لنقد العلمي المادي لتجربة 30 غشت - الجزء الثالث، ورقة : المرحلوية أو النيومنشفية - إشارات حول أحد المظاهر الأساسية للفكر اليميني في الحركة الماركسية - اللينينية المغربية - 2


الأماميون الثوريون
2019 / 10 / 25 - 18:42     

كما أشرنا في الحلقة الأولى، اختزل أصحاب هذه الورقة نظرية لينين حول الديالكتيك في جملة بسيطة أشار إليلها ماو في كتابة "في التناقض"، منطلقين في التحليل الديالكتيكي للصراعات الطبقية بالمغرب في منتصف السبعينات من القرن 20 من أجل بناء الطريق الثوري للثورة المغربية، متناولين نقدهم لتصور قيادة منظمة 23 مارس )أشار مترجم هذه الورقة إلى كتاب لينين "حول الديالكتيك" كمصدر لتلك الجملة(، التي اعتمدها أصحاب الورقة من أجل الوصول إلى الإقرار بأن ماو تسي تونغ قد طور الديالكتيك الماركسي دون أن يبينوا لنا أين تم ذلك، وبالرجوع إلى منظور لينين حول جوهر الديالكتيك يتبن أنهم لم يطلعوا على ذلك العمل البالغ الدقة في تطوير المعرفة الماركسية الذي يقول عنه :"إن ازدواج ما هو واحد ومعرفة جزأيه المتناقضين يشكلان جوهر الديالكتيك (أحد "جواهره"، إحدى خصائصه أو إحدى ميزاته الرئيسية، إن لم تكن خاصية الرئيسية).

وأراد بذلك المنطلق البسيط لمفهوم الديالكتيك عند ماو تسي تونغ أصحاب الورقة تناول الصراعات الطبقية بمغرب السبعينات من القرن 20 رسم طريق الثورة المغربية، مما أوقعهم في اللاعرفانية التي اختزلت تطور الديالكتيك الماركسي في كتاب "في التناقض"، محاولين تجاوز أعمال لينين حول الديالكتيك، بل أقروا أن أعمل ماو التبسيطية قد تجاوزت الديالكتيك الماركسي عند لينين، رغم أن ماو لم يقر بذلك يوما بقدر ما قام بتفسير جزء بسيط من أعمال لينين القيمة والبالغة في الدقة مستوى عالي من المعرفة الماركسية، أنظر كتابه "حول الديالكتيك" في كتاب: المادية ونقد المذهب النقدي التجريبي، وكتاب دفاتر فلسفية.

كان ماو منشغلا بالممارسة العملية في مستواها العالي ألا وهو قيادة الحرب الوطنية الثورية ولا يسعه الوق لدراسة جميع أعمال لينين دراسة علمية نقدية، مثل ما قام به المعلم الكبير لينين على مستوى المعرفة 22 قرنا مضت قبل الثورة الروسية، واختزال المضمون المعرفي لدى لينين في كتابه "حول الديالكتيك" في تلك الجملة التي انطلق منها أصحاب هذه الورقة، إنما ينم عن جهلهم بالمعرفة الماركسية اللينينية، وذلك، بطبيعة الحال، يمكن تفهمه نظرا لعدم امكانية إلمامهم بأعمال لينين الكاملة على مستوى المعرفة، حيث الشروط الموضوعية داخل السجن على ما يبدو إن لم يكن افتقارهم للمراجع، دفعهم إلى الاكتفاء بكتاب "في التناقض" الذي اعتبروه مستوى عال من المعرفة الماركسية، مما دفعهم بالإقرار بوجوب بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بالمغرب على غرار الثورة الصينية دون القدرة على دراسة أسسها الطبقية ووضع تصور صحيح لبلورته عبر الصراعات الطبقية بالمغرب.

وكانت محاولتهم لبناء تصور ديالكتيكي من منظور معرفي ماركسي لعملية إنجاز الثورة المغربية عبر نقل قوانين الحركة من الطبيعة إلى المجتمع، لا ترقى إلى الفهم الماركسي اللينيني للثورة، فلا يكفي الإقرار بأن الثورة الصينية حدث كبير في بلد شبه مستعمر واختزال المعرفة الماركسية اللينينية في أقوال ماو تسي تونغ حتى نقول أننا وجدنا طريق الثورة المغربية، كما لا يمكن إسقاط تناقضات الثورة الصينية بشكل فج على عملية بناء الطريق الثوري للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.

فكما جاء في الورقة بأن الثورة الصينية بدأت في 1911 ولم تنتصر جزءا إلا في 1949 حيث بدأت تناقضات جديدة أمام ماو تسي تونغ على مستوى الاقتصادي والاجتماعي، فإن اختزال الثورة الصينية في أعمال الحزب الشيوعي الصيني ودوره في قيادة الثورة لا يكفي لبناء تصور عام حول تناقضات الثورة الصينية.

كما أن تجاهل تناقضات الثورة المغربية التي بدأت في 1912 من الجنوب في الحرب الوطنية الثورية ضد الإمبريالية وامتداداتها بالصحراء الغربية والتجربة الثورية بالريف وبناء الدولة الوطنية الديمقرطية الشعبية الأولى بشمال إفريقيا، باعتبارها أول تجربة عالمية التي وضعت أسس الحروب الوطنية الثورة ضد الحروب الإمبريالية باعتراف ماو تسي تونغ وهو شي منه بذلك، يعتبر "مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية" كما سماه لينين.

كما أن تبني التجربة الثورية الصينية بشكل أعمى دون فهم تناقضاتها إنما ينم عن اللاعرفانية التي تختزل الطريق من أجل الوصول إلى الهدف، الذي لا يمكن أن يكون إلا انعكاسا للفكر المثالي الذاتي والسوليبسيسم في الممارسة العملية التي تقود غلى الانتهازية والتحريفية.

إن غياب بعد النظر لدى أصحاب الورقة قد قادهم إلى اختزال كل تناقضات الصراعات الطبقية بالمغرب من أجل تقديم الثورة الصينية، في طبق من ذهب، على حساب تجاول التراكم الكمي للثورات البروليتارية عبر العالم، وتمييعها في بعض الأحيان، كما جاء في الورقة فيما سماه أصحابها : "تعاليم لينين حول القيادة البروليتارية في الثورة الديمقراطية البرجوازية"، دون الإشارة إلى أين يكمن ذلك.

لقد استطاع لينين توضيح العلاقة بين الثورة البورجوازية الديمقراطية والثورة البروليتارية الاشتراكية بصورة فائقة، باعتباره سيطرة البروليتاريا على السلطة أساسي في الانتقال السلس من الأولى إلى الثانية، وفي إنجاز المهام الثورية الرئيسية، وفي تجاوز المهام الثورية الثانوية، وفي القدرة على بلورة مفهوم الديمقراطية البروليتارية، الديمقراطية الثورية، الديمقراطية الاشتراكية، في ظل ديكتاتورية البروليتاريا، في دولتها، في اضطهادها للطبقة البورجوازية، المهمة الرئيسية للثورة البروليتارية الاشتراكية.

وأكد لينين على أهمية العلاقة الجدلية بين الثورة البورجوازية الديمقراطية والثورة البروليتارية الاشتراكية، على اعتبار أن مهام الأولى لا يمكن إنجازها كاملة إلا في ظل الثانية، وأنه بدون ديمقراطية كاملة لا يمكن الحديث عن الديمقراطية البروليتارية.

ويقول عن ذلك :"ليست الثورة الاشتراكية عملا واحدا، وليست معركة واحدة في جبهة واحدة، إنما هي مرحلة كاملة من النزاعات الطبقية الحادة، وسلسلة طويلة من المعارك في جميع الجبهات، أي في جميع مسائل الاقتصاد والسياسة، معارك لا تنتهي إلا بمصادرة ملكية البورجوازية. ومن فادح الخطأ الاعتقاد أن النضال في سبيل الديمقراطية يمكن أن يصرف البروليتاريا عن الثورة الاشتراكية أو أن يكسف هذه الثورة أو يحجبها، الخ... بل الأمر على العكس. فكما أنه يستحيل انتصار الاشتراكية إذا لم تحقق الديمقراطية الكاملة، كذلك لا تستطيع البروليتاريا أن تستعد للتغلب على البورجوازية إذا لم تشنه نضالا ثوريا شاملا دائما، صادقا، في سبيل الديمقراطية" كتاب مسائل السياسة القومية والأممية البروليتارية ـ الثورة الاشتراكية والنضال في سبيل الديمقراطية، ص : 160.

هكذا توصل لينين إلى صياغة كيفية مرور عملية الانتقال من الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى الثورة الديمقراطية البروليتارية، ليس القيادة البروليتارية في الثورة الديمقراطية البرجوازية كما جاء في الورقة، إنما في تناوله للتناقض بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الديمقراطية البروليتارية من منظور الديالكتيك في علاقته بالبراكسيس، خلال الحرب الأهلية التي باشر خلالها أهمية التحالف الحربي بين الببروليتاريا والفلاحين وانتصارهم بقيادة البروليتاريا على الإمبريالية والانتهازية دفاعا عن الوطن الاشتراكي، والشروع في البناء الاشتراكي في ظل التحالف الاقتصادي بين البروليتاريا والفلاحين بقيادة البروليتاريا بعد نهاية الحرب الأهلية، ليكون لينين بذلك قد استكمل منظوره الديالكتيكي الماركسي حول التناقض بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الديمقراطية البروليتارية.

أما القول ب"القيادة البروليتاريا في الثورة الديمقراطية الشعبية"، كما جاء في الورقة، فإنه يحمل لبسا عميقا مناقضا مع الفهم الديالكتيكي الماركسي للثورة الديمقراطية البروليتارية في تناقضها مع الثورة الديمقراطية البرجوازية، ذلك أن الصيغة الثالثة للثورة التي سماها ماو الثورة الشعبية دون أن يكون لهذه الصفة الثالثة : الشعبية، موقعا طبقيا في الصراعات الطبقية حول السلطة، كما هو الشأن بالنسبة للبروليتاريا والبرجوازية المتناقضان المتصارعات حول السلطة في النظام الرأسمالي، فإن هذا المنظور الجديد الغريب عن الماركسية والذي يسميه "الماويون" الديمقراطية الجديدة دون أن تحمل هذه الصفة أي موقع طبقي في الصراعات الطبقية حول السلطة، إنما يأتي ضمن الخيار الثالث بين المادية والمثالية التي سماها إنجلس : اللاعرفانية.

أما القول ب"تعاليم الثورة الوطنية الديمقراطية الفيتنامية"، كما جاء في الورقة، فلا يختلف كثيرا عن التسمية الجديدة للثورة الصينية، ذلك أن الثروة الفيتنامية كما هي في مثيلتها الصينية تمت بقيادة الحزب الشيوعي، الذي يمثل بالنسبة للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية خاصة منظمة إلى الأمام مشروعا غير منجز إلى حد الآن، فبدل الشروع في بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي من صلب الانخراط في الصراعات الطبقية، قام أصحاب الورقة بالتيه في عالم المعرفة دون التسلح بما يكفي من الدراسة والتحليل للماركسية والماركسية اللينينية، والتجارب الثورية الوطنية والعالمية، مما يوضح محاولتهم الهروب إلى الأمام، بالشروع في تناول التناقضات الثانوية بين منظمة إلى الأمام ومنظمة 23 مارس، دون التسلح بما يكفي من المعرفة الماركسية اللينينية.