التلفيق ضد ماركس : بكّير نموذجاً / 2


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6476 - 2020 / 1 / 29 - 11:14
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

مفهوم "المساواة" بين ماركس و بكّير
في حواره مع القراء ، ينعى السيد محمود يوسف بكير المحترم نقطتين على ماركس : "احتساب فائض القيمة" و ما يسميه بـ "المساواة" ، و سأبدأ من النقطة الأخيرة التي يقول فيها :
نص الأستاذ محمود يوسف بكير :
"في مسألة المساواة في الشيوعية
المساواة بين الناس شيء جيد بشكل عام ولكن عندما ندخل في التفاصيل نجد أن تحقيق المساواة الكاملة أمر صعب المنال. ومبدأ المساواة حلم قديم للبشرية منذ أيام آمون رع وكل الأنبياء ولكنه أخذ زخما كبيرا على يد ماركس وإنجلز في القرن 19 عندما أصدرا المانيفستو الشيوعي وفيه تصورا أن الطبقية والملكية الفردية سوف تزولا تماما في المرحلة الأخيرة من تطور الشيوعية.
والسؤال هل يمكن تصور حدوث هذا وأن يكون كل الناس سواسية أي القوي مثل الضعيف والمجتهد مثل الكسول والعبقري مثل المعتوه والمنظم مثل الفوضوي والعالم مثل الجاهل والعامل المنتج مثل العامل البلطجي؟ ألسنا بهذا نقتل الحافز الفردي للاجتهاد والتفوق؟ وفي هذا فإن لدينا في الاقتصاد نظرية تثبت أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول بمعني أن العنصر السيء عندما يجاور العنصر الجيد في أي معادلة حياتية فإن العنصر الرديء يدفع العنصر الجيد إلى التقوقع والعزلة ثم الاختفاء. وهذا ما ينتج عادة من مساواة المجتهد بالكسول. وأيضا هل يمكن أن نقتل غريزة الطمع وحب التميز لدي البشر وأن نتحول إلى ملائكة كما تصور ماركس من خلال مقولته الشهيرة من كل بحسب قدرته ولكل بحسب حاجته؟ ولإيضاح صعوبة هذا لك عزيزي القارئ أن تتخيل مصنعا على وشك الافتتاح في ظل النظام الشيوعي، يفترض هنا أن نقوم بقياس قدرة كل عامل على العطاء وحجم احتياجاته قبل أن تبدأ العلمية الإنتاجية حتى نعرف حجم الإنتاج المتوقع وكيفية توزيعه بشكل عادل وفق معادلة ماركس.
كيف يمكن هنا تحديد قدرة البشر على العطاء بشكل دقيق وموضوعي؟ وكيف يمكن وضع حدود لحاجات المحتاجين وغير المحتاجين اللانهائية؟ ومن يقوم بكل هذه التقييمات بشكل مقبول للجميع في ظل النظام البدائي البسيط الذي صوره ماركس للمجتمع الشيوعي والذي يغيب فيه أي شكل للدولة وتسيطر فيه لجان العمال على كل شيء؟ "

انتهى اقتباسي من نص الأستاذ محمود يوسف بكير .
إذن ، فالباحث مهتم هنا بموضوع المساواة ، و لكن أي مساواة يقصد ؟ هل المقصود هنا : المساواة أمام القانون أم التكافؤ في الفرص أم المساواة في الحصيلة أم المساواة الاقتصادية .. إلخ ؟ الباحث هنا لا يعرّف مصطلحاته حسبما هو مفترض ، و لكن الواضح من الاقتباس أعلاه أن المقصود هنا هو المساواة الاقتصادية . السؤال الآن هو : متى و أين نادى ماركس و انجلز بالمساواة في المداخيل بين البشر في البيان الشيوعي أم في غيرة من مؤلفاتهما ؟ الجواب الأكيد هو أن هذه فرية مكشوفة يراد منها تشويه سمعة ماركس و انجلز بالدس و التلفيق عبر إنطاقهما بالضبط بعكس ما يقولان ظلماً و عدواناً .
ماذا يقول ماركس بصدد هذا الموضوع بالذات ؟
من المعلوم أن عبارة "المساواة الاقتصادية " هي مفهوم نظري بحت يرتبط تبلوره العملي وعلى نحو لازب بدرجة تطور قوى الانتاج في المجتمع (مثلاً : بدون فائض الانتاج لا يوجد التمايز الطبقي) ، و كذلك – و هو الأهم – بنوع علاقات الانتاج السائدة فيه ، أي بعلاقات الملكية لوسائل الانتاج الاجتماعي . و من المعلوم أيضاً أنه في ظل سيادة الملكية الرأسمالية الخاصة لوسائل الانتاج فإن أي كلام عن المساواة الاقتصادية انما هو محض هراء ، لاستحالة تصور امكانية تحقق أي قدر من المساواة الاجتماعية بين الذين يملكون و الذين لا يملكون . لماذا ؟ لأن رأس المال بحد ذاته إنما هو قوة رهيبة متمددة تكسب طبقة حائزيها وذريتهم منذ ساعة الولادة سلطة الأفضلية الاقتصادية الطاغية التي تفرض نفسها فرضاً على كل مناحي الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و حتى الثقافية و القانونية ووو . و بكلمة أخرى ، فإن التمايز الطبقي بكل أشكاله يزيح جانباً أي معنى حقيقياً لعبارة "المساواة الاقتصادية" . يقول ماركس في "نقد برنامج غوته" : "إن الإنسان الذي لا يملك غير قوة عمله يصبح بالضرورة ، مهما كانت أحواله الاجتماعية والثقافية ، عبداً لأولئك الذين وضعوا أيديهم على الشروط المادية للعمل ؛ فلا يستطيع أن يعمل ، وبالتالي أن يعيش ، إلا بإذن هؤلاء ."
ما الحل ؟
الحل الوحيد المتاح للبشرية و الواضح وضوح الشمس إنما هو الحل الماركسي : تشريك وسائل الانتاج – التي هي إنتاج جماعي بالأصل وليست من "اختراعات" الرأسماليين المستحوذين على ملكيتها أنفسهم – بتحويلها إلى الملكية الجماعية العامة لسد الطرق أمام استغلال الانسان للإنسان و اتاحة المساواة في نقطة الانطلاق لجميع أفراد المجتمع في الطور الأول من المرحلة الاشتراكية . غير أن هذا لا يكفي لوحده لكون الانعتاق الحقيقي للإنسان إنما يتطلب كسر قيود تقسيم العمل و التضاد القائم بين العمل الفكري و العمل الجسدي ، و هذا لا يحصل إلا بعد أن يبلغ تطوير وسائل الانتاج أوجه في الطور الأعلى للشيوعية . يقول ماركس في نفس المصدر :
"وفي الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي ، بعد إن يزول خضوع الأفراد المذل لتقسيم العمل ويزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي ؛ وحين يصبح العمل ، لا وسيلة للعيش وحسب ، بل هو الحاجة الأولى للحياة أيضاً ؛ وحين تتنامى القوى المنتجة مع تطور الأفراد في جميع النواحي ، وحين تتدفق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض وغزارة – حينذاك فقط ، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيق للحق البرجوازي تجاوزاً تاماً ، ويصبح بإمكان المجتمع إن يسجل على رايته : من كل حسب كفاءاته ، ولكل حسب حاجاته !"

و من المعلوم لكل من يعي أبسط معاني الكلمات أن عبارتي "حسب كفاءاته" و "حسب حاجاته" تقطعان بعدم المساواة في الدخل بين العاملين في المجتمع الشيوعي لأن كل انسان لا بد أن تختلف كفاءاته و حاجاته بالضرورة عن غيره من الناس .
و لكن لا ، الأستاذ محمود يوسف بكير المحترم يقول لنا أن هاتين العبارتين تعنيان المساواة في الدخل بين الذين يعملون و الذين لا يعملون و بين العامل المجتهد النشيط الكفوء والكسول الضعيف .. أي كاريكاتير مسخ هذا ؟
سأعمد هنا للاقتباس المطوّل من ماركس الذي تكفّل بنفسه بالتوضيح المسهب لهذه النقطة . في نقده لبرنامج غوته (1875) يعلق ماركس على ورود جملة : "إن تحرير العمل يتطلب رفع وسائل العمل إلى مستوى ملكية المجتمع بأسره، وضبط العمل الإجمالي بصورة جماعية مع توزيع دخل العمل توزيعا عادلاً" في برنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي لألمانيا و النمسا و سويسرا الجديد بالقول :
نص ماركس :
"إن رفع وسائل العمل إلى مستوى ملكية المجتمع بأسره" (!) يعني على ما يبدو "تحويلها إلى ملكية للمجتمع بأسره"، ونقول هذا عرضاً.
ما المقصود بـ"دخل العمل ؟" أهو نتاج العمل أم قيمته ؟ فإذا عنيت قيمته، فهل قيمة النتاج الإجمالية أم فقط القسم من البقية الذي أضافه العمل إلى قيمة وسائل الإنتاج المستهلكة ؟
إن "دخل العمل" عبارة عن فكرة غامضة كان لاسال يتخذها بدلا من مفاهيم اقتصادية واضحة.
وما هو "التوزيع العادل" ؟
ألا يدّعي البرجوازيون أن التوزيع الحالي "عادل" ؟ وبالفعل، أليس التوزيع الحالي التوزيع "العادل" الوحيد على أساس أسلوب الإنتاج الحالي ؟ وهل العلاقات الاقتصادية تنظمها المفاهيم الحقوقية أم الأمر على العكس، أي إن العلاقات الحقوقية هي التي تنبثق من العلاقات الاقتصادية ؟ ثم، ألا يتبنى أصحاب الشيع الاشتراكية المختلفة، أكثر الآراء تبايناً حول هذا التوزيع "العادل" ؟
فلكي ندرك ما هو المقصود هنا بهاتين الكلمتين : التوزيع "العادل"، ينبغي لنا إن نقارن الفقرة الأولى بالفقرة الثالثة. فالفقرة الثالثة تفترض مجتمعاً "تكون فيه وسائل العمل ملكية المجتمع بأسره، ويضبط فيه العمل الإجمالي بصورة جماعية"، بينما تقول لنا الفقرة الأولى "إن دخل العمل بخص بكليته وبالحق المتساوي، جميع أعضاء المجتمع".
"جميع أعضاء المجتمع" ؟ حتى أولئك الذين لا يشتغلون ؟ وإذ ذاك، أين هو "دخل العمل غير المنقوص" ؟ مجرد أعضاء المجتمع الذين يشتغلون ؟ فأين هو إذن "الحق المتساوي" بين جميع أعضاء المجتمع ؟
ولكن "جميع أعضاء المجتمع" و"الحق المتساوي" ليسا سوى مجرد جملتين. أما الجوهر، فقوامه إنه ينبغي في هذا المجتمع الشيوعي إن ينال كل شغيل، كما يقول لاسال، "دخل العمل غير المنقوص".
فإذا أخذنا أولا كلمتي "دخل العمل" بمعنى نتاج العمل، فإن دخل العمل الجماعي يعني حينذاك النتاج الاجتماعي الإجمالي.
والآن، ينبغي إن نقتطع منه :
أولا، ما نستعيض به عن وسائل الإنتاج المستهلكة ؛
ثانيا، قسماً إضافيا لتوسيع الإنتاج ؛
ثالثا، أموالا للاحتياط أو للتأمين ضد الطوارئ، والكوارث الطبيعية، الخ..
إن هذه الاقتطاعات من "دخل العمل غير المنقوص" تحتمها الضرورة الاقتصادية، وتتحدد مقاديرها وفقاً للوسائل والقوى المتوافرة، وجزئياً بموجب حساب الاتفاق ؛ ولكنها في مطلق الأحوال لا يمكن تحديدها على أساس العدالة.
يبقى القسم الآخر من النتاج الإجمالي، وهو القسم المعد للاستهلاك.
ولكن قبل الشروع بتوزيعه على الأفراد منه أيضاً :
أولا، النفقات الإدارية العامة، التي لا علاقة مباشرة لها بالإنتاج.
إن هذا الجزء سيهبط فوراً هبوطاً ملحوظاً بالقياس إلى قدره في المجتمع الحالي، وسيقل بقدر ما يتطور المجتمع الجديد.
ثانيا، ما هو معد لتلبية حاجيات المجتمع المشتركة، من مدارس، ومؤسسات صحية، الخ..
إن هذا الجزء سيزداد فوراً زيادة كبيرة بالقياس إلى قدره في المجتمع الحالي، وسينمو بقدر ما يتطور المجتمع الجديد.
ثالثاً، الأموال الضرورية لإغاثة العاجزين عن العمل، الخ.، أي، بكلمة موجزة، ما يعود إلى ما يسمى اليوم بإغاثة الفقراء الرسمية.
وبعد ذلك فقط، نصل إلى ذلك "التوزيع" الذي لا يعني البرنامج إلا إياه، تحت تأثير لاسال، وبصورة ضيقة، محدودة، أي إلى هذا القسم من أشياء الاستهلاك الذي يوزع بصورة افرادية بين منتجي المجتمع.
وهكذا تحوّل "دخل العمل غير المنقوص" بصورة غير محسوسة إلى "دخل منقوص"، رغم إن ما يؤخذ من المنتج، بوصفه فرداً، إنما يعود عليه بالنفع من جديد، مباشرة ام بصورة غير مباشرة، بوصفه عضواً في المجتمع.
وكما إن تعبير "دخل العمل المنقوص" قد ذاب واختفى، كذلك يذوب ويختفي تعبير "دخل العمل" بوجه عام.
في مجتمع قائم على المبادئ الجماعية، قائم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج، لا يتبادل المنتجون منتجاتهم ؛ إن العمل المبذول على المنتجات لا يظهر في هذا النظام الاجتماعي على إنه قيمة هذه المنتجات، على إنه صفة مادية تنطوي عليها المنتجات، إذ أنه خلافاً لما يجري في المجتمع الرأسمالي، يغدو عمل الفرد بصورة مباشرة، لا بصورة غير مباشرة، جزءاً لا يتجزأ من عمل المجتمع. وهكذا، إن تعبير "دخل العمل"، الذي لا يصمد للنقد حتى في أيامنا هذه بسبب إبهامه، يفقد كل معنى.
إن ما نواجهه هنا، إنما هو مجتمع شيوعي لا كما تطور على أسسه الخاصة بل بالعكس، كما يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي، أي مجتمع لا يزال، من جميع النواحي، الاقتصادية والأخلاقية والفكرية، يحمل سمات المجتمع القديم الذي خرج من أحشائه. فالمنتج يتلقى إذن بصورة فردية –بعد جميع الاقتطاعات– ما يوازي تماماً ما قدمه للمجتمع. وما قدمه للمجتمع، إنما هو نصيبه الفردي من العمل. مثلا، إن يوم العمل الاجتماعي يمثل مجمل ساعات العمل الفردية ؛ ووقت العمل الفردي الذي بذله كل منتج هو النصيب الذي قدمه من يوم العمل الاجتماعي، هو القسط الذي أسهم به في هذا العمل. وهو يتلقى من المجتمع سنداً يثبت إنه قدّم قدراً معيناً من العمل (بعد اقتطاعات العمل المبذول من اجل الصناديق الاجتماعية) وبهذا السند، يأخذ من المخزون الاجتماعي كمية من أشياء الاستهلاك تناسب قدر عمله. وهكذا فإن نفس النصيب من العمل الذي قدمه للمجتمع بشكل معين، إنما يتلقاه من المجتمع بشكل آخر.
ومن الواضح إننا نواجه هنا نفس المبدأ الذي ينظم تبادل البضائع طالما إنه تبادل قيم متساوية. إن المحتوى والشكل يتغيران لأنه، نظراً لتغير الأحوال، لا يستطيع احد إن يقدّم شيئاً غير عمله، هذا من جهة، ولأنه، من جهة أخرى، لا يمكن لغير أشياء الاستهلاك الفردي إن يدخل في ملكية الفرد. أما فيما يتعلق بتوزيع هذه الأشياء بين المنتجين بصورة فردية، فإن المبدأ الموجه هو نفس المبدأ الذي يسود فيما يتعلق بتبادل البضائع المتعادلة : فإن قدراً معيناً من العمل بشكل ما يبادل لقاء نفس القدر من العمل بشكل آخر.
وهكذا فإن الحق المتساوي يظل هنا، من حيث المبدأ، الحق البرجوازي، رغم إن المبدأ والتطبيق العملي يكفان عن التناقض هنا، في حين إن تبادل القيم المتعادلة لا يبقى في ظل تبادل البضائع إلا بصورة وسطية، لا في كل من الحالات.
ورغم هذا التقدم، يظل هذا الحق المتساوي محصوراً من ناحية واحدة ضمن حدود برجوازية. فإن حق المنتج يتناسب مع العمل الذي بذله ؛ والمساواة تتجلى هنا في اتخاذ العمل وحدة مشتركة للقياس.
ولكن، رب فرد يتفوّق جسدياً أو فكرياً على فرد آخر، فهو إذن يقدّم، خلال الوقت نفسه، قدراً اكبر من العمل أو إنه يستطيع إن يعمل وقتاً أطول ؛ ولكن يكون العمل مقياساً، ينبغي إن يتحدد بمدته أو شدّته، وإلا كفّ عن إن يكون وحدة للقياس. إن هذا الحق المتساوي هو حق غير متساو لقاء عمل غير متساو ؛ فهو لا يقر بأي امتياز طبقيان كل إنسان ليس سوى شغيل كغيره ؛ ولكنه يقرّ ضمناً بعدم المساواة في الملكات الفردية، و بالتالي في الكفاءات الإنتاجية بوصفها امتيازات طبيعية. فهو إذن، من حيث المحتوى، حق قائم على عدم المساواة، ككل حق. فالحق، بحكم طبيعته، لا يمكن إن يتجلى إلا في استعمال نفس الوحدة القياسية ؛ ولكن الأفراد غير المتساوين (ولن يكونوا أفرادا متمايزين إذا لم يكونوا غير متساوين) لا يمكن قياسهم وفقاً لوحدة مشتركة إلا بقدر ما يرى إليهم من وجهة النظر نفسها، إلا بقدر ما يرى إليهم من زاوية معينة، واحدة، مثلا، في الحالة المعينة، حيث لا يرى إليهم إلا بوصفهم عمالا، لا أكثر، وبصورة مستقلة عن كل الباقي. وبعد : رب عامل متزوج، والآخر عازب ؛ ورب رجل عنده من الأولاد أكثر من رجل آخر ؛ الخ.. وهكذا، لقاء العمل المتساوي، وبالتالي مع الاستفادة المتساوية من الصندوق الاجتماعي للاستهلاك، يتلقى احدهم بالفعل أكثر من الآخر، ويظهر أغنى منه، الخ.. و لاجتناب كل هذا، لا ينبغي إن يكون الحق متساوياً، بل ينبغي إن يكون غير متساو.
ولكنها تلك عيوب محتومة لا مناص منها في الطور الأول من المجتمع الشيوعي كما يخرج من المجتمع الرأسمالي بعد مخاض طويل وعسير.فالحق لا يمكن أبدا إن يكون في مستوى أعلى من النظام الاقتصادي ومن درجة التمدن الثقافي التي تناسب هذا النظام.
وفي الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي، بعد إن يزول خضوع الأفراد المذل لتقسيم العمل ويزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي ؛ وحين يصبح العمل، لا وسيلة للعيش وحسب، بل الحاجة الأولى للحياة أيضاً ؛ وحين تتنامى القوى المنتجة مع تطور الأفراد في جميع النواحي، وحين تتدفق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض وغزارة، –حينذاك فقط، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيق للحق البرجوازي تجاوزاً تاماً، ويصبح بإمكان المجتمع إن يسجل على رايته : من كل حسب كفاءاته، ولكل حسب حاجاته !
لقد توسعت بخاصة حول "دخل العمل غير المنقوص" من جهة، وكذلك حول "الحق المتساوي" و"التوزيع العادل"، من جهة أخرى، لكي أبين أية جريمة كبيرة ترتكب، من جهة، حين يراد من جديد أن تفرض على حزبنا، كعقائد جامدة، مفاهيم كان لها بعض المعنى في مرحلة معينة، ولكنها لم تبق اليوم سوى عبارات مطروقة باطلة، ومن جهة أخرى، حين يراد تشويه النظرة الواقعية التي كلفت جهوداً طائلة لبثها في صفوف الحزب، ولكنها التي رسخت فيه عميقا اليوم، وذلك بواسطة مفاهيم حقوقية خرقاء وغير ذلك من الأضاليل الشائعة بين الديمقراطيين وبين الاشتراكيين الفرنسيين.
وبصرف النظر عما قيل آنفاً، كان من الخطأ على وجه العموم أن يجعل مما يسمى التوزيع الأمر الأساسي وإن يصار إلى إبرازه.
فإن توزيع أشياء الاستهلاك، في كل عصر وطور، ليس سوى نتيجة لتوزيع شروط الإنتاج نفسها. ولكن توزيع هذه الأخيرة يعبر عن طابع أسلوب الإنتاج بالذات.
فإن أسلوب الإنتاج الرأسمالي، مثلاً، يرتكز على كون شروط الإنتاج المادية بشكل ملكية الرأسمال وملكية الأرض، تقع في أيدي غير الشغيلة بينما سواد الناس لا يملكون سوى الشرط الشخصي للإنتاج – قوة العمل. و إذا كانت عناصر الإنتاج موزعة على هذا النحو، فإن التوزيع الحالي لأشياء الاستهلاك ينبع منه تلقائيا. فإذا غدت شروط الإنتاج المادية ملكية عامة للعمال أنفسهم، تغير توزيع أشياء الاستهلاك عما هو عليه الآن. إن الاشتراكية المبتذلة (ومن خلالها أيضاً قسماً من الديمقراطية) قد اقتبست من الاقتصاديين البرجوازيين عادة اعتبار التوزيع وبحثه بوصفه أمرا مستقلاً عن أسلوب الإنتاج، وعادة تصوير الاشتراكية بالتالي كأنها تدور في الأساس حول قضايا التوزيع. ولكن حين تكون العلاقات الفعلية قد اتضحت منذ زمن بعيد. فما الفائدة من العودة إلى الوراء ؟"

انتهى الاقتباس من ماركس . المصدر :
https://ayman1970.wordpress.com/2011/08/25

طيب ، أين هي كلمات ماركس الواضحة وضوح الشمس أعلاه مما يفتري عليه الاستاذ بكير بالقول :" والسؤال هل يمكن تصور حدوث هذا وأن يكون كل الناس سواسية أي القوي مثل الضعيف والمجتهد مثل الكسول والعبقري مثل المعتوه والمنظم مثل الفوضوي والعالم مثل الجاهل والعامل المنتج مثل العامل البلطجي؟ ألسنا بهذا نقتل الحافز الفردي للاجتهاد والتفوق؟ وفي هذا فإن لدينا في الاقتصاد نظرية تثبت أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول بمعني أن العنصر السيء عندما يجاور العنصر الجيد في أي معادلة حياتية فإن العنصر الرديء يدفع العنصر الجيد إلى التقوقع والعزلة ثم الاختفاء. وهذا ما ينتج عادة من مساواة المجتهد بالكسول. وأيضا هل يمكن أن نقتل غريزة الطمع وحب التميز لدي البشر وأن نتحول إلى ملائكة كما تصور ماركس من خلال مقولته الشهيرة من كل بحسب قدرته ولكل بحسب حاجته؟"؟؟؟؟

ألا يستحي ضمير الأستاذ محمود يوسف بكير المحترم على نفسه و على تاريخه من الدس على ماركس ليفبرك ضده بالضبط ما سبق و أن أدانه ماركس بأقوى العبارات منذ مائة و أربعين سنة و ما اعتبره "جريمة كبرى" ضد الشيوعية عندما قال :" لقد توسعت بخاصة حول "دخل العمل غير المنقوص" من جهة، وكذلك حول "الحق المتساوي" و"التوزيع العادل"، من جهة أخرى، لكي أبين أية جريمة كبيرة ترتكب، من جهة، حين يراد من جديد أن تفرض على حزبنا، كعقائد جامدة، مفاهيم كان لها بعض المعنى في مرحلة معينة، ولكنها لم تبق اليوم سوى عبارات مطروقة باطلة، ومن جهة أخرى، حين يراد تشويه النظرة الواقعية التي كلفت جهوداً طائلة لبثها في صفوف الحزب، ولكنها التي رسخت فيه عميقا اليوم، وذلك بواسطة مفاهيم حقوقية خرقاء وغير ذلك من الأضاليل الشائعة بين الديمقراطيين وبين الاشتراكيين الفرنسيين" ؟

أم لعل الأستاذ محمود يوسف بكير المحترم هو أحد أصحاب الكهف الذين كانوا يتقلبون بقدرة قادر ذات اليمين و ذات الشمال ؟

يتبع ، لطفاً .