مقدمة كتاب الثالوث المحير: الله الدين العلم


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 6481 - 2020 / 2 / 3 - 14:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

منذ فجر البشرية وإلى يوم الناس هذا كان هذا الثالوث يثير الخوف والخشية ، وفيه طرفين يدعيان امتلاك الحقيقة المطلقة بينما يعمل الثالث على اكتشاف الحقيقة النسبية القابلة للتغيير والتطور كلما تقدمت التكنولوجيا والنظريات العلمية. ولكن هل توجد حقاً " حقيقة مطلقة؟" فالإله يأخذ أشكالاً وتعاريف وماهيات وصفات مختلفة من طرف لآخر، و لا ندري إن كان موجود حقاً أم هو مجرد فرضية أو ضرورة سيكولوجية أوردتها الأديان والمعتقدات البشرية وعزتها لذات متعالية متسامية أسمتها الله ، وبكل لغات الأرض. أما الدين فقصته أكثر غموضاً وخطورة. فلقد حكم وسير سلوك البشر وما يزال منذ آلاف السنين، وأوجد مؤسسات دينية أفرزت كافة أنواع الشرور والعنف والحروب والبطش والقتل الوحشي والتكفير والسيطرة على عقول البشر بإسم الإله أو الرب أو الله ، أما الطرف الثالث فهو ما يزال يحبو ويجرب ، يفشل هنا وينجح هناك، على نحو نسبي، ويسعى إلى تحسين الوعي البشري والبحث عن أجوبة للأسئلة الكبرى التي تطرحها الإنسانية على نفسها. عن الأصل والمصير، عن المستقبل والمآل الذي ينتظر البشرية، ويبقى صعباً على الإدراك والفهم العام فيما عدا نخبة قليلة من العلماء، ويواجه دوماً جملة من التحديات والظواهر التي يعجز عن فهمها وتفسيرها ومنها أصل الحياة وسرها. ما معنى الحياة؟ أو ما معنى وجودنا بشكلٍ عام؟ من الوهلة الأولى يبدو أنه سؤال ينتمي إلى حقل الفلسفة والدين والفكر المجرد، ولا علاقة له بالعلم. لكن الكثير من موضوعات الفلسفة والدين صارت تقع الآن تحت طائلة العلم، وبالأخص علم الفيزياء. وما هذا الكتاب سوى محاولة متواضعة للغوص في هذه الأقانيم المجهولة لإيقاد شمعة في ظلمة الوجود.
كانت نقطة انطلاق هذا الكتاب جملة نشرها الروائي والشاعر والفنان برهان شاوي يقول فيها على لسان أبطال متاهاته "أن العدم موجود وهو الذي أوجد الوجود..والوجود إحدى إشاراته ودليل وجوده..وليس كما يعتقد البعض..العدم العظيم اللامتناهي هو الله في الأديان..لكنه خارج توصيفاتها له وتجسيداتها الغبية له وأوصاف طرق الخلق..حتى وإن صدر كل هذا عن حسن نية وتبجيل". لقد تعلمنا في المدرسة في درس الفيزياء في أواسط القرن العشرين " أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث، أو تخلق، من العدم"، وهذا قانون علمي فيزيائي لا يمكن دحضه أو الطعن به. وتعلمنا أيضاً أن المادة والطاقة وجهان، أو حالتان " لجوهر" واحد ، ويمكن تحويل إحدهما إلى الأخرى . ثم عرفنا فيما بعد أن هناك عدة حالات للمادة وعدة أنواع من المادة والطاقة ، فهناك المرئي منهما وهناك المظلم أو الأسود أو المعتم أو الداكن أو اللامرئي ، وإذا كان غير مرئيا فهذا لا يعني أنه غير موجود. فهناك المادة التي نعرفها وهناك المادة المضادة التي نعرف بوجودها ويمكننا إنتاجها في المختبرات لكنها غير متوفرة في حياتنا اليومية و لا نعرف عنها الكثير، وهناك الطاقة التي نعرفها بكل أشكالها، وهناك الطاقة السوداء أو المعتمة أو المظلمة التي تقف وراء ظاهرة التوسع الكوني .وهناك الوجود ، بمفهومه العلمي وبمفهومه الفلسفي وبمفهومه اللاهوتي أو الثيولوجي، وهذا المفهوم الأخير يفرض علينا الإيمان والاعتقاد بموجد لهذا الوجود ، ولكن المعضلة هي في ظاهرتي الزمن والمكان ، أو الزمكان ، كما أسماه آينشتين مبدع النسبية العامة والخاصة، فهل هذا " الموجد" للوجود موجود؟ وأين يمكن أن يتواجد؟ هل في المكان الذي نعرفه بأبعاده الهندسية الإقليدية المألوفة؟ هل هو داخل الوجود أم خارجه ، أو في مكان آخر؟ وهل هو موجود قبل الوجود؟ ومنذ متى؟ هل هو موجود في نطاق الزمن الذي نعرفه أم في زمن آخر كان موجوداً قبل عملية الخلق؟ وماذا كان يفعل قبل عملية الخلق؟ وهل كان لديه الخيار في خلقه للعالم؟ فهناك زمان كوني وزمان وجودي وزمان نسبي وزمان مطلق الخ..، وفق هذه الرؤية الميثولوجية. وهناك الكون المرئي الذي نعرفه وندرسه ونتعاطى معه بأدوات علمية ورياضياتية، وهناك ما قبل هذا الكون المرئي ، المعروف فيزيائياً بما قبل الانفجار العظيم أو ما قبل البغ بانغ، ما يعني وفق منطق الفيزياء أنه لا بد من وجود ما هو أكبر وأسع واشمل من الكون المرئي كما تقول أطروحة تعدد الأكوان ،أي أن هناك حيز مطلق لا حدود له و لا بداية ولا نهاية له، وهذا الحيز المطلق هو الذي يحتوي كل ما هو موجود بما في ذلك كوننا المرئي ، و معه الأكوان المتعددة ، اللامحدودة أو اللامتناهية العدد ، ولو اعتبرنا أن هذا " المطلق الوحيد" حي واعي وفي حالة حركة دائمة وتجدد مستمر منذ " الأزل" وإلى " ألأبد" أو إلى ما لا نهاية، فيمكننا اعتباره " الله" وفق المنطق الرياضياتي العلمي ولكن ليس في صيغته الميثولوجية لأنه لم يخلق ولا يخلق، وهو الوجود الحقيقي الوحيد الممكن الوجود والواجب الوجود على حد تعبير المتصوفة، وكل شيء ما هو إلا جزء منه ، سواء كان ظاهراً أو خفياً، مرئياً أو غير مرئي، ما يعني أن هذا المطلق أي" الله" ليس سوى طاقة و جوهر، أو ماهية لا نعرف كنهها، لم يخلقها أحد وليس لها موجد و لا توجد في مكان و لا في زمن محدودين ، ومنها انبثق وينبثق دوماً كل شيء ، وأن كل ما يوجد إن هو إلا جزء من تكوينها ، سيما في جانبه المادي الذي نعرفه ، بما فيه نحن البشر وكافة الكائنات الأخرى، وهناك الكثير من المكونات التي لا يعرفها البشر ، فهناك مواد مجهولة من قبل البشر وتستعصي على إدراكه المحدود وقابليته العلمية البدائية، و لا تعرفها إلا الحضارات الكونية الأقدم والأكثر تطوراً، لأن كل ما هو موجود مادياً أو فيزيائياً يكون قابل للحساب والقياس ويكون كمومياً quantifiable أو ويمكن التعبير عنه من خلال العلاقات والمعادلات والأرقام والأعداد الرياضياتية التجريدية ما يعني أن الواقع المادي قابل للرقمنة لذا لا يمكننا القول " أن الله موجود" لأن ما هو موجود بالمعني الحسي يكون محدوداً ومعرضاً للقدم والشيخوخة والاستهلاك و لا يمكن تصوره أو إدراكه إلا مكانياً، وحصره بحدود الأبعاد المكانية الهندسية الإقليدية، أي في إطار المحدود الوجودي، أي ما هو إلا شيء من بين الأشياء، في عالمنا المحسوس والقابل للإدراك والفهم والاستيعاب البشري. ولكن هناك بالتأكيد أشياء تختفي وراء الواقع الظاهر الذي نعيش فيه، هناك عالم آخر غير مرئي كما يقول مورفيوس لنيو في فيلم ماتريكس وعلينا إدراكه بالعقل . فإذا غاب العقل ظهرت الخرافة وإذا سادت الخرافة ضاع العقل كما يقول سبينوزا لذا يجب إتباع منهج ديكارت وسبينوزا، على غرار منهج تفسير الطبيعة المبني على الملاحظة والتجربة والبرهان وعلى كافة المعطيات اليقينية، فلا يمكننا عن طريق الخرافة والمعجزات معرفة الله واثبات وجوده أو سبر ماهيته. إن عملية الخلق للجزيئيات والموجودات النسبية، لم تجر وفق السيناريو الميثولولجي الديني الخرافي الذي قدمته النصوص الدينية المتمثل بخلق الله لآدم ومن ضلعه أخرج حواء التي أغوت آدم بارتكاب الخطيئة الأولى وأكله ثمرة الشجرة المحرمة كما تقول الأسطورة الدينية. فكوننا المرئي لم يأت جراء إرادة إلهية خارقة تجسدت عملياً تلبية لمقولة كن فيكون من العدم واللاشيء. وبأن اللاشيء الذي انبثق منه الشيء المادي الملموس هو في حقيقة الأمر الخواء الكمومي أو الكوانتي والمعروف لدى العامة بالفضاء الفارغ والذي يمكن التعامل معه بنظريتي النسبية العامة والميكانيك الكمومي أو الكوانتي، فالنسبية العامة تتعاطى مع قوة الثقالة أو الجاذبية لكنها في جوهرها نظرية المكان والزمان أو الزمكان وتشرح وتفسر ديناميكيات حركة الأجسام خلال الفضاء الكوني، بل وتتناول أيضاً ديناميكيات الفضاء نفسه وتوضح تطوره، أي تعمل في نطاق اللامتناهي في الكبر. بينما نظرية الكموم أو الكوانتوم تتعامل مع الجسيمات ما دون الذرية واصغر المكونات المادية والطاقوية للكون المرئي ، أي اللامتناهي في الصغر.
الروحانيون والمتدينون وأصحاب العقل الخرافي لايمكنهم أن يستوعبوا فكرة نشوء شيء من لاشيء الذي هو في الحقيقة انبثاق شيء ما من فضاء فارغ ظاهريا لكنه مليء بالجسيمات الافتراضية غير المرئية وغير القابلة للرصد حالياً وهو فراغ سابق للوجود المادي وهو بدوره ناشئ من اللامكان، وبالتالي تراهم يركنون لتصور مثالي رومانسي عن إله يسمونه الله هو الوحيد القادر على أن ينتهك المستحيل ألا وهو إخراج أو صنع شيء من لاشيء حسب اعتقادهم. و هو الأمر الذي ردده طيلة آلاف السنين علماء اللاهوت وقالوا بضرورة وجود قوة وراء الطبيعة وخارج الكون واعتبروه الممكن الوحيد. لكنهم عاجزون عن الرد والإجابة على سؤال لماذا وجد الوجود؟..وماذا كان قبل وجود الوجود؟ وماذا كان الله يفعل قبل وقوع حدث الانفجار العظيم الذي يتحدث عنه العلم..؟.
يقول برهان شاوي من خلال شخصياته الروائية:" ما يشغلني هو العدم..أنا مهووس بهذا العدم العظيم اللامتناهي الذي أوجد الوجود..أعرف أنني لن أعرفه ولن أحيط به بل ولن أدركه ولا يمكنني حتى تخيله لكنني على يقين من وجود هذا العدم" ويواصل المبدع برهان شاوي" أعرف أن الفلاسفة منذ القدم مروراً بالإغريق تحدثوا عن الهيولي..وعن الماهية..وانشقت الفلسفة بين الماديين والمثاليين..بين من يقول بأسبقية الوجود على الماهية وبين من يقول بأسبقية الماهية على الوجود..لكنني لست من هؤلاء..فأنا لا أعرف الماهية ولا الهيولي لأفترض أنها تسبق الوجود...! أنا أدرك الجوهر الحر كما عند سبينوزا، كما العدم العظيم عند بعض علماء الفيزياء الكونية، وعلى قناعة بأن الوجود تجلى بإرادته..فالوجود تمظهر للعدم..! تجسيد لإرادته الحرة..جزء منه ومندغم فيه وليس منفصلا عنه...!وحين أقول إن العدم موجود ولكن ليس بمعنى الوجود المادي وإنما الحضور..كل هذا الوجود هو في موقف الحضور عند العدم العظيم المفكر..عند الروح المطلق كما أشار إلى ذلك هيغل..لكننا لن نعرفه." . لذا فإن كل حديث عنه ليس سوى ضرب من العبث والجنون. وهذا قريب من مفهوم سبينوزا.. أي ان الوجود والعدم متداخلان...الطبيعة هي تجسيد لإرادة العدم وجزء منه..لا انفصال وحدود بين الوجود والعدم..ولا بين الطبيعة و(الله) كما يعتقد سبينوزا . .والا كيف نفهم ما وراء حافات الكون"...في اي حيز تتحرك المجرات في حركتها الاضطرادية...وكيف نفهم ما موجود قبل الانفجار الكبير وتشكل الوجود الذي نعيشه ونراه..وهو سؤال قرب العلم من الفلسفة..ماذا كان قبل لحظة الانفجار الكبير...وكيف تشكلت القوانين الكونية كالجاذبية و الكهرومغناطيسية والقوة النووية الكبيرة أو الشديدة والقوة النووية الصغيرة...والقوانين الأخرى غير المكتشفة لحد الآن والتي تحدث عنها العلماء بمن فيهم ستيفن هوكينغ عندما صرح بان ما وراء الثقوب السوداء والمادة المظلمة على حافة المجرة الجارة أندروميدا ظواهر لا تخضع للقوانين الكونية التي نعرفها..بل حتى الأديان تجد نفسها في ورطة هنا..فلو ذهبنا معها إلى أن الله خلق السماوات والأرض والوجود..فالسؤال ماذا كان قبل خلق الوجود؟...وهذا ما بحث فيه الفيلسوف الديني توما الاكويني الذي أكد على استحالة معرفة الله.
ويختتم برهان شاوي تصوره الميتافيزيقي بالقول " العدم هنا ليس بمعنى الهيولي في الفلسفة والكلمة في التوراة وانما هو حضور الإرادة في قوانين الطبيعة كما فسرها سبينوزا". بيد أن هناك بون شاسع بين الرؤية اللاهوتية أو الدينية والرؤية العلمية لمسألة الكون والوجود والنسبي والمطلق. وإن ما ورد في كتاب موجز تاريخ الزمن لهوكينغ بهذا الصدد بات قديماً في أطروحاته وتجاوزه التقدم العلمي والاكتشافات والمشاهدات الفلكية والكوسمولوجية الحديثة ــ هناك المعنى الفلسفي السارتري لمفهوم العدم كمرادف للكينونة أو الوجود كما جاء في عنوان مؤلفه الشهير الوجود والعدم أو الكينونة والعدم ، حسب المترجم ، ــ فله ترجمتان إحداهما للكبير الراحل عبد الرحمن بدوي ـــ ، وبالطبع هناك تعريف سبينوزا الذي تبناه آينشتين نفسه عن الله والوجود والعدم وهو أن ما أصطلح عليه بــ " الله" لا علاقة له بالطبيعة والبشر والكائنات الأخرى ولا يتدخل في شؤونها وتفاصيل حياتها ومصيرها، وهناك المعنى الديني الذي يعرفه الجميع ولا حاجة للخوض فيه فيما عدا محاولة فهم الطرح البوذي الراقي جداً لمفهوم الوجود والعدم فهو الأقرب إلى الأطروحات العلمية المعاصرة، ونحن نعلم أن لا وجود لــ " الله" في الديانة البوذية . في علم الكوسمولوجيا والفيزياء النظرية المعاصرة لا يوجد ما يمكن أن نسميه " اللاشيء" ولا ما يمكن أن نسميه " العدم" بالمعنى السائد في الأذهان الذي هو النقيض للوجود. فإدراك البشر محدود ومختزل بقدر محدودية فهمهم وقابليتهم للإستيعاب التي هي مرتبطة بحواسهم الخمسة وربما الستة وما يمتلكونه من حدس وقدرة على العقلنة والقيام بمقاربات مختلفة لفهم الظواهر. العلم يقول لنا أن الوجود ، بمعناه المطلق ، ليس محدوداً بالظواهر المادية الملموسة التي ندركها ونلمسها أو نراها أو نحسبها ونقيسها ، فهناك واقع ظاهر وهناك واقع خفي لا ندركه كما أن هناك كون مرئي نعيش فيه وأكوان خفية لا ندركها مع أن العلم يبحث فيها ويضع لها النظريات والمعادلات الرياضياتية. فنحن نتحدث هنا عن " وجود" محدود قابل للرصد والمشاهدة والمراقبة والقياس والحساب، وهو محدد بما يحيط بنا من واقع ومحتويات مادية ولا مادية توصلنا إلى " وجودها الفعلي أو الافتراضي أو النظري من خلال الحسابات والتجارب والمشاهدات الفلكية ، لكننا في الحقيقة لا نعرف حتى ماذا يوجد وراء نظامنا الشمسي سوى الافتراضات والتخمينات فنحن لسنا متأكدون علميا لحد الآن ما إذا كان هناك كوكب تاسع أو عاشر غازي ضخم على تخوم نظامنا الشمسي يحاول العلماء إثبات وجوده من خلال تأثيراته الثقالية . أي مازلنا نعاني من فهمنا لمسألة " الحدود " أو التخوم" ولكن في العلم لا يوجد " قبل أو بعد" فهذه مفاهيم أرضية " فالزمن ليس موجوداً بذاته مستقلاً عن صنوه المكان والفضاء والحيز الكوني ، هناك زمكان لامتناهي الأبعاد له نسيج خاص ينبعج بتأثير الكتل الكبيرة والثقالة الكونية ، وهو ما يزال لغزاً ولا نعرف منه سوى الجزء المتعلق بواقعنا وكوننا المرئي في حدود لا تتجاوز ربما مجرتنا درب التبانة وأقصد به الزمكان الآينشتيني وعلينا أن نقرأ ونطلع على كتابات العالم الفيزيائي براين غرين صاحب كتاب الكون الأنيق وكتاب سحر الكون أو نسيج الكون وكتاب الواقع الظاهر والواقع الخفي في الكون المرئي وهو أحد علماء الصف الأول في نظرية الأوتار الفائقة وكذلك كتاب الكون الرياضياتي لماكس تغمارك وغيرها لكي نتجاوز محدودية المفاهيم البشرية للزمن والمكان والكينونة والعدم. فإحساسنا البشري بالواقع المحيط خداع ومجرد وهم أو على أقل تقدير ناقص . هناك الواقع التقليدي والواقع الرقمي والواقع الافتراضي والواقع النسبي والواقع الكمومي والواقع المطلق ، ففي الكون المرئي لاوجود لماضي وحاضر ومستقبل فهذه مفاهيم أرضية ليس إلا وترتبط بالحركة والسرعة والاتجاه وزاوية النظر والقياس، أي أن الزمن كما نعرفه ليس له وجود خارج مجموعتنا الشمسية أو ليس هو نفس الزمن الذي يجري خارج نظامنا الشمسي في مجرتنا درب التبانة وفي باقي مجرات كوننا المرئي. المجال لايسمح هنا بتطوير هذه المسائل العميقة والجوهرية والتساؤلات الوجودية فهذا يتطلب إعادة صياغة العلم والفلسفة والدين ويحتاج لمجلدات كثيرة وهذا ما يحاول أن يفعله المبدع برهان شاوي في نطاق الإبداع الروائي و ما نسعى لتقديمه في هذا الكتاب وهذه ليست مهمة سهلة على الإطلاق.