العثور على الذات ... اغتيال الدونية (24)


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 6390 - 2019 / 10 / 25 - 16:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

خلاف تونس بورقيبة فان احدا لم يرسي قواعد دولة مدنية حقيقية ولم تستطع دول الانقلابات العسكرية والاحزاب الشمولية بيسارها ويمينها في أي من الدول العربية ان تصنع مؤسسة دولة بل حافظت جميعها على صناعة صنمية القائد الفرد دون ان تدفع بهذا القائد او حزبه او نظامه للتأسيس لدولة مؤسسات مدنية قائمة على اسس المواطنة ورغم ديكتاتورية بورقيبة الفردية الا ان ما جرى بعد الاطاحة به على يد زين العابدين بن علي بطريقة سلمية والفساد المستشري الذي ساد فترة حكمه الى ان جاءت ثورة الربيع العربي بشرارتها من تونس والاطاحة به لم تتمكن قوة في تونس او خارجها من الاطاحة بإنجازات الشعب التونسي الدستورية بقيادة الحبيب بورقيبة الديكتاتور النزيه والوطني والذي لم يعرف الفساد طريقا له وقد تكون تجربة الديمقراطية الاخيرة في انتخابات الرئاسة دليلا على ما ذهبت اليه فالرئيس المنتخب وفي خطاب القسم وجد نفسه ملزما على التأكيد على انجازات بورقيبة وهو ذهب كثيرا للتأكيد على طابع الدولة المدنية وعلى قوانين الاحوال الشخصية وحقوق المرأة بما لم يسمع من قبل من قبل أي رئيس عربي مع ان المهم هو ما سنجده على الارض بعد ذلك فالأقوال مرهونة بعلاقتها بالفعل والتطبيق عادة.
مشكلة العرب اذن ليس في قدرتهم على العيش بالتجربة الديمقراطية والدولة المدنية ودستور المواطنة بل في التأسيس لذلك والتثقيف بذلك وصياغة انظمة وقوانين وتطبيقها بقوة القانون لا بقوة الشخص ولم يمنع ذلك ديكتاتور مثل بورقيبة من ان يفعل ذلك على الارض دون ان يتنازل عن ديكتاتوريته وبالتالي فان الامور مرهونة بأفعالها ونتائج تلك الأفعال والأقوال على الارض لا بالأقوال المعزولة عن الفعل, فالكثيرين من القادة العرب تحدثوا عن الديمقراطية وعن الدولة المدنية والقوانين والدساتير والحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكذا ذهبوا ابعد من ذلك بالتحدث عن التقدم والتقدمية لغة لا فعلا وكثيرين منهم انتهى الامر بأنظمتهم بالانقلاب على كل الانجازات التي ارتبطت بوجدوهم شخصيا.
التاريخ اذن علمنا ويجب ان يعلمنا التفريق بين ديكتاتور فرد فاسد سهل الفساد لمنظومة حكمه مما اوصل بلاده الى التدمير التام وديكتاتور وطني نزيه وغير فاسد ويحمل رؤية وطنية متكاملة وواضحة تستهدف مصلحة الوطن والشعب وهناك فرق جوهري فالعبرة عادة بالنتائج فنتائج ديكتاتورية بورقيبة اوصلت تونس الى ما هي عليه اليوم بينما اوصلت ثورية وتقدمية النظام الاشتراكي اليساري في اليمن الجنوبي الى ما وصل اليه البلد والشعب وكذا وصل الامر بمن قدموا نفسهم كمؤمنين وحماة للدين الى ما وصلوا اليه من تابعين بالمطلق للإمبريالية ومصالحها بما في ذلك حد الاضرار بهم وببلادهم فهم حتى لم يحصلوا ولو على الاحترام الشخصي العلني فحجم الاساءة المتواصلة التي يكررها الرئيس الامريكي ترامب ضد آل سعود يبين طبيعة النظرة التي يحملها الامبريالي ترامب ومنظومته لكل ما هو عربي.
التجارب العالمية التي قادت الى دول مواطنة مدنية وديمقراطية مرت جميعها تقريبا بديكتاتورية غير خائنة وغير فاسدة بل حماة حقيقيين لدساتير وقوانين وجدت اصلا لخدمة الوطن والشعب وبعيدا عن الخيانة والفساد وبذا فان كل الانظمة قادرة على الوصول ببلادها وشعبها الى بر الامان وهو ما افتقدته الانظمة العربية في غالبيتها فلا زالت الملكية قائمة مثلا في دول مثل بريطانيا واسبانيا والسويد وهولندا دون ان يكون لذلك ادنى ضرر او تأثير على التحول الديمقراطي للبلاد تلك وعلى العكس من ذلك فان عديد الانظمة الجمهورية في عديد الدول العربية وغير العربية قادت بلادها الى الفقر والتبعية ونهب ثرواتها لصالح اعداءها واخضاع بلادهم كتابعة وخادمة للإمبريالية واغراضها ولا زال هناك في العرب من يتآمر على امته فيدمر سوريا لصالح امريكا ويفعل ذلك في ليبيا واليمن ولا زال يفعل في العراق, ولعل مثال ديكتاتور اسبانيا العنيف يبين كم استطاع هذا الديكتاتور ان يقود بلاده بعيدا عن الدمار وان يحكم البلاد حتى يسلمها ديمقراطيا للأسرة الملكية ويعيد الملكية الى بلاده ولكن على قاعدة الديمقراطية والملكية الدستورية.
الهبات الشعبية الاخيرة في لبنان والعراق تقدم صورة حية ليقظه حقيقية رافضة للعنصرية والطائفية والانقسام ورفض شعبي للفساد والتبعية وسيطرة الفاسدين والمتغولين الطائفيين ممن باعوا انفسهم وبلادهم وشعوبهم للأعداء وجعلوا من انفسهم خدم صغار لمصالح اعداء الشعوب ولصوص بالإنابة يسرقون خيرات بلادهم مقابل فتات يلقون به لهم وما ضياع اموال الشعوب العربية وحكامهم الفاسدين ممن غادروا الحكم كمبارك وزين العابدين وما سيجري للقادمين منهم الا اثبات ان حتى فلسوهم التي اخذوها ككمسيون لهم على سرقة شعوبهم واودعوها في بنوك اوروبا وامريكا لن يتمكنوا ابدا من التنعم بها لا هم ولا ابنائهم ولا احفادهم وبالتأكيد ولا شعوبهم ايضا انهم فقط جعلوا من انفسهم جسورا للأعداء ليركبوها لتحقيق مصالحهم وكفى