القطاع العام، والقطاع الخاص: أية علاقة؟.....5


محمد الحنفي
الحوار المتمدن - العدد: 6382 - 2019 / 10 / 17 - 11:02
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ومصلحة الشعب تقتضي تغليب القطاع العام، الخالي من الفساد الإداري، ومن المحسوبية، والزبونية، والوصولية، ومن كل أشكال الانتهازية، على القطاع الخاص، الذي لا يهم إلا مالكيه، الذين يدر عليهم المزيد من الثروات، التي لا يصرح بقيمتها إلى إدارة الضرائب، ولا يهم إلا طبقة الأثرياء في التجارة، وفي الصناعة، وفي الزراعة، وفي تربية المواشي، والدواجن، كما لا يهم إلا الوسطاء، وغير ذلك من مصادر الثراء، الذي لا يتوقف عند حدود معينة.

ذلك أن تغليب القطاع العام، على القطاع الخاص، يحقق أمرين أساسيين:

الأمر الأول: إعطاء الأهمية للقطاع العام، باعتباره هو القطاع الذي يخدم مصالح الشعب، ومصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

الأمر الثاني: فرض مواكبة القطاع الخاص لما عليه القطاع العام، حتى يرفع مستوى الأداء، وجودته، فيما يتعلق بالخدمات، التي يبيعها للمواطنين.

ويمكن أن يجعل القطاع العام، في المجتمع المغربي، القطاع الخاص، بصفة، أو بأخرى، في خدمة المجتمع المغربي، أو على الأقل، الفئات الشعبية، التي تتعامل معه.

ويمكن أن نعتبر، كذلك، تغليب القطاع العام، الخالي من الفساد، وسيلة لاستئصال كافة أشكال الفساد الأخرى، من المجتمع، حتى يصير المجتمع، بتغليب القطاع العام، النظيف، خاليا من كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل أن يتفرغ إلى البناء، والإبداع، في كل المجالات، وعلى نطاق واسع، لإيجاد فضاءات جميلة، فكريا، وعلميا، وثقافيا، وإنسانيا.

وعندما يتعلق الأمر برأي حقوق الإنسان، في العلاقة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، فإن الذي يهم الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، هو احترام، وتفعيل حقوق الإنسان، وحقوق العمال، كما في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وهذا الاحترام، والتفعيل، قد يكون في القطاع العام، وقد يكون في القطاع الخاص، وقد يلزمان معا بذلك، عندما تكون الدولة القائمة، دولة للحق، والقانون. أما في ظل الشروط القائمة، فإن احترام حقوق الإنسان، وتفعيلها، غير وارد، لا في القطاع العام، ولا في القطاع الخاص، مع فارق أساسي، وهو أن القطاع العام، يسمح بقيام التنظيمات المطالبة باحترام الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، سواء تعلق الأمر بالتنظيمات الحقوقية، أو بالتنظيمات النقابية، بينما نجد أن القطاع الخاص، أو شبه الخاص، لا يقبل بوجود المنتمين إلى مختلف التنظيمات الحقوقية، والنقابية، في صفوف العاملين فيه. وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه، من أن القطاع الخاص، يتحكم في القطاع العام، تبعا للاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية المتبعة، وأن القطاع العام، تابع للقطاع الخاص، انطلاقا من نفس الاختيارات القائمة.

وفي حالة خوض المعارك النضالية، من أجل تحقيق المطالب، المتعلقة بضرورة احترام تلك الحقوق، والعمل على تفعيلها، نجد أن القطاع العام، قد يستجيب لبعض المطالب المعنوية، لأن المطالب المادية، تكون مكلفة لميزانية الدولة. أما القطاع الخاص، فيواجه تلك المطالب الحقوقية، أو النقابية، بالطرد، والتوقيف عن العمل، في القطاع الخاص، كشكل من أشكال القمع الموجه إلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين قد يتملكهم الخوف على مستقبلهم، وقد يقاطعون، وبصفة نهائية، العمل الحقوقي، والعمل النقابي، في نفس الوقت.

وبناء على ما رأينا، وبعيدا عن قيام دولة الحق، والقانون، فإن الدولة المغربية القائمة، كانت في تاريخها، ولا زالت، هي أول من يقوم بالانتهاكات الجسيمة، للحقوق الإنسانية، ولحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ولذلك، فلا داعي لأن نقول: بأن تسييد القطاع العام، ينتج لنا احترام حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما ينتج لنا احترام حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

لأن الذي يوضح ذلك، بما فيه الكفاية، هو طبيعة الاختيارات القائمة، باعتبارها اختيارات رأسمالية تبعية، لا ديمقراطية، ولا شعبية، وما دام الأمر كذلك، فإنه لا داعي إلى القول: بأن تغليب القطاع العام، يفضي إلى احترام حقوق الإنسان، وحقوق العمال.

أما تسييد القطاع الخاص، في مثل حالة الدولة المغربية، فلا يمكن أن ينتج إلا الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى درجة أن النقابات أصبحت تتحاشى تنظيم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين لهم علاقة بالقطاع الخاص، حتى لا يتحولوا إلى ضحايا، باسم الخروقات؛ لأن النقابات التي لا تتوفر على صندوق أسود، لمواجهة مثل هذه الحالات. وإذا توفرت عليه، فإنه يكون تحت تصرف القائد النقابي، غير الديمقراطي، وغير النزيه، وغير الأمين على أموال النقابة، التي يعتبرها ضيعته التي يتصرف فيها، كما يريد.

ومعلوم، أن تبعية القطاع العام، للقطاع الخاص، وتحكم القطاع الخاص، في القطاع العام، يجعل الدولة لا تقوم بأي إجراء في حق القطاع الخاص، كوليد غير شرعي لها، وعليها أن ترعاه، حتى يصير غولا، يلتهم الحجر، والشجر، ومن رعايتها له، أن لا تخضعه للمساءلة، والإحالة على القضاء، ما دامت الكلمة للدولة، التي ترعاه، حتى صار فوق القانون.

والنقابات لا تقبل تسييد القطاع العام، بدون أن يستجيب هذا القطاع للمطالب النقابية، وقد خاضت صراعات مريرة، منذ استقلال المغرب، من أجل الوصول إلى جعل القطاع العام يعترف بالنقابة، والعمل النقابي، ويتفاوض معها، ويستجيب لبعض مطالبها؛ إلا أن هذا الاعتراف، والتفاوض، تراجع عنهما القطاع العام، الذي رجع إلى عادته القديمة، التي أصبحت تنتج، من جديد، الانتهاكات الجسيمة، التي تحيلنا على سنوات الرصاص.

أما تسييد القطاع الخاص، فلا يترتب عنه إنتاج الاستجابة للمطالب النقابية؛ لأن من طبيعة القطاع الخاص، أن يصير مجالا لإنتاج الانتهاكات الجسيمة، في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وأمام أعين المسئولين عن القطاع العام، الذين لا يحركون ساكنا.

وحتى نتجاوز الانتهاكات الجسيمة، التي ينتجها القطاع الخاص، والقطاع العام على السواء، في هذه الظروف، لابد من ملاءمة جميع القوانين المعمول بها، في القطاع العام، وفي القطاع الخاص، وفي جميع القطاعات: الاجتماعية، والإدارية، وفي كل مناحي الحياة. وملاءمتها لا تكون إلا مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ذلك أن الملاءمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بجعل القوانين المعمول بها، وسيلة لتمتيع جميع أفراد المجتمع، بالحقوق الإنسانية، مهما كانت هذه الحقوق، بعيدة التحقق، تصير متحققة بفعل الحرص على تطبيق القوانين المختلفة، ووسيلة كذلك لتمتيع جميع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بكافة حقوق الشغل.

أما إذا لم تتلاءم القوانين المذكورة، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن المجال يبقى مفتوحا، أمام الاستمرار في إنتاج الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفي حق كل فرد من أفراد الشعب المغربي الكادح وفي حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سواء تعلق الأمر بالقطاع الخاص، أو بالقطاع العام، كمجالين لمضاعفة الانتهاكات الجسيمة، نظرا لغياب الملاءمة المشار إليها، والتي يصر المسئولون على عدم القيام بها، حتى لا يتمكن المواطنون، والمواطنات، والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من التمتع بالحقوق المختلفة، أثناء التطبيق الفعلي للقوانين المتلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وكما هو الشأن بالنسبة للملاءمة المذكورة، التي ستجنب جميع أفراد المجتمع، الكثير من المشاكل، التي يصير المجتمع في غنى عنها، فإن إقرار السلم المتحرك، وتفعيل ذلك الإقرار، في شبكة العلاقات القائمة، في الواقع، بين المشغل، والعامل، والأجير، وكل الكادحين، سيجنبنا، كذلك، اللجوء إلى المطالبة، في كل مرة، بالزيادة في الأجور، التي تصير متلائمة مع ارتفاع، أو انخفاض مستوى الأسعار.

وما دام السلم المتحرك غير مأخوذ به، وما دام تفعيله غير وارد، في فكر، وممارسة الدولة المخزنية، وفي فكر، وممارسة المشغلين، أنى كانت هويتهم.

وانطلاقا مما رأينا، فإن عدم ملاءمة القوانين المعمول بها، وعدم الأخذ بالسلم المتحرك، سيجعل المجال مفتوحا على جميع الاحتمالات، وسيعرض الجماهير الشعبية الكادحة، ومنها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى الكثير من المخاطر، التي تنتظرهم، نظرا لاستشراء أمر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي في المجتمع، الذي لا يتضرر منه بالدرجة الأولى، إلا عموم الكادحين.

فتسييد القطاع العام، أو القطاع الخاص، أو عدم تسييدهما سيان، مادام ذلك لا يؤدي إلى تمتيع جميع أفراد المجتمع، بحقوق الإنسان وحقوق العمال.

وعدم ملاءمة القوانين المعمول بها، وعدم الأخذ بالسلم المتحرك، كذلك، سيان، في فسح المجال أمام الاستمرار في إنتاج الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، هو الوارد، سواء تعلق الأمر بالقطاع الخاص، أو بالقطاع العام.

والفساد الذي يستشري في الواقع المغربي، يقف سدا منيعا ضد كل ما يصير في خدمة الشعب، وفي خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.