من وراء الارهاب الدولي (2-2)


خليل اندراوس
الحوار المتمدن - العدد: 6492 - 2020 / 2 / 15 - 21:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


تسعى الامبريالية الامريكية بشكل وقح وسافر للهيمنة، خاصة في امريكا اللاتينية، والتي تعتبرها ضيعة لها والدليل الساطع على ذلك الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد شعبي السلفادور ونيكارغوا في الماضي والآن ضد كوبا وفنزويلا. وفي الشرق الاوسط تسعى اسرائيل والولايات المتحدة وبتعاون مع الرجعية العربية وخاصة الآن من خلال بداية سياسات التطبيع مع بعض الدول العربية، وطرح ما يسمى صفقة القرن، الى تحقيق الهيمنة والسيطرة على كل فلسطين والهيمنة على عموم الشرق الادنى في ميدان "التنمية الاقتصادية والرقابة"، وهذا المشروع المؤامرة مطروح منذ عام 1964.

بعد الحرب العالمية الثانية سارت الولايات المتحدة – الامبريالية الامريكية – على نهج يرمي الى اقامة سيطرتها العالمية "باكس امريكانا" السلام الامريكي، فاختارت اسرائيل بصفة المخفر الامامي الرئيسي في منطقة الشرق الادنى، مع تعويلها في الوقت نفسه على استغلال الانظمة الرجعية العربية، وهذا النهج مستمر حتى الآن ويلقى الدعم من جانب حكومات اسرائيل وزعماء الحركة الصهيونية العالمية، والرجعية العربية والوهابية السعودية، كل هؤلاء مدافعون بحماسة عن المصالح الامبريالية العالمية ومصالح طبقة رأس المال العالمي وشركات النفط العابرة للقارات العالمية – الاتجار بدم الشعوب من اجل النفط – وشركات صناعة السلاح، والساعون كذلك الى تحقيق مصالحهم الخاصة في المنطقة، وبالنسبة لاسرائيل قوام هذه السياسة بناء باكس اسرائيليا (السلام الاسرائيلي) في الشرق الادنى، وبرأيي هذا هو الهدف الاساسي والمركزي لصفقة القرن التي يطرحها المأفون العنصري اليميني خادم الحركة الصهيونية العالمية الرئيس الامريكي ترامب.



فور تشكيل دولة اسرائيل حدد وزير الدفاع الامريكي جونسون طابع العلاقات الامريكية - الاسرائيلية كما يلي: "اسرائيل مهمة من الناحية الاستراتيجية وعلينا ان ندعمها" وفي عام 1952 قال شاريت وزير خارجية اسرائيل في ذلك الوقت "ان اشتراك اليهود الامريكيين اشتراكا نشيطا في بناء بلادنا مشروط بإدراج السياسة الخارجية الاسرائيلية في سياسة واشنطن العالمية". وفي عام 1973 اعربت رئيسة وزراء اسرائيل غولدا مئير عن رأيها بمزيد من الدقة، فقد قالت ان اسرائيل "هي فعلا ضامنة لتوطيد المصالح الامريكية في هذه المنطقة (الشرق الادنى) والخط الاول للدفاع عن المصالح الامريكية في حوض البحر الابيض المتوسط".

وفي عام 1951 وخلال زيارته للولايات المتحدة في ايار عام 1951 صاغ بن غوريون على المكشوف موقف الحركة الصهيونية واسرائيل حيث صرح يقول: "ان اسرائيل قد كانت على الدوام وستبقى الى جانب الدول الغربية". ومنذ قيام دولة اسرائيل تقوم واشنطن بتمويل اسرائيل بعشرات مليارات الدولارات، يذهب اعظمها في اتجاه تمويل قدراتها العسكرية العدوانية ودعم سياسات الاستعمار الكولونيالي لاسرائيل في الضفة الغربية. وهكذا اصبحت اسرائيل وسيلة من الوسائل الاساسية للضغط السياسي والاقتصادي والعسكري على دول الشرق الاوسط.



ان استراتيجية اسرائيل التي رسمت منذ قيامها والتي تطبق الآن بطرائق واساليب اكثر عدوانية وصفاقة وتغطرس تنطلق من ان الدولة اليهودية التي تشكل قسما مكونا من الغرب هي "واجهة الدمقراطية الغربية" والحقيقة هي واجهة الارهاب الغربي وخاصة الامريكي في غرب آسيا، وهذا التحالف الارهابي الوثيق للغاية مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة، يراد منه ان يسهم في تحقيق خطط الهيمنة الامبريالية الصهيونية على غرب آسيا.

وفي فترة الحرب الباردة التي مارسها الغرب وخاصة الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتي، مارست اسرائيل كدولة سياسات العداء ضد الشيوعية والاتحاد السوفييتي فمثلا قال اشكول رئيس حكومة اسرائيل في الستينيات من القرن الماضي، للرئيس الامريكي جونسون "ان اسرائيل قوية وهي العامل الوحيد الذي يمكن الولايات المتحدة الامريكية من الحيلولة دون استمرار تعاظم مكانة الاتحاد السوفييتي في الشرق الادنى". وهذا ما اكده حزبنا الشيوعي في المؤتمر الثامن عشر، "بان العداء للشيوعية والعداء للاتحاد السوفييتي هما الخط الرسمي للسياسة الخارجية الاسرائيلية"، هكذا كان الحال في ظل حكومات "مباي" والمعراخ، وهذا هو الحال بقدر اكبر في ظل حكومات الليكود وخاصة الآن في ظل اليمين الليكودي المتطرف برئاسة نتنياهو، ان العداء للاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت كان حجر الاساس للعلاقات الخاصة بين اسرائيل والامبريالية الامريكية.



وفي ذلك الوقت لم تحتفل اسرائيل بذكرى النصر على النازية، فقط الحزب الشيوعي وحركة الصداقة مع الاتحاد السوفييتي قاموا بإحياء هذه الذكرى. ويأتي الرئيس بوتين ويشيد بان اسرائيل تعترف بدور الجيش الاحمر في هزيمة النازية، ناسيا بان من اقام النصب التذكاري في نتانيا والقدس هم ممثلو حركات صهيونية الذين خانوا بلادهم (أي الاتحاد السوفييتي) وهاجروا الى اسرائيل وتقوم روسيا بوتين وتعترف بهم كمواطنين روس وتدفع لهم "معاشات" شهرية. ومن شارك في ذكرى النصر على النازية قبل سنتين في غابة الجيش الاحمر في القدس من ممثلي الحركة الصهيونية رفضوا رفع العلم الاحمر ورفضوا ان تكون كلمة لممثل السفارة الروسية في تل ابيب، وبعد عدة ايام كان نتنياهو مع بوتين في الساحة الحمراء يسيران تحت العلم الاحمر المرفوع في الساحة الحمراء في موسكو، واليوم هناك لجنة خاصة للمؤسسات والوزارات الحكومية الاسرائيلية والتي تنسق العلاقات مع روسيا يترأسها عضو الكنيست المهاجر من روسيا من مدينة خاركوف، عضو الكنيست اليميني المتطرف زئيف إلكين. وهذه السياسة غير الحازمة وغير الواضحة التي تمارسها روسيا تجاه سياسات اسرائيل في المنطقة وخاصة تجاه الاعتداءات العسكرية المتكررة ضد سوريا لن تعود بالفائدة لا لمصالح روسيا في المنطقة ولا لمصالح محور المقاومة في منطقة غرب آسيا.

اسرائيل خاصة في المرحلة تحولت الى "بروسيا الشرق الادنى"، فسياسات اسرائيل في تاريخها لم ترفض مرة الاختيار في صالح الحرب والعدوان والاحتلال، وبدعم الولايات المتحدة والارهاب الامريكي . والولايات المتحدة خلال تاريخها الحديث تكشف بصورة كاملة المحاولة الامريكية لممارسة المعايير المزدوجة في قضية مكافحة الارهاب والتدخل الفظ والمتغطرس في شؤون الدول حول العالم من امريكا اللاتينية الى غرب آسيا بحجة كاذبة تطلق عليها اسم "حقوق الانسان".

الولايات المتحدة التي تزعم انها "حارس حقوق الانسان"، تركت المجتمع الامريكي يواجه المشاكل المتفاقمة المتمثلة في تفوق العرق الابيض والتمييز العنصري وانتشار الاسلحة النارية وغيرها، وحتى رئيسها المأفون ترامب بات يدلي بتصريحات سافرة تتميز بالعنصرية والشوفينية والغطرسة وكره الاجانب، وقيام الولايات المتحدة ببناء جدار عازل بينها وبين المكسيك لأكبر دليل على ذلك، ومنذ وصول ترامب الى الحكم لا بل قبل ذلك في فترة حكم بوش الابن، اتخذت اجراءات معادية للمسلمين الامر الذي زاد من حدة التناقضات بين الاقليات القومية داخل الولايات المتحدة. ووفقا لاستطلاعات الرأي فان 42% من الامريكيين قلقون للغاية بشأن العلاقات العرقية، بينما يرى 75% من السكان المسلمين انه يوجد في المجتمع الامريكي تمييز شديد ضد المسلمين وفي السنوات الاخيرة شنت الادارات الامريكية حروبا ارهابية في افغانستان والعراق وليبيا والمؤامرة الارهابية على سوريا، وحرب التحالف السعودي المدعوم امريكيا على اليمن، واماكن اخرى في العالم بحجة "حماية حقوق الانسان" او منع العراق من امتلاك السلاح النووي، هذا الادعاء الكاذب مما اسفر عن مأساة انسانية متمثلة في الوطن المفكك والعائلة المشتتة بدلا من احلال السلام.



والولايات المتحدة مع اسرائيل والوهابية السعودية تقوض بشكل خطير التعاون الدولي لمكافحة الارهاب وبعد حادثي تكساس واوهايو في الولايات المتحدة ارتفعت اصوات تندد بسياسات ترامب وذهبوا لحد اتهامه بـ "تغذية" هذا الارهاب. ووصف ترامب مجزرة آل باسو ب "العمل الجبان" من دون ان يتطرق الى الدوافع العنصرية ومفاهيم تفوق العرق الابيض ومفاهيم المحافظين الجدد – كهنة الحرب – المسيطرون على الادارة الامريكية وخاصة في فترة رئاسة ترامب.

ان الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة هو السعي للمحافظة على الهيمنة الامريكية في العالم، واسرائيل في المنطقة، حتى ولو كان تحقيق هذا الهدف يتم من خلال اعمال ارهابية مثل دعم داعش في سوريا والعراق، ودعم حرب التحالف السعودي ضد شعب اليمن، ودعم سياسات اسرائيل العدوانية المتغطرسة، وفرض ما يسمى بصفقة القرن على الشعب الفلسطيني بدعم الرجعية العربية الوهابية.

** مراجع المقال:

من وراء الارهاب الدولي وثائق شهادات، وقائع

سيناريو لحرب عالمية ثالثة كادت اسرائيل ان تكون مسببة لها – اوليغ غرينيفسكي

الصهيونية على حقيقتها – دادياني

امريكا صانعة التطرف – د. محمد بن علي الهرفي