النقد العلمي المادي لتجربة 30 غشت - الجزء الثالث، ورقة : المرحلوية أو النيومنشفية - إشارات حول أحد المظاهر الأساسية للفكر اليميني في الحركة الماركسية - اللينينية المغربية - 4


الأماميون الثوريون
2019 / 10 / 30 - 12:34     

عن مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية الذي يعتبر أحد أصول الثورة في تصور منظمة إلى الأمام للثورة المغربية، يمكن أن نتفق عليه مبدئيا، لكن نختلف عليه من منطلق فهمه الأيديولوجي والسياسي وحتى الاقتصادي، في التكتيك والاستراتيجية، في الديالكتيك والراكسيس، وفي تفسير بنية المفهوم التركيبية اللغوية في حد ذاتها، ذلك ما يمكن أن يواجه أصحاب الوجبة الجاهزة للثورة المغربية، من أصحابنا "الماويين" المتهافتين لإلصاق فهمهم تعسفا بتصور المنظمة للثورة المغربية، بالتعسف على مفهوم تطوير الماركسية والماركسية ـ اللينينية.

وبالرجوع إلى أسسه التاريخية، كما أشرنا لذلك سابقا في الحلقات السابقة، فإنه غير غريب عن التجارب الوطنية الثورية المغربية، خاصة الثورة الريفية ضد الإمبريالية ودولة البرجوازية التجارية، التي وضعت أسس الحرب الوطنية الثورية الشعبية ضد الحرب الإمبريالية الصيغة الجديدة الثورة بالبلدان المضطهدة بما فيها الصين، وأسست أول دولة وطنية ديمقراطية شعبية بشمال إفريقيا.

إذن هذا المفهوم ليس بغريب عن تجارب بلادنا الثورية ضد الإمبريالية، ولا نحتاج لمن يعطينا فيها دروسا ويضعها أمام المناضلين مفصلا أيديولوجيا وسياسيا، أما مسألة تطويرها عبر التجربة الثورية بالصين فذلك شان آخر، يمكن أن نختلف أو نتفق حوله، فلكل حججه في تاريخ التجارب الثورية العالمية، وهي عديدة وعلى رأسها التجربة الثورية الفيتنامية الرائدة عالميا.

هكذا نرى هذه المسألة الشائكة، التي يريد أصحابنا "الماويين" الركوب عليها، ولن يكون ذلك بالسهل عليهم، فتجربة بلادنا الثورية أولى بنا من أي أحد آخر، بالاستفادة منها، بالرجوع إلى أصولها التاريخية، ولو عاش ماو تسي تونغ اليوم لقال لهؤلاء الأساتذة نفس الكلام عن هذه التجربة الثورية العالمية، كما فعل يوما مع انتهازية حزب التحرر والاشتراكية في الستينات من القرن 20.

وبالرجوع إلى الورقة نجد مجموعة من المصطلحات التي تناولناها بالدرس في حلقات سابقة، خاصة التي لها علاقة اصطلاحية بمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، فالثورة الوطنية يجب أن تكون ديمقراطية وأن تكون شعبية حتى تنتصر، وهاذان الشرطان أساسيان في انتصارها الحتمي على شكل الحرب الثورية ضد الحرب الإمبريالية، ذلك ما قام به القائد الثوري محمد بن عبد الكريم الخطابي، في ظل دولة البرجوازية التجارية عميلة الإمبريالية، لكن هل تتم في مرحلة واحدة أم في مرحلتين متتاليتين ؟ وهنا أيضا قد نختلف مع أصحابنا "الماويين" الذين يحملون نسخة جاهزة طبق الأصل للنسخة الصينية، وقد نختلف معهم اختلافا جوهريا.

وحول ما جاء في هذه الوثيقة المليئة بمصطلحات لا علاقة لها بالمفاهيم الماركسية، نختلف معهم جوهريا : ضد تحريف المفاهيم الماركسية المحددة للصراع الطبقي، المحرك الأساسي للتاريخ كما حدد ماركس ذلك، وأكده لينين عبر إنجاز الثورة البروليتارية عبر مرحلتين : الانتفاضة والحرب الأهلية، وليس عبر الانتفاضة فقط كما يدعي "الماويون" في نقدهم للبلشفية، إنما أيضا عبر الحرب الوطنية الثورية ضد الحرب الإمبريالية وعملائها من الانتهازيين، البرجوازيين والملاكين العقاريين، في حرب دامت أربع سنوات، وهي حرب شعبية بقيادة البروليتاريا، دفاعا عن الوطن الاشتراكي، وتجاوز الثورة البرجوازية بقيادة الانتهازية التي تم إسقاطها.

إن محاولة أصحاب الورقة الرامية إلى تقديم تصورهم للثورة المغربية، عبر ما سموه "التناقض الأساسي" و"التناقض الرئيسي" في علاقتهما ب"المرحلة" و"الفترة" من أجل تحديد طريق الثورة المغربية، إنما هو لعب بالكلمات وهروب إلى الأمام، من أجل تقديم "حسائهم الاختياري" كما قال إنجلس في نقده للكانطيين.

والتناقض، يعتبر أحد القوانين العامة للحركة، التي حددها ماركس وإنجلس بعد اكتشافه في الطبيعة والمجتمع معا، فلا غبار عنه، والحركة الثورية يسري عليها ما يسري على الحركة بصفة عامة، والثورة باعتبارها حركة خاصة في المجتمع، في أقصى تجليات الحركة في تناقضاتها، تضم بداخلها ما هو عام وما هو خاص ككل حركة، مع العلم أن في كل عام خاص، وفي كل خاص عام، وليس هناك عام مطلق ولا خاص مطلق إلا في حدود معينة جدا، والثورة تحمل صفة الوحدة لكنها حابلة بالتناقضات في ظل الوحدة، فالتناقض الأساسي في الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية هو الصراع الأساسي ضد الإمبريالية، بين البروليتاريا والبرجوازية، بين الحرب الثورية والحرب الإمبريالية، وهو المحدد الأساسي لسيرورة الثورة في طريقها نحو الانتصار، وهو يشمل مرحلة الثورة عامة، منذ بروزها على شكل تناقضاتها البسيط إلى أعلى تناقضاتها المعقدة : الحرب الثورية، والتناقض الرئيسي هو كل ما يشمل هذه المرحلة من قفزات نوعية، لما يكتمل نضج كل قفزة، عبر تراكمها الكمي الذي يتولد عمه تراكم كيفي، الذي يصبح معطى جديدا وثابتا في سيرورة الثورة، ومحددا من محددات صيرورتها، وفي أعلى تجلياته ميلاد الحزب الثوري، الحزب الماركسي ـ اللينيني.

أما اختزال التناقض الأساسي والرئيسي في المرحلة والفترة، كما فعل أصحاب الورقة، فما هو إلا لعب بالديالكتيك للمبتدئين من المتعلمين لتعاليم الماركسية، فالمرحلة والفترات هي أجزاء من التاريخ الطويل للثورة، كما هو الشأن بالنسبة للثورة المغربية ذات التاريخ الطويل في الصراعات الطبقية، وتناقضاتها خلال مرحلة الإمبريالية لم يتغير فيها ما هو أساسي وما هو رئيسي، إذ لم تحدث فيها ثورة برجوازية يمكن أن نعتبرها قفزة نوعية تحدد صيرورة الثورة المغربية، بل تعمق فيها التناقض الأساسي : في الصراع ضد الإمبريالية، وتمركز فيها التناقض الرئيس : في الصراع ضد دولة البرجوازية التجارية، المهيمنة على السياسة والاقتصاد، هناك يكمن الطرح الديالكتيكي للثورة في علاقته بالبراكسيس وبناء الحزب الثوري : قائد الثورة.

وكل ما جاء في هذه الورقة وفي ملحقها، يمكن تصنيفه ضمن ممارسة ديماغوجية حاول عبرها أصحابها تقديمها على أنها علم الديالكتيك الماركسي، الديالكتيك الميتافيزيقي المغلف بالديماغوجية طبعا، والحامل لأخطاء نظرية سموها علم "الماوية"، وأكدوا ذلك بالملموس في تحريف المفاهيم الماركسية، في إصرار أعمى على تجاهل الديالكتيك الماركسي عند لينين، من أجل تقديم "حسائهم الاختياري" على أنه تطوير للمعرفة الماركسية من طرف ماو تسي تونغ، وهو بريء من هذا القول حيث لم يقر يوما أنه تجاوز لينين وبعد ستالين.

فالورقة تكرس بشكل فج، مقولة نحن لسنا بحاجة إلى أعمال لينين القيمة، ولا لتجربة ستالين الثورية، ما دامت هناك نظرية جديدة للثورة في عصر الإمبريالية : "الماوية"، من أجل تحقيق ما سموه "الديمقراطية الجديدة" ثم "الاشتراكية"، في فترات من "النضالات الديمقراطية الجماهيرية الكبيرة" من أجل تحطيم "أجهزة الدولة الكمبرادورية" تحت قيادة "الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية" التي "يمكن التحكم فيها هذه المرة بواسطة الحزب البروليتاري داخل جدلية حزب ـ جماهير"، هكذا بنى هؤلاء الأساتذة تصورهم المثالي الذاتي حول الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، لكن دون القدرة على تحديد كيف بنوا حزبهم البروليتاري هذا ؟ وهي آليات "جديدة" خالية من المضمون الماركسي اللينيني.

الورقة تنتقد كذلك الميكانيكية في التفكير لدى اليمين في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، ولكن دون قدرة أصحاب الورقة على التخلص من الفكر الميكانيكي الذي جعلهم يمارسون القطيع الإبستيمولوجية في النظرية الماركسية اللينينية، وذلك بنفي التجربة الثورية البلشفية التي استفاد منها ماو تسي تونغ بنفسه عدا ذكر "الحزب البروليتاري"، لكن دون الحديث عن سيرورة بنائه خلال ما سموه "المرحلة"، ودون الحديث عمن يقود ما سموه "دكتاتورية الديمقراطية الشعبية" و"النضالات الديمقراطية الجماهيرية الكبرى"، ولا تحديد الطبقة التي تقود هذه النضالات ولا الأدوات التنظيمية الجماهيرية وهل هي أيضا تنظيمات جديدة شعبية ؟ أم ماذا ؟

تسير الأحداث في الورقة في شكل خليط من الأفكار غير المنسجمة مع الواقع الموضوعي للصراعات الطبقية بمغرب ما بعد موت ماو تسي تونغ، كأننا في جزيرة معزولة عن عالم الإمبريالية، جزيرة تشاهد سيرورة بناء "الديمقراطية الجديدة" بمغرب "الماويين"، دون أن تحرك الإمبريالية ساكنا ؟ إنه الفكر المثالي الذاتي لدى أصحابنا "الماويين" المسيطر على أصحاب الورقة، الذين يقدمون أنفسهم على أنهم ثوريون بعد الشهيد عبد اللطيف زروال، ولو فكرة من أفكاره الثورية واردة في الورقة كأن فترة من الفترات الزاهية في حياة المنظمة لم تمر سوما، وأقروا بكل إيمان أعمى أن الثورة الصينية أسقطت الإمبريالية، وهي وجبة ثورية جاهزة للتطبيق بالمغرب وغرب إفريقيا : الحرب الوطنية الثورية بالصحراء الغربية، التي هي الأخرى لم تحظ بشيء يذكر في الورقة.

إن سقوط أصحاب الورقة في الديالكتيك الميتافيزيقي في تناولهم للحركة الاجتماعية، وفي أقصى تجلياتها : الثورة الاجتماعية في عصر الإمبريالية، إنما يعبر بكل وضوح عن نتاج فكر ثالي ذاتي : النكسات التي ألمت بالحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية أيديولوجيا وسياسيا، خلال تاريخها الطويل المليء بالتضحيات دون التقدم خطوة إلى الأمام في سيرورة تأسيس الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، ذلك أن الفكر المثالي الذاتي المسيطر على تصورات قادة منظمة إلى الأمام بعد اغتيال الشهيد عبد اللطيف زروال، حال دون قدرتهم على فرز قيادة ثورية مسلحة بالديالكتيك والبراكسيس، مما جعل أصحاب هذه الورقة يقفزون على المراحل المهمة في تاريخ الثورة المغربية ويبخسونها، محاولين تجاهلها رغم أنها واقع موضوعي، وهو محدد أساسي لكل خطوة متقدمة في طريق الثورة المغربية، ونقصد هنا بالذكر التجربتين الثوريتين بالجنوب والشمال، بالريف وبالصحراء الغربية، مما جعلهم يقدمون وجبتهم الثورية "الماوية" بشكل فج، ومازالوا يقدمونها إلى اليوم رغم النكسات التي حلت بالتجربة الثورية الصينية.

واليوم وقد تعمقت التناقضات في السيرورة الثورية في البلدات المضطهدة، وتعيش الأحزاب الشيوعية والتنظيمات الماركسية ـ اللينينية نكسات عميقة، في الوقت الذي يعرف فيه النهوض الجماهيري الشعبي اندفاعا هائلا نحو الديمقراطية والتحرر، مما يتطلب التنظيم أكثر فأكثر كما قال المعلم لينين، مازال نفس التفكير يهيمن على أغلب هذه التنظيمات إلى حد الانصهار في المد الظلامي المهيمن على الانتفاضات الشعبية من المحيط إلى الخليج، مما يعيد إلى الواجهة بناء الحزب الماركسي ـ اللينينية المغربي، كأولوية نادى بها الشهيد عبد اللطيف زروال في وثيقة "لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو"، وبقيت هذه المهمة الملحة إلى الآن دون الشروع في إنجازها، مما يضع مثل هذه الأوراق في خانة المزايدة السياسية وتعميق الصراعات داخل الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.