اعتذارات اساطين السلفية : لماذا الآن ؟


هشام حتاته
الحوار المتمدن - العدد: 6493 - 2020 / 2 / 17 - 14:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

من العبارات الماثورة للراحل جمال عبد الناصر الذى تشدق بها طويلا فى بدايات ما اطلق عليه ثورة 1952 ( ان حريه الكلمه هى المقدمه الاولى للديمقراطية )
وبعد تكميم الافواه واغلاق الاحزاب وتاميم الصحافة استبدل هذا الشعار فى ميثاق 1962 ( إن حرية رغيف الخبز ضمان لا بد منه لحرية تذكرة الانتخابات )
وكان الهدف هو الالتفاف على العقد الاجتماعى بمفهومه الواسع الذى ارساه جان جاك روسو بين الحاكم والمحكومين ويهتم بمدى شرعية سلطة الدولة على الأفراد.
تنادي نظرية العقد الاجتماعي بالتحديد بأن الأفراد يقبلون بشكل ضمني أو صريح أن يتخلوا عن بعض حرياتهم ويخضعوا لسلطة الحاكم (أو لقرار الأغلبية) مقابل حماية بقية حقوقهم
وهذا المفهوم تبلور فيما بعد فى الدساتير الديمقراطية
ولكننا نجد فى ممالك وامارات النفط وعل راسها السعوديه انهم بلا دستور ينظم العلاقه بين الفرد والدولة ، فكان هناك عقد اجتماعى اخر يقوم على ( الولاء مقابل العطاء )
وكانت المصاهره مع القبائل الكبرى فى المملكة المتراميه الاطراف والتى لاتملك جيوشا قادره على حمايه الحدود من ضمن اسباب شراء ولاء هذه القبائل علاوه على الأمراء والشيوخ ووجهاء ورجالات المجتمع حتى وصلت زوجاته المعروفين الى حوالى الـ 30 زوجه ، يطلق احداهن ويتزوج حتى لايزيد العدد عن 4 حسب الشرع ، وسار ابنه الملك عبد الله على نفس المنوال فى زواجاته التى وصلت الى 15 معظمهم من القبائل واسس الحرس الوطنى من هذه القبائل حتى يكون ضمانا لبقاء مُلك آل سعود فى حاله انقلاب الجيش فى هوجه الثورات الناصرية التى اجتاحت العالم العربى فى الستينات .
وفى ظل ثروة البترول وفرت هذه الانظمه لشعوبها حياه الرفاهية مقابل الولاء للدولة
الا ان ثروة النفط الضخمه التى تدفقت منذ منتصف سبعيات القرن الماضى وحتى الان والتى وفرت لابناء هذه الدول قدرا كبيرا من الرفاهية الاقتصادية كانت الضامن للولاء بجانب ماذكرنا من علاقات النسب بدأت فى التراجع خلال االفتره من 2017 وحتى الان عندما وصل ترامب الى الحكم فى الولايات المتحده الامريكية وراى بعين رجل الاعمال ان دول الخليج وخاصة السعودية تملك احتياطيات نفطية كبيرة يجب ان تدفع جزء منها لامريكا نظير الحمايه
وتزامن هذا مع اختيار الامير محمد بن سلمان ولاية العهد لابيه الملك سلمان المريض لتبدا المملكة عهدا جديدا فى سياستها الخارجيه
كان اختيار الملك سلمان لابنه محمد يخالف نظام توارث الحكم فى الاسرة المالكه ويحصرها فى السديرية دون باقى افرع العائلة
واراد الامير الشاب ان يعلن نفسه رجلا قويا لاكتساب التاييد الداخلى
فعلى المستوى السياسى استعاد تيران وصنافير الى السياده السعودية ، ثم بدا فى مواجهه صريحه مع ايران فى اليمن معتقدا انها حرب لن تستمر الا عده اسابيع ويحقق فيها الانتصار لتخرج السعوديه على يديه من الحرب بالوكاله التى مارسها ال سعود طوال فتره حكمهم واغلبها التاليف بالاموال الى حرب عسكرية مكشوفة
وطالت حرب اليمن ... وزادت ايران من عنادها وبدأت استنزاف احتياطياتها النقدية لاكثر من 50% فى شراء الاسلحه وزياده التحالف مع امريكا
فى نفس الوقت بدأت التكنولويجا تلعب دورها فى تقليل الحاجه الى النفط باختراع بدائل له من الطاقه الشمسية وطاقه الرياح والطاقة النوويه وتقليل تكلفه استخراج البترول الصخرى
وبدأت السعودية تفكر فى مرحله مابعد النفط لتقليل اعتمادها على البترول اطلق عليها 20/30 ومنها زياده الضرائب والغاء الدعم على المنتجات البترولية ومشتقاتها ومنها الكهرباء
وبدا المواطن السعودى يشعر بان العقد الاجتماعى بينه وبين الدولة بدا يتهاوى ، فقد قل العطاء رغم الاستمرار فى المطالبه بالولاء ، وخنق اى صوت معارض
وحتى يرسخ محمد بن سلمان حكمة القادم بعد رحيل ابيه وبناء على مطالبه ترامب بالتغيير بدأ الامير حمله لاستقطاب الشباب والنساء فانشا الهيئة العامه للترفيه اقيمت من خلالها الاحتفالات وجلب المطربين والمطربات من كافه انحاء العالم لاحياء حفلات فى المملكة التى ظلت محافظة على تقاليدها منذ انشائها وحتى وقت قريب
واعتقل المئات من رجال الدين المعارضين علاوه على فصل الفين من أأمه المساجد
ووصل به الامر الى ملاحقات قانونية لعدد من كبار مسؤولي الدولة السعودية والعائلة الحاكمة وشخصيات اقتصادية شهيرة بتهم الفساد
وتضمن التقرير المقدم من اللجنة للملك استدعاء 381 شخصاً، وإجراء التسوية مع 87 منهم وإحالة 56 إلى النيابة العامة لاستكمال إجراءات التحقيق إضافةً إلى 8 أشخاص لم يقبلوا بالتسوية وأُحيلوا إلى النيابة العامة. وأعلنت السعودية استعادة 400 مليار ريال لخزينتها مابين اموال سائله واصول ثابته
وكان على راسهم الامير متعب بن عبدالله قائد الحرس الوطنى الذى ورث رئاسته عن ابيه الملك عبدالله وهو التحالف القبلى القوى الذى كان من الممكن ان يهدد عرش الامير محمد بن سلمان ، وضم الحرس الوطنى الى الجيش السعودى وارسله على الحدود مع اليمن
وكان ثانيهم المياردير الامير الوليد بن طلال ابن الامير طلال وهو من اكبر اولاد الملك عبدالعزيز الموجود على قيد الحياه
وكان اعتقالهم بمثابه انذار لباقى اعضاء الاسرة المالكة
لاشك ان الاداره العامه للترفيه ومنح المراه الكثير من الحريات التى كنت محرومه منها ومنها حق قياده السياره ومنحها الحق فى خلع العباءه السوداء والسفر وقضاء مصالحها فى داووين الحكومه بدون محرم وحريه العمل وممارسها نشاطها التجارى استطاع بهم الامير الشاب ان يستحوذ على نسبه كبيرة من الشباب والنساء ليكونوا ظهيرا له عندما يتولى المُلك
ولكن .... وبعد ان انهيار العقد الاجتماعى ( الولاء مقابل العطاء ) بدات العديد من المطالبات باصلاحات دستورية تطالب بعقد اجتماعى جديد يتمتع فيه الشعب بكافه حقوق المواطنه ليتم اعتقالهم وايداعهم السجون جميعا
الامير الشاب يسابق الزمن فى منح المزيد من حريات الترفيه والقضاء على الوهابيه المتجذره والقضاء على كل معارضه سواء للجنه الترفيه او المطالبين بحق المواطنه الكامله على الاقل فى ملكية دستورية
وبدأ صنبور اموال البترودولار الذى كانت تغدقه المملكة على شيوخ الاسلام فى كافة العالم الاسلامى يتوقف ، والاكثر من هذا انها اعلنت منذ يومين ايقاف اى دعم مادى للمساجد والمراكز الاسلاميه فى الخارج
وبدأ العديد من رجال الدين ومنهم عائض القرنى وامام المسجد الحرام يؤيدون اجراءات الامير الانفتاحيه ( وان رغمت انوفهم )
وسبق لى وان كتبت منذ اكثر من عامين سواء على الفيس بوك او فى منشوراتى او مقابلاتى الصحفية والتلفزيونيه ان قلت ان التغيير فى مصر سيبدأ من السعوديه ، لنرى ماقلته يتحقق الان من مراجعات اساطين السلفيه فى مصر وعلى رأسهم الحوينى وحسان وسعاد صالح يعتذرون عن فتاويهم الشاذه والمنغلقة والبقية فى الطريق
شكرا ترامب ... ورغم اعتراضى الكامل على حرب السعودية والامارت فى اليمن الا اننى اقول : شكرا محمد بن سلمان .