الفاشية الجديدة : الحلف الصهيوني لنتنياهو و ترَمپ و آل سعود 9-10


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6389 - 2019 / 10 / 24 - 17:53
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الشكل الجديد "للديمقراطية" الأمريكية المعاصرة
في أمريكا اليوم ، يجد التحليل الماركسي للدولة كأداة طبقية يحافظ بواسطتها الرأسماليون على امتيازاتهم عبر تكريس الاستغلال للبروليتاريا و تشديده الاستنزاف للثروات الطبيعية أسطع البرهان . و لكن قد يتساءل المتسائل : كيف أمكن لفاشي فاسد شهير و مفضوح مثل ترَمپ الوصول للبيت الأبيض في بلد "ديمقراطي" مثل الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنه كان قد صرح علناً حتى قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بأن "عدم فوزي بالرئاسة يعني أن الانتخابات قد تم تزويرها" تعبيراً منه عن احتقاره الصريح للديمقراطية الحقة ؟ الجواب على هذا التساؤل يكمن في البنية السياسية الأوليغارشية للولايات المتحدة حيث تتحكم النخب الاقتصادية الصغيرة بالسياسة و بالقانون على نحو ساحق ، الأمر الذي يلغي أي تأثير لرأي الغالبية العظمى من أفراد الشعب الأمريكي و لا يبقي للديمقراطية سوى الإسم على غير مسمى . إذ تشير دراسة أجراها أستاذا السياسة "مارتن جيلينز" (جامعة برنستن) و "بنجامين بَيْج" (جامعة نورث وسترن) في نيسان من عام 2014 إلى أنه حيثما تتعارض تفضيلات غالبية المواطنين مع مصالح النخب المهيمنة اقتصادياً ، فإن الغلبة ستكون دائماً للأخيرة . و يقولان في الصفحة الخمسين من دراستهما :
"عندما يختلف غالبية المواطنين مع النخب الاقتصادية و / أو مع المصالح المنظمة ، فإنهم سيخسرون عمومًا . علاوة على ذلك ، و بسبب التحيز القائم في الوضع الراهن للقوى المؤثرة في النظام السياسي الأمريكي ، فحتى عندما تؤيد الغالبية العظمى من الأميركيين إجراء التغيير في السياسة ، فإنهم عمومًا لا يحصلون على هذا التغيير المنشود .. يبدو أن تفضيلات المواطن الأمريكي العادي ليس لها سوى تأثير ضئيل يقترب من درجة الصفر ، وليس له أي دلالة إحصائية على السياسة العامة ."
المصدر :
Gilens, M. and B.I. Page (2014) "Testing Theories of American Politics: Elites, Interest Groups, and Average Citizens" Perspectives on Politics .
و تلعب الحاجة الماسة لجمع التبرعات دوراً حاسماً في الحملات الانتخابية لكل المرشحين لعضوية الهيئات التمثيلية الأمريكية التي تتطلب الكثير من مصاريف الدعاية و الترويج و التشغيل للموارد البشرية المتفرغة و المتخصصة . بدون الملايين ، لا يحصل أي مرشح على الفرصة الحقيقة المطلوبة للفوز في الانتخابات و في تحقيق برنامجه . ففي الانتخابات العامة لعام 2004 ، مثلاً ، فاز المرشحون الذين صرفوا الأموال الأضخم في حملاتهم الانتخابية بنسبة (95٪) من سباقات مجلس النواب و بنسبة (91٪) من سباقات مجلس الشيوخ . و في انتخابات عام 2008 ، أنفق المرشحون ما مجموعه 5.3 مليار دولار في الانتخابات الفيدرالية ، و كان المبلغ الذي أنفق على السباق الرئاسي وحده 2.4 مليار دولار ، بضمنه أكثر من مليار دولار أنفقته حملتا المرشّحَيْن الرئيسيين : باراك أوباما (730 مليون دولار) ، و جون ماكَيْن ( 333 مليون دولار) . و في دورة انتخابات التجديد النصفي للعام 2010 ، أنفق المرشحون ما مجموعه 3.6 مليار دولار على الانتخابات الفيدرالية . و كان متوسط تكلفة الفوز بمقعد واحد في مجلس النواب هو 1.4 مليون دولار ، و 9.8 مليون دولار للفائز للمقعد في مجلس الشيوخ .
المصادر :
National Conference of State Legislatures (January 20, 2010). "Contribution-limit-s: An Overview".
"The Money Behind the Elections". Retrieved October 13, 2019.
"2008 campaign costliest in U.S. history". Politico. Retrieved October 13, 2019.
"Banking on Becoming President – Open Secrets". Retrieved October 13, 2019.
Dziedzic, Nancy (2012). Election Spending. Detroit: Greenhaven Press.

هذا الوضع المتردي للديمقراطية إنما تكرسه السياسة الرسمية التي يتبعها قادة الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة الأمريكية من المهتمين بالدرجة الأولى بخدمة مصالح مموليهم من الأوليغارشيين ، و بتسجيل النقاط التسقيطية ضد قادة بعضهما الآخر ، ضاربين عرض الحائط الخوض في أشد الأزمات البشرية مساساً بالوجود نفسه . يقول نعوم تشومسكي – آينشتاين هذا العصر – ما يلي :
"دعنا نتناول قضية التدخل الروسي ، و لنفترض جدلاً بأن كل المزاعم المطروحة بصدده صحيحة. أن مجرد القول بأن روسيا قد "حاولت" التدخل في الانتخابات الأمريكية يجب أن يجعل الناس يضحكون بشكل هستيري لكون الانتخابات الأمريكية خاضعة أصلاً للتدخل الهائل الآتي من طرف قطاع الشركات . من الناحية العملية ، فإن الشركات تشتري الانتخابات ألأمريكية شراءً . و في الحقيقة ، توجد هناك العديد من البحوث المتخصصة في حقل العلوم السياسية الأكاديمية القائمة و التي توضح بشكل مقنع للغاية أن بإمكان المرء التنبؤ إلى حد كبير باحتمالات فوز أي من المرشحين في انتخابات عضوية الكونغرس ، و بعدد ما سيحصلون عليه من الأصوات ، و كذلك بالسياسات التي سينتهجونها حول القضايا الرئيسية بمجرد تشخيص من هي الجهات الممولة لحملاتهم الانتخابية . هذا عامل واحد ، ناهيك عن الضغط الشديد الآتي من اللوبيات الاحتكارية و كل شيء آخر . كل هذا يمثل تدخلاً هائلاً في الانتخابات .
إن حوالي 70 في المائة من سكان الولايات المتحدة غير ممثلين في الكونغرس ، و هذا يعني أن من يصوتون له لا يهتم بآرائهم بل يتبع آراء كبار مموليه . هذا هو التلاعب الحقيقي في الانتخابات و على مستوى هائل ! و كل ما قد يفعله الروس لا يساوي قشة من جبل بالمقارنة مع هذا ، ناهيك عن حقيقة أن الولايات المتحدة لا تكتفي فقط بالتدخل في انتخابات الدول الأخرى (بما في ذلك في روسيا) ، بل و تطيح كذلك بالحكومات المنتخبة . الأمر برمته لا يعدو كونه مزحة سيئة تؤشر لانهيار الحزب الديمقراطي كمؤسسة جادة . إنهم يركزون على هذه الظاهرة الهامشية كوسيلة لتشويه سمعة ترَمپ ، و يتجاهلون تقريبًا كل الأشياء المدمرة الأخرى التي تقوم بها إدارة ترَمپ .
منذ فترة وجيزة ، تولت مؤسسة "الإنصاف و الدقة في إعداد التقارير" إجراء دراسة لفحوى المقابلات الجارية مع ترَمپ من طرف وسائل الإعلام الرئيسية منذ انتخابه ، و التي اتضح منها أن أزمة تغير المناخ لم تذكر في أي منها . هذا هو أخطر ما يفعله !
إن الواجب يفرض أن تكون هذه الأزمة عنوانًا رئيسيًا يوميًا عندما نرى أن أقوى بلد في تاريخ البشرية هو البلد الوحيد من بين كل دول العالم الذي يرفض المشاركة في الجهود المبذولة للتعامل مع أزمة وجودية ، بل و يعمل في الواقع على تفاقم تلك الأزمة عبر صب الموارد و رأس المال لاستخدام الوقود الأحفوري بشكل أكبر . حاول أن تجد مثالاً واحداً في تاريخ عن أي منظمة سياسية كرست نفسها بشغف لمحاولة تدمير إمكانية الحياة البشرية المنظمة . حتى النازيين لم يفعلوا ذلك !
هذا هو الحزب الجمهوري تحت إدارة ترَمپ ؛ إنه أخطر منظمة في تاريخ البشرية . و لهذا السبب وحده لا يسأل أحد عن أزمة تغير المناخ ، و لا يُناقَش هذا الموضوع الوجودي . إن من الصعب بمكان العثور على كلمات تصف هذا الوضع . و بدلاً من التركيز على هذا و على الكثير من الأشياء الأخرى التي يقومون بها ، نجد أن كل ما تحاول وسائل الإعلام القيام به هو العثور على دليل للتدخل الروسي في الانتخابات يدين ترَمپ . إنني عاجز عن معرفة ما أستطيع قوله عن هذا ! "
المصدر :
https://www.independent.co.uk/news/world/americas/noam-chomsky-republican-party-most-dangerous-organisation-human-history-us-politics-mit-linguist-a7706026.html
مثل هذا الوضع المأساوي من الهيمنة الفظيعة لرأس المال على الدوائر المركزية للسياسة و على القانون و على الإعلام من طرف طغمة الأوليغارشية الرأسمالية يوفر أخصب الحقول لنمو و ترعرع الفاشية الجديدة في الغرب للأحزاب الشعبوية المتطرفة و المنحازة عنصرياً للعرق الأبيض اليهودي-المسيحي "المتفوق و المتحضر" (كذا) و لإثارة الكراهية – بل و حتى إعلان الحرب أو التهديد بها - ضد "البرابرة الملونين" (كذا) من المسلمين و الروس و الأمريكان اللاتينيين و الجنس الأصفر !
يتبع ، لطفاً .