ومازالت الصعلكة مستمرة! 1/2


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 6434 - 2019 / 12 / 10 - 16:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الحديث عن الصعاليك وأعمال الصعلكة الإجرامية المنظمة قبل التأسلم وبعده في شبه جزيرة العربان، حديث له جاذبية لا تنضب وشجون لا تنقطع، ومع ذلك هناك مئات إذْ لم يكن آلاف الكتب والدوريات ومواقع الإنترنت وغيرها الكثير تبحث وتتحدَّث عنهم وعن جرائمهم بنفس الكلمات ونفس المعلومات. كما أن هناك أيضًا من يمجِّد دورهم ويرفع من شأنهم - بلا خجل - في نصرة الأسلمة المحمدية، وذلك في محاولة يائسة للخروج من ورطة تسخير النبي لهم في القيام بجرائمة، وكأنَّ ديانته كانت في حاجة إلى إجرامهم كي تنشر رحمتها بين الناس. إلَّا أنَّ جميع الكتّاب لا يجزمون صراحة بأنه كان صعلوكًا من الصعاليك، ولم يشر أيٌّ منهم مباشرة إلى أن دعوته قامت في الأساس على فلسفتهم في الحياة، وأنها لم تكن لتتم بدونهم، بل أن فلسفتهم هي التي مازال العمل بها جاريًا حتى اليوم تحت مسمَّى ”الإسلاموية“!

كيف حدث ذلك، ولماذا؟
من الواضح أن كتب السيرة النبوية التي كتبهما نفر من الفرس بعد موت نبي الأسلمة بمئتي عام على الأقل، كانوا مكلفين بكتابتها من قبل السلاطين الأمويين ثم العباسيين، وكان السيف مسلطًا على رقابهم عند كتابتها، ليكتبوا ما يملى عليهم وما يريده السلطان ويرضى عنه، لإخراج أسطورة بطولية تحمل رسالة إلهية. وفي سردهم لسيرته، لم يذكروا شيئًا ذا قيمة تاريخية عن حياته خلال فترة الَـ25 سنة الأولى التي عاشها في مكة قبل إدِّعائه النبوة. كل ما نعرفه منهم - خلال تلك الفترة التمهيدية الهامة جدّا من حياته - أنه ولد بعد أربع سنوات من موت والده، وفقد أمه في سنّ مبكر، فتربى في كنف جده (عبد المطلب)، حيث ترعرع، وعمل بالرعي ثم بالتجارة حتى تزوج في سن الخامسة والعشرين من خديجة بنت خويلد.
ويؤكد الكتّاب على أنه إتَّسم في تلك الحقبة بالصدق والأمانة ولقب بـ”الصادق الأمين“مع أنهم لم يقدموا دليلًا واحدًا على صدقه أو أمانته، بل نجدهم يقدمون أشارات قوية على اتهام المجتمع له بالإفك والكذب بل والجنون، وقد أشار قرآنه إلى ذلك في أكثر من موقع كما في سورة ص الأية 4. كما يعرف الجميع أنه أباح الكذب إلى جانب سلوكيات أخرى مشينة لنفسه ولأتباعه المتأسلمين!
والملف للعقل السليم أن أولئك الكتّاب حاولوا طمس أية صلة له بالصعاليك وهو في عنفوان شبابه، ولم يتجرأ أحد منهم على القول (صراحة) بأنه كان صعلوكًا بالفعل، أو أنَّ أحدًا من صحابته المقربين كان كذلك، باستثناء شخص واحد فقط، هو أبو ذر الغفاري.
ولكن الكتَّاب لم يكونوا بالغباء المتوقع منهم تحت حد السيف، بل كانوا في منتهى الخبث والذكاء، فبثُّوا إشارات مقتضبة وتلميحات خاطفة بين ثنايا كتبهم، تفيد ضمن إفاداتهم، بأنه نشأ وترعرع بين الصعاليك وأنه (قد) يكون هو نفسه صعلوكًا ضمن الصعاليك والفاسقين المخلوعين عن قبائلهم الذين كانوا ينزلون في بيت جده (المزعوم) عبد المطلب وابنه الزبير لحمايتهم، أو أنه على الأقل قد استغل وجودهم معه في البيت وسخرهم لخدمة أهداف تحت غطاء ديني.
يقول جواد علي: « وأما “أبو الطَّمَحان” القَيْني، فهو “حنظلة بن الشرقي ” من بني كنانة، وكان خليعا فاسقاً، متهتكا، لا يعرف خلقا او أدبا، نازلاً بمكة على الزبير بن عبد المطلب». المرجع: (المفصل، جزء 9، ص 621)
ويقول ابن حجر العسقلاني عن أبي الطحان هذا أنه كان نديما للزبير بن عبد المطلب. (ابن حجر، الاصابة في تمييز الصحابة، رقم 2013).
وقال الأصفهاني في أغانيه، جزء 11، ص 125: « وكان ينزل عليه (اي على الزبير بن عبد المطلب) الخلعاء ويجمع الصعاليك عنده.
كذلك قال المرزباني في معجم الشعراء، ص 282: « ونزل “مطرود ابن كعب” الخزاعي، في جوار “عبد المطلب”».
في ذلك الوقت بحسب جواد على: « كانت مكة على ما يظهر من أخبار أهل الأخبار، مكاناً آوى اليه ذؤبان العرب وخلعاؤهم وصعاليكهم، حتى كثر عددهم بها، لما وجدوه فيها من حماية ومعونة". المرجع: د. جواد علي، المفصل، جزء 9، ص 618
------------------------وكان الذين يريدون استخدام الصعاليك الخلعاء يأتون لمكة بسبب تواجد كثيرين هناك. فلما أراد “أبو جندَب” الهُذلي، الأخذ بثأر جارين له قتلهما “بنو لِحيان”، قدم مكة، فأخذ جماعة من خلعاء بَكْر وخُزاعَة، وخرج بهم على بني لِحيان، وكان قد “قدم مكة، فواعد كل خليع وفاتك في الحرم أن يأتوه يوم كذا وكذا، فيصيب بهم قومه. المرجع: (الاغاني للأصفهاني، مجلد 21، ص 62).
ونجد أبا طالب جد النبي يقول صراحة إن أولئك الصعاليك كانوا يتبعون النبي ويأتمرون بأمره، للقيام بأعمال إجرامية، قال:« كأني انظر الى صعاليك العرب قد اجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا امره فخاض بهم غمرات الموت ». المرجع: (السهيلي الروض الآنف جزء 2، ص 175).
أمَّا أهل قريش من ناحيتهم فقد طعنوا في صحة قرآنه وانعدام الخير فيه، بسبب أن الصعاليك كانوا أول من اتبعوه، فجاء في تفسير الرازي، تعليق على سورة الاحقاف، القول بـ:« أن القوم طعنوا في صحة القرآن، وقالوا لو كان خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء الصعاليك».
تذكر كتب السيرة أن عدد الذين تأسلموا خلال 13 عامًا من إدِّعائه النبوة في مكة كان 90 شخصًا حسب بعض التقديرات أو لا يزيد على 145 شخص في تقديرات أخرى، جميعهم كانوا من الأحداث والعبيد والموالي المستضعفين والمضطهدين، وكانت غالبيتهم من الشباب. المرجع: (إبن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، جزء1، ص 175)، وبصرف النظر عن التفاوت في العدد، فإن في ذلك إشارة ضمنية إلى أنهم كانوا من الصعاليك، وإلَّا ما نفر القريشيون منهم وضاقوا بهم ذرعًا، فطلبوا من محمد أن يطردهم عنه، ولكنه بدلًا من ذلك، أخذهم معه فيما يُعرَف بالهجرة إلى يثرِب، وبشرهم بانهم سوف يدخلون جنتة قبل غيرهم…. فقال: «أبشروا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور يوم القيامة تدخلون قبل الأغنياء بنصف يوم وذلك خمسمائة عام». المراجع: (البداية والنهاية - ابن كثير، جزء 9، ص 125، سنن أبي داود، حديث رقم 3666، الهندي، كنز الاعمال، رقم 16576 و 16614، مِشْكَاةُ الْمَصَابِيحِ، للتبريزي، جزء1 ص 307).
كما أمر النبي الكريم بتفضيل المجاهدين في سبيل الله (المقصود سبيله هو) من الصعاليك المهاجرين على صدقات الآخرين، فقال:« أعَجَبَكُم صدقَةُ ابنِ عَوف، لرَوعَةُ صعلوك من صعاليك المهاجرين يجر سَوطه في سبيل الله أفضل من صدقة ابْنِ عَوف. المرجع: (الهندي، كنز الاعمال، رقم 10683، وهنا يقصد أن ما يؤخَذ بالقهر والقتال (الغنيمة) أفضل بكثير من الصدقة التي تؤخذ من مال متأسلم تطهرها له وهو جالس في خيمته. ولذلك كان يستفتح توزيع الغنائم بصعاليك المهاجرين (اسد الغابة، لابن اثير، جزء 1، ص 164).
فهل كان هذا الإعجاب الشديد بالصعاليك خاصة الذين تركوا مكة وذهبوا معـه إلى يثرِب، نابعًا من فراغ أم أن له صلة وثيقة به وبأعماله الإجرامية تحت غطاء الدين؟
إن جميع هذه الشذرات البسيطة والحيثيات الدقيقة المبثوثة هنا وهناك في غابة سوداء من كتب السيرة والتراث، من التشكيك في مولده وفي نسبه والتعتيم المتعمَّد على الفترة الأولى من حياته وعلى أفعاله خلالها، تشير بوضوح إلى أنه كان صعلوكًا ضمن الصعاليك العتاة الذين آواهم وحماهم جده المزعوم عبد المطلب وابنه في بيتهما.

الصعاليك وفلسفتهم في الحياة
لا يخفى على أحد أن كلمة صعلوك من الكلمات البذيئة التي تجري على ألسنة العربان والمستعربين حتى اليوم، ولكن قد يخفى على الكثيرين منهم الكيفية التي نشأوا بها الصعاليك في شبه جزيرة العربان وما هي فلسفتهم في الحياة وماذا كانوا يفعلون، وقبل هذا وذاك ما هي صلتهم بمحمد، وهل تبنّى فلسفتهم فتعاونوا معه في محاربة القبائل وسلبها ونهبها وقتل رجالها وسبي نسائها واغتصابهن … خاصة وأن حروبه تختلف عن حروبهم من حيث التنسيق والكثافة والدافع الديني، مما يعطيهم مجالًا أوسع لنشر فلسفتهم وزيادة غنائمهم؟
الدكتور شوقي ضيف حدد في كتابه ”العصر الجاهلي“: « الصعلوك في اللغة الفقير الذي لا يملك من المال ما يعينه على أعباء الحياة، ولم تقف هذه اللفظة في الجاهلية عند دلالتها اللغوية الخاصةً، فقد أخذت تدل على من يتجردون للغارات وقطع الطريق» المرجع: (العصر الجاهلي، دار المعارف ، ط 13، ص 375)
كان الصعاليك يمتهنون غزو القبائل بزعم محاربة الفقر والاضطهاد وذلك بالاخذ من الاغنياء وإعطاء المنبوذين أو الفقراء، ولم يعترفوا بالمعاهدات أو الاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى، مما أدى إلى خلعهم من قبائلهم. وكانت فلسفتهم بحسب العلامة جواد علي تنحصر في الادعاء بحقهم في انتزاع أي شيء من مالكه. فهم حاقدون على مجتمعهم، متمردون عليه… لا يبالون من شيء ولو كان ذلك سلباً ونهباً وقتل أبناء قبيلتهم وعشيرتهم، لأنهم خلعوا منها…وكل ما تقع أعينهم عليه، هو مفيد لهم، ومن حقهم بحكم فقرهم انتزاعه من مالكه، وإن كان مالكه فقيراً معدماً مثلهم، ويرون الخلاص من هذا الذل بالحصول على المال بالقنا (العنف) وبالسيف، فمن استعمل سيفه نال ما يريد، لا يبالي فيمن سيقع السيف عليه، وإلا عدّ من “العيال“. المرجع، (جواد علي، المفصل، جزء 9، ص 602).
ولذلك كان القتلة واللصوص وأرباب الغارات منهم يرون أن ما يحصلون عليه من النعم بالغارة، إنما هو مال منعت منه الحقوق، فأرسله الله غنيمة لهم. لذلك تملكتهم الرغبة العارمة في إلقاء الرعب في قلوب الناس، وكان من أهم أهدافهم هو الحصول على السبايا من النساء. فصارت فلسفتهم هذه هي الفلسفة الإسلاموية المتبعة في غزوات المتأسلمين وفي حقهم انتزاع أي شيء من مالكه بحجة انه مشرك أو منافق أو عدو لله ولرسوله. لا جدال في أن محمدًا أعطاهم تكتلا كبيرًا وحرية اكبر في استمرار مماراستهم في سرقة القوافل ونوال الغنائم والسبايا تحت حجة الدين الذي لم يكن يعنيهم في شيء على الإطلاق.
إن استخدام الصعاليك لأغراض إجرامية كان ظاهرة قديمة وشائعة لدي العربان، يقول جواد علي: ”وقد كوّن الصعاليك عصابات تنقلت من مكان إلى مكان تسلب المارة وتَغِيرُ على أحياء العرب، لترزق نفسها ومن يأوي إليها. أنضم اليها الصعاليك من مختلف القبائل. ولكون أكثر الصعاليك من الشبان الطائشين الخارجين على أعراف قومهم، ومن الذين لا يبالون ولا يخشون أحداً، صاروا قوة خشي منها، وحسب لها حسابٌ“.
ويضيف أيضًا: « وضع الصعاليك انفسهم في خدمة من يريد استخدامهم لتحقيق اهدافه مقابل ترضيتهم وإعاشتهم كما يفعل الجنود المرتزقة اليوم من خلال الدول الاجنبية بانضمامهم الى الفرق الاجنبية». المرجع: (المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، جزء 9 ص 616).
العقل والمنطق والخبرة العملية في الحياة تفرض علينا القول بأن خديجة ما كانت تستطيع حماية قوافلها التجارية من هجمات الصعاليك عليها وسلب أموالها وهي في طريقها من الشام، ما لم تستخدم شابًّا صعلوكًا محترفًا، يتفوَّق علي أقرانه في فنون الصعلكة، ومن المفضل بالطبع أن يكون قائدهم وزعيمهم، ليقوم على حمايتها وحماية تجارتها، لذلك طلبته بنفسها وزوَّجتْهُ لنفسها، رغم تفاوت السن الكبير بينهما، مع أن تصرفًا كهذا لم يكن معروفا آنذاك بين العربان. ثم وضعت تجارتها تحت حمايته ورعايته، رغم أنف والدها، الذي خدَّرته بالمسكر لتمرر زواجها منه، وبتزكية وموافقة من ابن عمها القس النصراني المهرطِق. هذا القس (ورقة بن نوفل) يحاول كتّاب السيرة التعتيم على حياته، لأنه لم يتأسلم رغم تبشيره لمحمد بالنبوة. قد يكون عدم تأسلمه راجعًا لكبر سنه أنذاك، وعدم مقدرته على أعمال الصعلكة التي تتطلب القوة والفتوة.

كيف تطورت فلسفة الصعاليك؟
لما أدرك محمد ومن معه أن جماعات الصعاليك تتكاثر باطراد خارج مـكة، وأن صعلكتهم في مكة لم تعد تأتي أكلها المرغوب لقلة عددهم، وصعوبة الهجوم على قوافلها وهم يعيشون فيها، والتضييق المستمر عليهم من أهل قريش، بدأ بالتحالف مع جَمْع من الصعاليك المجرمين المختبئين في جبل تِهامة، الذي أصبح في ذلك الوقت معقلًا ومركزًا مهمّا لتجمُّعهم من سائر القبائل. يذكر ابن منظور في لسان العرب تحت كلمة ”جُمّاع“ أنه ”كان في جبل تِهامةَ جُمّاع غَصَبُوا المارّةَ أَي جَماعاتٌ من قَبائلَ شَتَّى متفرّقة“.
ومن الطبيعي دائمًا أن تقع الطيور على أشكالها كما يقول المثل، وأن تتَّحِد النوايا وتتوحَّد الأهداف بين الفرقاء لتكبر إمكانياتهم وتتسع أنشطتهم. هنا ذكر ابن سعد أنه عندما ظهر صلعم كصعلوك في مـكة، وَفَدَ من جّمَّاع الصعاليك في جبل تهامة وفْدٌ عليه، وكانوا واتباعهم من العبيد يغصبون المارة من قبائل كنانة ومُزَينة والحَكَم والقارَة، فكتب لهم:
[بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لعباد الله العتقاء انهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فعبدهم حر ومولاهم محمد. ومن كان منهم من قبيلة لم يُرَد إليها. وما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه فهو لهم، وما كان لهم من دين في الناس رُدَّ إليهم. ولا ظلم عليهم ولا عدوان وان لهم على ذلك ذمة الله وذمة محمد والسلام عليكم]. المرجع: (ابن سعد، الطبقات الكبرى، جزء 1، ص 155.
وبذلك يكون محمد قد ضم صعاليكه في مكة إلى صعاليك جبل تهامة ونصب نفسه مولا لهم، أي رئيسًا عليهم وأعتقهم مقابل ولائهم له وإيمانهم به، ومن كان منهم من قبيلة لن يرده إليها مع أنهم مجرمون مطلوبون للعدالة.
و”ما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه فهو لهم“ أي أنه جعل جرائمهم وسرقاتهم حلالا لهم، لا يعاقبون عليها.
و”ما كان لهم من دين في الناس رد إليهم“ وهو ادعاء ان لهم دين في الناس مع انهم سالبو الناس. وبذلك وقف معهم ضد القبائل من اجل سلبها ونهبها.
و”لا ظلم عليهم ولا عدوان“، وبذلك وأبرأ محمد ذمتهم وحماهم، رغم خطرهم الجسيم على المجمتع.
وهكذا ترأس عليهم في صيغة تتبنَّى فلسفتهم واحترام اسلوبهم ومبادئهم في القتل والسلب والنهب والسبي والاغتصاب. وأقر واستعمل هو نفسه شريعتهم في التمثيل بأجساد الناس وقطع أرجلهم وأيديهم من خلاف، وفقع أعين من يعترض عليه.المرجع: المائدة 33. وقطع رؤوسهم كما فعل مع رجال بني قريظة. وأمر أتباعه أن يلتزموا بنفس الأسلوب مع من يخالف الله ويخالفه بالتبعية، وهذا ما رأيناه بأم أعيننا من الدواعش في العراق وسوريا وباقي دول العالم.

 القبائل المتصعلكة تدخل في دين الله أفواجًا!
كان الصحابي الجليل أبو ذر الغِفاري تبعًا لما تقوله كتب السيرة من السابقين إلى التأسلم، قيل رابع أو خامس من دخل في الإسلاموية، وأحد الذين جهروا بها في مكة قبل الهجرة، لذلك كانت قبيلتة (غفار) من أول القبائل التي إنضمت إلى اتحاد الصعاليك المحمدي. وهي قبيلة كان لها باع طويل في قطع الطريق، وسرقة الحجيج. أبو ذر الغفاري نفسه يعترف بذلك قائلًا: « وذاك أني كنت من قبيلة يسرقون الحاج بمحاجن لهم.» المرجع: (كنز العمال، الهندي، رقم 36901، و ابن سعد، الطبقات الكبرى، باب قبيلة غِفارُ كقطاع طرق، جزء 4، ص 87).
ومع أنَّ أبا ذر كان صعلوكًا خطيرًا، فإن الذهبي في ترجمته له في كتابه «سير أعلام النبلاء» مدحه بالمطلق، قائلا: « كان رأسًا في الزُهد، والصدق، والعلم والعمل، قوّالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، على حِدّةٍ فيه ». بينما ابن سعد قال عنه:«كان أبو ذر رجلا يصيب الطريق وكان شجاعا يتفرد وحده يقطع الطريق ويغير على الصَرْم (الابل المشقوقة المحرمة) في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع فيطرق الحي ويأخذ ما أخذ». المرجع: (ابن سعد، الطبقات الكبرى، الجزء 4، ص 86).
هنا يفكِّر العقل السليم: إذا كانت الديانة الإسلاموية جاءت رحمة للعالمين، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فلابد وأن يتوب أبو ذر عن الصعلكة بعد تأسلمه، بينما العكس حدث تمامًا، وذلك لقناعته أن الانضمام إلى نبي الأسلمة ليس إلَّا توسيعًا للصعلكة وإكسابها شرعية إلهية، فأصبحت صعلكته بإسم الله ورسوله، لذلك أثناء انصرافه من عند النبي إلى أهله وبأسفل ثنية غزال، اعترض لبعير قريش فقطعها، وقال لأصحابها: لا أرد إليكم منها شيئا حتى تشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم وإن أبوا لم يرد عليهم شيئا فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله ومضى بدر وأحد ثم قدم فأقام بالمدينة مع النبي صلعم. المرجع: (ابن سعد، الطبقات الكبرى، جزء 4، ص 87). كذلك نقرأ عن هذا الصحابي (الجليل) أنه أثناء إقامته في مكة تعرض لضرب من قريش التي لا تضرب أحدًا يترك دينه، ولكنها ضربته لتحرشه بامرأة، « رأى امرأة تطوف بالبيت وتدعو تقول أعطني كذا وكذا وافعل بي كذا وكذا ثم قالت في آخر ذلك يا إساف ويا نائلة. قال أبو ذر أنكحي أحدهما صاحبه… فجاء فتية من قريش فضربوه وجاء ناس من بني بكر فنصروه … فخرج حتى أقام بعُسفان وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام ينفر بهم على ثنية غزال فتلقى أحمالها». المرجع: (ابن سعد، الطبقات الكبرى، جزء 4، ص 87).
وهناك لأبي ذر مخاز أخرى نقرأها لدي ابن كثير في البداية والنهاية، جزء 3، ص 14 وما بعدها.
لم يكن سهلا على أبي ذر أن يقنع قبيلته بالدخول في اتحاد الصعاليك، لاحترافها الصعلكة وقطع طرق القوافل منذ القدم، ولكنه نجح في انضمام جزء منهم قبل هجرة محمد ليثرب، عندما نقل إليهم عزم محمد على بدء الغزو ضد مكة وباقي المدن. الامر الذي شكل عامل جذب لهم، وولّد لديهم الرجاء في تحقيق حلم ان يكون لهم عمليات سطو أكثر على قوافل مكة وغيرها، ونوال غنى مكة والمدن الغنية من خلال انضمامهم وتأسلمهم. وأصبح من غير الممكن أن يتربُص أبو ذر للقوافل التي كانت محروسة، ما لم يحظى بمساندة هؤلاء الذين أمكنه أسلمتهم.
ما الجزء الباقين من أعضاء القبيلة، فقد أجّلوا انضمامهم الى أن يروا أنَّ محمدًا قد حقق وعده بالانتقال إلى يثرِب، ومن ثم البدء في عمليات الصعلكة، ولم يكن الامر يتعلق بعقيدة ما، بقدر ما كان يتعلق بخطة وبرنامج لصفقة كبيرة يترأسها محمد، وهي مهاجمة قبائل مكة والمدن الأخرى وسلب ثرواتها وسبي نسائها وبناتها واغتصابهن، واستعباد اطفالها. فكانوا كقراصنة فرحين بمثل ذلك البرنامج الطموح والمشاركة فيه، وغير مستعدين لرفضه. وفي نفس الوقت كانوا يودون أن يروا نجاح محمد في ضم قبائل اخرى قوية تسانده في الخطة بعد هجرته. واستمرت قبيلة غفار مع أسلمتها مستمرة في قتال القبائل وسلب ممتلكاتها وسبي نسائها بقدر ما تحين لها الفرصة، دونما اعتبار لاي دين او تقوى، حتى جاء زعيمهم إلى يثرِب ووفَّى بوعده.
---بعد تأسلم غفار، تقدمت قبائل أسْلم وخزاعة ومزينة وجهينة وغيرها من القبائل المعروفة بالصعلكة واللصوصية، فقالت يا رسول الله إنا قد تأسلمنا ودخلنا فيما دخل فيه إخواننا وحلفاؤنا. المرجع: (الحاكم، المستدرك على الصحيحين، رقم 5457).
ويقول الأقرع بن حابس للنبي صلعم: ”إنما بايعك سُرَّاق الحجيج، من أسلم وغفار ومزينة وأحسبه وجهينة. المرجع: (صحيح البخاريستاني، باب: ذكر أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع.، حديث رقم 3325).
وكان العربان يصفون قبيلة مزينة بانهم بلا دين. وذلك بسبب حياة القرصنة: « وهل مزينة إلامن قَبَـيِّلة لايُرْتَجَى كرم فيها ولا دين». المرجع: (مروج الذهب، للمسعودي، جزء 2، ص 39). وأنهم كانوا يغيرون حتى على الافراد بقصد اسرهم من اجل ان ينالوا بدل فدائهم.
المرجع: « الاغاني،الاصفهاني، جزء 6، ص 68». أمَّا قبيلة جهينة فقد عرفوا بصفاتهم الصعلوكية حتى تأسلمهم، حيث انتشروا في أحياء العرب واستوطنوها وملأوها عيثاً وفساداً. المرجع: (تاريخ ابن خلدون، مجلد 5، ص 487).
للحديث بقية