الترتيبات اللازمة لقيام المملكة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 6376 - 2019 / 10 / 11 - 20:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مقدمة

سأتعامل مع الترتيبات تعاملي مع الحبكة في النص المسرحي، فأجمع بين مكوناتها ووقائعها في إطار من التناسق يؤدي إلى تحقيق الأهداف التي أرمي إليها في الأمن والزراعة والصناعة والتجارة والثقافة.


الأمن

هناك أربعة محاور لفلسطين المحتلة: القدس الشرقية، نابلس العميقة، الغور، القطاع. تشرف على الأمن في القدس الشرقية الشرطة البلدية والحرس الملكي، يشرف على الأمن في نابلس العميقة رجال الدرك، القوة العسكرية الفلسطينية الموجودة، وأعني بالعميقة نابلس وما يليها من جانبيها طولكرم وجنين وقلقيلية حتى الحدود مع إسرائيل، ويتواجد الجيش الإسرائيلي ما شاء له التواجد داخل حدوده، يشرف على الغور الجيش الأردني من الناحية الشرقية لنهر الأردن، حيث تكون صلاحياته من صلاحيات اتفاق وادي عربة وتأهيلاته من تأهيلات مملكتي بضفتيها. يشرف على القطاع الجيش المصري في رفح والعريش، مع الاحتفاظ بقوة حماس العسكرية لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد ثلاث مرات حسب متطلبات المناخ السياسي الجديد الذي بسلمه سيفرض هو على حماس كيفية التعامل مع سلاحها. يوجب ما سبق انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من فلسطين المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، إنه الأمن الآمن بالسلم لا الأمن غير الآمن بالحرب على طريقة أردوغان، ومن يقل أردوغان يعنِ الحلف الأطلسي بعقلية المهووسين والمهسترين والبيت الأبيض، فليتقدم أردوغان أكثر ليكون تحت نيران الأكراد أقرب، ولتتراجع إسرائيل أكثر لتكون بعيدًا عن كل النيران.


الزراعة

فلسطين هي الأرض والبحر والإنسان، الإنسان قتله الإسرائيليون بالاحتلال، البحر حرمونا من ثرواته، الأرض لوثوها بالمبيدات، أرضنا وأرضهم، فما يزرعون ويأكلون "بفضل" المنتجات الكيماوية، أي أنهم مثلما يقتلون إنساننا يقتلون إنسانهم، فالمصابون بالسرطان في إسرائيل نسبتهم الأعلى في العالم، ويأتون ليحدثونا عن أعظم الجامعات وأعظم باقي الخزعبلات، بينما من الممكن ومن الممكن جدًا أن نعود بالأرض إلى عصرها الذهبي عصرها البيولوجي بأسهل الطرق، وأمام شِحِّ الماء أن نلجأ إلى تحلية مياه البحر التي تقنيتها لم تعد تكلف كثيرًا، فنحول الغور عندنا إلى الجنة على الأرض، ونصنع منه لصناعة الأخشاب أمازونيا ثانية، بأيدي الذين هم فيه عربًا ويهودا.


الصناعة

الصناعة في إسرائيل وفي فلسطين وفي الأردن جزء لا يتجزأ من الحضارة الصناعية التي تحتضر اليوم، وحسب نادي روما ستنهار في العام 2030، على مرمى حجر من زمننا. تل أبيب سيليكون فالي على راسي وعيني –فندت هذه الحجة في مقال سابق- ولكن هل ستنقذ تكنولوجيا إسرائيل أمريكا والعالم؟ ما سينقذ إسرائيل وأمريكا والعالم التصنيع الشامل للمنطقة، وليس من هذه الناحية، من ناحية الاقتصاد في المواد الخام والكلفة، وفي بلد كإسرائيل وفلسطين والأردن المصادر الطبيعية منعدمة، يجب إذن ابتكار تقنية جديدة يحل فيها الخشب محل الحديد، وبانتظار أن تنمو الغابات في الأغوار تذويب أعواد القصب، في الماضي كانت الحناطير خشبية، وكانت السيارات خشبية، وكانت الباصات خشبية، وكانت السقوف خشبية، وكانت الجدران خشبية، وكانت الأبواب وحتى اليوم خشبية، فلتكن الثلاجات خشبية وباقي الأدوات الإلكترومنزلية، فنخرج من العصر البلاستيكي، وندخل في العصر البيولوجي، وقس على ذلك كل أنواع الصناعة. في فلسطين وفي الأردن وفي إسرائيل جبال لألف عام من الحجر، والتحجير من كل الألوان صناعة لا تفنى للمنطقة وللعالم. أما أعظم الصناعات فهي الصناعات التي تضاهي غيرها بكلفة أوطى وبنوعية أعلى، وهذه لن تكون إلا برخصة أمريكية، وبتشغيل أمريكي يساهم في حقن الصناعة الأمريكية بملياراتنا.


التجارة

السوق المحلي تحت الاحتلال يبقى محدودًا رغم كل تدابير الغش والاحتيال للتسلل إلى السوق العربي، لكنه مع مملكتي سيتحول إلى سوق مفتوح من المحيط إلى الخليج وعبرهما إلى العالم ليكون جسرًا إلى العولمة لا غنى عنه بكل قطاعاته، هذا السوق يصهرنا في بوتقته كهويات وكأفراد وكمشاريع وكأحلام وكآمال وكأمانٍ، دون أن يعني ذلك الامحاء، يعني ذلك الارتقاء، فهم الآخر، ودعم الآخر، في اختلافه، فالآخر هو الوجه الذي لي في المرآة، والارتقاء هو السيف الذي لي في غماده، المصالح المشتركة، الأمن المشترك، الزراعة المشتركة، الصناعة المشتركة، التجارة المشتركة، الثقافة المشتركة.


الثقافة

القيم الثقافية قيمي وقيم كل واحد منا، هكذا أريد أن تكون القيم الثقافية، قيم الجندي كالأسير، الصعلوك كالأمير، التاجر كالعازف، المعلم كالطالب، البنكي كالمتدين، السوقي كالمتمدن، فالنشاط الإنساني هو شرطه، وهو ظرفه، وهو سلوكه، إنه نحن في تنوعنا مهما تعددت انتماءاتنا، والثقافات لهذا هي ثقافة واحدة تحت أشكالنا، نحن أشكال ثقافات الإنسان، هذا ما أشعر به في فرنسا، نحن بثقافاتنا ثقافة فرنسا، ولهذا فرنسا دولة عظمى، إنها دولة عظمى بنا، قبل أن تكون قوة نووية. التاريخ الواحد الذي يجمعنا نحن والإسرائيليين في هذه المرحلة هو الأقوى في التاريخ، لأنه تاريخ ثقافتنا المشتركة: عندما كنت أكتب روايتي عن الحرب اللبنانية "بيروت تل أبيب"، سألني المستعرب الكبير دانيال ريج لماذا لا تترك واحدًا من عندهم يكتب عنهم، أجبته أنا من عندهم وهم من عندي، فابتسم، وأيدني.


خاتمة

أنا بكلامي هذا لا أتوجه إلى مهووسي الحكم ومهستريهم في إسرائيل وفي أمريكا، أنا بكلامي هذا أتوجه إلى عقلاء الحكم ومنفتحيهم في الأجهزة الأربعة التي تحكم العالم وفي وزارات الدفاع الكبرى وفي جامعات العلوم الإنسانية، فنحن على أبواب الانهيارات: انهيار الحضارة الصناعية، انهيار المنظومة المالية، انهيار المنظومة الاستخبارية. نحن على أبواب التفجرات: التفجر الديموغرافي، التفجر الغذائي، التفجر الحرياتي. بينما الحل هو المملكة في المنطقة، وقوس قزح في العالم، ليبدأ عصر جديد للعولمة، والذي بفضل العولمة الرقمية التي هي عولمة بين عولمات فيه، أمارس حركة التحرير الرقمي التي لي.