إميل توما - كتابة التاريخ وصنع التاريخ


محمد نفاع
الحوار المتمدن - العدد: 6411 - 2019 / 11 / 17 - 13:47
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

أبتعد عن المبالغة، فيها اساءة، قرأت له وسمعت عنه، قبل ان التقي به سنة 1963 في حيفا، كنت طالبا جامعيا في القدس، كتبت مقالا حسبته بحثا حول القومية العربية، اعتمدت على الكثير من المصادر واقتبست منها، وأرسلته الى مجلة "الجديد"، وبغرور الشباب، رحت أنتظر نشره المؤكد، لكني وبدلا من ذلك تلقيت رسالة مؤدبة ومشجعة من إميل توما فيها دعوة الى لقاء معه، وهكذا كان.

رحّب بي بلطف وكياسة وقهوة، وقدم لي محاضرة عن الخطأ الجسيم في المقال مع تقديره للجهد، خرجت بمزاج معتدل، بين أهمية وصحة ما سمعت، وبين عدم نشر المقال.

ولليوم بعد ان اقرأ مثلا او قولا مناسبا أروح استعرض دور ومسيرة إميل توما، الذي أعطى بلا عدّ ولا حَدّ.

هناك من يكتبون التاريخ ومن يصنعون التاريخ، إميل توما في كتابة وصنع تاريخ الشعب الفلسطيني هو المثَل.

"ليس فقط بالعقل يصل الانسان الى الحقيقة، مع العقل هناك الشجاعة والإباء".

ولأن الكلمة هي الغلاف المادي للفِكرة، كان واضحا في كتابته، ومحاضرته، وخطابه ومداخلته وصوته. الفكرة عنده واضحة، بلا مواربة ولا تلعثم ولا مجاملة، عوقب على موقفه من قرار التقسيم في ظرف صعب، فيه الكثير من التجاذبات، والصراع بين الثوابت والضواغط، بين التمسك بالتنظيم الحزبي، والتمسك بقناعة الرأي بلا مخادعة.

طبق على نفسه القول القائل: إحفظ شرفك منذ الصّبا، شرف الموقف والمبدأ والأمانة والجرأة والعطاء. في الاجتماعات الجماهيرية، وهو الخطيب الرئيسي، يتكلم باختصار مكثف ومُشبع، ليس اكثر من عشرين دقيقة، ما قل ودلّ.

الى جانب التاريخ والسياسة، كتب في النقد الادبي، وعِلم الاجتماع، وعِلم الجمال...

نطلب منه مقالا لمجلة "الغد"، يحدد اليوم والساعة لتسليمه، بدقة.

مؤلفاته سيرة، ومرجع، ومصدر تجربة، لما كان وما هو كائن اليوم.

استقبلنا جثمانه في مطار اللد، ومرّت جنازته من الشارع مقابل مقر جريد "الاتحاد"، الجريدة التي كان محررها المسؤول، وبمشاركة اكثر من 25 الف انسان، ويقف رفيقه إميل حبيبي على شرفة بناية الاتحاد بعد ان يقف موكب الجنازة ويقول من جملة ما يقول:

وَردٌ إذا وردَ البحيرة شاربًا

ورد الفرات زئيره والنيلا

وفي ذكرى وفاته، في اجتماع ضخم في باحة الكلية الارثوذكسية في حيفا قال أمين عام الحزب الرفيق ماير فلنر:

الرفيق إميل توما أنقذ الحزب من خطأ كبير كاد يقع فيه!! والمقصود هو اتفاق عمّان، واعترف القائد ياسر عرفات بصحة موقف الحزب الشيوعي، الذي طرحه إميل توما.

وكم نحن بأمسّ الحاجة اليوم للرجوع الى هذا المرجع، الى مؤلفات إميل توما، ذات الاشارة الدقيقة لما جرى ويجري في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق وليبيا، وكل العالم العربي، على الأقل العالم العربي والشرق الأوسط.

وما فيه من تنفيذ مخططات جهنمية، وتساوق مع الامبريالية والصهيونية وخيانة الرجعية العربية، وما فيه ايضا من نضال مشرّف لشعوب وطلائع هذه الشعوب، ولفضح المتعربشين على التاريخ بهدف التسويف والتزييف.