نقض مقالات عرمان وإزدراء قميص حمدوك ومعادلات تعين الولاة


سعد محمد عبدالله
الحوار المتمدن - العدد: 6403 - 2019 / 11 / 8 - 12:11
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

شهدت الساحات السياسية والإعلامية حملات تشويه وتضليل مرة بالهجوم علي الرفيق القائد ياسر سعيد عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية بسبب "مقالات" فتحت "أعين الحقيقة" حول واقع دولة السودان وتشابك مشكلات السياسة والأمن والإقتصاد وحقوق وحريات الإنسان وآخرى كانت بازدراء "قميص" الدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء السوداني خلال زيارته الأخيرة لدارفور، فالشيئ الذي يمثل عاملا مشتركا في هذه الحملات هو التشويه والتضليل المقصود دون التطرق لجوهر الموضوع فيما كتبه ياسر عرمان او الرسالة التي قدمهما عبدالله حمدوك، فقد كانت تلك القضايا التي أثارها قلم ياسر عرمان بخصوص "الثورة والثورة المضادة" من الأشياء المسكوت عنها او المحملة بفعل فاعل وسط تغيرات جزرية جرت في دولة السودان وفتحت مساحة للحديث عن تشكيل سودان جديد بنظام حكم مدني وديمقراطي ينهي سنوات الحروب ويرسي سلام شامل وعادل، وتعود بعض الناس علي سياسات "تضخيم ذات السلطان" المتبعة في منهج نظام الإنقاذيين الإنقلابيين، فلم يظهر لهم عبدالله حمدوك بذلك الشكل المألوف بل رسخ سلوك جديد وجميل للتعامل بين الحاكم والمحكوم وأزال توجسات وحواجز "الجلابوية" المسيطرة علي ممارسات سلطة المركز العنصري الإقصائي المتعالي علي الجماهير ليظهر بذلك حمدوك بين شعبه "إنسان عادي"، والثورة أخرجت السودان من حالة تنافر الثقافات والإثنيات ورفض الأخر، وما عاد يجدي تسويق الخطب المشوهة والممجومة لتضليل الرأي العام، فنحن نستشرف سودان جديد وفي فضاء إعلامي وسياسي منفتح لا يعقل أن يحاول شخص ما إخفاء حقائق وشيطنة رأي الآخر في عالم اليوم.

ما زالت النقاشات تدور علي المسارح السياسية والإعلامية بخصوص مقالات الرأي التي صاغها الرفيق ياسر سعيد عرمان تحت عنوان "قضايا الثورة والثورة المضادة" في تحليله للوضع السياسي ومناقشته لأهم قضايا البلاد وهموم الجماهير في المدن والقرى خاصة والدولة تمر بمخاض الميلاد الثوري الجديد، والثورة في حد ذاتها محاطة بمخاطر جمة بسبب رواسب النظام البائد تحتاج لنقاش جاد، وعلي رأسها قضايا السلام والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والوضع الأمني والإنساني والمشكلات الإقتصادية وجدليات العلمانية وخيارات الوحدة والحكم الذاتي وحق تقرير المصير، وقد إطلعت في صفحات الصحف الإلكترونية علي مقالات لا تحصي ولا تعد من المناوئين لأفكار وأراء الرفيق ياسر عرمان، وكما جرت العادة في سلوك خصوم السياسة من معسكر حركة عبدالعزيز الحلو نجدهم يحولون دوما مفهوم "النقد" بعد إفراغه من مضامين المنطق إلي "نقض" قد لا تجد رابط بين ما يقوله "الناقد بحق المنتقد" من حيث مناقشة وتحليل جوهر الأراء والأفكار إنما يتحول كل الحديث من محور المنازلات الفكرية الحرة والجادة بين "الحقيقة والباطل" لمنازعات لا يخوضها إلا سفسطائي تعود علي ممارسات تشويه صورة أنداده ونعتهم بما ليس فيهم، وبينما أطالع مقالة الدكتور قندول ابرهيم المعنونة بـ"فشل ياسر عرمان" والمنشورة بالصحف والصفحات السودانية، إستوقفتني فكرة المقال والعبارات المستخدمة وما وراء تلك الكلمات التي يبدوا عليها نمط التخوين السائد في العهد السابق، فقد قررت لحظتها متابعة الإطلاع حتى مشارف الختام بأقل من سطر، فالملاحظ أن الكاتب إستخدم جل مهاراته اللغوية والفنية وسخرها في مهاجمة الرفيق ياسر عرمان بالإشارة لمقالاته "قضايا الثورة والثورة المضادة" دون فحص وتحليل النقاط التي تحدث عنها تحليلا او نقدا ومطابقتها نظريا مع الواقع السوداني وأهمها جدليات الوحدة والحكم الذاتي وحق تقرير المصير والعلمانية والديمقراطية والعدالة في دولة السلام الشامل، ولكن الدكتور قندول يرى الأمور بمجهر التخوين من وجهات نظره ومعترك "حرب الكلمات المتقاطعة"، فلم يكن ينقاش الأفكار إنما كان يخونها ويطمس عن قصد معالمها، وفوق ذلك نلاحظ محاولاته لإستمالة الضمير القومي والعقل الجمعي في مناطق النيل الأزرق وجنوب كرفان بتصدير مفاهيم العنصرة ضد الرفيق ياسر عرمان وتصويره كدخيل علي شعب هو جزء منه مناضلا معه طوال فترة الحرب الأهلية في الجنوب والحرب الثانية بعد إنقسام السودان وحاضرا بين ثوار ثورة ديسمبر المجيدة متحديا أحكام الإعدام الصادرة بحقه، وكان ياسر عرمان بين رفاقه فارسا قاوم الإعتقال والنفي القسري من الخرطوم إلي جوبا دون أن يتراجع خطوة واحدة عن موقفه تجاه مجزرة فض الإعتصام وحلم السلام والحرية والعدالة لشعب جمهورية النفق الديمقراطية.

المسألة المهمة التي تشغل أذهان السودانيين في هذه الأيام هي تلك الأحاديث المتناثرة علي سطح الفضاء الإسفيري ووسائل الإعلام عن نية الحرية والتغيير الإقدام علي تشكيل الحكومات الولائية والمجلس التشريعي قبل إنتها المفاوضات وتوقيع إتفاق السلام بين الجبهة الثورية السودانية وحكومة السودان الإنتقالية، فقد ورد نصا صريحا في إعلان جوبا يتحدث عن تأجيل تشكيل الحكومات في الولايات والمجلس التشريعي إلي أن تتم عملية السلام الشامل، ورغم البيانات التي صاغتها الجبهة الثورية لتوضيح مواقفها من تشويه إتفاق أديس أبابا ورفض محاولات التصحيح في القاهرة وجوبا إلا أن بعض تلك الأخطاء الجسيمة تتكرر الآن، وتحرر الجبهة الثورية مرة آخرى خطاباتها لحكومة الثورة مناشدة إياها بعدم خرق إعلان جوبا الذي يمثل الإطار التوجيهي لمسارات التفاوض القادم في دولة جنوب السودان، والمخاوف كانت ولا تزال بينما الوضع السياسي العام زاد ضبابية وغموض مع تصاعد وتيرة الثورة المضادة بعد تصادمها بأشواق الشعب في الشارع السوداني وقرارات الحكومة فيما يخص تحرير المؤسسات ومحاربة الفساد وإقامة جلسات لمحاكمة المخلوع، فبالطبع هذه خطوات مثيرة لقلق الإنقاذيين الذين لا يريدون للثورة أن تحقق غاياتها التي خرج السودانيين من أجلها، وهنا الجواب الذي يبرهن أسباب فشل (15) جولة تفاوضية سابقا مع النظام البائد الذي لم يعمل "لحظة" للسلام بل كان يتاجر في الحرب لسنوات، وتجربة كهذه لا يجوز أن تتكرر في العهد الجديد الذي نتمناه عهدا للسلام والحرية والعدالة والديمقراطية، ولا يجب أن نوقع إتفاقيات كقوى ثورية شعارها "الأخلاق" ثم نأتي بما فعل السابقين من تجار الحروب، علينا الإيفاء بتلك العهود مهما كلف الأمر، فثمن السلام أقل من ثمن الحرب، ولم تضيع ثورة أكتوبر وثورة ابريل إلا لأنها غيرت في تركيبة النظام فقط في المركز ولم تمتد إلي الأقاليم لتحقق السلام والتنمية العادلة، وقد كان في مواقف الجبهة الثورية السودانية تجاه مسألة السلام إستلهام للعبر والدروس من تجارب الماضي للمضي نحو المستقبل بعيون مفتوحة، ومن لا يتعلم من التاريخ لن يتقدم خطوة وبل سيقع في ذات الفخ القديم دون أن يجد حل، لذلك أبدت الجبهة الثورية بعض المرونة فيما يخص تعين الولاة نسبة للحوجة الآنية، وهذا موقف عقلاني جدا وإن كانت المخاوف ما زالت تراود البعض، ولكن في كل الأحوال هنالك فرصة جيدة من خلالها يمكن التوصل لسلام عاجل وعادل يضع نهاية حاسمة لتاريخ الحروب في السودان، لذلك لا بد من دعم ومساندة منبر جوبا التفاوضي محليا وإقليميا ودوليا مع الكف عن إختلاق المشكلات التي قد تؤثر سلبا علي مناخ الثقة بين السودانيين وتعيق التقدم في مسألة السلام والتحول المدني الديمقراطي.

8 نوفمبر - 2019م