حول القيم الأخلاقية العربية ( الموروثه والسائده) والصراع بين التخلف والارتقاء ....


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 6398 - 2019 / 11 / 3 - 12:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


المبادئ الأخلاقية لا يضعها الفلاسفة بصورة مجردة أو ذاتية ، وإنما تتشكل في مجرى التطور العام للمجتمعات البشرية .
وفي هذا الجانب أشير إلى المتغيرات النوعية ، الثقافية والاخلاقية التي أصابت مجمل الشعوب في هذا الكوكب بدرجات متفاوتة بتأثير ظهور وإنتشار نظام العولمة الرأسمالي نتيجة التقدم الهائل في علوم التكنولوجيا والإتصال وغير ذلك من مظاهر التقدم العلمي والاجتماعي الحضاري .
إنّ كل ذلك يفرض علينا كعرب ، التعامل مع المسألة الأخلاقية والثقافية عموما ، بصورة نسبية ، ولكن من منطلق حداثي ، عقلاني وديمقراطي صارم ، فالقيم الأخلاقية ليست أبدية ولا مطلقة، إنما هي نسبية تابعة لعملية التغير المستمر الذي يؤثر في دوافعها الاجتماعية والبيولوجية والفيزيولوجية وغير ذلك من الدوافع .
- وبالتالي فإن فهمنا لنسبية هذه القيم يدعونا إلى تأمل المتغيرات التي تصيب الجوانب المادية والعلمية والمعرفية ، والتعامل معها بصورة حضارية – عقلانية ، وتكييفها بما يتفق مع ضرورات التطور المنشود لواقعنا الراهن ،مع إقرارنا بأن هذا التقدم العلمي الهائل في ميدان البيولوجيا والهندسة والصفات الوراثية والاستنساخ وعلم الأجنة كما في ميدان تكنولوجيا المعلومات ،من شأنه أن يؤدي إلى نتائج تتعارض مع القيم الأخلاقية –الموروثه والسائده- في جميع المجتمعات المتخلفه والتابعه عموماً ، ومجتمعنا العربي الإسلامي على وجه الخصوص .
فعلى سبيل المثال ، إن إمكانية تغيير " جنس الكائن البشري من ذكر إلى أنثى أو العكس ،وإمكانية التحكم في جنس المولود وفي ذكائه وقدراته العلمية ، وعملية الاستنساخ التي أثارت علامات الاستفهام على جوانب أخلاقية كانت تنتمي إلى " اللامفكرفيه "أو إلى دائرة " الممتنع " الذي لا حكم له كما يقول الفقهاء .
كل هذا يثير المخاوف والهواجس بشكل جدي في أوساط الوعي البسيط أو العفوي، ولكننا –في نفس الوقت –لا نستطيع أن ننكر ما توفره هذه الاكتشافات العلمية من إمكانات هائلة للبشر سواء أمام آفاق البحث العلمي أو في مجال نشر المعرفة وغير ذلك من التسهيلات المتنوعة والسريعة في الاقتصاد والإعلام والثقافة ، بما يجعل من هذه الاكتشافات من أهم الوسائل أو المقومات الضرورية لعالم اليوم والغد .
إن التحدي المتزايد الذي يسببه العلم وتطبيقاته للأخلاق والقيم عموماً ، في بلدان الوطن العربي راهناً ، يفرض علينا العمل بصور جديه ومتسارعه لاكتساب " الأدوات والأسس المادية والمعرفية لدخول عصر العلم والثقافة وفي مقدمتها العقلانية والديمقراطية .