كان رمزا إنسانيا كبيرا للنضال ضد العنصرية / قبل 30 عاما نال نيلسون مانديلا حريته


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 6490 - 2020 / 2 / 12 - 23:46
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

بعد 27 عاما في سجون نظام الفصل العنصري، غادر نيلسون مانديلا في 11 شباط 1990 ليستعيد حريته، وليقود شعبه في بناء نظام ديمقراطي تقدمي على أنقاض نظام العنصرية والقمع والاستغلال، الذي شيده رأسماليو الأقلية البيضاء.
وعلى طول الطريق الذي قطعه موكب مانديلا من السجن إلى وسط مدينة كيب تاون، عبر اقطاعيات البيض الخصبة، والمخصصة لزراعة عنب النبيذ، وقف أنصار المؤتمر الوطني الأفريقي على الرصيف مرحبين بالقائد المنتصر. وفي وسط المدينة، وفي حي البيض التجاري، حيث كان يُسمح للسود عادة بالقيام بأعمال الخدمة، تجمع 100 الف مواطن امام مبنى البلدية. وقد خاطب مانديلا الجموع من شرفة المبنى الاستعماري بعبارة "لقد حان الوقت لتعميق النضال". لقد كانت لحظة تاريخية: كانت سلطة الفصل العنصري لا تزال تحكم جنوب إفريقيا، ومع ذلك بدا واضحا في ذلك اليوم أن حركة التحرر الوطني لا يمكن وقفها.
وقيل أسبوع من الحدث، أعلن رئيس جنوب افريقيا فريدريك ويليم دي كليرك الخطوة الأولى نحو إضفاء الطابع الديمقراطي على البلاد. وبأثر فوري أعلن في 2 شباط رفع الحظر المفروض على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وحليفه الحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا وعدد من المنظمات السياسية الأخرى. وبدى الإعلان مفاجئاً، ولكنه ليس كذلك، فوراء الكواليس، كانت تجري منذ سنوات، مفاوضات في شأن الانتقال الديمقراطي بين السلطة العنصرية وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وكان سلف دي كليرك، بيتر فيليم بوثا، الذي كان يطلق عليه "التمساح العظيم" لقمعه الوحشي للأغلبية السوداء وقتل مناهضي نظام الفصل العنصري بلا ضمير، قد أعلن بالفعل في كانون الثاني 1985 أمام البرلمان، أنه يريد الإفراج عن مانديلا ولكن شرط ان يتخلى عن الكفاح المسلح ويعود إلى بلدة كونو الريفية التي نشأ فيها. واستند بوتا على مبادرة من الرئيس الأمريكي الاسبق رونالد ريغان، الذي أصدر في أواخر عام 1983 تعليماته لمستشاره روبرت كابيلي بالقيام إصلاحات شكلية أولية لنظام الفصل العنصري في اجتماع مع قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في المنفى.
لقد أسقط مانديلا هذه المحاولة المكشوفة، رافضا إطلاق سراحه المشروط، واكد في رسالة قرأتها ابنته زيندي مانديلا في 10 شباط 1985 في تجمع الجبهة الديمقراطية المتحدة، وهو تنظيم علني ورديف للمؤتمر الوطني الافريقي. انه عضو في المؤتمر الوطني الأفريقي وسيظل كذلك حتى وفاته. وتساءل في رسالته "اية حرية تعرض علي، عندما يستمر منع نشاط منظمة الشعب؟" وأضاف: "الناس الاحرار فقط، يمكنهم التفاوض". وفي اعقاب هذه الرسالة الثورية، وفي نفس العام، بدأت محادثات مانديلا الأولى مع وزير العدل هندريك جاكوبس "كوبي" كوتسي، باعتباره مبعوثا للرئيس، والتقى مانديلا في سجنه الوزير عدة مرات. ورفض مانديلا بشكل قاطع أحد اهم مطالب النظام الداعي لأنهاء تحالف المؤتمر الوطني الافريقي مع الحزب الشيوعي في جنوب افريقيا. وعكست هذا الرفض مقاطع من الرسالة التي ارسلها مانديلا الى الرئيس قبل ان يلتقيه، لأول مرة في عام 1989. وشدد المناضل السجين على: "أي رجل شريف يمكن أن يتخلى عن صديقً دائم تنفيذا لأمر عدوهما المشترك، دون أن يفقد احترام شعبه؟"
لقد استمر التحالف بين الطرفين حتى يومنا هذا. ويشكل وجود الحزب الشيوعي الى جانب اتحاد نقابات العمال في التحالف الحاكم الضمانة الرصينة، للحفاظ على الجوهر التقدمي للبلاد، امام محاولات الرأسمال ومافيا الفساد، منذ منتصف الثمانينيات لافساد قيادات في المؤتمر الوطني الافريقي، وجرها الى الضفة الأخرى.

محطات

ولد نيلسون مانديلا في 18 تموز 1918 في منطقة ترانسكاي وأطلق عليه والده اسم "روليهلاهلا" أي المشاكس. وفي سن مبكرة طرد مانديلا من جامعة فورت هار للسود بسبب خلاف حول انتخاب ممثلي الطلاب.
وفي جوهانسبرغ التحق المحامي الصاعد الذي يعشق الملاكمة، بحزب المؤتمر الوطني الإفريقي وأسس مع أشخاص آخرين رابطة الشباب في الحزب. وفي عام 1948 تولى مانديلا رئاسة الحزب وأصبح الخصم الأول للسلطة التي تطبق نظام الفصل العنصري. واعتقل الزعيم الإفريقي المعروف باسم "ماديبا" (العظيم المبجل) مرارا، وصدر أول حكم ضده عام 1956
وبعد عام قاد مانديلا النضال المسلح واعتقل وحوكم في سنوات (1963ـ 1964). وصدر عليه حكم بالسجن المؤبد. يومها أعلن مانديلا مبدأه بالقول "إن مثلي الأعلى كان مجتمعا حرا وديمقراطيا يعيش فيه الجميع مع فرص متساوية (...) إني مستعد لان أضحي بحياتي في سبيل ذلك".
وفي 27 نيسان 1994 أصبح مانديلا اول رئيس اسود في جنوب افريقيا، وأعلن عزمه على بناء "امة تعيش بسلام في الداخل ومع العالم". وأضحى نيلسون مانديلا رمزا عالميا للحرية والمصالحة.