سياسيات مصطلح -الإبادة الجماعية-


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6510 - 2020 / 3 / 10 - 20:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

يتضمن الاصدار الجديد لكتاب "سياسيات الإبادة الجماعية" (The Politics of Genocide) (April 2010) للمؤلفين إدوارد س. هيرمان وديفيد بيترسون مقدمتين احداهما بقلم نعوم تشومسكي ، مع مقدمة إضافية للمؤلفين . و إدوارد س. هيرمان هو الأستاذ المتمرس للاقتصاد في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا ، وقد كتب على نطاق واسع في الاقتصاد والاقتصاد السياسي و وسائل الإعلام . و من بين كتبه "مراقبة الشركات" و "قوة الشركات" و "شبكة الإرهاب الحقيقية" و "الاقتصاد السياسي لحقوق الإنسان" (مع نعوم تشومسكي) ؛ و"تصنيع القبول" (مع نعوم تشومسكي) . أما ديفيد بيترسون ، فهو صحفي وباحث مستقل مقيم في شيكاغو .
في هذا الكتاب المثير للإعجاب ، يبحث المؤلفان في الاستخدامات المغرضة لمصطلح "الإبادة الجماعية" (Genocide) من طرف قوى العدوان للإمبريالية الأمريكية العظمى و حلفائها . و يثبتان على نحو مقنع كيف أن هذه التسمية قد باتت مسيَّسة للغاية حيث يتم استخدامها في الولايات المتحدة الأمريكية من طرف الحكومة والصحفيين والمروجين للهيمنة الامبريالية لتمييز تلك الدول والحركات السياسية التي تتدخل بطريقة أو بأخرى ضد المصالح الإمبريالية للرأسمالية الأمريكية . و من ناحية أخرى ، نادراً ما يتم استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" عندما يكون الجناة ضد الشعوب الضعيفة هم جند الولايات المتحدة نفسها و حلفاءها . في حين يتم استخدامها بشكل تحكمي عندما يرتكب جرائم القتل - أو يُزعم أنها قد ارتكبت - من طرف أعداء الولايات المتحدة او المعارضين لمصالح الشركات الإمبريالية الأمريكية . هنا ، يتم تطبيق مجموعة من المعايير لوصف الحالات مثل العدوان الأمريكي في فيتنام ، والقمع الإسرائيلي الوحشي للفلسطينيين ، والذبح الإندونيسي لمن سمى بالشيوعيين وشعب تيمور الشرقية ، والتفجيرات الأمريكية في صربيا وكوسوفو ، وحرب "التحرير" الأمريكية في العراق ، وعمليات القتل الجماعي التي ارتكبها حلفاء الولايات المتحدة في رواندا وجمهورية الكونغو . حيث نجد أن المذابح الفظيعة و الأكثر تكراراً التي ترتكبها قوى العدوان الامبريالي تتلاشى في ماكنات الدعاية الإمبريالية إلى مجرد "أخطاء بريئة" أو "أضرار جانبية" (collateral damage) . في حين تطبق مجموعة مختلفة أخرى من المعايير على الحالات الاخرى مثل العدوان الصربي على كوسوفو والبوسنة وعمليات القتل التي يقوم بها أعداء الولايات المتحدة في رواندا ودارفور ، وصدام حسين ، وأي وجميع الإجراءات التي تتخذها إيران و غيرها .
و من خلال توثيقه الدقيق والمسهب لقراءته الدقيقة لوسائل الإعلام الأمريكية ورسومه البيانية الواضحة والقاطعة ، يمثل هذا الكتاب إدانة قوية و كشفاَ مذهلاً لنظام الدعاية الإمبريالي العميق الجذور والفعال الموجه لخداع البشر بغية تعزيز توسيع هيمنة النظام الإمبريالي الوحشي . و في عرضه الرائع لصناعة الأكاذيب المميتة للقوة العظمى ، يدافع إدوارد هيرمان وديفيد بيترسون عن حق البشر جميعًا في ذاكرة تاريخية صادقة متحررة من جرعات الزرق بالمورفين لوسائل الإعلام الأمريكية الهادفة إلى إدامة تطبيع أي شيء تختاره الحكومة الأمريكية في مجال السياسة الخارجية ، بصرف النظر عن وحشيته و إجراميته . و هو يفضح زيف أكثر التصورات قداسة من خلال الكشف عن العفن الفكري والأخلاقي للهياكل السياسية في واشنطن و هي تسوق سياسة وجود ضحايا من البشر ممن لا يستحقون الحياة و الجديرين بالإبادة الجماعية .
هذا الكتاب يجعل القراء توّاقين إلى ثقافة سياسية تتبنى معيارًا واحدًا لحقوق الإنسان بدلاً من الممارسة الانتقائية لاستخدام بعض الكلمات مثل "المذبحة" و "الإبادة الجماعية" و "الحماية" على نحو مزيف لتسويق الحروب الامبريالية . كما يبرهن هيرمان وبيترسون بشكل مقنع على الخطط المبيّتة للإمبريالية للولايات المتحدة / الناتو التي تكمن وراء مزاعم "التدخل الإنساني" ، والمحاكمات الانتقائية التي قامت بها جميع المحاكم الجنائية الدولية حتى الآن . و على مستوى أعمق ، يمثل هذا الكتاب تحديًا لوسائل الإعلام الغربية ونشطاء حقوق الإنسان للاعتراف "بالإفلات من العقاب على النظام القوي" الذي ساعدوا في إنشائه ، من خلال قبولهم غير النقدي لسرديات "حقوق الإنسان" الصادرة عن نخب السياسة الخارجية الأمريكية . و هو يقدم إسهامة هائلة في النقاش الدائر حول السياسة الخارجية / حقوق الإنسان في عصر القوة الامبريالية الأعظم .
مترجم بتصرف عن مجلة "المراجعة الشهرية" (MONTHLY REVIEW) الاشتراكية الأمريكية المستقلة .