شعارات تعبر عن وعي ثوري وعمق سياسي


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 6446 - 2019 / 12 / 24 - 21:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

المظاهرات الشبابية التي انطلقت في مدينة الشطرة الباسلة في الأيام الأخيرة اعطت لثورة الشباب الساعية الى التغيير والإصلاح الجذري مقومات ثورية جديدة من خلال الشعارات التي تبنتها الجماهير والتي كانت لها دلات لا يمكن تجاهلها. لقد تنادى المتظاهرون الشباب وبكل جرأة ، قد تحدث لأول مرة ، بطرح مواضيع تدل على الكثير من الوعي الفكري الثوري المقترن بعمق سياسي ، وقد تجلى ذلك من خلال:
اولاً:مواضيع الشعارات التي تناولت مجالات كثيرة يمكننا ان نطلق عليها بوصلة الثورة.
ثانياً:العمق التاريخي والسياسي لهذه المواضيع
ثالثاً:الدلاءل المستقبلية لمثل هذه الاطروحات
رابعاً: التفاؤل الذي يرتبط بمثل هذه التطورات في الثورة الشبابية في وطننا
اما ما يتعلق بالمواضيع التي تناولتها الشعارات فلا يمكن إلا وصفها بانها مواضيع تخطت كل الحواجز التي ربطها تجار الدين ولصوص الأحزاب الإسلامية الحاكمة بالقدسية التي اكثروا من خطوطها الحمراء حتى لم يعد اشد المتدينين ايماناً ان يميز بين خطوطهم هذه التي لم يعد يربطها اي رابط بالدين او الإيمان الروحي الخالص.
فحينما تنطلق حناجر الشباب تندد بهذه القمامات التي ترفض تدويرها وتفتش عن قائد لا علاقة له بكل هذه القاذورات التي تحكمت بوطننا خلال الست عشرة ستة الماضية، فإن ذلك يشير بكل وضوح الى مدى استيعاب الثورة الشبابية لحركة التاريخ التي افرزت هذه القمامات الغير صالحة للتدوير فعلاً، إذ انها مليئة بالسموم التي لا يمكن ان تتحلل او تتحول الى ما يفيد الضرع والزرع ، ناهيك عن الإنسان ومتطلبات حياته بكرامة وسعادة ورخاء.
وحينما تنطلق حناجر الشباب بترديد شعار : منريد قائد جعفري ، من اوساط جماهيرية تنتمي مذهبياً الى هذا التوجه معللة ذلك بالتنبؤ الواثق بان مثل هذا القائد سيكون سرسري كسابقيه من هذا الصنف، فإن ذلك يعني ان عمق التحليل في عقول هؤلاء الشباب قد أخذ ابعاداً لا يمكن الإستهانة بها ويمكنها ان تشكل دروساً لكل اولئك الذين راهنوا على خنوع الجماهير واستكانتها وتعايشها مع الأمر الواقع المفروض عليها من طغمة لصوص تاجرت بالدين الى الحد الذي فقدت فيه حتى رأسمالها التقليدي الذي بنته على الأكاذيب وخداع الناس واستغباءهم بكل الأطروحات الخرافية التي تبنتها هذه الزمرة القذرة في الأحزاب الإسلامية وكل من ناصرهم ووافق على لصوصيتهم من عصابات البعثفاشية المجرمة ومن رواد التعصب القومي البغيض بكل اشكاله القبيحة. كما انها تشكل بوصلة التوجه الثوري الذي يرافق الثوار والمسيرة التي تتبناها ثورتهم.
وحينما يردد الشباب الشطري الأطروحة التي يتغنى بها كل الشعب العراقي والتي تعبر عن الأحاسيس والمشاعر العراقية الصادقة في الأخاء والتعايش المشترك والتي تؤكد على : قائد شريف ومو مهم عدنا الديانات ، فإن ذلك يعني إنعكاساً حقيقياً لكل ما يفكر به العراقي الشريف الأبي الذي ينطلق من المواطنة لا غيرها في علاقته مع اخته العراقية او اخيه العراقي. إن التاكيد على مثل هذه المشاعر الوطنية اصبح اليوم ضرورة ملحة لإفساد وتعطيل اطروحات الحقد والكراهية والإحتراب بين اهل الوطن الواحد التي سعى ولم يزل يسع لها تجار الدين ، رواد الخزعبلات الإسلاميين وكل عصاباتهم العاملة تحت حراسة مليشياتهم وفرقهم المسلحة.
هذه الشعارات الثورية وغيرها افرزت التوجه الثاني في الثورة الشبابية العراقية والمتعلق بالعمق التاريخي والبعد السياسي لهذه المواضيع. وحينما نراجع التاريخ الثوري في وطننا فلابد لنا وان نتوقف عند انتفاضة الشعب العراقي على دكتاتورية البعثفاشية المقيتة عام 1991 والتي حاول البعض اخراجها عن طابعها العراقي الشعبي وإلصاقها بالتوجه الديني المذهبي ، خاصة من خلال إطلاق شعار، نريد قائد جعفري، والذي ادى الى وضع مبررات قمعها بيد النظام البعثي ودكتاتوريته الجائرة وكل ما افرزته الصفة الطائفية التي ألصقها تجار الدين آنذاك بالحس الجماهيري والذي انعكس بعد سقوط دكتاتورية البعث من قبل تجار الدين الجدد سياسيي الصدفة البائسة التي مكنتهم من العراق وشعبه فكانوا مثلاً قذراً لكل ما يحمله الحكام الجائرون الظالمون من قهر وإجحاف بحق شعوبهم . لقد تجاوز الشباب العراقي الثاتئر كل هذه المطبات التي سبق وان وضعها اعداؤه في وجه ثورته السابقة ليعيدوا امجادهم بدراسة كل هذه الهفوات وتجنبها ، لابل التأكيد على رفضها وتبني الضد منها تماماً. وما هذا لعمري إلا دراسة واقعية للتاريخ ومعطياته التي لابد لكل ثوري ان يتعامل معها بكل علمية وموضوعية ، وهذا ما فعله شباب الثورة اليوم من خلال طرحهم لشعاراتهم الثورية هذه.
اما الدلاءل المستقبلية لمثل هذه الأطروحات فقد اصبحت واضحة بشكل لا يمكن إلا ان يفخر به كل عراقي سعى ويسعى الى الأخاء المجتمعي والسلام الوطني الذي سيتحقق فعلاً بعد القضاء على النفس الطائفي الذي اججه الإسلام السياسي بكل عصاباته ومليشياته التي خلقت اجواء العداء بين العراقيين والتي قضى عليها الى الأبد شعار المتظاهرين الذي رددوه بملئ حناجرهم : قائد شريف ومو مهم عدنا الديانات.
وكما أكدت الجماهير المنتفضة على القضاء على الطائفية المقيتة وكل دعاتها فإنها اكدت في نفس الوقت على مدى التصضاقها بالعراق اولاً وآخراً وبالهوية العراقية والمواطنة العراقية كاساس للإنتماء. فعندما رفضت الجماهير الثائرة ذيول السفارات والخانعين للأجنبي في كل مساعيهم ونشاطاتهم السياسية، فإن هذه الجماهير رفضت ايضاً بيع الوطن وخيراته للأجنبي وتجويع اهل الوطن . شعارات واضحة لا لبس فيه ولا غموض تتجه نحو العراق اولاُ واخيراً وليس غير العراق.وما ذلك إلا مفتاحاً لباب المستقبل الزاهر للوطن الذي ينتظر اهله بعد زوال طغم الخونة واللصوص من اراضيه.
إن كل ذلك يجعلنا نتفاءل بمستقبل لأجيالنا القادمة التي لا نريد لها ان تعيش بؤس الأنظمة الغاشمة التي تحكمت باهلنا ووطننا . فإذا ما تجاوزنا الفترة التي رافقت تاسيس الجمهورية العراقية الأولى وما انجزه الزعيم الوطني الخالد عبد الكريم قاسم، فإن وطننا قد عاش حقباً تاريخية مظلمة طيلة تاريخه الذي اعقب زوال حضاراته الأولى .
في هذا العالم السريع الخطى نحو الحضارة والمدنية لابد لأجيالنا القادمة ان تضع الأسس الكفيلة ببناء الدولة العراقية المدنية الديمقراطية العلمانية التي تشكل الضمان الأساسي للحاق بالمجتمعات المتطورة في عالم اليوم ، وما شعبنا باقل قدرة وهمة واصرار على مسايرة هذا التقدم والتطور العالمي، وثورة الشباب هذه هي الوسيلة الأكيدة والرصينة لذلك.