الرأسمالية والحروب الخارجية!


فهد المضحكي
2019 / 10 / 26 - 10:30     

شرح كارل ماركس في كتاب (الرأسمال) الطبيعة الحقيقية العميقة للرأسمالية: (ما يرعب الرأسمال هو غياب الربح.. فعندما يشم ربحاً معقولاً، يصبح الرأسمال مبتهجاً، وعند نسبة 20 في المئة يصبح جريئاً، وعند نسبة 50 في المئة يصبح مغامراً وعند نسبة 100 في المئة يسحق برجليه كل الشرائع الانسانية، وعند نسبة 300 في المئة، فانه لن يتراجع عن الاقدام على أية جريمة).

وانطلاقاً من ذلك كتب المستنير اسماعيل حجو عن حتمية الحروب الرأسمالية والامبريالية في البدء يتحدث عن نجاح الثورة البلشفية وكيف تشكلت الديمقراطيات الشعبية للمعسكر الاشتراكي، وتأثرت الكثير من الدول وحققت استقلالها بفضل حروب التحرير الشعبية، مما خلق موازين قوى اكرهت الامبرياليات القديمة على تقديم تنازلات للكادحين وللثورات المناهضة للاستعمار للحصول على استقلالها.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وسقوط جدار برلين، والزيادات في الانتاج الرأسمالية الامبريالي، وخاصة في قطاعات الاسلحة، وشدة الطلب على الطاقة وظهور الأزمة المالية التي ضربت المراكز الرأسمالية في امريكا، ومع تعزيز التكتلات الاقتصادية الكبرى لمواجهة تحديات النمو، ومع اختلال ميزان القوى الاقتصادية الصاعدة، واستمرار الركود الاقتصادي الامريكي، الذي يضعف امكانات سيطرتها وحماية مصالحها كما تدعي، بدأت سياسات تقشفية لا ديمقراطية في المراكز بحجة تفاقم المديونية والعجوزات المختلفة وتبرير جرائمها على الدول بحجة نشر (الديمقراطية) و(حماية المدنيين)!.

ورغم ان القطاع الهائل المنتج للاسلحة في القرن الماضي شكل تحالفاً بين الصناعة والحروب وبين الدول الرأسمالية وساهم بشكل أو بآخر في تلبية المتطلبات التوسعية والقمعية في الصراع الدولي، اضافة إلى الانفاق العام للدولة في الغرب يذهب اغلبه إلى الاغراض العسكرية، في مقابل نسبة ضئيلة للانفاق الاجتماعي، رغم الايهام بخلاف ذلك، وتستمر التناقضات الملازمة للنظام الرأسمالي، وخاصة بين الرأسمالية والعمل، وفي ظل الكشوف العلمية وثورة الثقافة، وتحول المعرفة إلى قوة انتاج اساسية، وكل محاولات التغلب على الازمات الاقتصادية الدورية، كل ذلك يوحي بحتمية الحروب الخارجية مخرجاً من هذه الازمات، فكانت الحرب العالمية الاولى، وكذلك الثانية ما انتج ما يسمى نمط تقسيم العمل، وتدويل عملية الانتاج ثم العولمة وديكتاتورية السوق.. كل ذلك يشير إلى ان الازمة الرأسمالية المعاصرة، ربما تكون اشد خطراً عليها من الأزمات الفائتة.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتربع الولايات المتحدة على عرش السيطرة على العالم قطباً أوحد واثر التزاوج بين المحافظين الجدد والفكر الصهيوني، جرى استغلال الدين للتغطية الميتافيزيقية والاخلاقية لاهدافها ومخططاتها وكلنا يذكر قول بوش الابن بانه حلم بالمسيح يطلب منه غزو العراق، في محاولة لتقديم تبرير ديني واخلاقي.

وانطلقت سلسلة الحروب نتيجة لهذا التفكير الجهنمي، بحجة مكافحة الارهاب وشيخوخة الانظمة الاستبدادية، ونشر الديمقراطية وحماية المدنيين، وابرزها حرب افغانستان ويوغسلافيا سابقاً وحربان على العراق وغزة، ومهما كانت التسميات والمبررات سواء بـ(ربيع) او فوضى خلاقة او غيرها، فهي مخططات ومشاريع وأهداف امبريالية صهيونية قديمة جديدة.

والفوضى الخلاقة مفهوم قديم.. الا انه ارتبط بوزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزا رايس وهي تعني بذلك نشر الديمقراطية في العالم العربي والبدء بتشكيل ما يسمى (الشرق الأوسط الجديد) عبر نشر (الفوضى الخلاقة).

كما ان تاريخ الولايات المتحدة يشهد بدعم الجماعات الارهابية، بهدف تحقيق مصالح محددة، ثم العودة والانقلاب عليها، فقد استغلت الاسلام السياسي والجماعات الاسلامية لمحاربة الشيوعية والانظمة التي كانت تربطها بالاتحاد السوفيتي السابق علاقات وأهداف مشتركة (مصر عام 1970 مع الاخوان المسلمين، وفي باكستان ضد ذو الفقار على بوتو، اندونيسيا ضد سوكارنو، والقاعدة في افغانستان).

وبعبارة أخرى ان جوهر الدور الذي تقوم به هو خلق الإرهاب في العالم ثم الانقلاب عليه بحجة محاربة الارهاب دولياً، يطرح الكثير من الشكوك لان الارهاب اليوم لم يعد ممارسة فردية، بل اصبح يمارس من قبل الدول والحكومات، ويعطي اسماء والقاباً تجعله مشروعاً!.

ان فخ الارهاب واسع وعريض بحيث يستطيع ان يستوعب عدداً اكبر من اللاعبين والشغوفين بالأعمال الإرهابية من افراد ومنظمات وحكومات ومخابرات، ومن اي طرف.

كل هذه المخططات الخبيثة، مرادها الابقاء على الرأسمالية المتوحشة واقتصادها، فالانفاق العسكري اصبح ضرورة لتماسك الاقتصاد الرأسمالي، وهو رغم ضخامته يتعرض لهزات بنيوية عنيفة، ويعاني من الكساد والتضخم والديون الامريكية تبلغ نحو 160 تريليون دولار، وبقوتها العسكرية تسيطر على منابع النفط والغاز في العالم، لتحافظ على قيمة الدولار، الذي لا يملك احتياطي ذهبي، وما انسحاب امريكا من افغانستان والعراق الا بسبب عجز موازنتها وضعفها الاقتصادي، ولهذا جاءت بالحروب بالوكالة، والفوضى الخلاقة، والمشاريع الطائفية وغيرها، لتدمير الدول والشعوب دون ان تخسر مالياً وعسكرياً.. واثارة الرعب وخلق ما سمي (عش الدبابير) وبعد همرجه (الربيع العربي) تعود بلبوس جديد.

محاربة الإرهاب والتطرف:

في المؤتمرات العربية كثيراً ما نتحدث عن مكافحة الارهاب وعن التدابير الامنية التي يجب اتخاذها وكذلك القانونية وهو حق لأي دولة تدافع عن امنها واستقرارها وعن ارواح وحقوق مواطنيها، وهذا يقتضي حل مشكلة التوازن بين متطلبات حماية الدولة والمجتمع وحماية حقوق الانسان.

وانسجاماً مع هذا لابد من الاعتراف بان العوامل الداخلية تلعب دوراً في ايجاد الارهاب من بينها انتهاكات حقوق الانسان، وغياب العدالة، واستشراء الفساد المالي الإداري والبطالة، ثم اصوات فقهاء الظلام الذين يشعلون نار المذهبية والطائفية والعرقية، ويقدمون القراءات والتفسيرات الخاطئة لمسائل الدين الاسلامي، وهو معروف بانه دين التسامح والتعايش بين الناس بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية.

باختصار.. سنوات ومؤتمراتنا العربية تتحدث عن العوامل المؤدية للإرهاب، وعن أسباب التطرف الديني، واعادة تأهيل الإرهابين وعن استراتيجيات المواجهة والحلول.. ولكن كيف نعالج التطرف الديني وهو أحد أسباب الإرهاب ونلتزم بدولة القانون والمشاركة السياسية والتعددية ومحاربة افكار التفكير والغلو والتعصب والالتزام بمبادئ المساءلة والشفافية وتكريس ثقافة التسامح والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات وانتهاج سياسة متوازنة للتنمية هدفها الانسان – وتغيير المناهج التربوية لخلق بيئة سليمة بعيدة عن التطرف والكراهية، وفصل الدين عن السياسة، هذا ما يجب الالتزام به اذا ما اردنا مواجه الإرهاب والتطرف والقضاء عليه.