النقد العلمي المادي لمنظور الديالكتيك عند ماو تسي تونغ ـ 1


الأماميون الثوريون
2019 / 11 / 3 - 17:40     

نقد "مقدمة توضيحية لسلامة كيلة" لكتاب "في التناقض"

قام الكاتب سلامة كيلة في تقديمه لكتاب "في التناقض" لماو تسي تونغ، بتناول مسألة التناقض باعتباره أحد قوانين الديالكتيك الماركسي، وقال عن هذا الكتاب :"هذا نص مهم، لأنه يبحث في مسألة التناقض."، ويقدم لنا الكاتب في تقديمه هذا ماو على أنه أدخل إضافات على أحد أهم القوانين الأساسية للديالكتيك الماركسي، الذي وضعه ماركس وإنجلس وطوره لينين على مستوى المعرفة والفلسفة، وقال الكاتب :"ولا شك أن ماو تسي تونغ قد قدم إضافات مهمة في هذا البحث، أي تعدد التناقضات."، انتهى كلام الكاتب، وهذه المقولة ليست علمية، حيث لا وجود ل"تعدد التناقضات" في الواقع الموضوعي، إنما تعدد أشكال التناقض مع تعدد مكونات المادة والحركة، فالتناقض كقانون لا يتجزأ، حتى يصبح متعددا لا نهائيا كجميع الأشياء، فهو قانون يحكم جميع الأشياء في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، وهنا يبدأ طرح الكاتب لمسألة التناقض كقانون أساسي، وهنا يبدأ قلب الجدلية، مما يجعلها تمشي على رأسها.

ولتأكيد قوله حول إضافات ماو، اعتبره أنه "ميز، من ثم، بين الرئيسي والثانوي فيها، كما أنه دخل في تفصيلات عن الطرف الرئيسي في كل تناقض، ومركز التداعي فيه، إضافة إلى الإشارة إلى عمومية التناقض وخاصيته، وإلى الوحدة والصراع بين طرفي التناقض نتيجة تعدد التناقضات."، كما جاء في مقدمته، وأكد أنه يجب اعتبار الرئيسي والثانوي فيه "وبالتالي من الضروري فهم الرئيسي والثانوي فيها، وكيفية التعامل مع كل منها ومن أجل حسم التناقض الرئيسي."، كما جاء في قوله.

إن اعتبار الكاتب عمل ماو هذا "إضافات مهمة"، إنما يدخل في مجال محاول توسيع رقعة الكتابة في هذا الشأن في تراكم من الكلام الذي لا يفضي إلى تراكم كيفي، في انعدام تام للقدرة لدى الكاتب، على تحريك ما هو أساسي في خلاصات ماركسي حول الديالكتيك، وفي هذا القانون بصفة خاصة، أما القول ب"إدخال إضافات" على هذا القانون، فهو يأتي ضمن جهل الكاتب لمعنى القوانين الأساسية، في الطبيعة والمجتمع، التي لا يمكن تحريكها، لكن يمكن فقط اكتشافها وتطبيقها في الطبيعية والمجتمع، في المادة والحركة، ليس من أجل تغيير هذه القوانين في حد ذاتها، إنما من أجل إحداث التغيير في الطبيعة والمجتمع، عبر تحريك التناقض داخل الحركة، مع العلم أن لا حركة بدون مادة كما قال إنجلس.

والقول ب"إدخال إضافات" على هذا القانون الأساسي، هو جهل بطبيعة هذا القانون التي لا تتغير، لكن الذي يتغير هو مجال تطبيقه في علاقته بالقانونيين الآخرين : نفي النفي والكم والكيف، مما يحدد نوعية التناقض في كل مجال على حدى، لكن ضمن الحركة التي تميز المادة، أما الحديث عما هو رئيسي فيه وما هو ثانوي، إنما يأتي ضمن اللعب بالكلام حول جدلية الأشياء، والتناقض بصفته قانون الحركة الموجودة في المادة : الواقع الموضوع، في الطبيعة والمجتمع، موجود على شكل العملية الجدلية التي تجري في جميع تفاصيل المادة والحركة، وفي جميع مجالاتهما، ويمكن تناول مجال معين حددناه سلفا للدراسة باستعمال الجدلية، من أجل تحديده في ما هو رئيسي في الحركة وما هو ثانوي فيها، ومن منظور قانون التناقض في علاقته بالقانونيين الآخرين، وهنا لا تجري عملية الجدلية في حد ذاتها على التناقض بعينه، فالرئيسي والثانوي موجودان سلفا في كل شيء، وقانون التناقض يشملهما، كما يشمل جميع مكونات المادة والحركة، وهما ليسا معطيين مطلقين، إنما الرئيسي والثانوي موجودان في علاقة جدلية، ويحكمهما التناقض في الصراع بينهما، وفي الصراع داخل كل واحد منهما، بحكم العلاقة بين العام والخاص الموجودان في كل الأشياء في المادة والحركة، في الطبيعة والمجتمع.

والعلاقة الجدلية التي تربط العام بالخاص، الجوهر بالظاهر، الرئيسي الثانوي ...إلخ موجودة في كل شيء في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، وليس هناك خاص مطلقة وعام مطلق، ففي كل خاص عام، كما أن في العام يوجد الخاص، وفي الخاص يوجد العام، في علاقة جدلية لا متناهية، كما قال لينين في كتابه "حول الديالكتيك" :"... فالخاص غير موجود إلا في العلاقة التي تؤدي إلى العام. والعام غير موجود إلا في الخاص، عبر الخاص. كل خاص له طابعه العام (بهذه الصورة أو تلك). وكل عام هو (جزء أو جانب أو جوهر) من الخاص. وكل عام لا يشمل جميع الأشياء الخاصة إلا في وجه التقريب. وكل خاص لا يشترك تمام الاشتراك في العام، إلخ، إلخ .. كل خاص يرتبط عبر آلاف الدرجات الانتقالية بعناصر خاصة من طبيعة أخرى (أشياء، ظاهرات، تفاعلات)، إلخ ..".

أما تناول مفهوم التناقض في علاقته بالرئيسي والثانوي، إنما يندرج ضمن الجدلية الموجود في المادة والحركة، في الطبيعة والمجتمع، أما القول بأن هناك تناقض أساسي أو رئيسي أو مركزي والتناقضات الثانوية، ليس باكتشاف علمي، لكون التناقض في ما هو رئيسي يختلف في ما هو ثانوي ي، وتجمعهما العلاقة الجدلية في ظل الوحدة بينهما، في التناقض والصراع، التي تنطبق على كل الأشياء في الطبيعة من عالم الذرات إلى عالم المجرات أو ما يسمى في الفيزياء L’infiniment petit et l’infiniment grand، العالم اللامتناهي الصغير والعالم اللامتناهي الكبير، وفي المجتمع في أبسط العلاقات الاجتماعية اليومية وأعقدها في حالة الثورات الاجتماعية.

والكاتب يريد أن يحول عمل ماو من مستواه البسيط في الديالكتيك، الموجود أصلا في جميع الأشياء في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، إلى مستوى عال من الاكتشافات العلمية في المعرفة الماركسية، وبهذا يحدث تشويشا في ذهن القارئ، عبر اللعب بموقع الرئيسي والثانوي في المادة والحركة، وإخراجهما من الواقع الموضوعي، وإسقاطهما على أحد القانون الأساسية للحركة في علاقتها بالمادة، ويقول أنه يقوم بإزاحة التشويش الذي تم نشر في صفوف الشيوعيين بالصين، وفي الحركة الماركسية ـ اللينينية عامة، لكنه لم يفعل غير تعميق هذا التشويش.

والتناقض باعتباره قانون أساسي في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، موجود في الرئيسي، كما هو موجود في الثانوي، في العلاقة الجدلية بين الرئيسي والثانوي، وليس في "التناقض الرئيسي" و"التناقض الثانوي"، وهنا يكمن الخطأ، ويحصل التشويش في ذهن الكاتب، فالتناقض قانون، وهو موجود بشكل أساسي، من بين القوانين الثلاثة الأساسية في المادة والحركة، في الطبيعة والمجتمع، التي حددها العلم المادي الماركسي، أما إضافة صفة الرئيسي والثانوي لقانون التناقض، فهو عمل يحمل معه مغالطة ولبس وجب كشفهما، من أجل إزاحة التشويش في ذهن القارئ، إزاحة القول غير العلمي في المعرفة الماركسية، كالقول ب"التناقض العام" و"التناقض الخاص"، و"التناقض الجوهري" و"التناقض الطاهري"،...إلخ، فنقول إنه اكتشاف جديد في علم الماركسية.

أما القول بالوحدة في ظل التناقض والصراع بين الأضداد، فهي مسألة بديهية وليست اكتشافا، فالذرات، الجزيئات، الأجسام ... الأقمار، الكوكب، المجرات ... أو بصفة عامة : المادة، كما قال عنها لينين : "المادة مقولة فلسفية للإشارة إلى الواقع الموضوعي"، فالوحدة موجودة في شكل، الوحدة في ظل التناقض والصراع بين مكوناتها، وكل مكون موجود في شكل الوحدة في ظل التناقض والصراع بين أجزائه المتناقضة ... هكذا إلى ما لا نهايته.

قال لينين في هدا الصدد في كتابه "حول الديالكتيك" :"... كل هذه أيضا نتائج لجهل الديالكتيك، كل ما لا يتغير، من وجهة نظر إنجلس، هو أمر واحد فقط، هو عكس الوعي البشري (عندما يكون الوعي البشري موجودا) للعالم الخارجي الموجود المتطور خارج وعينا، لا وجود في نظر ماركس وإنجلس لأي "ثابية" أخرى، أو لأي جوهر "مطلق" آخر بالمعنى الذي رسمت به الفلسفة الأستاذية هذه المفاهيم. فإن "كنه" الأشياء أو "الجواهر" هما أيضا نسبيان، وهما يعربان فقط عن تعميق المعرفة البشرية للمواضيع، ولئن كان هذا التعميق لم يمض أمس إلى أبعد من الذرة، واليوم أبعد من الإلكترون والأثير، فإن المادية الديالكتيكية تلح على الطابع المؤقت، النسبي، التقريبي لجميع هذه المراحل من معرفة الطبيعة من قبل العلم المتطور المتقدم لدى الإنسان. إن الإلكترون لا ينضب مثله مثل الذرة، والطبيعة لا متناهية، ولكنها توجد إلى ما لانهاية، إن هذا الاعتراف القاطع الوحيد، بوجودها خارج وعي الإنسان وأحاسيسه هو الذي يميز المادية الديالكتيكية عن اللاعرفانية النسبية وعن المثالية."

إن الكاتب من خلال هذه المقدمة يبحث عن طريق للتميز، في ظل الحركة الماركسية ـ اللينينية، وبشكل فج، من أجل الوصول إلى هدفه الأساسي، وهو أن البلشفية تم تجاوزها من طرف الثورة الصينية، وبالتحديد في أعمال ماو المتقدمة في المعرفة الماركسية، في مستوى عال من المعرفة والفلسفة، في محاولة انتهازية لتجاوز أعمال لينين، التي لا يستطيع الإحاطة بها، في مضمونها العلمي وتراكمها الهائل على جميع المستويات المعرفية، السياسية، الاقتصادية، والتنظيمية : في أعلى مستوياتها، في العلاقة بين الحزب، الطبقة والجماهير، وفي البناء الثوري للاشتراكية.

ويسعى الكاتب لوضع أسس، تسديد الضربة القاضية للدياليكتيك الماركسي لدى لينين، عبر توجيه انتقاداته لأعمال ستالين حول المادية الجدلية، ذلك ما أشار إليه في آخر المقدمة، في محاولة فاشلة لضرب النظرية الماركسية اللينينية، عبر ضرب التجربة الاشتراكية بالاتحاد السوفييتي، مما قاده إلى الوقوع في الديالكتيك الميتافيزيقي، عبر المنهج المثالي الذاتي والسوليبسيسم.