الأكاديمي حين يخطئ


فرات المحسن
الحوار المتمدن - العدد: 6491 - 2020 / 2 / 13 - 09:46
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

فارس كمال عمر نظمي أستاذ جامعي عراقي، وكاتب وباحث و ناشط في عدد من منظمات حقوق الإنسان. في ديباجة وتغريده مطولة له في صفحته على الفيسبوك، قدم رؤيته لثلاثة ملامح سياسية تتعلق جميعها بالحزب الشيوعي العراقي. الأولى كانت استذكارا لجريمة 8 شباط الأسود والثانية تتعلق بالشيوعيين الميدانيين مثلما سماهم، وهم في قلب الحراك الثوري التشريني...! والملمح الثالث خصه للرد على من يعارض أو ينتقد سياسة الحزب الشيوعي، وبالذات تحالفه مع التيار الصدري ودخوله كتلة سائرون.

لا بأس فمن حق الجميع بل أراه واجبا وباسم الإنسانية وروح التضامن استذكار واستنكار جريمة كبرى اقترفت من قبل قطعان ضباع حزب البعث عام 1963 في 8 شباط الأسود، وهي مناسبة تستحق أن تقرن في هذا اليوم للإشادة بنضال الحزب وما قدمه من تضحيات على مذبح الحرية والكرامة الإنسانية.

وفي الملمح الثاني وضع الأكاديمي المختص بعلم النفس والديمقراطية فارس كمال عمر نظمي توصيفا للشيوعيين واليساريين بشطرهم وتصنيفهم لفئتين متقابلتين متخاصمتين، الأولى العاملة في ساحات الوطن والمشاركة بفعالية وقوة في العمل اليومي، وبالذات بعيد اندلاع انتفاضة أكتوبر العراقية، وسماهم الميدانيون أي من العاملين في ساحات الاعتصام، وهو توصيف جيد ومناسب. ولكنه وضع توصيف أخر عزل فيه الشيوعيين واليساريين الآخرين وبالذات من هم في بلدان الشتات وخص منهم الذين يوجهون النقد أو لديهم اعتراض على بعض سياسات الحزب، وسماهم الفئة الخاملة والكيبورديون أي من يستخدم الكومبيوتر لتمرير أفكاره،" وهم من يعيش في المنافي الدافئة من الذين يبحثون عن دور مفقود أو هوية بعثرتها الأيام، ويتميزون بالتحامل الشخصي وبؤس الثقافة النظرية. ويحاولون التذاكي الأيديولوجي الديماغوجي عبر التلاعب السمج بالمفردات والأفكار والمفاهيم."

فيما طرحه حول الميدانيين فأنا اطري مديحه لنضال الحزب ومسيرته التاريخية، وأوافقه جدا فيما ذهب إليه من مشاكل ومصاعب تعترض طريق الحزب، وكان الإطناب في المديح ينعش النفس ويفرحني جدا. ولسلمنا هنا بأنه أستاذ أكاديمي يحمل بالعلن ويضمر بالخفاء ذات المفاهيم ؟؟!! التي أهلته ليكون عضوا في العديد من منظمات المجتمع المدني، ومثلها منظمات حقوق الإنسان، وأستاذ جامعي يملي على تلاميذه مفاهيم ومبادئ الحريات الديمقراطية ومعارف النبالة في التعامل الإنساني وكره الديماغوغيا والثقافات البائسة. ولكن الرجل حاله حال البعض من ضعاف الحجة، استفزته جملة أو رسالة ذُكرت فيها عيوب نظريته حول الكتلة التاريخية، وما قدمه من تنظيرغرائبي غير مقنع عن الحراك الجماهيري والانتفاضة والتحولات المجتمعية، أو حين ذكر اسمه في رسالة نقد مؤدبة لم تتوافق وتفكيره ومزاجه الشخصي. فخرج عن كياسته وراح يوجه نقد حاد بأسلوب هجومي غريب، وبذات الوقت مؤذي ومؤلم لجميع الفئة الثانية من الشيوعيين واليساريين، وبالذات منهم من انتقد تحالف الحزب الشيوعي مع التيار الصدري، وما تمخضت وآلت إليه الكتلة التاريخية التي سميت ب( سائرون) والتي زج قادة الحزب الشيوعي حزبهم في إتونها وبات بعضهم اليوم يلوم نفسه بالخفاء ، ولأفصح عنها علنا، لولا مشاعر العزة بالإثم.

لم يورد الحزب الشيوعي في تلميحه أو حديث أو بيان ما يدفع بما يشبه التوصيف والعبارات التي قدمها فارس للذين انتقدوا تحالف الحزب مع التيار الصدري، بل العكس كان صدر الكثير من قادة ورفاق الحزب أرحب من صدر الأكاديمي المدافع العنيد عن الحريات الديمقراطية فارس كمال..

والغريب إن فارس يعيب على الشيوعيين واليساريين من الذين هم خارج العراق عدم تواجدهم ومشاركتهم في الانتفاضة وساحات الاعتصام فيقول " هؤلاء يستميتون للبحث عن دور مفقود أو هوية غائبة بعثرتها الأيام، عبر محاولة إظهار أهميتهم المفقودة بتبخيس قيمة الآخرين الفاعلين حقا في الميدان، مستخدمين منصات التواصل الاجتماعي لممارسة التشهير التسقيطي لبعض الأسماء أو التكفير الأيديولوجي الضمني، دون أن ينتابهم أي شعور بالذنب يدفعهم لترك حياتهم المستقرة والالتحاق بالميدان حيث قنابل الغاز والرصاص الحي والتغييب وغرف التعذيب.

من يسمع هذا الكلام أو يقرأه سوف يعتقد بأن فارس كمال نظمي له أهمية نضالية يومية،وهوية ثابتة، فهو سائق عربة تك تك وسط ساحة التحرير وأحيانا ينقل الجرحى إلى الطبابة في ساحة الخلاني، ولذا جرح عدة مرات!!!؟؟، وامتلأ فمه وانفه بالغاز المسيل للدموع وترى وجهه معفر بالسبخ والدخان الأسود، وأحيانا يهرول بين الحشود للعمل كصائد للقذائف التي يطلقها جيش السلطة، وتعرض للاعتقال والتعذيب ، وفي نهاية اليوم المضني يروح يلف ويدور بين خيم المعتصمين بحثا عن لقمة يسد فيها جوعه وهو الهارب المتخفي من الملاحقة منذ ولدته أمه لحد جلوسه عند رصيف نفق ساحة التحرير في يوم أغبر أكشر، والذي لا أظن أن قدميه قد وطئتاه يوما.

أنت في بيتك الدافئ في اربيل ولديك إقامة في بلد أوربي بعد أن تركت العراق مثل الكثيرين بسبب سياسات حزب البعث، لذا تتماثل مع من سميتهم فاقدي الأدوار والهوية الوطنية التي مزقتها الأيام في الغربة..

أعجب منك حين تتطرق لمثل هذه الأمور الخاطئة رغم أنها تماثل حقيقة وضعك الشخصي بكل تفاصيله. وأنت تعرف جيدا إن في الغربة الكثير من منتقدي تحالف الحزب وبالذات من الشيوعيين الملتزمين واليساريين المستقلين، الذين لم ينالوا ترافة العيش، وهم كانوا ولازالوا أكثر حصافة بالمنطق والتروي بالأحكام، في نقدهم لكتلتك التاريخية وتحالف سائرون، وتراهم دائما يتجاوزون بسماحة ورفعة أخلاقهم وسلوكهم النضالي السابق والحالي جميع ما سطرته من ادعاءات وتجاوزات خاطئة لا تليق بك كأكاديمي.