في حلم استعادة الوحدة 6


كمال الجزولي
الحوار المتمدن - العدد: 6385 - 2019 / 10 / 20 - 10:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

فِي حُلْمِ اسْتِعَادَةِ الوَحْدَةِ
الفَتْرَةُ الانْتِقَاليَّةُ .. وكُونْفِيدرَاليَّةُ الدَّوْلَتَيْنْ (الأخيرة)
آَدَمٌ: التَّفَاؤُلُ حَتْفَ أَنْفِ طُيُورِ الشُّؤْمِ المَحَليَّةِ والأَجْنَبيَّة
بقلم/ كمال الجزولي


«نُحييكم تحيَّة الشَّوق والمحبَّة، وما مسرَّتنا إلا بكم، فأنتم بعضنا ونحن بعضكم، لا نكتمل إلا بكم ولا يسوؤنا إلا ما ساءكم، سنعمل على أن نعود كما نودُّ، فراقنا كان قاسياً، ولكن التئام شملنا ممكن، فأنتم نصفنا الحلو، وعندما نقول السُّودان نتخيل هذه الخريطة الأليفة الكثيفة بالتَّنوُّع والتَّعدُّد، فلنقترب، ونتعاضد، ونعمل سويَّاً من أجل تقدُّمنا، وتطوُّرنا، ونمائنا المشترك».
رسالة محمَّد ناجي الأصم
إلى شعوب جنوب السُّـودان
بمناسبة التَّوقيع على وثائق الفترة الانتقاليَّة18 أغسطس 2019م


+++

«هذا هو ديدن الشَّعب السُّوداني الذي صنع أكثر من ثورة. إن حلَّ المشكلة السُّودانيَّة يعني حلَّ مشكلة الجَّنوب، ومشاكل إثيوبيا، وإريتريا، وتشاد، وليبيا، وغيرها من دول الجِّوار، لذا نحن سعداء بنجاح ثورة ديسمبر 2018م. إن مستقبل العلاقة بين الدَّولتين، في ظلِّ التَّغيير الذي يشهده السُّودان، وفي ظلِّ الحكومـة المدنيَّة الجَّديدة، سيكون مبهـراً، حيث
ستتعاونان كدولة واحـدة يكمِّل بعضـها بعضـاً، أو كدولتين متقاربتين في حـلِّ كـلِّ القضـايا
العالقة بينهما .. حتَّى أبيي».
تصريح دينق ألور
وزير خارجيَّة جنوب السُّودان السَّابق
ومسؤول ملف أبيي الحالي
لدى زيارته للخرطوم ضمن وفد الرَّئيس سلفاكير
للمشاركة في احتفالات التَّوقيع على وثائق الفترة الانتقاليَّة
تاسيتي نيوز ـ الخرطوم؛ 18 أغسطس 2019م


XII
(1) على حين كانت العلاقات الشَّعبيَّة تمضي في طريق السَّلام، بتلك الوتيرة المتسارعة، كما قد رأينا، كانت العلاقات الرَّسميَّة بين شريكي «نيفاشا» تمضي، على العكس من ذلك، وإن بذات الوتيرة، على طريق التَّشاكس والتَّعانف!
(2) وفي ما يلي نورد، على سبيل المثال، نموذجين مِمَّا كانت الصُّحف وأجهزة الإعلام قد تداولت في هذا الخصوص:
النموذج الأوَّل: هو طلبُ سلفا من مجلس الأمن إدخال قوَّات دوليَّة لترابط على الحدود بين الشَّمال والجَّنوب، علماً بأن هذه الحدود لم تكن قد رُسَّمت، بعد، وعدم ترسيمها مشكلة تحول دون قيام الاستفتاء، بل، وبافتراض أنها رُسِّمت، فإن مجلس الأمن لا يستطيع إدخال قوَّات دوليَّة دون رضا الحكومة، إلا إذا وُضع السُّودان تحت الفصل السَّابع، وهذا أمر عالي الكلفة بالنِّسبة للمجتمع الدَّولي، وفي مقدمته أمريكا التي كانت، وقتها، غارقة، حتَّى أسنانها، في العراق وأفغانستان؛
النموذجُ الثَّاني: تشجيعُ القذَّافي لسلفاكير على «الانفصال»، وهو ما كشف عنه سلفا نفسه، ذات أحد، أمام المصلين في كتدرائيَّة سانت تريزا الكاثوليكيَّة بجوبا، قائلاً إن العقيد اتَّصل به في غرفته بطرابلس عند الثَّالثة من فجر أحد أيَّام زيارته لليبيا أواخر يونيو 2009م، ليؤكد له «مساندته للجَّنوب إذا ما قرَّر الانفصال!»، واعداً بإرسال «خبراء ليبيين!» إلى هناك للمساعدة في «إعادة إعمار البنية التَّحتيَّة والزِّراعة!»، و .. «إذا أراد الجنوبيُّون أن يصوِّتوا للاستقلال فينبغي ألا يخشوا أحداً، وسأقف إلى جانبهم»، وأضاف قائلاً: «.. لقد كان من (الخطأ!) الإبقاء على الجَّنوب موحَّداً مع الشَّمال بعد عام 1956م .. في حين كان ينبغي أن ينفصل، إما كدولة مستقلة، أو ينضمَّ إلى دولة أخرى في شرق أفريقيا!»؛ قال القذَّافي ذلك قبل أن يعود ليتراجع، بعد حين، في خطوة مرتبكة، ويسحب تلك الوعود التَّشجيعيَّة، محذِّراً من أن الانفصال سيكون «مرضاً معدياً لبقية أجزاء القارَّة»! (الأحداث، 1 يوليو 2009م).

XIII
(1) الآن تبلغ هذه الورقة مبتغاها النِّهائي من حيث التَّطرُّق للمقترحات التي يمكن أن تُبنى على توصيات المؤتمرات الأهليَّة القاعديَّة، كتلك التي انعقدت بجنوب كردفان، والتي من شأنها، قطعاً، أن تؤسِّس، مستقبلاً، لـ «كونفيدراليَّة» أوسع، تشمل القرن الأفريقي كله. على أننا ينبغي أن نضع في اعتبارنا، قبل ذلك، ضرورة استبعاد:
أ/ الحديث المكرور عن التَّجربة الإثيوبيَّة، حيث لا وجه للشَّبه بين نموذج استقلال إريتريا ونموذج استقلال جنوب السُّودان، حيث أن إريتريا، بعكس جنوب السُّودان، لم تكن، يوماً، جزءاً من إثيوبيا، قبل إقدام الإمبراطور هيلاسلاسي على ضمِّها القسري عام 1960م، بينما ظلَّ الجَّنوب، دائماً، جزءاً من السُّودان لا يتجزَّأ منذ أوَّل نشأته؛
ب/ وكذلك الحديث المكرور عن تجربة الجُّمهوريَّات السَّابقة في شرق أوربا، حيث احتاج الأمر هناك إلى ما عُرف بالـBadinter Commission أو الـ Badinter Arbitration Committee لترتيـب وضمـان الاقرارات المطلوبة بموجـب القانون الدَّولي؛
أمَّا أهمُّ المقترحات التي تنبغي بلورتها، والعمل الجَّاد، خلال الفترة الانتقاليَّة الحاليَّة، لوضعها باتِّجاه "مبادرة الكونفيدراليَّة" بين الدَّولتين المستقلتين، السُّودان وجنوب السُّودان، والتي من شأنها، قطعاً، أن تؤسِّس، مستقبلاً، لـ «كونفيدراليَّة» أوسع، وأشمل، على نطاق القرن الأفريقي كله، فهي:

أ/ على المستوى الرَّسمي:
أ/1: أن تتَّفق الدَّولتان على قيام "اتِّحاد كونفيدرالي" بينهما، أساسه سوق مشتركة، وعملة موحَّدة، وجنسيَّة مزدوجة جزئيَّاً، وعلى أن:
أ/1/1: تكون لهذا الاتِّحاد أجهزة مشـتركة لخدمـة قضـايا محـدودة يُتفق عليهـا بين الدَّولتين؛
أ/2/1: تشرف على عمل هذه الأجهزة مفوضيَّة يُتفق على تكوينها بين الدَّولتين؛
أ/3/1: تكون لهذه المفوضيَّة رئاسة وأمانة عامَّة تداوليَّتان متفق عليهما بين الدَّولتين؛
أ/4/1: تكون "أبيي"، التي ينبغي أن تتمتَّع، بعد مشورة أهلها، بشكل يُتَّفق عليه من الحكم الذَّاتي، سواء أتبعت إلى الجَّنوب أو إلى الشَّمال، منطقة تمازج، وعاصمة إداريَّة رمزيَّة للاتِّحاد.
أ/2: وأن تتفق الدَّولتان على تعميم حُرِّيَّات "التَّنقُّل ـ الإقامة ـ العمل ـ التَّملك"، داخل الاتِّحاد؛
أ/1/3: وأن يتفقا، بالنِّسبة لمن لن تشملهم الجِّنسيَّة المزدوجة، على أن تمتنع "الدَّولة السَّلف Predecessor State" عن إسقاط جنسيَّتها عمَّن اكتسبوها أو استحقوها بالميلاد أو التَّجنس، قبل حصولهم على جنسيَّة "الدَّولة الخلف Successor State" بالاختيار، تفادياً لخلق أيَّة حالة "بدون Statelessness"، جرَّاء هذه التَّرتيبات؛
أ/2/3: وأن يتفقا، بالنِّسبة لمن ستشملهم الجِّنسيَّة المزدوجة، على مراعاة أولويَّة منحها للمجموعتين الآتيتين:
أ/1/2/3: الشَّــماليين الذيـن ارتبطـت حـيـاتهم ومصـالـحهـم، عميقـاً، بالجَّـنوب، والجَّنوبيين الذين ارتبطت حياتهم ومصالحهم، عميقاً، بالشَّمال، تزاوجوا أو لم يتزاوجوا. إحساس هؤلاء بتهديد الانفصال لحياتهم ومصالحهم قد يؤدي إلى العنف، وربما الحرب.
أ/2/2/3: القبائل الحدوديَّة بين الدَّولتين، من أقصى الغرب إلى أقصى الشَّرق، ويقدَّر عدد أفرادها بـ 9 ملايين شمالي، و4 ملايين جنوبي، أي قرابة ثلث إجمالي سُّكان الدَّولتين. فإذا علمنا، على سبيل المثال فقط، أن قبيلة المسيريَّة الشَّماليَّة الموزَّعة على 9 أفرع، والبالغ عدد أفرادها زهاء الـ 135 ألف شخص يمارسون الرَّعي، بالأساس، ويمتلكون 10 ملايين رأس من الأبقار التي ترتبط حياتها بالتوغَّل وراء الماء والمرعى، في موسم الجَّفاف، إلى الجَّنوب من "بحر العرب"، بل إلى "بحر اللول"، جنوبي بحر العرب، وصولاً إلى بانتيو، لأكثر من 6 أشهر في السَّنة، وفي مناطق تتبع لقبيلة دينكا نقوك الموزَّعة على 9 أفرع، أيضاً، والبالغ عدد أفرادها زهاء الـ 75 ألف نسمة يمارسون الرَّعي، أيضاً، إلى جانب الزِّراعة، فضلاً عن التِّجارة في مدينة أبيي، لاستطعنا أن ندرك حجم الخطر الذي يمكن أن ينجم، غداً، عن مجابهة الرُّعاة المسيريَّة لحقيقة عدم استطاعتهم ممارسة "رحلتهم الجَّنوبيَّة" هذه بسبب حظرها غير المستبعد، فجأة، من جانب حكومة "الدَّولة المستقلة" في الجَّنوب! صحيح أن القاعدة المرعيَّة في القانون الدَّولي، وقد نبَّه إليها قرار تحكيم أبيي في لاهاي، بصرف النَّظر عن مدى مقبوليَّته لدى أيٍّ من الطرفين، هي أن القبائل الحدوديَّة ينبغي ألا تضار من أيِّ ترتيبات بين دولتين! لكن هذه القاعدة التي تُنطق بكلمات قلائل، وفي عبارة موجزة، قد يحتاج تطبيقها إلى سنوات، وربَّما عقود، من التَّفسير، والتَّقاضي، والجُّهود الدِّبلوماسيَّة، واللجوء إلى منظمات إقليميَّة ودوليَّة، الأمر الذي لا يُتصوَّر أن يتحمَّل المسيريَّة انتظار نتائجه، وهم ينظرون إلى الآثار الكارثيَّة المدمِّرة لحرمان قطعانهم من الماء والكلأ، علماً بأنها لا تمثِّل، بالنسبة لهم، ثروة ماديَّة، بقدر ما تمثِّل قيمة معنويَّة؛ فتنفتح، هنا أيضاً، ذريعة أخرى للحرب!

ب/ على المستوى الشَّعبي:
ب/1: أن يجري دفع شعبي واسع، في كلتي الدَّولتين، باتِّجاه تحجيم الانفصال، ومحاصرته في مستوى "قمَّة الهرم"، بحيث لا تتأثر به "قاعدته" إلا في أدنى الحدود.
ب/2: ولأجل هذا يتمُّ استنهاض حركة واسعة تستوعب النَّشاط المدني الهادف، في كلتي الدَّولتين، لتوحيد الطموحات الشَّعبيَّة، وتوجيهها نحو غايات واحدة.
ب/3: في هذا الإطار، ولأجل الدَّعم النفسي بهذا الاتجاه، يجري تنسيق جهود الاتِّحادات الدِّيموقراطيَّة لعمَّال البلدين، ومهنييهما، ونسائهما، وطلابهما، ورياضييهما، وما إلى ذلك، بالأخص على صعيد التَّمثيل الخارجي.
(انتهت)

***