الحلقة الثانية والثلاثون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكارثة


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 6447 - 2019 / 12 / 26 - 16:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

6-سيناريوهات الحل المحتملة للأزمة السورية
إن صراعا مسلحا داميا لا يزال مستمرا منذ نحو تسعة سنوات، كانت نتائجه كارثية على الشعب السوري وعلى سوريا الدولة، تدخلت فيه قوى عربية واقليمية وبعيدة، يصعب تصور سيناريو وحيد لنهايته.
في ضوء التحليل الذي قمنا به في مباحث هذا الكتاب المختلفة، وآخذين بالحسبان ما فرزه مسار الأحداث في سورية من مشكلات كبيرة على كل الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، تتعلق أساساً بطبيعة النظام الاستبدادي، وبحجم المصالح الإقليمية والدولية المتعارضة في الجغرافية السورية، فإن ثمة عدد من السيناريوهات المحتملة للخروج من الأزمة، وإعادة بناء الدولة السورية، سوف نعرض لسيناريوين اثنين فقط منها، الأول منها يلبي مصالح الشعب السوري، وينطلق بالضبط منها، مستلهما اياها، في رؤية استشرافية لمستقبل سورية وإعادة بنائها. وآخر يأخذ بالحسبان تطورات الواقع الميداني وانتصار النظام وحلفائه، واختلاف مصالح حلفاء النظام، إضافة لدور لايزال مهما لأمريكا وتركيا والاتحاد الأوربي وبعض الدول العربية في سورية.
من المعلوم أن قرارات دولية رسمية، وغير رسمية كثيرة قد صدرت بخصوص الأزمة السورية، بقي منها في محور الاهتمام القرار 2254. وإذا كان ثمة اعتقاد سائد بأن الخروج من الأزمة السورية يحتاج قبل كل شيء إلى توافق روسي-أمريكي عليه، فقد بدا أن هذا التوافق قد تأمن أخيرا في البيان الرئاسي الروسي- الأمريكي الذي صدر عن لقاء الرئيسين بوتين وترامب على هامش مؤتمر أبيك في مدينة دانا نج الفيتنامية. لكن وقبل أن يجف حبر البيان بدأت تظهر قراءات مختلفة له من قبل الروس والأمريكان مما يؤشر على أن ثمة جهود إضافية ينبغي أن تبذل لإنضاج ظروف ومقومات التسوية السياسية. لقد ركز البيان على وحدة وسلامة الأراضي السورية وسيادة الدولة عليها، وعلى علمانية الدولة وهي مبادئ عامة حاكمة لأية تسوية سياسية، ورد ذكرها في جميع القرارات الدولية الرسمية وغير الرسمية التي صدرت بخصوص الأزمة السورية. لكن أهم ما تضمنه البيان هو الآتي: " واتفق الرئيسان على أن الصراع في سورية ليس له حل عسكري. وأكدا أن التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع يجب أن تكون في إطار عملية جنيف، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254." وأشارا أيضاً إلى الإعلان مؤخراً عن التزام الرئيس الأسد بعملية جنيف، والتغيير الدستوري والانتخابات، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254. وأكد الرئيسان أن هذه الخطوات تفترض التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك التغيير الدستوري والانتخابات الحرة والنزيهة - تحت إشراف الأمم المتحدة ووفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، وإعطاء الحق لجميع السوريين، بمن فيهم من هو موجود الآن في الشتات الحق في المشاركة فيها، وأكد الرئيسان التزامهما بسيادة واستقلال سورية.
أذن لا حل عسكري للأزمة السورية، وان التسوية النهائية ينبغي أن تضمن تغيير الدستور، وإجراء انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وفق أعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة. هذه الخلاصة التي وردت في البيان الرئاسي وهي متضمنة في القرار 2254 على ما يبدو لم يعد لها قيمة بعد المواقف الأمريكية المستجدة وخصوصا اعتراف ترامب بالسيادة الاسرائيلية على الجولان السوري المحتل مما يجعل امريكا تفقد مصداقيتها كدولة راعية للسلام. إضافة ذلك ثمة خشية حقيقية من احتمال اعاقتها لعملية الحوار المطلوبة بين قوات سورية الديمقراطية والادارة الذاتية في شمال شرق سورية مع السلطة المركزية في دمشق. ومما يسهل نجاح امريكا في هكذا احتمال عدم جدية دمشق في الحوار مع القوى الكردية، وإن ما تطلبه منهم هو لا يعدو كونه الاستسلام وليس الحوار.
من منظور مصالح سورية وشعبها كنا ولا زلنا نعتقد منذ بداية الحراك الشعبي السوري، بأنه لا بد من تغيير جذري للنظام الاستبدادي القائم يفضي إلى نظام ديمقراطي علماني لامركزي، وهذا التغيير لا بد أن يبدأ بإعداد دستور جديد لسورية المستقبل، يسترشد بما تم الاتفاق عليه من مبادئ ما فوق دستورية تم التوصل إليها في مؤتمر القاهرة الأول للمعارض السورية بكل أطيافها.
6-1- السيناريو المرغوب للخروج من الأزمة واعادة بناء الدولة السورية
يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الآتية:
أ-فشل النظام الاستبدادي في حماية سورية والحفاظ على وحدة نسيجها الاجتماعي من التهتك.
ب-فشل معارضة النظام في تقديم بديل مقنع وذي مصداقية.
ت-تهتك النسيج الاجتماعي بسبب الصراع المسلح بين النظام والمعارضة المسلحة
ث-بروز الهويات الصغرى الطائفية والمذهبية والاثنية والجهوية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، وتنامي الحساسيات بينها.
ج-فشل النظام في التنمية الشاملة والمتكافئة لجميع مناطق سورية
ح-إعادة إعمار سورية يتطلب مشاركة جميع السوريين فيها بفعالية على قاعدة المصالح الخاصة.
خ- الحياة السياسية الطبيعية واحترام حقوق الإنسان قضايا أساسية لمشاركة جميع السوريين في إعادة إعمار البلد وتلافي الآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية الناجمة عن الصراع المسلح.
د-ثمة مطالب حقيقية للشعب السوري تتعلق بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية تم طمسها من جراء الصراع المسلح، وهي ضرورية لمشاركة جميع السوريين في إعادة إعمار بلدهم بفعالية ونشاط.
ذ- المصالح الدولية في سورية مصالح حقيقية ولا بد من تلبيتها، وإن أفضل طريقة إلى ذلك تأسيسها على قاعدة المصالح المتبادلة التي يؤمنها الشعب السورية بكامل حريته من خلال نظام سياسي مناسب.
ر- سياسة المحاور ليست ملائمة لسورية في المستقبل، ولا بد من انفتاح البلد على كل الدول على قاعدة المصالح الوطنية.
ز-الإقرار بأن المجتمع السوري متعدد التكوين الاثني والطائفي والمذهبي واللغوي، وان ثمة قضايا قومية للكرد والسريان الأثورين والتركمان وغيرهم ينبغي حلها في الإطار الوطني.
س- إن مبادئ الحكم الرشيد( الحوكمة) مبادئ أساسية في بناء هذا السيناريو.
في ضوء الفرضيات السابقة فإن شكل الدولة ينبغي أن يتغير باتجاه مزيد من نقل الصلاحيات من المركز إلى الأطراف، على قاعدة إعادة بناء الدولة على أسس مختلفة، بحيث تعد الوحدات الإدارية على مستوى المحافظات القائمة أو التي يمكن استحداثها، وحدات حكم محلية وليس مجرد وحدات إدارية تنفذ ما يقرره المركز. بناء على ذلك ينبغي أن يكون لكل محافظة مجلسها التشريعي المنتخب وحكومتها المحلية وحاكمها المنتخب. تناط بالحكومة المحلية كل الصلاحيات التي لها علاقة مباشرة بحياة المواطنين فيها مثل الخدمات البلدية والصحية وإدارة العملية التعليمية، والتنمية الاقتصادية المحلية، وغيرها يحددها بالتفصيل قانون خاص بها، كما يحدد طبيعة ولاية السلطات المركزية على السلطات المحلية.
يحتفظ المركز بما له علاقة بسيادة الدولة، وخصوصا الجيش والمؤسسات الأمنية الوطنية والتمثيل الدبلوماسي، والسياسة الخارجية، والمالية، ورسم السياسيات الكلية للدولة سواء في المجال الاقتصادي، أو الاجتماعي أو الأمني وغيرها، يحددها الدستور الوطني بالتفصيل.
يتطلب هذا السيناريو بناء نظام سياسي ديمقراطي رئاسي - برلماني يعتمد النسبية ، وسورية دائرة انتخابية واحدة، فيما يخص الانتخابات البرلمانية الوطنية، ويعتمد المحافظة دائرة انتخابية واحدة بالنسبة لانتخابات هيئات الحكم المحلية، والدوائر الصغرى بالنسبة لإدارة البلديات، ونظام القوائم الحزبية أو المدنية. يتطلب هذا السيناريو أيضا الاعتراف بالحقوق القومية لكل المكونات القومية للشعب السوري، وخصوصا الحقوق القومية للكرد السوريين، بما يسمح لهم بإدارة كل ما له علاقة بازدهار هويتهم. لتحقيق ذلك قد يكون من المناسب إنشاء محافظات جديدة ذات غالبية كردية وإدارتها ذاتياً كوحدات إدارية مثل بقية المحافظات. في إطار هذا النظام للحكم تتولى السلطات المركزية التشريعية إصدار القوانين الكلية النموذجية، على أن يترك للحكومات المحلية أن تشتق منها ما يلائم ظروفها، أو أن تطلب من المشرعين الوطنيين أن يلحظوا فيما يصدرونه من قوانين وتشريعات الخصوصيات المحلية. يتطلب هذا النموذج للحكم تكوين أحزاب محلية إلى جانب الأحزاب الوطنية.
إلى جانب العمل على دستور جديد ينبغي لأي حل سياسي قابل للنجاح والاستمرار من الشروع في تطبيع الأوضاع السياسي والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، بدء من إغلاق ملف المعتقلين، والعمل على المصالحات الوطنية الشاملة، وضمان حرية العمل السياسي والإعلامي والمدني خلال فترة انتقالية كافية وصولا إلى الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية المتزامنة النزيهة والشفافة والمنظمة والمراقبة من قبل الأمم المتحدة. وبديهي أن هذه المرحلة ينبغي أن تقودها حكومة مشتركة من المعارضة والنظام والمستقلين( ليس مهما تسميتها حكومة انتقالية أو حكومة وحدة وطنية) على أن يكون رئيسها من المعارضة في حال تم التوافق على بقاء الرئيس الحالي في منصبه. وفي حال تعذر التوافق على إعلان دستوري يحكم المرحلة الانتقالية يمكن العمل بالدستور الحالي لعام 2012 على أن تكون صلاحيات الرئيس فيه ثنائية التوقيع من قبل رئيس الدولة ورئيس الوزراء. ومن المفهوم انه بقدر ما يجري تسريع العمل بإعداد دستور جديد بقدر ما يتم تسريع إنهاء العمل بالدستور الحالي.
معوقات السيناريو: من الواضح أن هذا السيناريو مبني على فرضيات تستلهم مصلحة الشعب السوري بالدرجة الأولى، ومشتقة من المبادئ العامة للحكم الرشيد(الحوكمة)، ولأنه كذلك كما نزعم تواجهه بعض المعوقات التي قد تحول دون تحققه. من هذه المعوقات ما له طبيعة ثقافية عامة تتعلق بضعف قبول ثقافة التعدد والاختلاف في مجتمعنا، بسبب هيمنة الثقافة الإسلامية وأنماط التفكير الدينية المنتجة لها. ومنها ما له طبيعة سياسية تتعلق أساسا بالنظام الذي يراهن على بقاء الاستبداد مع بعض التعديلات غير الجوهرية عليه، ومنه ما له علاقة بالمعارضة التي لا تختلف جوهريا عن النظام فهي مثله متكونة استبدادياً، عداك عن النخب الاجتماعية المختلفة التي شوهها الاستبداد والثقافة الإسلامية المهيمنة. إضافة إلى هذه المعوقات الداخلية التي ذكرناها والتي لم نذكرها، هناك معوقات خارجية. هذا النموذج في حال استقراره سوف يحول البلد إلى قوة حضارية وتنموية وإنسانية غير مسبوقة في المنطقة، مما يجعله غير مرغوب من أغلب الدول الإقليمية( وربما البعيدة) وبصورة خاصة من قبل إيران وتركيا وإسرائيل وبعض الدول العربية. مع ذلك لا بد من العمل والنضال لجعل الغلبة لهذا السيناريو سواء في أي حل سياسي للأزمة السورية أم في المستقبل، لأن فيه مصلحة الشعب السوري والدولة السورية.
6-2 سيناريو أكثر احتمالا (سيناريو الأمر الواقع)
إن نسبة هذا السيناريو إلى الأمر الواقع لا يعني أن السيناريو الأول لا ينتسب إليه، بل للقول أن هذا السيناريو يقوم أساسا على موازين القوى الميدانية بالدرجة الأولى، وهو بالتالي يأخذ بالحسبان مصالح النظام وحلفائه بالدرجة الأولى. يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الاتية:
1-انتصار النظام وحلفاؤه في معركته ضد المعارضة المسلحة بكل تسمياتها.
2-تنامي النفوذ الروسي والايراني في سورية،
3-تراجع نفوذ الدول التي دعمت المعارضة المسلحة في الساحة السورية،
4- تحولات سياسية مهمة لدى كثير من الدول التي دعمت المعارضة السورية سواء السياسية أم المسلحة منها، لجهة القبول ببقاء النظام ورئيسة في أية تسوية سياسية محتملة.
5-ضغط روسيا لتجاوز جميع القرارات الدولية التي صدرت بخصوص الأزمة السورية، والعمل على جعل الحل السياسي توافقي بين النظام والمعارضة من خلال اجراء حوار مباشر بينهما.
6-تسليم الدول الغربية والاقليمية والعربية بأهمية الدور الحاسم لروسيا في الأزمة السورية، القائم اساسا على مصالحها الاستراتيجية في سورية.
7-حصول تحولات مهمة في مزاج الشارع السوري، نتيجة معاناته الشديدة من الأزمة واستمرارها. فهو لم يعد يبالي بمن سوف يحكمه، بقدر ما يهتم بإيجاد حلول تخفف عنه معاناته وتوقف القتل والتدمير.
في ضوء الفرضيات السابقة الذكر، وغيرها لم نذكره، فإن الحل السياسي الأكثر احتمالا وواقعية، للأزمة السورية سوف يقوم الروس بالتعاون مع ايران وتركيا بالدرجة الأولى، وامريكا وبعض الدول العربية، بالدرجة الثانية، بإنضاجه عبر مساري استانا وسوتشي، او عبر التفاهمات الدولية الثنائية، ليقوم المجتمع الدولي لاحقا بإخراجه عبر مسار جنيف. غير ان ثمة احتمال آخر لعملية الاخراج وهو عقد مؤتمر وطني في دمشق تشارك فيه جميع القوى المحلية الموالية والمعارضة، وهيئات المجتمع المدني، وهو احتمال يفضله النظام، وينبغي ان لا ترفضه المعارضة في حال تأمنت لها ظروف المشاركة بحرية. يرجح أن يتضمن هذا الحل المحتمل ما يأتي:
اعداد دستور ديمقراطي جديد لسورية، من قبل لجنة من السوريين يتم التوافق عليهم من قبل النظام وحلفائه، والمعارضة وحلفائها، بمساعدة الأمم المتحدة، يؤكد على بقاء النظام الرئاسي.
بقاء العمل بالدستور الحالي معمولا به خلال الفترة التي يطلبها اعداد الدستور الجديد واقراره، وعلى الأرجح سوف تستمر بعد ذلك حتى نهاية الولاية الدستورية الحالية للرئيس، وربما الولاية الثانية، وهو سوف يدفع بهذا الاتجاه.
بقاء الرئيس الحالي في منصبه حتى نهاية ولايته الحالية، ومن المرجح أن يبقى بعد ذلك حتى نهاية ولايته الثانية.
الاحتفاظ بالأجهزة العسكرية والأمنية على حالها، إلى ما بعد اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، على أساس الدستور الجديد.
بناء الدولة السورية سوف يلحظ نقل مزيد من الصلاحيات إلى المحافظات من خلال تفعيل قانون الادارة المحلية، وربما اعداد قانون جديد او تطوير القانون الحالي.
منح الكرد نوعا من الإدارة الذاتية الثقافية.
السماح بالعمل الحزبي والنقابي بعيدا عن الدولة، واخراج حزب البعث من جميع مؤسساتها وأجهزتها.
استيعاب بعض عناصر المعارضة المسلحة في اجهزة الشرطة، وقوات حفظ النظام العام في المحافظات.
تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة، وتمنح صلاحيات أكبر خصوصا لجهة العمل على اعادة الاعمار، وتطبيع الحياة السياسية والاجتماعية، وتأمين عودة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم .
هذا السيناريو الذي يعمل عليه الروس بالدرجة الأولى، لن يؤدي إلى تغيير النظام بصورة جذرية وشاملة إلا على المدى البعيد، وعلى افتراض ان النظام لن يلغيه بمجرد ان يتمكن من جديد في حكم البلد. مع ذلك فإن المعارضة الحقيقية بمختلف أطيافها تمتلك حق الفيتو والقول " لا " لأي حل سياسي لا يلبي المطلب الرئيس للشعب السوري، وذلك بالانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي مشبع بقيم الحرية والمسؤولية والقانون، وعليها ان تستخدم هذا الحق في حال لم يتحقق هذا المطلب الرئيس. بطبيعة الحال قد لا يغير ذلك من مجريات الحل لكنه يستثمر سياسياً في التاريخ القادم. إنها مرحلة عصيبة بلا شك مرحلة الخروج من الأزمة السورية خصوصا وان معالم هذا الخروج لا يحددها السوريون بأنفسهم، بل دول أجنبية عديدة متدخلة فيها، لا يهمها منها سوى التأمين على مصالحها على المدى البعيد. لكن ذلك ليس نهاية المطاف والتاريخ لا ينتهي هنا، فالشعب السوري الذي كان امثولة في التضحية في سبيل حريته وكرامته، وفي سبيل نظام ديمقراطي حقيقي، لا بد حاصل عليها، وفي مستقبل ليس ببعيد.
معوقات تنفيذ هذا السيناريو
بعد نحو تسع سنوات من الصراع المسلح الذي دمر سورية، ومزق نسيجها الاجتماعي، صار النقاش الدولي كله يتركز حول وضع نهاية لهذه المأساة غير المسبوقة في التاريخ من خلال اعداد دستور جديد، واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية متزامنة تحت رقابة دولية ووفق اعلى " معايير الشفافية والمصداقية"، وحول الفترة الفاصلة بين التوافق على الدستور الجديد واجراء الانتخابات، والتي تسمى بالمرحلة الانتقالية.
مع ذلك ينبغي الاقرار بأنه لا يوجد تصور مشترك لا دوليا( بين روسيا وامريكا)، ولا اقليميا( بين ايران وتركيا)، ولا محليا بين النظام ومختلف قوى المعارضة السورية، حول هذه القضايا الثلاث المحورية. وهذا بحد ذاته يشكل اهم عقبة امام هذا السيناريو.
اضف إلى ذلك لا يمكن الوثوق بالنظام، فليس مستبعدا ان يرتد على مخرجات هذا السيناريو، ويعيد بناء نظامه الاستبدادي من جديد، وربما بصورة محافظة اكثر.
وأيضاً لا يمكن الوثوق بجدية ايران في اجراء تغييرات حقيقية في قوام النظام الحالي، مع انها كانت قد طرحت مبادرة بهذا الخصوص. فإيران الطامحة إلى تكوين مجال حيوي لها في الدول العربية، وحققت نجاحات كبيرة على هذا الصعيد، لا يمكن ان تقبل بخروج سورية من نطاق هذا المجال الحيوي.
بدورها الدول العربية وخصوصا في الجزيرة العربية، من غير المحتمل ان تسلم بنفوذ ايران في سورية، وسوف تعمل في أية تسوية محتملة للأزمة السورية على ان تحد من هذا النفوذ.
وينبغي ان لا نغفل دور اسرائيل، ومن خلفها امريكا على وجه الخصوص، في أي سيناريو محتمل للخروج من الأزمة السورية، فهي لن توافق على أي سيناريو إلا إذا ضمن لها أمنها. فهي أيضاً لن توافق على تنامي النفوذ الايراني في سورية وسوف تعمل على الحد منه.
وتبقى الكلمة الفصل في تحييد هذه العقبات من امام هذا السيناريو هي لروسيا. فهي دولة صار لها مصلحة حقيقية في وضع نهاية لهذه الأزمة، خصوصا بعد ان ضمنت تواجد عسكري لها في سورية لخمسين سنة قادمة. ولذلك فإن مصلحتها الاستراتيجية تقتضي بإجراء تغييرات حقيقية وجوهرية على النظام الحالي لجهة انفتاحه أكثر على قيم الديمقراطية والحرية والقانون على الطريقة الروسية في الأغلب الأعم. وهي بلا شك تستعجل الحل للبدء بإعادة الاعمار وجني المكاسب.