لماذا لا تزول الغُمَّة عن هذه الأُمَّة؟


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 6410 - 2019 / 11 / 16 - 23:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في عام 1974 قامت فنانة صربية تدعى ”مارينا ابراموفيتش Marina Abramović“ بخوض تجربة فريدة من نوعها، لتتعرف على تصرفات البشر تجاهها، اذا منحتهم حرية القرار بدون شرط. فقررت الوقوف في الشارع لمدة 6 ساعات متواصلة بدون حراك، وأتاحت للجماهير أن يفعلوا بها ما أرادوا.. ووضعت بجانبها طاولة بها أدوات عديدة منها سكين ومسدس وأزهار .. وأشياء أخرى.
كان رد فعل الجماهير سلميًا في البداية، واكتفوا بالوقوف أمامها ومشاهدتها .. ولكنهم بعدما تأكدوا انها لن تقوم بأي رد فعل مهما كان تصرفاتهم تجاهها .. أصبحوا عدوانيِّين .. فقام البعض منهم بتمزيق ملابسها .. ووضع أحدهم المسدس على رأسها، بينما قام البعض الآخر بنكزها ببطنها بأشواك الازهار .. والتحرش بها ..
وبعد أن انتهت الـ 6 ساعات تحركت مارينا من مكانها بدون إتخاذ أي رد فعل عدوانى تجاههم ... ولكن بمجرد أن بدأت بالتحرك هم الجماهير المحتشدة بالفرار.
هذه التجربة أثبتت لمارينا ان البشر الذين نتعامل معهم يومياً مهما اختلف عرقهم وسنهم وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية قادرون على أرتكاب أفعال شنيعة، إذا اتحيت لهم الفرصة لذلك.
https://fto0on14.wordpress.com/2015/11/03/تجربة-marina-abramovic-التي-تظهر-جنون-الانسان/
هذا عــن أناس يعيشون في ظل ثقافة دينية تدعو إلى المحبة والتسامح، ويخضعون لقوانين صارمة في معاقبة كل من تسوِّل له نفسه الاعتداء على غيره، حتى وإن كان بالألفاظ، فما بالنا بأناس ثقافتهم الدينية تخاطب الجانب السلبي من الغرائز المدمِّرة في طباعهم، وتدعوهم إلى العنف وتحضُّهم ليلًا ونهارًا على كراهية المخالفين لهم والمختلفين معهم، وتحرِّضهم على هدم معابدهم وقتلهم وسلب ونهب ممتلكاتهم وخطف واغتصاب بناتهم ونسائهم ؟ وهم لا يعبأون بأي قانون لاعتقادهم أنهم في حماية قانون تمَّت فبركته بإسم الله، وتم وضعُه تحت حراسة مشددة من قبل السياسيين والمتدينين معًا، وصمت رهيب من طرف الأغلبية المتأسلمة!.
أناس أتيحت لهم الفرصة من أوسع أبوابها لممارسة الإرهاب والإجرام دون محاسبة أو عقاب، بل بمباركة ربانية لا يستطيع أحد الاعتراض عليها (علنًا)، بل أن أعتى الحكام لا يمكنه مخالفتها أو تجاهلها!
فلو أن أساتذة التحريض على العنف والإرهاب من أمثال سيد قطب ومتولي الشعراوي ويوسف القرضاوي والآلاف غيرهم من الأموات والأحياء وجدوا على المستوى الرسمي والشعبي من يتصدَّى لهم في حينهم، ويوقفهم عن فتاويهم المدمِّرة، ما رأينا الآن هذا الجمع الغفير ممن يقدسِّونهم ويسبحون بحمدهم، ويحاولون تحقيق مآربهم المادية والمعنوية من ورائهم بتدمير نفوس الطيبين وإزهاق أرواح الأبرياء!.
ومن ناحية أخرى كثيرًا ما نسمع من يقول: ” لا اليهود ولا المسيحيون ولا الشيوعيون ولا الملحدون استطاعوا تشويه الديانة الإسلاموية، المتأسلمون وحدهم هم من تكفلوا بذلك!“.
الحقيقة هي أن المتأسلمين بدورهم لم يشوهوا ديانتهم، لأنها مشوهة أصلًا ولا ترقي لمستوى ديانة ما، بل هي التي شوهتهم. إنهم بالفعل ضحايا عقيدة يقال عنها إنها: دين الله أو الدين الحق أو آخر الأديان جميعها. لو أنها كانت كذلك، فمن المفترض أن تكون على غير الأديان السابقة أو اللاحقة لها، تلمس شغاف القلوب وتنقِّي النفوس من الدرن، وتحمي الإنسان من الخلل والانحراف، وتدعوه إلى الخير والمحبة والسلام والتسامح مع نفسه ومع غيره من البشر. المفروض في ديانة توصف بهذه الصفات أن ترقى بالبشر إلى مدارك الإنسانية. فهل فعلت ذلك؟ بالتأكيد لا! بل فعلت العكس تمامًا، فقد سقط معتنقوها تحت عنفوانها ولا إنسانيتها منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، مهما قيل غير هذا!. فالإنسان لا يتحرك وحده بدافع غريزة التدمير لديه، وليست الطيبة من طبعه بالمطلق، ولكنه يخضع أكثر لفعل البيئة التي يعيش فيها والثقافة التي ينتمي إليها. فإذا سمحت هذه لغرائزه التدميرية أن تغمر حياته وتستحوذ على مشاعره، فَلَا بد وأن يتحول في يوم ما إلى وحش كاسر، ومع ذلك قد يعتقد أنه يحارب من أجل البشرية، وخاصة مع مباركة المتعاطفين معه والساكتين عن أفعاله.
المتأسلمون يعتزون بكثرتهم العددية المطلوبة إلهيًا، ويُعجَبون بأنفسهم، بوصفهم خير أمة أخرجت للناس، لذلك يتملكهم الغرور والاستعلام على غيرهم، ففى فصل عنوانه «استعلاء الإيمان»، تتصدره الآية: «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين»، جاء في كتاب «معالم فى الطريق» لسيد قطب أحد كبار مؤسسي الإرهاب الحديث عن الاستعلاء، ما نصّه: «إنه يمثل الحالة الدائمة التى ينبغى أن يكون عليها شعور المؤمن وتصوّره وتقديره للأشياء والأحداث والقيَم والأشخاص سواء، إنه يمثل حالة الاستعلاء التى يجب أن تستقر عليها نفس المؤمن إزاء كل شىء، وكل وضع، وكل قيمة، وكل أحد... وليست حالة التماسك والثبات فى الجهاد إلا حالة واحدة من حالات الاستعلاء التى يشملها هذا التوجيه الإلهى العظيم». إذَنْ يعتبر أستاذ الإرهاب الحديث الاستعلاء، أى مشاعر العظمة والكِبْر، توجيها إلهيا عظيما!
ومع ذلك نجد أن الغالبية العظمى من المتأسلمين لا يعتدون بمثل هذا الكلام الفارغ، ولا يأبهون بتعاليم ديانتهم، وينتقون منها ما يتفق وطبيعتهم الإنسانية، وطيبة أنفسهم، ويتخلون (إلى حين) عمَّا فيها من تعاليم لا إنسانية، فلا يجدون في أنفسهم الاستعداد لغزو الآخرين أو قتلهم وسلب ونهب ممتلكاتهم، وسبي نسائهم واغتصابهن، ويحاولون ألَّا يكذبوا أو ينافقوا أو يأكلوا أموال الناس بالباطل، أي ألَّا تكون لهم أسوة حسنة في نبيهم الكريم في كل هذا وغيره، فلا يفعلون ما فعله. المشكلة تكمن في هؤلاء الطيبين بالفطرة، الذين يمثلون الجانب الخيِّر من طبيعة الإنسان، فيسكتون تجاه جرائم الأقلية المجرمة التي تظهر من حين إلى آخر منذ فجر التاريخ الإسلاموي، متأسيَّة حرفيًّا بالنبي الكريم، عملاً بقول نبيهم الكريم:« المسلم من سلم المسلمون (وحدهم) من لسانه ويده » (البخاري: 10)، ولذلك لم يستطع الأزهر تكفير الدواعش وأمثالهم من المجرمين المحترفين الذين وصل عدد تنظيماتهم في العالم اليوم إلى 139 تنظيما وجماعة إسلاموية إرهابية بحسب الويكيبيديا:
https://ar.wikipedia.org/wiki/قائمة_المنظمات_الموصوفة_بالإرهابية
إن صمت الأغلبية من الطيبين ”إلى حين“ تجاه المجرمين ”من حين إلى حين“ يجعل الجميع ضحايا على مذبح الأسوة الحسنة لنبيهم الكريم، لأن الفريق الأول يعطي للفريق الثاني ترخيصًا مفتوحًا للتمادي في إجرامه، وتدمير جسد الإنسان أو نفسه وشل الجزء الخيِّر في طبيعته وميوله الفطري نحو المحبة والسلام، فلا يسلم غير المتأسلمين من ألسنتهم وأيديهم وقنابلهم وتفجيراتهم فحسب، بل والمتأسلمون أنفسهم لا يسَمون منها، بداية من أفغانستان حتى ليبيا مرورًا باليمن والعراق وسوريا … إلخ.
ولأنَّ نظم الحكم في دول العربان والمتأسلمين هزيلة ولا تحظى بشرعية من نوع ما، فإنها تسارع دائمًا إلى استخدام الدين لكسب شرعية مزيفة، ومن ثم تُجبَر على وأد حقوق الإنسان وهدر كرامته، وتعمل كل ما في وسعها لكي يعمل المشايخ على تبرير ممارستها الأإنسانية بحق شعوبها من جور وتخلف وكذب عبر تأويلاتهم وهذياناتهم وهلوساتهم. ولذلك لم تعد القضية في تلك الدول قضية حكم جائر أو مستبد، يُطاق أو لا يُطاق، خاصة وأن القضية تجاوزت منذ زمن بعيد شرعية الحكم أو شعبيته إلى شرعية تأويل الديانة وأثرها الشعبي!، فلا أحد يمكنه تجاهل الفعالية الوظيفية للديانة الإسلاموية في البنى السوسيولوجية منذ نشأتها، وكيف يمكن في حال سيطرة السلطة السياسية عليها أن تكون أشد أدواتها أثرًا، فجميعنا يعرف أن الدين بوجه عام يبث طاقة نفسية وروحانية عارمة في النفس البشرية، لذلك من السهل على الحكام ورجال الدين وجميع المرتزقة من تجارته أن يستغلوا هذه الطاقة لتخدير الفقراء والمرضى والمظلومين والمحتاجين بوعود يتم تحويلها إلى فقه وشرائع وقوانين وممارسات وتقاليد يجب على الناس اتباعها ضمن طاعة الله ورسوله وألي الأمر منهم. هذه الطاعة تحول الحاكم المتأسلم إلى صنم يُعْبَد لأنه ظل الله في الأرض، ومن ثم يصبح باستطاعته عبر رجال الدين أن يحوِّل بسهولة القران والسنة والفقه الديني الى أدوات للسياسة. لذلك انبثق في ظل النظم السياسية وتحت اشرافها توليف هذه الديانة برمتها، وفبركة اهم التعاليم الفقهية والعقائدية المعتمدة في وقتنا الحاضر، من أجل تحقيق مصالح الحكام الشخصية ومصالح من يسير في ركبهم، وفي نفس الوقت يسلطون سيوفهم على رقاب الناس ويضعونهم بين فكي كماشة بعدما أفقدوهم حرية التفكير ووجاهة استعمال العقل.
في الدول الحضارية المتقدمة رفعت سياسة الدنيا يدها عن حراسة
الدين وكفَّت عن استغلاله منذ انقشع الظلام عنها، وأصبحت كل الأديان هناك تحظى بالاحترام المطلوب في أماكن عبادتها، بعيدًا عن أي دنس في سياسة الدنيا، بينما الإسلاموية مازالت تخضع لاستغلال مشين وحراسة مشددة من سياسة الدنيا منذ عهد النبي الكريم وحتى يومنا هذا. من يحرس الدين هو من يسيس الناس، ومن يطبق تعاليم الدين الجائرة هو العادل المبين، حتى أن المعتزلة الذي ينتسبون إلى العقلانية قد انشغلوا بالبحث عن "عدل" الله في السماء عن التأكد من عدل البشر على الأرض، الأمر الذي لم يغير في الواقع المشين للمتأسلمين قدر أنملة. وهذا ليس انحرافا في المفهوم الديني، بل هو صلب الديانة نفسها، فنبيها كان رجل دين ولكنه في المقام الأول كان رجل دولة، وأنّه انخرط في السياسة بكل ما فيها من خداع وكذب وانعدام العدل والإنصاف، مما أدَّى بعد موته وحتى يومنا هذا إلى نشوء الفتن والتحزُّب وتمزيق السلام الاجتماعي ووأد الحرية وقمع الفكر وفقدان الفعالية الذهنية والحيوية والاجتماعية لدي أتباعه.
لقد ظلت هذه العلاقة المختلة بين ما هو سياسي وما هو ديني مستمرة بين المتأسلمين ولم تتعرض للتشكيك الفعلي إلَّا عند مجيء الحملات الصليبية، فأدرك العبقري التونسي ”ابن خلدون“ الظواهر الكثيرة في تلك العلاقة، وتوصَّل إلى اكتشاف مبدأ الحتمية أو السببية الاجتماعية قبل أوغست كنت ومنتسكيو وفيكو. وبيّن أن المنظومة الاجتماعية لا تسير حسب المصادفات ولا حسب رغبات الأفراد، وأن أي خلل اجتماعي أو اقتصادي له أثر محتوم، قد لا يظهر إلا بعد ربع قرن أو نصفه. وربط في فصل "الظلم مؤذن بخراب العمران" من مقدمته الشهيرة، ربطاً تراتبياً بين دركات سقوط الحضــارات، أي الاستبداد فالاحتكار فضعف الفاعلية فدمار الاقتصاد فشــيوع الفساد فالخراب وانهيار الدين، وقال "… أيها المَلِك، إن المُلْك لا يتم عزه إلا بالشريعة والقيام لله بطاعته والتصرف تحت أمره ونهيه. ولا قوام للشريعة إلا بالملك، ولا عزة للملك إلا بالرجال، ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل للمال إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل".
العالم عبد الرحمن الكواكبي، السوري المولد، والتوفي في القاهرة متأثراً بسم دس له في فنجان القهوة عام 1902، حاول في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" تفكيك جذور الاستبداد السياسي والديني واستبداد الجهل على العلم في مجتمعات العربان ـ المتأسلمين، وكابن خلدون ذهب إلى أنها وراء انحطاط تلك المجتمعات وفسادها. ولكن الثقافة الإسلاموية الطاغية لم تستوعب هذه الأفكار الاجتماعية عند ابن خلدون أو الكواكبي أو غيرهما ممن جاءوا بعدهما، ولم تستطع ترسيخ مفاهيم اجتماعية واضحة، لإزالة الغمِّ والهَمِّ، وتربط بين الاستئثار والظلم، وبين الاسـتبداد وانهيار الاقتصاد، وبين خراب العمران وانهيار الدين بشكل آلي. وظلت علاقة الجانب الدنيوي من العبادات بالجانب الروحي منها ملتبسة وغير محددة المعالم في الفكر الديني السائد. وظل الفقهاء يتجاهلون هذا الإلتباس ويزعمون بأن مفاهيم الديانة الإسلاموية وقيمها الحضارية والروحانية قد إنحرفت عبر العصور، فامتصت أوشاباً من الأقوال المتضاربة والمفاهيم المتناقضة، وأنه تم تحريفها لكي تكون ظهيرًا عبر التأويل والتعطيل، عندئذ خبا تنويرها، وتحولت إلى مهادنة الظلام تارة وإنتاجه تارة أخرى، وتبرير التخلف والفساد.
هذا الكلام المرسل والمتكرر لا يمت بصلة لحقيقة الإسلاموية، وعلى من يقوله أن يذهب إلى القرآن المدني ويقرأ سورة التوبة وحدها، بتمعن وبتجرد من العاطفة والانحياز، سيدرك على الفور ما في هذه الديانة من تعدي صريح على حقوق الإنسان وكرامته.
إن المتأسلمين يقعون بين فكَّيْ رحى، فهم محاصرون من ناحية بثقافة الإنسان المتحضر ومن ناحية أخرى بثقافة البدوي المتخلف!، ويخضعون لقوانين إنسانية متحضرة وأخرى إلهية متخلفة!، الأمر الذي يتسبب في انعدام الثقة بالذات لديهم، ويصيبهم بالتكاسل عن التفكير بشكل منطقي، فينتظرون دائمًا من رجل الدين إجابات سهلة وشعارات فارغة وحلول مبسطة لكافة الأمور، لاعتقادهم بأن الإسلاموية هي الحل، بينما الحقيقة أنها هي المشكلة، وإلا وجدنا حلولًّا للكثير من مشاكل المجتمع. إن الإسلاموية لا تقف حائلا بين حلول مشاكل المجتمع فحسب، بل هي التي تخلقها وتؤججها وتقويها، ليقتات من ورائها جيوش مجيشة من رجال الدين والدجالين وقطاع الطرق والسياسيين المنحرفين والعجزة الفاشلين والمرضى النفسيين.
وقد أشار إلى ذلك المفكر السوداني حيدر إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع الديني، في لقاء مع برنامج "مختلف عليه"، المذاع على قناة الحرة الفضائية، ويقدمه الأستاذ إبراهيم عيسى بقوله إن المجتمعات العربية لديها "كسل فكري"، وتريد طرق جاهزة لحل الأزمات، و"نستسهل الأمور"، مشددًا على أننا أمام طريقين فقط، إما التاريخ والتجربة الأوروبية وهو طريق الإصلاح، وإما القفز على المشاكل وهو الحل السهل، خاصة إذا تم تغليفه بـ"الدين"، مشيرا إلى أن الدين "المصلح" ليس دينًا، ومحاولات إصلاحه أو تجديده خروج بطريقة أخرى، ولذلك محاولات التجديد فشلت. مزيد من التفاصيل على العنوان التالي:
https://www.copts-united.com/Article.php?I=3910&A=515531&fbclid=IwAR2nRyiwvWKzZnQtJpjALQpmAPJLk8uzKh0s-CVN8U0zkrEyYP_n3GFWgrw
وكما هو واضح، نجد المتأسلمين أينما وجدوا يثقون ثقة عمياء في منتجات الكفرة من الكومبيوتر إلى الآي باد والتابلت والآي فون والسيارة والدبابة والطيارة وغيرها، ويقبلون بشغف على التمتع باستعمالها واقتنائها، ولكن إذا توقف الأمر على المنتجات الفكرية والتاريخية والعقائدية لهؤلاء الكفار، فهم في نظرهم كذبة ومدلسين وكارهين لهم ولديانتهم وثقافتهم ولا هم لهم سوى التآمر عليهم وعلى عقيدتهم.
ومن مظاهر الغَمِّ السياسي والهَمِّ الديني أن يعيش المتأسلم حياته كارهًا للآخرين ومقاتلًا وقاتلًا لهم من أجل دعوة إلهية، لذلك يصاب بمرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، حيث تكون أفكاره وآراؤه مشوبة بالخلل والعدوانية، ويفتقر إلى الشعور بالتعاطف، ويتصف بالتعجرف والاندفاع، والاستخفاف باحتياجات وحياة المخالفين له والمختلفين معه، ويتعامل بجفاء ولا مبالاة مع غيره، ولا يعير اهتمامًا إلى ما هو صواب أو خطأ، بل إلى ما هو حلال أو حرام بحسب فهمه. إنه إنسان مقهور ماديًّا ومعنويًّا بفعل السياسة والدين معًا، يقول عنه عالم الاجتماع الدكتور مصطفى حافظ في كتابه: ”التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور“:« إنه يعاني من نير الخضوع والرضوخ، لذلك يحاول من خلال أساليب خفية مثل الكسل والتخريب أو رمزية مثل النكات والتشنيعات أن ينال ممن يتسلط عليه، وهذا يعكس ازدواجية في العلاقة: رضوخ ظاهري، وعدوانية خفية».
ثم يقوم الإنسان المقهور بتعميم ذلك الكذب على كل جوانب حياته، فينشأ وجود متخلف قائم على الكذب والخداع؛ كذب في الحب والزواج، كذب في الصداقة، كذب في المعرفة، كذب الحرفي على الزبون، وحتى كذب في الإيمان. حينها يزدرى صاحب اللسان الصادق والنية الطيبة ويوصف بالسذاجة والتخبيل لأنه لم ينخرط في جوقة الكذب والادعاء والخداع السائدة.
من خلال انعدام الأمن والشعور بالرضوخ للمتسلط الطبيعي والبشري تنشأ مجموعة عقد تميز حياة الإنسان المقهور، هي: عقدة النقص، وعقدة العار، مع اضطراب الديمومة ».
إذَن لابد وأن يكون خوف العالم من الإسلاموية أو ما يسمَّى بـ”الإسلاموفوبيا“ له ما يبرره ويدعمه بالأدلة الدامغة من صميم وجوهر الديانة نفسها، والذين يسارعون للدفاع عنها، أو نكران الخوف منها، إمَّا أنهم مغرضون أو سطحيون ساذجون، يفتقدون إلى الموضوعية والحيادية والمنطق العقلاني السليم !. لا شك في أن هذا الخوف المبرر من الديانة يستتبعه الخوف من المتأسلم نفسه حتى يُثْبِت العكس.