اللا مدرك في ادراك المدرك


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 6397 - 2019 / 11 / 2 - 00:35
المحور: المجتمع المدني     

يدرك اعداءنا جيدا ان قدرتهم على الانتصار في معركة البقاء قائمة في الأصل من امتلاك القدرة على التخلص منا ليس ككتلة بشرية من لحم ودم بالضرورة ولكن ككتلة بشرية موحدة ومدركة لأهمية وجودها ووحدتها في حين لا ندرك نحن بالمطلق تلك الاهمية ونضع بديلا عنها مهام اخرى لسنا جديين حقيقة في التعاطي معها متناسين وغير راغبين على ما يبدو في ادراك الاهم القائم على ان سلامنا ووحدتنا وقدرتنا على التعاطي مع قيم واخلاق المواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان حتى ولو لم نمارس ادنى مقاومة ستطيح بكل المشروع الصهيوني في فلسطين وبالتالي فان الامعان في الانقسام واثاره والعنف واثاره وتداعياته ليست بالضرورة كما قد تكون في حياة أي مجاميع بشرية أخرى بل هي سلاح الاعداء ضدنا ولا ندرك نحن ما نملك من سلاح القوة في مواجهة سلاحهم الذي يدركوه ويتعاطون معه وهو نقيض سلاحنا الغائب او المغيب عنا بالضرورة
مثلا نحن بالقول جميعا وبلا استثناء نقول ان الانقسام بين غزة والضفة وعزلهما عن بعض هو مطلب اسرائيلي من طراز رفيع ومع ذلك لا احد منا يتنازل ولو قيد انملة لنلغي هذا الخطأ المدرك جيدا من قبل اعداءنا واللا مدرك على الاطلاق من قبلنا فحين يستوجب الادراك الفعل ليس يكفي الادراك الذهني او الادراك بالتعبير اللغوي فكل ادرك للضرورة يستوجب تحويل المدرك الى واقع معاش وكل ما نفعله احيانا اننا نعلن تحميل الاحتلال مسئولية الانقسام ونؤكد لفظا على انه مصلحة احتلالية ونغرق في تعميقه وتجذيره بلا خجل بل اننا في الكثير من الاحيان نجد مبررات وطنية وكفاحية لفعلتنا هذه.
في الاراضي المحتلة عام 1948م يتزايد العنف بشكل ملفت في القرى والمدن الفلسطينية وقد نشر موقع عرب 48 على صفحاته ما يلي
" وشهدت البلدات العربية 863 جريمة إطلاق نار مختلفة منذ مطلع العام ولغاية اليوم ، ما يؤكد اتساع دائرة العنف والإجرام بصورة مقلقة وخطيرة للغاية " وتابعت الصحيفة تقول "
كما تبين من الإحصائيات التي تستند إلى معطيات رسمية أن غالبية الضحايا من الشباب ، وأن نحو 70% من جرائم القتل اقتُرفت بسلاح ناري ، في الوقت الذي يئن المجتمع العربي من فوضى السلاح ، وبلغ عدد قطع السلاح غير المرخص في البلاد ، بحسب المعطيات ، حوالي 400 ألف قطعة ، 80% منها في البلدات العربية.
ووفقا لهذه المعطيات فإن المواطنين العرب وقعوا رهينة للعنف والجريمة ،ونسبتهم بين ضحايا جرائم القتل بإطلاق النار تجاوزت 55%،كما أن 57% من المشتبه بهم في جرائم القتل هم من المواطنين العرب, ولا يخفى على أحد تقاعس وتخاذل الشرطة في محاربة العنف والجريمة بالمجتمع العربي، فالفرق بين نسبة القبض على المجرم القاتل في المجتمع العربي واليهودي يوازي الفرق بين نسبة الجريمة بين المجتمعين, ومنذ تولي وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي ، غلعاد إردان، منصبه قُتل 228 مواطنا عربيا: 58 قتيلا عام 2015، 64 عام 2016، 72 عام 2017 وكذلك 34 قتيلا منذ مطلع العام 2018 ولغاية اللحظة, وقد أضحت الجريمة والقتلة بلا عقاب عندما تكونا لضحية من المجتمع العربي، وساهم ذلك بأن تكون الغالبية العظمى من جرائم إطلاق النار التي تسجل بالبلاد ،في المجتمع العربي، إذ دلت الإحصائيات أن 95% من جرائم إطلاق النار بالبلاد تسجل بالبلدات العربية" مما يؤكد ان هناك مصلحة احتلالية عليا في تفاقم الجريمة في اوساط الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والذي يعتبر مجرد وجودهم عبء غير محتمل وقنبلة قومية موقوتة ضد الاحتلال ووجوده بالكامل واشارت احصائيات نقلها الموقع عن تقرير لمراقب دولة الاحتلال الى ان " 1236 رجلا وامرأة في المجتمع العربي قُتلوا في الأعوام 2000 وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. وخلال العام 2016 قُتلت 30 امرأة عربية ، أي 42% من مجمل النساء اللاتي قُتلن في ذلك العام في إسرائيل . ومنذ مطلع العام 2017 وحتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه قُتلت 10 نساء عربيات " وعلى المراقب ان يلاحظ ان المدن المختلطة كحيفا مثلا لا تنتشر بها الجريمة كما هي في القرى والمدن العربية بالكامل مما يعني حرص مشجعي العنف على ابعاده عن الوصول الى المجتمع اليهودي ويكتب الكتاب العرب والباحثين والسياسيين عن ذلك ويتهمون شرطة الاحتلال واجهزة امنه بالمسئولية الكاملة عن ذلك ولكنهم لا يفعلون شيئا حقيقيا غير تصريحاتهم ثم يغادرون منصة الكلام بانتظار منصة جديدة وقد كتب مثلا الكاتب مجيد شحادة تحت عنوان ليست مجرد لعبة كرة قدم قائلا " قضيّة العنف في ضوء الأحداث الدمويّة التي تلت مباراة لكرة القدم عام 1981 بين فريقين من منطقة الجليل، انتهت بإيقاع قتيلين وإصابة آخرين بالرصاص والسكاكين.
كان الفريق الأوّل من قرية كفر ياسيف والتي تعيشُ فيها أغلبية مسيحيّة، والفريق الثاني من قرية جولس وهي قرية درزيّة.
إلّا أنّ الأحداث لم تنته بانتهاء المباراة، فقد تلت الأحداثُ هجومًا مسلحًا من قب لقرية جولس على قرية كفر ياسيف ،إلّا أنّ ذلك لم يدفع الشُّرطة الإسرائيليّة إلى التدخل رغم مطالب أهالي قرية كفر ياسيف من الشرطة إحضار عناصر شُرَطيّة للبلدة لحمايتها " الا يعني ذلك بوضوح ان مؤسسة الاحتلال الامنية معنية بذلك والا يجعل ذلك يثير سؤالا اهم ماهي مهمة الاحزاب والقوى العربية هناك غير انتخابات الكنيست ومحاصصتهم وانتخابات البلديات ومحاصصة العشائر وكل المحاولات التي تبذلها الهيئات العربية الفلسطينية في الداخل المحتل تذهب ادراج الرياح ما دامت لا تصل الى الاسس التي يقوم عليها العنف ولا تضع يدها على الجرح فالشباب الفلسطيني يتلقى في المدارس تعليما مختلفا في اساسه عن التعليم في المدارس اليهودية وبشكل جذري والشباب الفلسطيني لا يعرف لنفسه هدفا واضحا غير العمل والتزاوج والموت وبالتالي فان غياب الدور الوطني والمكانة الوطنية والاهداف والقيم العليا تجعل من الحياة بلا معنى وتتساوى معها الحياة والموت وحين يشعر الفرد ان لا مكان جمعي له وانه مجرد كائن حي معزول عن الفعل هو وجماعته يتنكر لجماعته اصلا على قاعدة ان المهزوم يتنمر على نفسه قبل ان يفكر بالتنمر على من اوقع به الهزيمة وهذا نفسه بدأ ينسحب على مجتمع الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى الخارج كما هو الحال في مخيمات لبنان فحين تغيب الاهداف الوطنية العليا وتنكفيء الجموع على ذاتها يتحول الفاعلين الى عالة على مجتمعهم وليس العكس فتظهر كل مظاهر العنف على قاعدة تبديل الادوار والسعي للظهور بمظهر القوي ولو كذبا بالزام الغير بالاعتراف بهذه القوة قسرا وقد تكون كلمة " انت بتعرف مع مين بتحكي " هي اكثر كلمة مستخدمة في التعاملات الاجتماعية في فلسطين فلا يكاد يوجد فرد واحد لا يستخدمها عند ادنى نزاع ايا كانت تفاهته وبذا طال العنف الجميع وبأشكال مختلفة وبعد ان كان العنف في المجتمعات العربية يقتصر على تعنيف النساء بات الجميع معنفين بشكل او بآخر فمن حالات التنمر في المدارس بين التلاميذ وعلى معلميهم مما افسد العملية التعليمية وزاد بشكل حاد من نسبة التسرب من المدارس وقال رئيس اتحاد اولياء طلاب مدارس القدس زياد شمالي " إن نسبة التسرب للمرحلتين الإعدادية والثانوية تتراوح ما بين 35-40% ولكن الدراسة التي أجرتها بلدية القدس تبين أن أكبر نسبة تسرب ما بين 55 إلى 60% في المدارس التابعة للبلدية تحت مسمى المدارس الشاملة " وقال الباحث ا. د. محمود الجعفري في دراسة عن التسرب في المدارس الفلسطينية " أن نسبة التسرب آخذة في التزايد من 13% عام 2009/2010 إلى أكثر من 30% عام 2016/2017، حيث التحق بالصف الأول الابتدائي بالمدارس في العام الدراسي 2005-2006 نحو 105 طالب وطالبة تقدم منهم للثانوية العامة هذا العام 72 ألف طالب وطالبة، ما يعني تسرب نحو 33 ألف طالب من المدارس وعدم وصولهم إلى الثانوية العامة في ظاهرة خطيرة تهدد التعليم في فلسطين" وهناك دراسات عديدة تناولت العنف في المدارس والذي بالتأكيد سيقود الى العنف في المجتمع باسره فأطفال امس هم رجال اليوم وهكذا وقد اظهرت دراسة عن العنف في المدارس اجراها مركز غزة للصحة النفسية " أن نية كل طفل وصبي فلسطيني من كل أربعة أولاد ( 24.7 % هي الموت في سن الثامنة عشرة والدراسة التي شملت 944 طفلاً وصبياً من الفئة العمرية 10-19 سنة أظهرت أن 97.5 % منهم يعانون أعراض الصدمة النفسية الصعبة وأن ثمة أعراضاً خطيرة للصدمة في صفوف 32.7 % منهم, شارك 94.6 % منهم في جنازات الشهداء فيما شاهد 83.2 % حوادث اطلاق النار والعدوان و 61.6% شاهدوا قريباً قُتل أو أصيب بجراح ، ونال الغاز المدمع 36.1% منهم )، ما يعني ان هناك ظاهرة مقلقة في غزة حيث أن الاستشهاد أمنية كل طفل من أربعة أطفال ، و13 % ممن هم دون الخامسة عشر يعانون التبول الليلي؛ كما تنتشر في صفوف الفتية ظاهرة عدم القدرة على الابتسام ".
في الحالة الفلسطينية يأتي العنف المجتمعي كقضية وطنية وسياسية من الدرجة الأولى فهناك في جبهة الاعداء من يود لذلك ان ينتشر ويتأصل وهو يسعى في سبيل ذلك سعي الصانع لا سعي المراقب المنتظر بينما نقوم نحن بدراية أو بدون دراية بدور المنفذ الغبي لما يريده الاعداء وبطريقة تدعو للشفقة فجميعنا نعلن في العلن وفي لغة الخطابة بكل انواعها ان الاحتلال يريد لنا ذلك وجميعنا ايضا ننفذ له ما يريد بصمت.
صحيح ان العنف ضد المرأة يأخذ حيزا واسعا من اهمامنا ولكن العنف الاخطر والمسكوت عنه هو العنف العائلي الذي يطال الابن والبنت والزوجة بكل المعايير والعنف المدرسي الذي يبدأ بعنف المعلم والزملاء في المراحل الاولى وينتهي بعنف الطلاب ضد بعضهم وضد معلميهم في المراحل الثانوية والجامعية ويغيب كليا حتى الحديث عن العنف العائلي ضد الاطفال لان احدا لا يدري ويتدرج الصمت عن العنف حد التشجيع من الاسرة والمحيط وحتى المؤسسة الحزبية كدور الفصائل في حماية عنف ابناءها ضد محيطهم ايا كان هذا المحيط بما في ذلك عنف الاقوى او الاكثر تسليحا او مكانة حزبية او اجتماعية او مالية ضد الاضعف بكل النواحي المذكورة.
تاريخيا كان السلاح في ايدي الفلسطينيين له مهمة واحدة وهو الدفاع عن الوطن او مقاومة الاعداء او السعي لتحرير الوطن وكان قليلا حد الندرة ومجرد امتلاك رصاصة واحدة كان يعني عقوبات احتلالية خرافية وما يجري اليوم اننا حافظنا كذبا على صفة وصررة السلاح التي امتلكها عبر سنوات الثورة بينما تغير دوره الحقيقي على الارض فصار مصدرا للمال عبر التجارة السوداء مع علنيتها المفرطة وصمت الاحتلال عنها ثم صار لامتلاكه ضرورة التحول الى الفعل في الصراعات والنزاعات الشخصية والاجتماعية والمالية والعشائرية وبات استخدامه للترهيب والتخويف والقتل بعيدا عن الاحتلال وما يريده من الكوت عن هذا السلاح حد التشجيع دون ان نلتفت نحن لذلك الا قولا بينما نشجع الفعل على الارض وبكل المستويات بلا ادنى خجل مما جعل شبابنا عرضة للتدمير الذاتي وبالتالي التدمير الاجتماعي والاخلاقي باقترتن العنف والجريمة بالسلاح الذي كان رمزا للمقاومة وباقتران صورة الشباب الفلسطيني بالمقاومة والانتفاضة لتنحني مائة وثمانون درجة وتصبح صورة المجرم وتاجر السلاح وربما باقي الموبقات عند الضرورة وهو ما يريده لنا الاحتلال فعلا وننفذه نحن بصمت ونلعنه بالقول لا اكثر.
وفي الحديث عن العنف لا يجوز لنا الا ان نفصل ذلك ذلك وعبر تقرير جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني اعام 2011 والذي يشير الى ان 6% من الشباب من عمر 18-29 سنة من الجنسين تعرضوا للعنف من جيش الاحتلال ومستوطنيه وان 20% من نفس الفئة تعرضوا للعنف من الحيز الخارجي ( الشارع ) وأن 37% من النساء المتزوجات تعرضن لعنف من قبل ازواجهن وان 51% من الاطفال بعمر 12 – 17 سنة تعرضوا للعنف داخل الاسرة وأن 17.3% من الزوجات الفلسطينيات عنفن ازواجهن ويقول تقرير للشرطة عن حوادث فض خلافات وشجارات في رمضان 2015 فقط ان الشرطة فضت 974 شجار أي بين طرفين بمعنى ان هناك ما لا يقل عن 2000 عائلة فلسطينية شاركت في شجارات فيما بينها وبالضرورة فان هذه الشجارات انعكست عشائريا وجهويا لأكثر من المشاركين انفسهم لتطال قطاعات عريضة جدا من مجتمع الضفة الغربية كون الاحصائية المذكورة لا تشمل قطاع غزة وبالتالي فان غياب مؤسسة نظامية واهمال العمل بالقانون لصالح القانون العشائري الذي يلغي العقوبة الفردية لصالح العقوبة الجماعية فلا يتحمل المجرم جرمه مثلا في جرائم الايذاء والقتل بل تتحمل معه العشيرة كلها مما يشجع على الفعل ولا يمنعه وكذا يتم التعاطي مع جرائم الشرف على قاعدة تمجيد القاتل وتجريم الضحية وهو ايضا سيشجع اكثر على تكرار الفعل لا منعه ويبقى السؤال برهن الاجابة المطلوب عن سؤال اكبر واعم واشمل الى مت سنبقى نغيب وجود قانون مدني يؤسس لدولة المواطنة المدنية على قاعدة القانون المدني العصري الواحد الموحد للجميع تحت سقفه.