العودة الى لينين 9


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6488 - 2020 / 2 / 10 - 20:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

وبشكل أكثر تحديداً، يقول Lih في كتابه الضخم والوارد الذكر في الحلقة السابقة، المؤلف من 800 صفحة, على أساس اقتباسات من كتاب لينين "ما العمل؟" واعمال لينين التي سبقته, أن كارل كاوتسكي, بابا pop الاشتراكية الديمقراطية كما يسميه العديد, مارس تأثيرا حاسما على لينين الشاب عند دخوله معمعان النضال الثوري. احد الدلائل الرئيسية لذلك هو ترجمة لينين في عام 1894 لاكثر كتابات كاوتسكي شهرة, "برنامج إرفورت"
The Erfurt Program
https://www.marxists.org/history/international/social-democracy/1891/erfurt-program.htm

تبني الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني برنامج إرفورت خلال مؤتمره في إرفورت في عام 1891. تم كتابة البرنامج من قبل كاوتسكي وكان المؤتمر باشراف سياسي من قبله اضافة الى إدوارد برنشتاين وأغسطس بيبل, حيث حل محل برنامج غوتا السابق (نسبة الى المدينة التي عقد فيها المؤتمر في عام 1875). البرنامج يشار اليه عادة بانه تجسيد للماركسية المبتذلة, ماركسية الاممية الثانية, وقد انتقد انجلز صديقه كاوتسكي بسسب "انتهازيتة". أعلن البرنامج الموت الوشيك للرأسمالية وضرورة الملكية الاشتراكية لوسائل الإنتاج. اعتزم الحزب متابعة هذه الأهداف من خلال المشاركة السياسية القانونية بدلاً من النشاط الثوري. كان كاوتسكي, في الوقت نفسه, معاديا لرديكالية روزا لوكسمبورغ ولاصلاحية بيرنشتاين. جادل كاوتسكي بأن الرأسمالية, بحكم طبيعتها ذاتها, سوف تنهار, ولذا إن المهمة المباشرة للاشتراكيين هي العمل من أجل تحسين حياة العمال بدلاً من الثورة, التي هي حتمية, وهو شئ مشابه لما يزعمه بعض الستالينيين الآن الذين ينفون ضرورة النضال الثوري, او النقابي (او حتى ضرره!), بحجة انه ليس من شئ يمكن النضال ضده, وزعمهم بموت الرأسمالية يصبح وجه العملة الآخر لانتصار الرأسمالية النهائي كما بشر به فوكوياما, حيث تصبح نهاية الحرب الباردة صنوا لنهاية التاريخ, التاريخ طبعا بعرف هيغل الذي ينبغي, كي يكون تاريخا, ان يحتوي الاطروحة والاطروحة النقيض من اجل تحقق الفكرة المطلقة التي تجسدت في (ديكتاتورية) الدولة البروسية وقتها, وهو شئ يذكرنا بعض الشئ بشوفينية هيغل. وبالتالي, حسب منطق هؤلاء المبشرين بحتمية بزوغ عصر الاشتراكية دون ايما نضال, على الشيوعيين ان يسلكوا سلوك المبشرين اللاهوتيين وان يكتفوا بانتظار قدوم الاشتراكية لتطرق الباب فنسمح لها بالدخول ونرحب بها اجمل ترحيب, او ان يقوموا بالدعاء للرب او من يقوم مقامه بتعجيل قدومها كتعجيل ظهور المسيح او المهدي, حيث يقتصر دور الشيوعيين على حمل الشعلة الاولمبية الوقاد, واحالة امميتهم بالتالي الى كوزموبوليتة تذكرنا باهداف الثورة الفرنسية (البرجوازية) في الحرية والإخاء والمساواة, والاكتفاء بالتبشير فقط برسالتهم في تحرير البشرية من كل ظلم واستغلال لحين حلول اليوم المحتوم. وهو امر بالطبع مناف لتوصيف ماركس للفلسفة الماركسية بكونها اداة لتغيير العالم وليس فقط تفسيره. والناس هنا بالطبع من حققها التساؤل: ما حاجتنا الى الشيوعيين اذا كان كل ما يقدمونه هو الوعود المعسولة والدعوة الى انتظار انتصار الحق على الباطل؟ اليس هذا موعظة اخلاقية كاحدى, لمن هم من قاطني منطقتنا, مواعظ (اشتراكية) الاديب المصري الراحل مصطفى لطفي المنفلوطي, هذا رغم ان المنفلوطي افضل بكثير من هؤلاء الستالينيين, الذين يسبحون بفضائل الاستعمار, حيث ان المنفلوطي في مقالته "محاكمة روزفلت امام محكمة العدل" شجب مزاعم الرئيس الامريكي روزفلت بضرورة الاستعمار وعدم قدرة لا المصريين ولا السودانيين على حكم انفسهم؟ كما واني لا اريد ان اكرر هنا ما قلته مرارا سابقا في ان هؤلاء يحيلون الشيوعية, كصيرورة وسيرورة, الى اسم للجماد ويرتكبون خطأ منطقيا, بعرف الفيلسوف الفريد نورث وايتهيد, ويساوون بالتالي بين الحياة والموت. ويبدو ان الفيلسوف والمحلل النفسي, جيجيك, في مقابلته, رغم استشهاده بالفيلسوف وايتهيد, يرتكب نفس الخطأ عندما يقول "ان الشيوعية اليوم ليست الحل وانما اسم المشكلة", وذلك ايضا رغم قوله ان الفلاسفة العظماء بالنسبة له هم افلاطون, ديكارت وهيغل, لكونهم "فلاسفة الحدث".
-الشيوعية ليست الحل ولكنها المشكلة: حوار مع سلافوي جيجيك-
https://hekmah.org/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%AC%D9%8A%D8%AC%D9%83-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1/

ولذا اني اميل الى الاتفاق بعض الشئ مع ما يسميه جيجيك "البروتوفاشية" للاشارة الى توصيف اعداءه له ولعموم الستالينيين. فحمل الشعلة الاولمبية (الكوزموبوليتية) تذكرنا بآلهة جبل أوليمبوس وبروميثيوس الذي, حسب الاسطورة الاغريقية, سرق النار واعطاها للبشر لخلق الحضارة, فعاقب زيوس, ملك الآلهة الأوليمبية, التيتاني بروميثيوس بالعذاب الأبدي بسبب فعلته. وبهذا الصدد, تقول المؤرخة في متحف الولايات المتحدة، ومؤلفة كتاب "أولمبياد النازية: برلين 1936", سوزان‎ باكراك، "إنّ´... الشعلة كانت تُضاء في الألعاب القديمة، لكنهم لم يعتمدوا أيّ شيء يُشبه تماماً عمليّة حملة الشعلة سابقاً. أما الطقوس اليوم فتتمثل بمقبض شعلة برلين الضخم الذي صنعته شركة كروب، وهي نفسها الشركة المصنّعة للأسلحة التي أنتجت أسلحة للألمان في الحرب العالمية الثانية، والتي ساهمت في ارتكاب الكثير من الجرائم البشعة".
The Nazi Olympics Berlin 1936
by Susan D. Bachrach
https://www.goodreads.com/book/show/2388650.The_Nazi_Olympics_Berlin_1936

وتكون الالعاب الاولمبية بمثابة رأسمال سياسي!
The Games as Political Capital
Nazi Olympics Tangled Politics and Sport
https://www.npr.org/templates/story/story.php?storyId=91246674&t=1581343533999
ونفس الشئ ينطبق على صنوها السياسي الذي يجرد الماركسية من ثوريتها كفلسفة عمل ويحيلها الى جثة هامدة, فلسفة تفسير!

في مشروع برنامج الاشتراكية الديمقراطية الروسية الذي كتبه لينين في عام 1899 يقول: "لا نخشى القول إننا نريد تقليد برنامج ارفورت" (الاعمال الكاملة, 4: 235). المهم أيضًا بالنسبة ل Lih هو اقتباس لينين الطويل في لينين "ما العمل؟", والمثير للجدل بتقدير البعض, لكاوتسكي, في أن "الوعي الاشتراكي يٌدخل في الطبقة البروليتارية من الخارج" (الاعمال الكاملة, 5: 384). هذا هو الدليل الذي يستخدمه Lih لتبرير تسميته للينين ب "الارفوري الروسي" Russian Erfurian!
يتبع