إغتيال قاسم سليماني : آخر مسلسل جرائم ترَمْپ


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6455 - 2020 / 1 / 4 - 19:29
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

استيقظ العراقيون في صبيحة أول يوم جمعة من عام 2020 الميلادي الجديد على وقع خبر جريمة الاغتيال الأمريكية الجبانة التي راح ضحيتها قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني (1957-2020) و التي اقترفتها الولايات المتحدة الأمريكية باستهدافها – مع سبق الإصرار و الترصد – العجلتين اللتين كان يستقلهما سليماني مع سبعة من مستقبليه العراقيين في محيط مطار بغداد قبيل الساعة الواحدة من يوم 3 /1 بثلاثة صواريخ من طائرة مسيّرة . و كان من ضمن ضحايا هذا الهجوم الإرهابي السيد جمال جعفر محمد علي (أبو مهدي المهندس) (1954-2020) نائب قائد الحشد الشعبي العراقي . و لقد سارع الرئيس الفاشي الجديد ترَمْپ للظهور على الملأ لكي يتبجح تحت عدسات التصوير بكونه هو الذي أمر بتنفيذ جريمة الإعدام هذه بغية حماية أرواح الجنود الأمريكيين ! كما وجِّه ترَمْپ وزيري الدفاع و الخارجية الأمريكيين للظهور العلني لترديد نفس هذه الفرية بعد إضافة بعض التلفيقات المكشوفة التي لا تنطلي على أحد - والمستعارة من أسياده الفاشيين الصهاينة الجدد - بزعم كون الضحية إنما "كان يخطط لقتل الأمريكان" ! و بغض النظر عن تاريخ الضحيتين – اللذين سبق لهما و أن تعاونا بكل جد و إخلاص مع أركان الجيش الأمريكي قبل و إبان احتلاله كلاً من أفغانستان و العراق – و لكنهما كانا معنيين في هذا الوقت بالضبط ليس بقتل المواطنين الأمريكان البتة ، و إنما بإدامة و تصعيد مسلسل التنكيل المبرمج بالمتظاهرين العراقيين العزل الشرفاء في مدن وسط وجنوب العراق و الذي يهدد بتصفير النفوذ الإيراني في العراق بعد أن سلمه الأمريكان راغبين لقمة سائغة لملالي إيران و أزلامهم المحليين منذ عام 2003 . و من المفروغ منه أن ترَمْپ و شركاه في المنطقة من آل سعود و نتنياهو يستحيل عليهم أن يهتموا مقدار ذرة بمصائر كل الشعب العراقي ، ناهيك عن مصير ثواره الميامين العزل . المطلوب من طرف كل هؤلاء الحكام الفاشيين الجدد إنما هو إبقاء العراق دولة بلا مستقبل : دولة ضعيفة فاشلة منهوبة الثروات و الحريات ، و تهجير ما يمكن تهجيره من زبدة شعبه ، بل و حتى تقسيمه ، إن أمكن .
السؤال هو : لماذا تعمّد ترَمْپ اقتراف هذه الجريمة النكراء – و التي هي بمثابة الإعلان الرسمي للحرب على إيران – في هذا الوقت بالذات في ضوء أن السلطات الأمريكية كانت قد وضعت منذ عام 2011 إسم سليماني على لائحة الإرهاب التي يحلو لها أخراجها دورياً مفصلة تفصيلاً حسب المزاج و المصالح الإمبريالية القذرة ، في حين ما انفك سليماني يصول و يجول علناً طوال تسع سنوات تحت أنظار الجيش الأمريكي في مختلف بقاع العراق و سوريا و لبنان دون أن يهتم مطلقاً بإخفاء آثار تحركاته الشخصية و لا حتى بارتداء مجرد السترة الواقية من الرصاص ؟
الجواب : الهدف هو سعي ترَمْپ لإفساد قرار مجلس النواب الأمريكي المتخذ بتاريخ 18/12/ 2019 و القاضي بعزله بعد تصويت أغلبيته بالموافقة على فقرتين هما : "إساءة استخدام النفوذ" و"عرقلة عمل الكونغرس" و ذلك عبر دغدغة المشاعر الوطنية للأمريكيين المغرر بهم ضد الخطر الخارجي المفبرك و بالظهور بمظهر البطل الشجاع المنقذ للأمة الأمريكية من شر الأشرار لدعم مسعى تبرئته خلال هذا الشهر في مجلس الشيوخ الأمريكي الأعلى - الذي يمكن أن يصادق على قرار إقالته بموافقة عشرين فقط من الشيوخ الجمهوريين - خصوصاً و أن عدداً منهم قد أبدى فعلاً تأييده لقرار عزله منذ الآن . تذكروا عملية : "عاصفة لوينسكي" (16-19 كانون الأول ، 1998) التي أمر خلالها الرئيس الأمريكي قلنطون بقصف العراق – طوال أربعة أيام متتالية – بستمائة قنبلة جبارة و بأربعمائة و خمسة عشر صاروخ كروز في محاولة فاشلة منه لوقف إبرام قرار عزله تحت قبة مجلس النواب و الذي تم اتخاذه في اليوم الأخير من حربه العدوانية الجبانة تلك التي أبادت مئات العراقيين ، فأوقف عندها الفحل قلنطون جريمته بعد خسرانه المفعول المنشود منها . اللعبة واضحة : كلما تعرض رئيس أمريكي لخطر العزل أو لخطر خسران الولاية الثانية ، كلما لجأ لإشعال الحروب ضد الدول الصغيرة الضعيفة التي لا يمكنها مواجهة الآلة الحربية الجبارة للولايات المتحدة الأمريكية في مسعى إجرامياً لفبركة الانتصارات الجوفاء على حساب سفك دماء الضعفاء . و هذه هي إحدى سمات النظام الرأسمالي العالمي الذي يحرص أشد الحرص على تسليم السلطة في المركز بيد الأنسب من بين أسفل السافلين من النكرات التواقين لخدمته ممن عرفهم التاريخ في لندن منذ نهاية القرن التاسع عشر و لحد الآن ، و في واشنطن منذ أواخر الحرب العالمية الثانية (ترومن) و لحد الآن . لذا نجد أن النظام الامبريالي هو أعقم من خلق الأبطال الحقيقيين من أمثال بوليفار و لينين و ماو و كاسترو و جيفارا و لومومبا و عبد الكريم قاسم ، و أن كان شديد الحرص على خلق الأبطال المزيفين على طراز جيمس بوند من أمثال كندي و جونسن و قلنطون و ترَمْپ ، و أرفع بطولاتهم إنما هي إقتراف جرائم القتل و الزنا .
و لكن شر البلطجة غالباً ما يحيق بأهلها ! لقد أسدى الغبي ترَمْپ بجريمته الجبانة هذه أعظم خدمة لملالي إيران في نفس الوقت الذي ألحق فيه أشد الضرر بمصالح أمريكا في الشرق الأوسط . منذ الآن تتعالى الأصوات في العراق لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق ، و ستتعالى غداً الأصوات لتصفية الحراك الجماهيري لثوار تشرين في العراق الذين أصبحوا الآن في موقف أضعف من ذي قبل – و هو هش أصلاً – ليستفرد الملالي و أزلامهم المحليين بمقدرات العراق . و الخدمة الأكبر التي أسداها هذا الحمار البرتقالي الكبير إنما هي لحكم الملالي داخل إيران لكون اعتدائه الخارجي الصارخ و غير المبرر هذا قد أجّج المشاعر القومية و وحّد غالبية الإيرانيين و جعلهم أكثر تمسكاً بالنظام الدكتاتوري القائم من ذي قبل ، و أغلق الآفاق للحراك الشعبي الديمقراطي فيه ، و لو لحين . علاوة على هذا ، فإن الرد الانتقامي الإيراني الآتي لا محال سيستهدف – فيما سيستهدف – عرقلة تدفق النفط من الخليج العربي بهذا الشكل أو ذاك ، و هو ما سيرفع من أسعار النفط الخام ، محيقاً أبلغ الخطر بالاقتصاد الرأسمالي و بمصالح أمريكا و حلفائها آلسعود و آلصباح و آلنهيان و آلخليفة في المنطقة . كما أن هذا العدوان الصارخ من شأنه أن يعزز من نفوذ روسيا و الصين و تركيا في المنطقة عبر التغلغل الأقوى فيه من خلال البوابة الإيرانية . و في النهاية ، ستجد الامبريالية الأمريكية نفسها أسيرة صنيعتها ترَمْپ الذي يؤثر خدمة مصالحه و أغراضه الشخصية على خدمة مصالحها هي ، فدرب الكلب يمر بالقصّاب .