من أوهام الحزب التحريفي و الإصلاحي الديمقراطية البرجوازية – 4 - من تجلّيات تحريفية حزب العمّال التونسي و إصلاحيّته في كتاب الناطق الرسمي بإسمه ، - منظومة الفشل -


ناظم الماوي
2019 / 11 / 7 - 11:55     

--------------------------------------------------
" هذه الإشتراكيّة إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتوريّة الطبقيّة للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".
( كارل ماركس ، " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).

-----------------------------------------

" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقّفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظريّة و أن يتخلّصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليديّة المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أنّ الاشتراكيّة ، مذ غدت علما ، تتطلّب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلّب أن تدرس . و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمّال بهمّة مضاعفة أبدا..."
( انجلز ، ذكره لينين فى " ما العمل؟ " )
------------------------------------
" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذّجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "
( لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " )
---------------------------
"... حين أزاحت الماركسية النظريّات المعادية لها ، و المتجانسة بعض التجانس ، سعت الميول التي كانت تعبر عنها هذه النظريّات وراء سبل جديدة . فقد تغيّرت أشكال النضال و دوافعه ، و لكن النضال إستمرّ . و هكذا بدأ النصف الثاني من القرن الأوّل من وجود الماركسيّة ( بعد 1890 ) بنضال التيّار المعادى للماركسيّة في قلب الماركسيّة .
...لقد منيت الإشتراكيّة ما قبل الماركسيّة بالهزيمة ، وهي تواصل النضال ، لا في ميدانها الخاص ، بل في ميدان الماركسيّة العام ، بوصفها نزعة تحريفيّة .

... إنّ نضال الماركسيّة الثوريّة الفكري ضد النزعة التحريفيّة ، في أواخر القرن التاسع عشر ، ليس سوى مقدّمة للمعارك الثوريّة الكبيرة التي ستخوضها البروليتاريا السائرة إلى الأمام ، نحو إنتصار قضيّتها التام ، رغم كلّ تردّد العناصر البرجوازية الصغيرة و تخاذلها . "
( لينين ، " الماركسيّة و النزعة التحريفيّة " )
--------------------------------------------
" إنّ ديالكتيك التاريخ يرتدى شكلا يجبر معه إنتصار الماركسيّة في حقل النظريّة أعداء الماركسيّة على التقنّع بقناع الماركسيّة ."
( لينين ، " مصائر مذهب كارل ماركس التاريخيّة " المخطوط في مارس 1913 ، ( الصفحة 83 من " ضد التحريفيّة ، دفاعا عن الماركسية " ، دار التقدّم موسكو )
---------------------------------------------------------
" إنّ ميل المناضلين العمليين إلى عدم الإهتمام بالنظرية يخالف بصورة مطلقة روح اللينينيّة و يحمل أخطارا عظيمة على النظريّة تصبح دون غاية ، إذا لم تكن مرتبطة بالنشاط العملي الثوري ؛ كذلك تماما شأن النشاط العملي الذى يصبح أعمى إذا لم تنر النظريّة الثوريّة طريقه . إلاّ أنّ النظريّة يمكن أن تصبح قوّة عظيمة لحركة العمّال إذا هي تكوّنت فى صلة لا تنفصم بالنشاط العملي الثوري ، فهي ، وهي وحدها، تستطيع أن تعطي الحركة الثقة وقوّة التوجّه و إدراك الصلة الداخليّة للحوادث الجارية ؛ وهي ، وهي وحدها ، تستطيع أن تساعد النشاط العملي على أن يفهم ليس فقط فى أي إتّجاه و كيف تتحرّك الطبقات فى اللحظة الحاضرة ، بل كذلك فى أيّ إتّجاه وكيف ينبغى أن تتحرّك فى المستقبل القريب . إنّ لينين نفسه قال و كرّر مرّات عديدة هذه الفكرة المعروفة القائلة :
" بدون نظرية ثورية ، لا حركة ثوريّة " ( " ما العمل ؟ " ، المجلّد الرابع ، صفحة 380 ، الطبعة الروسية ) "
( ستالين ، " أسس اللينينية - حول مسائل اللينينية " ، صفحة 31 ، طبعة الشركة اللبنانية للكتاب ، بيروت )
-------------------------------------
" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بدّ أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم . فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا ، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي . "
( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية "
12 مارس/ أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 )
-------------------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)
==========================================
مقدّمة :
من تابع و يتابع كتاباتنا سيتفطّن دون عناء إلى كون هذا المقال يتنزّل ضمن مشروع نقدي للخطّ الإيديولوجي و السياسي لحزب العمّال التونسي و بالتالى ليس مقالا منفردا مناسباتيّا من ناحية و لا هو من ناحية أخرى، كافيا شافيا لوحده للبتّ نهائيّا في المسألة و إنّما هو لبنة من لبنات سلسلة من المقالات السابقة و محطّة من محطّات سلسلة مقالات لاحقة تمّت البرمجة لها على أنّنا لا نتعهّد للقرّاء بإنجازها و إصدارها في تاريخ معيّن ذلك أنّنا نشتغل وفق أولويّات خاصة .
في السنوات الأخيرة ، صدرت لنا على صفحات الحوار المتمدّن عدّة مقالات ناقدة و لسياسات حزب العمّال التونسي ومواقفه و أفكاره و اليوم نغتنم فرصة إعادة قراءة كتاب السيّد جيلاني الهمّامي المنشور سنة 2017 عن الثقافيّة للطباعة و النشر و التوزيع، تونس و الذى قدّم له السيّد حمّه الهمّامي ، لنقطع خطوة ضروريّة أخرى في مشروعنا النقدي فالكتاب يحمل في طيّاته مواقفا تعدّ وليمة بالنسبة للنقد الماركسي لن نفوّتها لا لشيء إلاّ لأنّها تكشف جوانبا هامة بل غاية في الأهمّية من الخطّ الإيديولوجي و السياسي التحريفي و الإصلاحي لهذا الحزب سيما و أنّ هذه المواقف خطّها قلم قيادي من أعلى قيادات هذا الحزب .
و لا يندرج هذا بتاتا ضمن الترف الفكري أو المناكفات و المهاترات الفكريّة أو التهجّم الشخصيّ و ما شاكل ذلك كما يحلو لبعض مشوّهي الصراع على الجبهة النظريّة و السياسيّة الزعم و إنّما يندرج ضمن المساهمة في القيام بالواجب الشيوعي المتأكّد والملحّ في دحض و تعرية التحريفيّة و الدغمائيّة بشتّى ألوانهما المهيمنتين على الحركة الشيوعية العربيّة و العالميّة و المعرقلتين إلى درجة كبيرة نشوء الحركات الثوريّة و نموّها و تطوّرها ، و في إعلاء راية الشيوعية الثوريّة لتكون سلاحنا العلمي البّتار في كفاحنا البروليتاري الجبّار في سبيل الثورة الشيوعية و تحرير الإنسانيّة من كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد الطبقيّة و الجندريّة و القوميّة ، و الغاية الأسمى هي المجتمع الشيوعي على الصعيد العالمي.
حيال تشويه الماركسيّة و تحريفها تشويها و تحريفا منقطعا النظير ، يتلخّص واجبنا و تتلخّص أوكد المهام الملقاة على عاتقنا في المساهمة قدر الإمكان في رفع تحدّى إزاحة الغبار عن التعاليم الشيوعية الحقيقية ، الشيوعية الثوريّة ( فمثلما أعرب عن ذلك إنجلز في خطابه على قبر ماركس، كان ماركس قبل كلّ شيء ثوريّا ) و عن تطوّرها ككلّ العلوم . و لن نملّ من ترديد ، سنمعن و نتمادى في ترديد ، أنّنا ننطلق في أعمالنا النقديّة من الشيوعيّة الجديدة أو الخلاصة الجديدة للشيوعية التي طوّرها طوال عقود من النضال النظري و العملي محلّيا و عالميّا بوب أفاكيان كونها شيوعيّة اليوم ، قمّة ما بلغته أسس الشيوعية من رسوخ علمي و تطوير تأسيسا على تقييم نقدي لتاريخ الحركة الشيوعية العالمية و دفاعا عن الجانب الصائب الرئيسي في نظريّاتها و ممارساتها و القطع مع الأخطاء وهي ثانوية و إن كانت جدّية و الجانب غير العلمي الذى علق بها منذ بداياتها الأولى و معالجة للمشاكل الجديدة الطارئة ؛ وإستفادة من مراكمات النضالات الشيوعية و الصراعات الطبقية عبر العالم قاطبة و من عدّة مجالات من النشاطات الإنسانية الأخرى.
و" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيء مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( بوب أفاكيان ،" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية "، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 .)
و من يتطلّع إلى تفسير العالم تفسيرا علميّا و تغييره تغييرا شيوعيّا ثوريّا ، عليه / عليها بدراسة و إستيعاب و تطبيق و تطوير هذه الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الشيوعية الجديدة و نقترح عليه / عليها التفحّص النقدي لأدبيّات أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية و أدبيّات مناهضيها التى ترجمها و نشرها بموقع الحوار المتمدّن شادي الشماوي ، و التفحّص النقدي لجدالات ناظم الماوي بهذا المضمار وهي منشورة كذلك على صفحات الحوار المتمدّن و بمكتبة هذا الموقع على الأنترنت. و كإطلالة أولى على الشيوعيّة الجديدة أو الخلاصة الجديدة للشيوعيّة الآن و هنا و دون تأخير ، وثّقنا كملحق لعملنا هذا نصّا يلخّص فيه بوب أفاكيان نفسه التوّجه والمنهج والمقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة للخلاصة الجديدة للشيوعيّة .

و لا نزيد عن هذا كيما لا نطيل عليكم ، ولنطلق فورا سهم النقد الماركسي و ندعه يتجّه إلى هدفه و يصيبه فيكشف جوانبا من المستور من التحريفيّة و الإصلاحيّة لدى حزب العمّال التونسي ، و ذلك وفق المحاور الآتى ذكرها :
1- لخبطة فكريّة بداية من العنوان ،
2- الدولة بين المفهوم الماركسي و المفهوم التحريفي،
3- أشكال حكم دولة الإستعمار الجديد و أوهام إمكانيّة إصلاحها لخدمة الشعب،
4- من أوهام الحزب التحريفي و الإصلاحي الديمقراطية البرجوازية ،
5- تجلّيات منهج مثالي ميتافيزيقي مناهض للمادية الجدليّة ،
6- السياسات التي يقترحها جيلاني الهمّامي إصلاحيّة و ليست ثوريّة ،
7- ثمّة فشل و ثمّة فشل !
خاتمة :
--------------------------------------------

4- من أوهام الحزب التحريفي و الإصلاحي الديمقراطية البرجوازية :

و يهمّنا في إرتباط بما سلف أن نتطرّق لمسألة محوريّة أخرى في الخطّ الإيديولوجي و السياسي التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال ألا وهي مسألة فهم الديمقراطية فهما ديمقراطيّا برجوازيّا و ليس فهما شيوعيّا البتّة إلاّ أنّنا لن نلمس هنا سوى شذرات مواقف متناثرة أمّا نقاش المسألة بالعمق اللازم فقد قمنا به في غير مناسبة لا سيما منها كتبنا " نقد ماركسيّة سلامة كيلة، إنطلاقا من الخلاصة الجديدة للشيوعيّة " و " حزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد حزب ماركسي مزيّف " و" تعرية تحريفية حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعية الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعية " و مقالنا " حزب العمّال التونسي حزب ديمقراطي برجوازي لا غير".
و ننطلق مع فهم السيّد جيلاني الهمّامي لرئاسة " دولة الإستعمار الجديد " ( حسب كلماته كما سجّلنا أعلاه ) و دستورها . و نقرأ معا هذه الجمل عن " الباجي قائد السبسي شخصيّا ..." الذى " لم يفوّت فرصة إلاّ و كال لها [ الجبهة الشعبيّة ] الإنتقادات و التشويهات إلى حدّ أنّه إعتبرها في لقاءات صحفيّة مع وسائل إعلام أجنبيّة " يسارا متطرّفا أخطر من التطرّف الديني ". و بذلك فقدت مؤسّسة الرئاسة المكانة التي كان ينبغي أن تحتلّها وفقا للدستور كمؤسّسة تمثّل الشعب التونسي بعيدا عن الإعتبارات الحزبيّة و التجاذبات المعروفة ". ( ص 36-37) و " مؤسّسة الرئاسة أثبتت أنّها قاصرة عن أن تكون رئاسة لكلّ التونسيّين ..." ( ص 22) .
بادئ ذي بدء ، لا بدّ من التذكير بأنّ هذا الشاتم للجبهة الشعبيّة ليس سوى الذى تحالفت مع حزبه هذه الجبهة ضمن جبهة الإنقاذ و كالت له المديح على أنّه " ديمقراطي " مناهض للنهضة و التطرّف الديني و ما إلى ذلك و من ثمّة بيّضت الجبهة الشعبيّة وجه هذا " الدستوري " القديم الذى تبوّأ مناصب عليا في دولة الإستعمار الجديد و نظامي بورقيبة و بن علي ، فساهمت في رفعه فوق راسها و لمّا تمكّن من مآربه ، ماذا فعل ؟ عانق النهضة و شنّ هجوما ضاريا على الجبهة الشعبيّة. لقد وظّف الثعلب الرجعي الجبهة الشعبيّة و قيادتها الإنتهازيّة في صراع بين القوى الرجعيّة و حينما تطلّبت مصالح القوى الطبقيّة الرجعيّة التي يمثّلها وضع يده في يد النهضة رغم التصريحات الناريّة من الجانبين قبل الانتخابات الرئاسيّة و البرلمانيّة ، لم يتردّد في القيام باللازم رجعيّا . بإختصار ، أقام حزب العمّال ، على رأس الجبهة الشعبيّة ، تحالفا إنتهازيّا مع قوى رجعيّة أوهم نفسه و أوهم الجماهير لقراءته الإنتهازية الغالطة للهويّة الطبقيّة لتلك القوى أنّها ستعقد معه صفقات مربحة أثناء الانتخابات و بعدها ، فلم يخب ظنّه ( كما خاب ظنّ أمثاله من من صار يسمّى بالحزب الإشتراكي لمحمّد الكيلاني و لحزب العمل الوطني الديمقراطي و لبسمة الخلفاوي ، أرملة الشهيد شكرى بلعيد الذين كادوا يقبّلون يد السبسى أملا في فتات على موائده ) و خرج من تحالفه بيد فارغة الأخرى لا شيء فيها و لم تظهر تعاسة نظرته " الطبقيّة " " الماركسيّة – اللينينيّة " فحسب ، بل نال ما نال من سخاء الحملات التشويهيّة من قائد السبسى ذاته و قبله من النهضة التي تحالف معها حزب حمّه الهمّامي زمن حكم بن علي ، على أنّها من القوى التي أمست ديمقراطية كما حبّرت أقلامه في أكثر من وثيقة ؛ و بعد صعودها إلى الحكم سنة 2011، رمته بالزندقة و ما إلى ذلك . و لا نعبّر هنا عن شماتة و إنّما عن إفلاس حزب تحريفي إصلاحي لعماه الإنتهازي لم يفقه أنّ من دخل جحر الرجعيّة ، لسعته ثعابينها .
و في جملتي جيلاني الهمّامي ، تتبدّى بجلاء قراءة مثاليّة ذاتيّة لدور مؤسّسة الرئاسة ، تنشر اوهاما ضارة في منتهى الضرر. فهو يصوّر ، أو على الأقلّ يكرّر بلا تحفّظ ترّهات النظرة الديمقراطية البرجوازية ، أنّ تلك المؤسّسة " تمثّل الشعب التونسي " و الحال أنّها رئاسة دولة الإستعمار الجديد و ليس بوسعها أن تمثّل الشعب التونسي وهي تمثّل أعداء الشعب التونسي و من هنا نشاهد بصفاء القمر المكتمل الخلط الفظيع في فهم الواقع و الضرر الشنيع الذى يلحقه الهمّامي بالقرّاء من المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبيّة . و لئن رفع أحدهم عقيرته ليحتجّ علينا بأنّه تكلّم عن ذلك " وفقا للدستور " فسيكون ردّنا أنّه حتّى و إن أحال على الدستور ، كان عليه ، من منظور ماركسي – لينيني يدّعى تبنّه ، أن يفضح المغالطات السياسيّة المتّصلة بمؤسّسة الرئاسة و كذلك بدستور دولة الإستعمار الجديد ، دستور الطبقات الرجعيّة ، دستور أعداء الشعب و الهمّامي لا ينقده مثلما لا ينقد مؤسّسة الرئاسة بل ينقد فقط ممارسات أو تصرّفات الرئيس الذى كان سيصفّق له لو تحلّى ببعض الجرأة و أعلن بعض الإصلاحات كما سبق و رأينا . فى الوقت الذى يتّهم فيه الهمّامي السبسي بفقدان الجرأة على إعلان بضعة إصلاحات ، نجد السبسي يتحلّى بالجرأة التامة و الواجب الرجعي ليتحالف مع النهضة التي نعتها بنعوت سلبيّة جدّا قبل التحالف معها و كذلك نجده يتحلّى بالجرأة حين إلتزم بواجبه الرجعي ليحمل على الجبهة الشعبيّة و يشوّهها و قد كان تحالف معها لمدّة ، وظّفها لمدّة في صراعاته الرجعيّة مع النهضة . و هكذا السبسي يقدّر جيّدا سياساته الرجعيّة و الهمّامي و حزبه كالكرة تتلاعب بها القوى الرجعيّة و توظّفهما في الصراعات بينها . في كلّ مرّة ، تخرج القوّة الرجعيّة التي إستغلّت الهمّامي و أمثاله لتعلن " إنتهى الدرس يا ...".
رئاسة و دستور دولة الإستعمار الجديد الممثّلين لمصالح الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية ، ماركسيّا ، يجب فضح حقيقتهما لا الترويج للأوهام حولهما . بالإمكان إظهار التناقض بين المقول و الممارس لدى الرجعيّين و لكن الإكتفاء بذلك ليس من الماركسيّة – اللينينيّة في شيء، بالعكس هو نقيضها أي تحريفيّة ، و ليس من الثوريّة في شيء ، بالعكس هو نقيضها أي إصلاحيّة .
و في ما يتعلّق ب " تعديل الدستور و العودة على النظام الرئاسوي و نظام الحكم الفردي " ، فلنا من الملاحظات ثلاث ، الأولى تتّصل ب " النظام الرئاسوي و نظام الحكم الفردي " حيث هذه المصطلحات مستخدمة إستخداما يستهدف إستهجان النظام الرئاسي وفي الوقت نفسه يحجب حقيقة عدم " وجود نظام الحكم الفردي ". ففي عصر الإمبريالية والثورة الإشتراكية، تجميع السلطات أو تفريقها ، تختاره الطبقات الحاكمة حسب مقتضيات مصالحها و المرحلة التي تمرّ بها و يظلّ حكمها حتّى و إن إستبعدت بعض الفئات من الطبقات الحاكمة أو قمعتها ، في كلّ الحالات ، ماركسيّا ، دكتاتوريّة الطبقة او الطبقات الرجعيّة و ليس دكتاتوريّة فرد . الحكم الفردي ينبع من نظرة برجوازية للعالم و ليس من نظرة بروليتارية شيوعية للعالم و للدولة و الطبقات و صراعها . هنا أيضا يبرز الهمّامي غارقا للعنق في المفاهيم البرجوازية و النظرة الديمقراطية البرجوازية و هو غريب الغربة كلّها عن الماركسيّة .
و الملاحظة الثانية هي أنّ بوسع الطبقات الحاكمة أن تغيّر الدستور على هواها أو حتّى أن تضعه جانبا و تتجاوز ما يتضمّنه كما يعنّ لها ( طبعا بالأساس خدمة لمصالحها الطبقيّة ) وهي لا تعتبره وثيقة مقدّسة و حتّى المقدّس عندما تحتاج الطبقات الحاكمة الرجعيّة تخطّيه تتخطّاه و تدوسه و التاريخ حافل بالأمثلة و حتّى تاريخ تونس مع حكم بورقيبة و بن علي فيه ما يثبت ما نذهب إليه. و الغريب و العجيب هو أن يقدّس المتمركسون دساتير الدول البرجوازية الإمبريالية و دساتير دول الإستعمار الجديد و أن يدعونا إلى تقديسها ، و بعد ذلك يصرّح هؤلاء التحريفيين والإصلاحيين بالصوت العالى أنّهم ماركسيّون و أنّهم ثوريّون .
و تخصّ الملاحظة الثالثة كون المرور من شكل حكم إلى شكل حكم آخر أو من نظام حكم إلى نظام حكم آخر ضمن ذات الدولة ( الدولة الإمبريالية أو دولة الإستعمار الجديد ) أمر وارد و قد جدّ في الماضي و يجدّ في الحاضر و سيجدّ في المستقبل ) و من الواهمين و السابحين في فضاءات الأحلام ( من المثاليّين الميتافيزيقيّين ) من يتوقّعون عدم قدرة الطبقات الرجعيّة على اللجوء بصفة متكرّرة ، حسب حاجيات مصالحها الطبقيّة ، إن لزم الأمر أو في فترات متقاربة أو متباعدة إلى هذا الشكل أو ذاك . و منذ قرن و بضعة سنوات تناهز العقد ، سنة 1910 ، أكّد لينين العظيم وهو يشرح "الخلافات في الحركة العمّاليّة الأوروبيّة " أنّ :
" برجوازية جميع الأقطار تصوغ حتما ، في الواقع ، نهجين للحكم ، أسلوبين للنضال ، دفاعا عن مصالحها و ذودا عن سيطرتها ، - مع العلم أنّ هذين الأسلوبين يتعاقبان تارة و طورا يتعاقدان بمختلف التنسيقات . الأسلوب الأوّل هو أسلوب العنف ، أسلوب رفض كلّ تنازل للحركة العمّاليّة ، و دعم جميع المؤسّسات القديمة البائدة، و التشدّد في إنكار الإصلاحات. ذلك هو جوهر السياسة المحافظة التي تكفّ أكثر فأكثر في أوروبا الغربيّة عن أن تكون سياسة طبقات الملاكين العقاريين و التي تغدو أكثر فأكثر شكلا من أشكال السياسة البرجوازية العامة . أمّا الأسلوب الثاني ، فهو أسلوب " الليبرالية " و التدابير المتّخذة بإتجاه توسيع الحقوق السياسيّة ، بإتّجاه الإصلاحات ، و التنازلات ، إلخ ...
و البرجوازية تنتقل من أسلوب إلى آخر ، لا بدافع الصدفة و لا بدافع حساب سيّئ النيّة يقوم به بعض الأشخاص ، بل بدافع التناقض الأساسي في وضعها بالذات ... "
( لينين ، " ضد التحريفيّة ، دفاعا عن الماركسيّة " ، الصفحة 50 من الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو )

و في مقال " تونس في أزمة حكم " ( و ليس أزمة نمط / أسلوب إنتاج أو أزمة دولة إستعمار جديد ! ) ، يتحفنا صاحبنا بجملة إقراريّة تنمّ عن فهم مثالي ميتافيزيقي للواقع الموضوعي و هذيانه بالديمقراطية البرجوازية التي نظنّ أنّه شربها حتّى الثمالة فترنّح و صار يهذى بها هذيان المصاب بحمّة لإرتفاع حرارته جدّا .
أنظروا إلى هذا و إعملوا فكرهم فيه مليّا:" من يتحكّم في السلطة المحلّية يتحكّم في دواليب الدولة و الحكم "!!! ( ص 44 )
نتوقّف لثوانى نترككم فيها تلتقطون أنفاسكم و تتدبّروا بفكر نقدي هذا التصريح عسى أن تبلغوا كنه الجملة و مدى الهراء الذى تنطوي عليه ؛ من الرائع المريع أن يقلب من يدّعى الماركسيّة الأمور رأسا على عقب .
و نشرح أنفسنا فنقول أوّلا ، المقصود بالسلطة المحلّية سلطة البلديّات بالأساس . فهل أنّ من يتحكّم في البلديّات يتحكّم في دواليب الدولة و الحكم ؟ لا ؛ و لكن ليس بصفة مطلقة . إن كان المتحكّم في السلطة المحلّية هو ذات المتحكّم ( و نعنى هنا القوى أو الأحزاب السياسيّة ) في السلطة المركزيّة قد يصحّ هذا . و قد يكون الحال العكس تماما أي قد يكون المتحكّمون في السلطة المحلّية غير المتحكّمين في السلطة المركزيّة و قد ينشأ و قد لا ينشأ تضارب أو صراع إعتبارا لمدى التناقضات البرنامجيّة و التوجّهات الطبقيّة و إعتبارا للحدود القانونيّة المرسومة للسلطة المحلّية و علاقتها بالسلطة المركزيّة . و قد يحصل أن يكون المتحكّم في السلطة المحلّية متحكّمون أي عدّة قوى متباينة من بلديّة إلى أخرى أو حتّى داخل البلديّة الواحدة أو من جملة بلديّات أي أنّ السلطة المحلّية تتقاسمها قوى متنوّعة إلخ . و زيادة على ذلك ، في علاقة السلطة المحلّية بالسلطة المركزيّة في أيّة دولة طبقيّة ، الرئيسي هو السلطة المركزيّة كتعبير مركّز عن سلطة الطبقة أو الطبقات الحاكمة و لئن أفلتت من يد الطبقات الرجعيّة سلطة محلّية أو عدّة بلديّات محلّية لن تصدّع رأسها كثيرا بمعنى لن تخشى على سلطتها المركزيّة بصورة إستعجاليّة و ملحّة و قد تستخدم ذلك لتلميع صورتها الديمقراطية و من ذلك على سبيل الذكر لا الحصر ما يصنعه الكيان الصهيوني مع بضعة بلديّات يتحكّم فيها فلسطينيّون . و هذا لن يفقه منه شيئا من لا يطبّق في تحليل الموضوع الماديّة الجدليّة من أمثال صاحب الجملة الرهيبة التي نسلّط عليها الضوء .
و ثانيا ، ينبغي رؤية نوع العلاقات بين المحلّى ( و حتّى الجهوي المعتبر أحيانا محلّيا ) و المركزي . لا يعتقد إلاّ من أصيب بعمى الديمقراطية البرجوازية و الإنتهازية أن في دول الإستعمار الجديد أو حتّى في الدول الإمبرياليّة ثمّة علاقة شفافيّة تسمح بخضوع " دواليب الدولة و الحكم " إلى السلطة المحلّية ، بعيدا عن البيروقراطية و الدواوينيّة . يتخيّل السيّد الهمامي وجود هذه العلاقة المتّسمة بالشفافيّة حيث لا تشوّه السلطة المركزيّة و لا تتدخّل في السلطة المحلّية و لا تحاصرها و تهرسلها إلخ بشتّى السبل القانونيّة و غير القانونيّة إن هي تنطّعت أو خرجت عن طاعتها و قد تعزل مسؤوليها أو تسجنهم إن هم خرجوا عن الإطار المحدّد لهم و أضرّوا ضررا فادحا بمصالح الطبقات الرجعيّة . قد يتمّ القبول ببعض المناوشات و تقدّم بعض التنازلات للسلطة المحلّية إن كانت بيد معارضين شرسين نوعا ما لكن لن يخرج الأمر عن إطار نمط الإنتاج الساري المفعول و العلاقات الطبقيّة السائدة و دولة الإستعمار الجديد القائمة . و لا حتّى في دول إمبرياليّة معروفة بديمقراطيّتها البرجوازية لقرون مثل فرنسا إستطاع بعض الماسكين بالسلطة المحلّية في بلديّات معيّنة لعقود و هم من الحزب الشيوعي الفرنسي التحريفي مثلا ، أن يتخطّوا الحدود المرسومة من قبل الدولة الإمبرياليّة .
و حتّى و إن كان بوسع الماسكين بالسلطة المحلّية أن يؤثّروا إلى حدّ ما و بطرق شرعيّة و غير شرعيّة في نتائج الانتخابات لمواقع السلطة المركزية تنفيذية كانت أم تشريعيّة ، لن يقبل عاقل جملة الهمّامي الإطلاقيّة غير الواقعيّة . فلا يجب بالتالى أن يصدّق أحد أضغاث أحلام الهمّامي هذه فهي تطمس الحقائق و الوقائع لا لشيء إلاّ لإيهام الأنصار بأهمّية و حتّى حيويّة خوض معارك الانتخابات البلديّة و كسبها و شحنهم لبذل قصاري الجهد . أداتيّة براغماتيّة هي في نهاية المطاف هذه الجملة و ليست تسجّل حقيقة نابعة من التحليل الملموس للواقع الملموس.
و ثالثا ، ماذا عن " دواليب السلطة و الحكم " و كيفيّة التحكّم فيها ؟ تحضرنا الآن و هنا صور و جمل لعدّة أعضاء من نواب الجبهة الشعبيّة في مجلس نواب الشعب و هم يطلقون حناجرهم بالصياح و العويل و التنديد ، في غضب لم يشهد له مثيل من قبل و يعكس حالة إحتقاق كبرى و يأس كبير ، بأنّ المجلس فقد شرعيّته ولا يمثّل الشعب و بأنّهم لم يستطيعوا أن يدافعوا عن مصالح الشعب فيه و أنّ المافيات تتحكّم في إصدار القوانين و هكذا دواليك . و هذه المشاهد الكثيرة و المثيرة متوفّرة على الأنترنت و قد شاهدها الآلاف و نقلت محطّات التلفزة لقطات منها و بالتالى لا داعى لذكر مرجع معيّن لها .
إن لم يستطع نواب بمجلس نواب الشعب وهو أعلى سلطة تشريعيّة لها صلوحيّة تعيين و مراقبة رئيس الحكومة و محاسبته ووزرائه إلخ ... التأثير في قرارات هذا المجلس و إعترفوا بعظم لسانهم بذلك ، فهل تستطيع ذلك سلطة محلّية أو تستطيع هذه السلطة المحلّية التحكّم في دواليب الدولة و الحكم ؟ لكم الجواب .
دواليب الدولة و الحكم تتحكّم فيها فعليّا القوى الممثّلة للطبقات الرجعيّة و الإمبرياليّة . و قد تكون هذه القوى في الواجهة مباشرة و قد تتخفّى خلف الستار لتدير الأمور من الكواليس و قد تمزج بين جزء في الواجهة و جزء يظلّ خلف الستار . و ما مجلس النواب و الرئاسة و الحكومة غالبا إلاّ دمى بيد القوى التي تفعل فعلها و تدير الملفّات و الشؤون بشكل مركزي من وراء الستار في الغالب الأعمّ و علنا إستثنائيّا .
عمدا عامدين ، يتجاهل التحريفيّون و الإصلاحيّون المرضى بالغباء البرلماني على حدّ وصف لماركس ، ما إستخلصه لينين حول سير دواليب الدولة و الحكم في الدول الإمبريالية ( وهو حتّى أكثر على دول الإستعمار الجديد ) في كتاب لا يزال يقضّ مضجع التحريفيين و الإصلاحيين هو كتاب " الدولة و الثورة " و الكتاب المنارة الآخر " ما العمل ؟ " وهما أكثر من غيرهما من كتب و مقالات لينين تعرّضا إلى الهجمات الأشدّ تزويرا للحقائق :
" أمعنوا النظر في أي بلد برلماني من أمريكا حتى سويسرا و من فرنسا حتى أنجلترا و النرويج و غيرها ، تروا أنّ عمل " الدولة " الحقيقي يجرى وراء الكواليس و تنفّذه الدواوين و المكاتب و هيئات الأركان . ففي البرلمانات يكتفون بالهذر بقصد معيّن هو خداع " العامة ". "
( لينين ، " الدولة و الثورة " ، الصفحة 45 من طبعة دار التقدّم موسكو )
و أيضا لا يرغب التحريفيّون و الإصلاحيّون في قيادة حزب العمّال في إستيعاب حقيقة أساسيّة سجّلها لينين وفى العمل وفقها ، فما بالك بنشرها شعبيّا ذلك أنّها تمضى ضد مشاريعهم الإصلاحيّة على طول الخطّ :
" ما دام الإنتاج البضاعي و البرجوازية و سلطة النقود سائدة ، فإنّ شراء الذمم ( مباشرة أو عن طريق البورصة ) " قابل للتحقيق " في ظلّ أي شكل للحكم و في ظلّ أيّة ديموقراطيّة ."
( لينين ، " بصدد الكاريكاتور عن الماركسيّة و بصدد " الإقتصاديّة الإمبرياليّة " – أكتوبر 1916 ، الصفحة 179 من
" المختارات في 10 مجلّدات – المجلّد 6 ( 1915- 1917) ، دار التقدّم ، موسكو 1977 )
و لا حاجة لنا لأمثلة مجسّمة لهذه الحقائق العميقة و الشاملة في واقع القطر فالقاصى و الدانى على علم قليل أو كثير على الأقلّ بشذرات من وقائع و عايش وقائع أو شاهد بأمّ عينه أشرطة عن وقائع . حقّا لا عمى أكبر من عمى الذى يتعامى !
و لن نخوض نقاشا مطوّلا بشأن " ديمقراطيّتنا الناشئة " ( ص 33 ) فقد أفردنا للديمقراطية مساحات هامة في جدالاتنا السابقة و نكتفى هنا بالتذكير بأنّ لينين يرى أنّ " الديمقراطية في المجتمع الرأسمالي هي ديمقراطية بتراء ، حقيرة ، زائفة، هي ديمقراطيّة للأغنياء وحدهم ، للأقلّية " و أنّ " الديمقراطية لا تعنى غير المساواة الشكليّة " ( الصفحة 96 و الصفحة 105 من " الدولة و الثورة " ) وبإيراد مقولة شهيرة للينين وردت في " الثورة البروليتاريّة و المرتدّ كاوتسكى " ( ص 18 من طبعة دار التقدّم ، موسكو ) نضعها جنبا إلى جنب مع ما نطق به الهمّامي و نتراجع خطوات إلى الوراء لنفسح المجال للقرّاء كي يفكّروا مليّا و يبدو رأيهم : " إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست سوى تعبير كاذب للبيرالي يخدع العمّال. إنّ التاريخ يعرف الديمقراطية البرجوازية التى تحلّ محلّ النظام الإقطاعي، و الديمقراطية البروليتارية التى تحلّ محلّ الديمقراطية البرجوازية " .
و ننهى جدالنا بخصوص هذا المحور بلفتة سريعة إلى كلمتين في تعبير له دلالة ساطعة في وضوحها ، " الجميع مهدّد " الواردتين بالصفحة 46 ، بخاتمة مقال " تونس في أزمة حكم " . و كي لا نتّهم بإقتلاع الكلمات من إطارها ، إليكم الفقرة المتضمّنة للكلمتين و ليفهم القرّاء السياق : " الحلّ الحقيقي سيكون بلا شكّ – و إن إستدعى ذلك كثيرا من الجدل و الشدّ و التجاذب – في البحث في مخرج مبنى على قدر كبير من الشجاعة و الجرأة و التجديد ، و في خلاف ذلك سيكون الجميع مهدّدا بالقضاء تحت ركام السقف المتهاوي ".
سنترك الآن التعليق على " مهدّدا " ( و فيه ما فيه من الدلالات : من يهدّد من ؟ و بماذا يهدّده ؟ و كيف ؟ و لماذا ؟ إلخ ) و نعتنى ب " الجميع " التي فضلا عن كونها لفظة وردت في صيغة مثاليّة فجّة في مجتمع منقسم إلى طبقات متعادية و متناحرة قد يسخر منها كلّ ماركسي و ماركسيّة مثلما سخر ماركس و لينين من أمثال هكذا صيغ ، و نضع سطرا تحت القناعات الراسخة لدى الناطق الرسمي باسم حزب العمّال بأنّه و جماعته و أمثاله ضمن " جميع " دولة الإستعمار الجديد المدعومة من قبل الإمبرياليّة ، هو ليس عدوّها و ليس عدوّ النظام الحاكم و إنّما فقط يختلف معهما في الرأي و هم " جميع" " في سفينة واحدة " و تحت " سقف " واحد . و يريد من الجماهير الشعبيّة ان تفكّر على هذا النحو و تدخل تحت هذا السقف.
لا ، يا سيّدى ، تعلّمنا الشيوعيّة الثوريّة أنّ البروليتاريا حفّارة قبر البرجوازية و أنّ دولة الإستعمار الجديد عدوّة الطبقات الشعبيّة و خادمة الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبرياليّة و من يخلط الأوراق بين الأصدقاء و الأعداء و يجمع "الجميع" تحت خيمة واحدة يمارس " الوحدة الوطنيّة " و الوفاق الطبقي و السلم الطبقي و الماركسيّة لا تقبل بهذا . الماركسيّة براء من الذى يقف في صفّ أعداء الشعب و تحت عمامة واحدة معهم و يدعو الجماهير الشعبيّة إلى الوقوف تحت ذلك " السقف المتهاوي ". الماركسيّة ثوريّة و تنادى صراحة بدكّ الدول الإمبرياليّة و دول الإستعمار الجديد لا إلى إصلاحها و كي يتمّ ذلك لا بدّ من الخوض الواعي للصراع الطبقي و فرز العدوّ من الصديق و ليس خلط الحابل بالنابل .
و إن كرّر الإصلاحيّون على مسامعنا معزوفة ستغرق السفينة التي يوجد على متنها الجميع سنردّ بأنّ ربّان السفينة بصدد إغراق السفينة و هذا يصحّ على النظام الرأسمالي العالمي الذى يدفع بكوكبنا برمّته نحو الفناء سواء عن طريق الحروب النوويّة غير المستبعدة أو عن طريق تحطيم البيئة و رفع حرارة الكوكب . و في حال مجتمع معيّن ، كالمجتمع التونسي ، ربّان السفينة رجعي و لا يهمّه ما يطال الجماهير الشعبيّة من تفقير و تجويع و تهميش و سحق أي غرق ما يهمّه قبل أي شيء هو إستغلاله و إضطهاده لها فدون ذلك الإستغلال و ذلك الإضطهاد لن يقدر على مواصلة العيش ، سينهار نمط الإنتاج الذى يخوّل له أن يكون ربّانا للسفينة و يتمعّش من ذلك الموقع . هذا ما يفرض فرضا ضرورة التغيير الثوري ، ضرورة الإطاحة بالربّان و تعويضه بربّان الجماهير الشعبيّة بقيادة البروليتاريا و الشيوعية الثوريّة و توجيه السفينة بإتّجاه ميناء آمن هو المجتمع الشيوعي العالمي ؛ لا الركوع للربّان المستغِلّ و المضطهِد باسم إنقاذ السفينة !
إنّ بتر حزب العمال التونسيّ الماركسيّة على هذا النحو يساوى الهبوط بها أسفل سافلين حضيض الإنتهازية !
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------