرى. مما يحث على غرس التفرقة الطائفية والاحكام المسبقة لدى الطفل قبل ان تنفتح عيونه ويفهم مايجري.
ان غالبية الاطفال يتعلمون شيئا عن ديانة ومعتقدات عوائلهم (او عدمها) منذ الصغر وبما ان اعتناق اي دين او عدمه امر شخصي بحت من حق الانسان القرار فيه بوعي كامل ودراية بتفاصيلها، برأيي ان الطفل في المراحل الابتدائية خاصة ربماغير مؤهل لاستيعاب وتفهم التفاصيل العميقة لكافة الديانات (وبضمنها اللادين) وبعض الاسئلة عن الكون والوجود. ولكنه مستعد تماما لفهم القيم الانسانية كحب الاخرين وصفات العطف والشفقة والتساوي بين الناس وعدم القبول بالظلم وغيرها.. من دون ربطها بهذا الدين او ذاك. هنا مايسبب الارباك والحيرة اكثر لدى الطفل هو عندما تفرض العائلة ديانتها ومعتقدها كونها هي الاصح وتنفي بقية الديانات او اللا ديانات، فحالما يفتح عيونه ويعي الطفل بوجود معتقدات اخرى بين اصدقاءه وفي المجتجع الخارجي ربما تدعو لنفس القيم يتولد لدية حالة تناقض وربما في بعض الاحيان فقدان الثقة بعائلته وكل قيمها.
من جانب اخر اذا كان الهدف من تعليم الدين في المدارس هو غرس القيم الانسانية وتربية الاطفال على التفكير والتامل في تصرفاتها اليومية وفصل الصح عن الغلط فهناك العديد من الوسائل التعليمية والطرق الاخرى التي يمكننا زرع هذه القيم والعديد من الصفات الاخرى كاحترام الاخرين والثقة بالنفس ورفض الظلم واللامساواة.. وان التاريخ القريب والبعيد ،وحتى حياتنا اليومية الان واقرب مثال هو مانراه يوميا في ساحات الاعتصام في مدن العراق منذ اكتوبر2019، ملئ بقصص وبطولات واقعية وحقيقية ودروس وعبر في اسمى القيم الانسانية، فلا داعي للرجوع للقصص الغيبية.
بالاضافة الى ذلك يعتبرفرض معتقداتنا على الطفل او الطفلة اجحافا بحقهم ومنعم من التفكير واتخاذ القرار بشان معتقداتهم وما ينجم عن ذلك من عقد نفسية وتاثيرات على شخصية وتكوينهم على المدى البعيد.
هنا دعوة موجهة لذوي الاطفال والعوائل ان تبتعد عن فرض الطقوس المذهبية، ايا كانت، على بناتها واولادها من اجل ان تنتج جيل واع واسع الافق وقادر على صنع القرار بعيدا عن ضيق التفكير الطائفي والاحكام المسبقة الذي عانى ولازال يعاني منه بلدنا طوال ال 17 سنة الماضية.
فنحن في العراق مازالت جروحنا تنزف اثر الحروب الطائفية وفي مجتمعاتنا الشرقية المبتلية بوباء الاسلام السياسي وتسلط التقاليد العشائرية والذكورية بصورة عامة وحتى في العديد من البلدان التي تعتبر "متقدمة" نرى كيف تستغل السلطات الحاكمة الدين وتستفيد من اعادة انتاج هذه التقاليد فمن خلال ذلك ليست فقط تضمن استعباد نصف المجتمع بل ويسهل عليها تبرير العديد من جرائمها وفرض اقسى الظروف المعيشية على الجماهير تحت غطاء القضاء والقدروالمكتوب علينا...الخ فغالبا ما يتم ابراز الفروق الطائفية وغيرها بين الناس كورقة بيد السلطات الحاكمة في محاولة منها لصرف الانظار عن الصراع الطبقي وتحويله الى صراعات طائفية.
هنالك العديد من الجدالات على كلا الطرفين من النقاش ولكن الدين والمعتقد (او عدمه) امور شخصية المفروض ان يكون للانسان الحرية التامة في اختيارها بعيدا عن الاحكام المسبقة والضغوط سواء كانت من العائلة او المؤسسات التعليمية او الدولة. وان هذا الاختيار لايكون سليما الا بفهم ودراسة تفاصيل هذا المعتقد او ذاك عندما يبلغ الانسان مرحلة من النضوج الفكري تمكنه من ذلك.
شيرين عبدالله