العودة الى لينين 12


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6499 - 2020 / 2 / 26 - 00:16
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

كما نوهت في الحلقة السابقة, ان الأدلة النصية يبدو أنها تؤيد التهمة الموجهة ضد لينين. فكما تظهر الاقتباسات التي اوردها Chattopadhyay من ماركس فانها افترضت انتقالًا فوريًا إلى الاشتراكية بعد الإطاحة بالسلطة البرجوازية. ولكن عندما نتذكر أن ظروف الثورة الاشتراكية في ذهن ماركس لم تكن موجودة في روسيا عشية الثورة, ومع ذلك, نشبت ثورة اكوبر بقيادة الطبقة العاملة في روسيا التي كانت تشكل "الحلقة الأضعف في السلسلة العالمية من الرأسمالية الإمبريالية" عل حد تعبير لينين وكما شرحته في الحلقات السابقة. قبيل ثورة اكتوير واجه البلاشفة معضلةً: هل عليهم ان يسلموا السلطة وهذا سوف لن يعني القدرة على إقامة ديمقراطية برجوازية قوية, بل انه بالتالي سيسساهم في استعادة سلطة الإقطاع الذي يدعمه الرأسمال الإمبريالي, أم عليهم الاستفادة من وضع محرج؟ البلاشفة اختاروا البديل الأخير لقناعتهم أنه خلال عقد من الزمان أو نحو ذلك ستندلع الثورات الاشتراكية في أوروبا الغربية وتخفف العبء عن الروس المتمثل في الاضطرار إلى بناء الاشتراكية على أساس ضعيف. بوجود مثل هذه المساعدة, يمكن تعزيز القوى المنتجة في روسيا بشكل كبير وكسر قيود التخلف فيها. اعتقد لينين في أي حال أن البلاشفة كان عليهم احكام السيطرة حتى الهجوم الحاسم والاخير.

هل كان من الممكن ان يفعل لينين ذلك بدون سلطة الدولة؟ اذا سلمنا جدلا أن جميع الخيارات الأخرى كانت ملزمة بانتاج ردود فعل, فان لينين كان مجبرا على استخدام العنف إلى حد ما لكبح القوى الإقطاعية والرأسمالية. كانت الحرب الأهلية التي اندلعت شريرة بما يكفي لإقناع البلاشفة بأن كل من جهاز دولة قوي وجيش أحمر دائم ضروريان للحفاظ على مكاسب الثورة - أي ازاحة الطبقات الإقطاعية من السيطرة على الأرض وإسقاط نظام الطبقة الرأسمالية. خلال الفترة القصيرة التي قضاها لينين في قمة السلطة, التي تميزت بالمبادرات النشطة والنقد المستمر للذات, فحتى بعض التمردات (الحمراء اسما) كان ينبغي قمعها, مثل
تمرد كرونستادت.
( في مارس 1921، ثارت حامية قلعة جزيرة كرونستادت في بحر البلطيق, التي شكلت بوابة بتروغراد الثورية, ضد الحكومة البلشفية. استولى المتمردون على كرونستادت لمدة أسبوعين، حتى استعاد النظام السوفيتي أخيرًا السيطرة واستعادة الحامية، بتكلفة أرواح العديد من الجانبين. زعم المتمردون أنهم يقاتلون من أجل استعادة السلطة السوفيتية وتطهيرها من احتكار الشيوعيين. اتهم البلاشفة المتمردين ان تمردهم كان معاديًا للثورة: أيا كانت نوايا البحارة, فإنه كان يمكن أن يساعد فقط في استعادة القوى الرأسمالية - بدءا من الديمقراطيين إلى الملكيين الصريحين - متحدين كرد الفعل الكهنوتي/ القيصري وراء ستار الحرس الابيض. رغم أن الجيش الأحمر السوفيتي صده عسكريًا بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الحرب الأهلية, إلا أن الحرس الأبيض ورعاته الإمبرياليين ظلوا عازمين على تقويض ثورة أكتوبر وسحق الدولة العمالية السوفيتية الشابة.
بعد مرور 73 عامًا تقريبًا, في 10 كانون الثاني (يناير) 1994 ، وضع بوريس يلتسين الذي نصب نفسه كوريث الحرس الأبيض ورئيس روسيا (السابق) التي أصبحت الآن رأسمالية, ختم موافقته على تمرد كرونستادت. حقيقة أن يلتسين, الذي قاد الثورة المضادة للإطاحة بالثورة البلشفية في الفترة 1991-1992، و"أعاد تأهيل" متمردي كرونستادت يؤكد ببساطة مرة أخرى حقيقة المصالح الطبقية التي خدمها تمرد 1921. يشكل تمرد كرونستادت مركز الأسطورة العظيمة, التي نشرها الاناركيون بهمة والتي استثمرها بكل قوة مجموعة كاملة من القوى المناهضة للثورة بدءا من الاشتراكيين الديمقراطيين إلى الإصلاحيين القيصريين. كان الهدف الأساسي هو التشكيك في صراع الماركسيين من أجل دكتاتورية البروليتاريا على البرجوازية, ولا سيما التجسيد المعاصر للينينية الأصيلة.
للمزيد حول مؤامرة كرونستادت, يمكن مراجعة المصدر
Kronstadt 1921: Bolshevism vs. Counterrevolution
https://www.icl-fi.org/english/esp/59/kronstadt.html

وقد ساهم , لاحقا, ما يسمى "الحزب الشيوعي العراقي", بقصد او بدونه, في حملة التشويه هذه, او انه وقع ضحية لها والنتيجة سيان, عندما اعلن تخليه عن اللينينية في مؤتمره المسمى "مؤتمر الديموقراطية والتجديد" في عام 1993 والذي سماه بعض قياداته "منعطف مصيري في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=155690&r=0
وقد تجسدت ديموقراطيته وتجديده (بابهى صورها!) باشتراكه في مجلس حكم الاحتلال البريمري والمشاركة في صنيعته العملية السياسية النيوليبرالية التي هي صنو للفاشية الجديدة.
The Politics of Neoliberal Fascism
https://www.tikkun.org/the-politics-of-neoliberal-fascism
واخيرا توج ديموقراطيته وتجديده بالتحالف ليس فقط مع احد فصائل الاسلام السياسي الفاشي و بروليتاريته الرثة, بل انه سلم زمام القيادة له! ونحن لم نسمع من قبل ان حزبا يدعي تمثيله للبروليتاريا, على الاقل نظريا, يعطي زمام اموره لقيادة فاشية وزعيمة حشود اغلبهم من البروليتاريا الرثة. والحزب يتعكز, كذبا ونفاقا, على مقولات غرامشي, في حين ان غرامشي قضي اجمل سنوات عمره في سجون فاشية موسوليني ولم يتصالح معها او يعمل معها ابدا! ولكننا قد نعذر افعال يلتسين بعض الشئ ونعزيها الى سكره وعربدته, ولكن كيف نعذر افعال الحزب الشيوعي العراقي الذي لا زال متمسكا بالعملية السياسية وبتحالفه المخالف لكل قيم الحضارة والمدنية والانسانية؟)

يشير Gohain إلى أن سياسة لينين في كرونستادت قد تكون بعيدة عن الدولة الاشتراكية التي توقعها لينين في كتابه "الدولة والثورة", لكن يبدو أن لينين كان لديه بالفعل هاجسا مسبقا بالمشاكل الهائلة التي قد تنشأ في أي بلد بعد الإطاحة بالنظام الرأسمالي. في المرحلة التي وجد فيها لينين نفسه, كانت المهام المقبلة هي تعزيز نمو طبقة عاملة قوية حتى تتمكن من إدارة شؤون البلاد ومنع استعادة رأس المال سلطته من خلال إنتاج السلع الصغيرة. كانت اساليب ستالين في تنفيذ هذه المهام مرعبة وارهابية. لينين, في ما يسمى -الوصية الأخيرة- نصح بإزالة ستالين من منصب الأمين العام للحزب, وكان من المؤكد أنه كان سيسعى لتحقيق هذه الأهداف بمزيد من الواقعية والحساسية. لكن الأهداف كانت هي نفسها. كان هذا إسهام لينين الإبداعي في الممارسة الاشتراكية. لم يكن هناك شك في وجود حالة من حالات انعدام الدولة خلال فترة الانتقال إلى الاشتراكية. وقد استمد ابتكار لينين بعض أسسه من مريده, فريدريك انجلز, في مقاله الموجز ​​عن السلطة:
On Authority
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1872/10/authority.htm
يتبع