أسئلة حول تنظيم الحزب الثوري (2)

نهويل مورينو
2019 / 10 / 18 - 00:55     

نهويل مورينو (تموز- 1984)

التغيرات في التنظيمات الجماهيرية
العمال والتنظيمات الجماهيرية يقومون دوما بتغيير أطرهم التنظيمية.. بعض هذه التغييرات لها علاقة بالمراحل التاريخية الواسعة.. وهي تعبير عن تحولات بنيوية عريضة للطبقة العاملة- مثلا عمال الحرف عكسوا قطاعا ماهرا للطبقة العاملة كان أقرب للعمل الحرفي منه للطبقة العاملة الصناعية الحديثة عالية التركيز بسبب حياتهم الإجتماعية والإنتاجية. ولكن مازالت الاتحادات الصناعية تعبير عما تلاها. من جهة أخرى هناك تغيرات لامست حالة الصراع الطبقي. إذا كانت الطبقة العاملة قد عانت من التراجع فقد تجد ملاذها في تنظيمات دفاعية. النقابات في حالة الهزيمة القصوى تمكنهم حتى من الدفع قدما بجمعيات تعاون مشترك. ولكن إذا كنا نشهد نهضة ثورية عاجلا أو آجلا ستظهر منظمات جديدة تبذل جهدها كالسوفييتات الروسية والأوتار الصناعية التشيلية. حتى الاتحادات غيرت سماتها لتتحول إلى هيئات سلطة كمركز العمال البوليفيين إلى جانب ميليشيات الطبقة العاملة.

وقد شهدنا أيضا ثورات قام بها الفلاحون كما في الصين وفيتنام وكوبا.. حيث ظهرت منظمات جماهيرية مختلفة: جيوش حرب العصابات. والشيء ذاته يحدث دوما.. نمطيا تنظم الطبقة العاملة ذاتها عبر لجان عمالية وتنتخب هيئات مفوضة.. ولكن كلما كان القمع أشد وطأة – سواء من أصحاب العمل أو البيروقراطية _ يمكن للعمال تنظيم أنفسهم عبر مجموعات مشجعي كرة القدم.
عندما لا تكون هنالك نضالات، حتى الإجتماعات الحزبية قد لا تعقد. ولكن في وجود النضال أو عندما يكون وشيكا، تصبح الإجتماعات الجماهيرية هي الأداة التنظيمية الرئيسية لكافة العمال. إذا خاض العمال إضرابا، تنبثق لجان الإضراب التي تنتخب مفوضين، وعادة لا يكونون نفس الأشخاص الذين شكلوا القيادة الشرعية الدائمة. وقد يظهر أيضاً مدافعين في الخطوط الأمامية عن الإضراب، أو “أمواج الشعب” الذين يجمعون ما بين حدود الإضراب والتجمعات الجماهيرية، كما يحدث في بلادنا.

ليس من الممكن تسجيل الأنماط المختلفة للتنظيم التي قامت الطبقة العاملة وحراك الجماهير ببنائها عبر التاريخ. لذا يمكننا أن نستنتج أن -على نقيض مزاعم البيروقراطية بكافة أنواعها من قيادة الإتحاد البيرونية إلى الحزب الشيوعي- الطبقة العاملة حتما ليست مستقرة على بناء تنظيمي ثابت (ولا حتى الاتحادات البيروقراطية وفقا لميغويل، ولا السوفييتات البيروقراطية وفقا لأندروبوف). بل على العكس، الطبقة العاملة تغير نموذجها التنظيمي على إيقاع مراحل الصراع الطبقي وما يصحبه من ضرورات مستجدة.



تغيير تنظيم الحزب الإشتراكي الثوري


الستالينية صنعت فيتيشية حول التنظيم الإشتراكي الثوري باعتباره أحد ثابت لا يتغير: العمل من خلال خلايا صغيرة. نحن التروتسكيون الفقراء، الذين نجونا من عزلة عقود من الزمن، بملاحظة أن تنظيمنا كان لايزال صغيرا على مر السنوات، وقعنا ضحية هذه الفيتيشية، ولم ننسلخ عنها بعد. مضينا في اعتقاد أنها الأنموذج الوحيد للتنظيم الإشتراكي الثوري، وكأنهما ذات الشيء.
في الواقع الأمر بالعكس. التنظيم الإشتراكي الثوري غير مرن برامجيا ومبدئيا، ولكن بالنسبة للماركسية لا يوجد ما هو ثابت وأبدي، خاصة في حالة الحزب الذي يسعى إلى الثورة الدائمة. الحزب مرن للغاية عندما يحول البرنامج والمبادئ إلى استراتيجيات، وتكتيكات، وشعارات، وسياسات ملموسة لمعالجة الوضع الراهن للصراع الطبقي. كلما يكون هناك تغير في الواقع الموضوعي، يغير الحزب من شعاراته، وسياساته، وتكتيكاته، واستراتيجياته.. وكذلك أنموذجه التنظيمي. هذا هو الجوهر الحقيقي للنموذج الإشتراكي الثوري للتنظيم: أن يتغير، ويتكيف مع واقع مراحل االصراع الطبقي ومهامها وأهدافها الجليلة، وفقا لبرنامج الحزب.

تغيرات التنظيم الحزبي تتحدد باتحاد عاملين جوهريين: وضع الصراع الطبقي ودرجة تطور الحزب نفسه.

من الواضح أن البنية التنظيمية للحزب لا يمكن أن تبقى ذاتها خلال مرحلة الثورة المضادة، تحت نظام فاشي أو شبه فاشي، مقارنة بالمرحلة الثورية. الأولى ينبغي أن تكون سرية للغاية، بأعضاء طليعيين يجتمعون في خلايا صغيرة تقتصر على مناضلين ثبت مسبقا ثباتهم وارتباطهم بالحزب. الأخرى ينبغي أن تكون منفتحة، وقانونية، باجتماعات موسعة كلما اقتضت الضرورة، لتجمع القادمين الجدد الذين سيكملون عملية انخراطهم في بنية الحزب التنظيمية.

في مقدمة هذه الأمثلة الواسعة، داخل المرحلة ذاتها، فإن بنية الحزب ملزمة بالتكيف مع الصيرورات الإجتماعية الموضوعية. البنية التنظيمية لن تكون نفسها في حال انتقال قطاعات من حراك الجماهير بسرعة إلى اليسار، أو -كما يحصل عادة في المرحلة الأولى للثورة- إذا ثملت الجماهير بأعداد كبيرة من “الديمقراطية” وسارت نحو الأحزاب الإصلاحية. في الحالة الأولى على الحزب أن يتبنى إطارا مناسبا لمواءمة تلك القطاعات الجماهيرية. وفي الحالة الثانية، رغم الوضع الثوري، عليك الإبقاء على بنية “الحزب الطليعي”، والمؤلف من عضوية سبق وأن قررت -إلى حد ما- تكريس جزء هاما من حياتهم للاشتباك الثوري.
وحتى لا نذهب بعيدا ينبغي أن تكون بنية التنظيم بسماتها الوطنية ملتصقة بالطبقات المستغلة.. بالطبع لا يمكن أن تكون بنية الحزب هي ذاتها للتدخل في العملية الثورية في نيكاراجوا أو الأرجنتين اليوم. في نيكاراجوا لم يكن هنالك افتراضيا أي اتحادات تحت حكم سوموزا. الاتحادات ظهرت جماهيريا بعد سقوطه. النضال الثوري تطور عبر تماهي الحزب مع المناضلين والعصيان المدني الذي تنظم جغرافيا في الأحياء.. وفي النهاية كان على الإشتراكية الثورية أن تكيف تنظيمها مع هذه السمات الوطنية.. لذا فإن الحزب الثوري في نيكاراغوا -فيلق سيمون بوليفار- كان عليه أن ينتظم في الأحياء الشعبية.

الأرجنتين حالة مختلفة كليا.. التنظيم الجماهيري الكلاسيكي كان يتمثل في الاتحادات لما يقارب القرن.. الجسم الأساسي كان يتألف طيلة الأربعين سنة الماضية من المفوضين ولجانهم. الحزب نظم نفسه على هذه القاعدة: مجموعات حزبية مفوضة في كل شركة تناضل لقيادة هذه التنظيمات الجماهيرية. وأخيرا تحت ظروف استثنائية محددة -كالمشاركة في الإنتخابات البرجوازية- ينبغي على الحزب أحيانا تبني تنظيما مركزيا جغرافيا -مناطقيا- وأن يترك جانبا -مناسباتيا- بنيته الكلاسيكية حول أماكن العمل ومراكز التعليم.

ولكن مسألة التنظيم أصبحت نوعيا أكثر تعقيدا لأنها تلامس أيضا عاملا ثانيا: الحزب نفسه.. كلما وضعنا مهمة أو هدفا لمرحلة ما علينا ملامسة مسألتين: الصراع الطبقي ومرحلة تطور الحزب بما يمتلكه من موارد بشرية وقيادة وكادر وعضوية حتى يتدخل في هذه المرحلة للصراع الطبقي.

برامجيا هناك ثلاث مراحل لتطور الحزب الثوري:
المجموعة الجوهرية المؤسسة.. وعادة ما تتكون من أفراد معدودين. –
مجموعة البروباغاندا التي سبق وأن راكمت بضعة مئات من الكوادر. –
– الحزب بتأثير جماهيري.

الحالة الثورية المتطورة -بالتوازي مع انتقال قطاعاتها إلى اليسار والقطع مع الأجهزة البيروقراطية والإصلاحية- تجعل من الممكن موضوعيا استقطاب التأثير الجماهيري.. أي أن تجذب -سياسيا- قطاعات من الحركة الجماهيرية حول برنامج الحزب وصفوفه.

من الواضح أن بنيتنا التنظيمية لن تكون نفسها إذا ما جمع الحزب بضعة أفراد أو إذا كان لديه أصلا تأثير جماهيري معين.. في هذه الحالة يكون من واجب الحزب أن يتدخل ويهيكل مجموعاته في كافة قطاعات الحركة الجماهيرية (ولو أعطى الأولوية في ترتيبه لطلائع الثورة كالطبقة العاملة الصناعية في الأرجنتين مثلا وعمال المناجم في بوليفيا.. الخ.).

من جهة أخرى إذا جمع الحزب عضوية ضئيلة فإن أية محاولة للتدخل في كافة القطاعات ستكون قاتلة.. ستدمر الحزب.. عوضا عن ذلك علينا أن نحيل كامل العضوية حول قطاع واحد كي لا نشتت القوى.. وعلينا أن نصب كل جهود الحزب ومنظماته ذات التأثير الجماهيري في هذا القطاع.

في هذه الحالة.. أن تكون حزبا صغيرا “مجموعة بروباغاندا” لا يعني عدم التدخل بقدرة كاملة في النضال الثوري.. بل يعني هذا أن تتولى ذات المهمات التي قد يتولاها حزب أكبر لكل الحراك الجماهيري لكن في قطاع واحد. وهو الأفضل من أجل تطور عضوي متسارع وتأثير سياسي للحزب رغم أن المهام هي ذاتها إلا أن البنية الحزبية مختلفة كليا. تبنّي البنية الحزبية الخاطئة حتى في حال تولي سياسات صحيحة قد يقود إلى التلاشي.

على مستوى آخر تعتمد البنية التنظيمية للحزب على أمر بسيط: ككادر قادر على بناء مجموعات حزبية قيادية. كانت هذه مشكلة رئيسية لذا استغرقنا سنوات وسنوات لمعالجتها.. وقد جربنا كل أنواع البنى التنظيمية -من اتحادات إلى مصانع إلى أحياء- ومع هذا كانت كلها تنهار كل ستة أشهر أو سنة من الزمن. رفيق فرنسي دون كثير من المعرفة النظرية -من المحتمل أنه كان يحمل إرثا تروتسكيا- عندما كان يعيش في فرنسا قدم لنا الحل. هذا الرفيق سألنا:

كم من الكادر قادر على قيادة الهيئات الحزبية التي لدينا؟ نصحنا بأن لا نسجل أية هيئة -كخلية أو فصيل مصنع أو حي أو مجموعة مسرح أو أي كان- إذا لم يكن لدينا كادر لقيادته. بدون القيادة تفشل المجموعة الحزبية. بصرف النظر عن درجة مثالية خططنا فإن مسألة امتلاك كادر قضية جوهرية -مهما كانت مرحلة الصراع الطبقي التي نمر بها- لتحديد البنية التنظيمية للحزب.

مثلا إذا قررنا تنظيم الحزب من أجل حملة انتخابية بحوالي 600 فرع لتكون منفتحة في محيط أحياء الطبقة العاملة.. كنا قادرين على التخطيط لذلك لأنه كان لدينا رقم مماثل أو أكثر من الكادر القادر على الانفتاح وقيادة الفروع. إذا كان لدى الحزب فقط 50 من الكادر فعلينا أن نجد بنية تنظيمية أخرى.. من المحتمل أننا كنا سنركز على بضعة بلديات بمقرات كبيرة أو ربما وجدنا طريقة أخرى.

ترجمة: تامر خورما
تحرير: فيكتوريوس بيان شمس