يا أمريكا أريد أن أكون ملكًا للأردن وفلسطين 8


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 6366 - 2019 / 10 / 1 - 14:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هو والمملكة

هو تنتياهو أو جانتس أو أي زعيم إسرائيلي، تفرقهم السلطة، ويجمعهم منطقها، فتقول إحدى شخصياتي الروائية فيما معناه: لو تفرقوا فيما بينهم وماتوا لنهضوا من الموت ليتَّحِدوا ضدك! لكنه يبقى كلام روايات، المعاني غير الحقائق، لكن المعاني تبقى للعبرة، للإمساك بالأمور التي تتبدل ونحن نتبدل معها. حالة نتنياهو ميئوس منها، فهو لهوسه بشخصه، يصبح مركز العالم، ويجعل من إسرائيل محوره، فيتماهى بها، نتنياهو هو إسرائيل، نتنياهو هو إسرائيل على صورته، نتنياهو الشيزوفريني، العنصري، الحربجي، المدعي، المعتدي، المفتري، المنافق، المتشدق، المتآمر، المُلَحْوِس، المُهَلْوِس، هل يكفي؟ كل شيء مسموح له ليُبقي إسرائيل على صورته، وليبقى –هذا هو الأهم لهوسه بشخصه- رئيسًا للوزراء، فهذا الديكتاتور "الديمقراطي" ها هنا منذ أكثر من عشر سنوات دون أن يشبع، استراتيجيةُ جشعِهِ الأفظع من الأبسط، ألا وهي ترويع اليهود الإسرائيليين بالعرب الإسرائيليين، عادة من عاداته السافلة في كل انتخابات، ليمسكهم من خناقهم، ويوهمهم بأنه هو رب أمنهم، وترويع اليهود الإسرائيليين بالعرب الإسلاميين، بحماس التي ساهم في خلقها لهذا السبب من بين أسباب لا تخفى على أحد يا رب الدين، وترويع اليهود الإسرائيليين بصديقاته الدول العربية حتى أنه لا يتردد عن إبراز عضلاته بقصفها، وترويع الإسرائيليين اليهود أكبر ترويع بوجودهم هم أنفسهم، فيسن لهم قانون القومية الأبرتهيدي، وهو يكمل عليهم، ينتزعهم من إنسانيتهم، ليصبحوا روبوهات رهن إشارته. بينما أمن الإسرائيليين لا يمكن تلخيصه بالتمييز العنصري، لا يمكن تلخيصه بالحرب على حماس، لا يمكن تلخيصه بالاعتداءات المفبركة، أمن الإسرائيليين في ألا يكونوا مهددين بالفعل من أحد، هذا الأمن أنا من يعطيهم إياه، أمن الإسرائيليين في ألا يكونوا دمى تُحَرَّك بالخيطان، هذا الأمن أنا من يعطيهم إياه، أمن الإسرائيليين في ألا يكونوا غير أنفسهم، هذا الأمن أنا من يعطيهم إياه، فإلى متى اليهودي ليبقى نبقيه على عقدته كموضوع للخوف، كموضوع للمطارد، كموضوع للذنب، كموضوع للخطأ، كموضوع للتخطيء، كموضوع للتبرير، تبرير كل الحماقات التي يرتكبها حكام إسرائيل ليبقوا حكامًا على خزقهم، وليوهموا أنفسهم بحكم العالم، بينما أمريكا تسحقهم "بحبها"، أمريكا تقهرهم "بكرمها"، أمريكا تذلهم "بتدليلها"، فلأمريكا مصالحها هي أولاً وقبل كل شيء التي من بينها الفتات تلقيها عليها. أنا أمن إسرائيل، أنا سلم فلسطين، لأني سلم فلسطين أنا أمن إسرائيل، أنا لست العميل الذي لا ثقة به، أنا لست عباس، أنا لست عبد الله، أنا لست السيسي، أنا لست سلمان، أنا لست بوتفليقة، نعم بوتفليقة، بوتفليقة الرئيس وبوتفليقة المخلوع. أنا إسرائيل كما يجب عليها أن تكون مثلما أنا فلسطين كما يجب عليها أن تكون، أن تكون إسرائيل بلدًا عاديًا كباقي البلدان العاديين، كفرنسا بلدي أن تكون، الدولة العظمى بقوانينها وأخلاقها، بالنظر إلى مواطنيها من عين واحدة وإن تعددت أشكالهم وهوياتهم، بالنظر إلى العالم بكل ما فيه بكل من فيه، بالنظر إلى الشخص حسب فعله، بإلزامه بواجباته وإلزام فرنسا بحرياته. أستاذ نتنياهو أين حريات الإسرائيلي وقد غدت حرياته حرياتك؟ وماذا عن حريات الفلسطيني؟ أنت تحتلني وفوق هذا تفرض عليّ شروطك! طيب، في وقت الحرب أنت تفرض عليّ شروطك، في وقت السلم أنا أفرض عليك شروطي. ومع ذلك، أنا لا أفرض عليك شروطي، أنا أخرجك مما أنت فيه من غائط عقدتك التي صارت شرطك، وأجعل الأمن لشعبك من أمن شعبي وأمن شعوب المنطقة، لأنها الطريقة الوحيدة، أقول الوحيدة، الطريقة الوحيدة لترتاحوا ولنرتاح، لتصبحوا دولة عادية لا دولة زعرة ولنصبح دولة عادية لا دولة نعرة، دولة من بين دول يريد أبناؤها أن يحلموا، لتصبحوا دولة طبيعية ولنصبح دولة طبيعية، فأنتم دولة من خارج الطبيعة، أنتم دولة مصطنعة وستبقى، دولة مرفوضة، مكروهة، ملعونة، هناك من يريد قهرها، فابقوا كما أنتم عليه دولة زعرة، وستُقْهَرون. لهذا قلت بالعواصم الخمس الفذة، طهران للتكنولوجيا، الرياض للمالية، تل أبيب للصناعة، القاهرة للزراعة، الرباط للثقافة، هذا هو مشروعي الذي أداته مؤسستي "قوس قزح"، والذي عن طريقه أحل المشكل الفلسطيني من خلال كل مشاكل المنطقة، ولن يكون ذلك إلا بأنظمة ديمقراطية، كتبتُ دستورها في هذا الموقع، مع تعهد مني ألا أطيح بأي ملك أو بأي رئيس. إنه الوجه الجديد العادل للمنطقة كما أرى، وبقوة العصر، بقوة التقدم، لا الوجه القديم السافل الذي تعمل على تأبيده أستاذ شوفوا مين أنا، دون أن تدرك الهزيمة الساحقة القادمة القريبة لشعبك، والتي لن تمنعها قنابلك النووية، ولا قنابلك الموسادية، يكفي أن أذكرك بالثورة الديموغرافية وثورة الرغيف والثورة الظامئة للحريات التي لن يقمعها دكتاتور مفضل إلى الأبد، ولن يسحقها ملك معظم منذ الأبد. أنا إذن بدائلي لخطة الأستاذ ترامب التي بقلمك الأحمر دبجتها تحتاج إلى ترتيب فقط لا غير، فالجدولة منه وفيه، بصفتي صاحب الأرض وصاحب الأمن وصاحب الحق، بصفتي ملك السلم، وملك الهوية، وملك المستقبل، سلمنا المشترك، وهويتنا المشتركة، ومستقبلنا المشترك. وليس هذا منذ اليوم، افتح كتبي، واقرأ كلامي الذي رددته منذ أكثر من خمسين عامًا عن حبي لريتا في روايتي "المسار" ولغير ريتا في رواياتي الأخرى، لدرجة كم تمنيت أن تكون إحدى زوجاتي يهودية.



أنا والمملكة

من حظ الفلسطينيين أن العقل قد وهبني الخيال والسياسة والفلسفة، وأنه قد جعل لبنيتي الفكرية مدى أساسه الحرية والتعددية والعلمانية، فلم أكن الحاج أمين الحسيني، ولم أكن الشقيري، ولم أكن عرفات، ولم أكن عباس، ولم أكن هنية، الأول جعل من الجهاد طريقه إلى تأسيس إسرائيل على قسم كبير من فلسطين، الثاني جعل من إلقاء اليهود في البحر طريقه إلى احتلال إسرائيل لباقي فلسطين وللجولان ولسيناء، الثالث جعل من اتفاقيات أوسلو طريقه إلى قضم الإنسان الفلسطيني وقضم أرضه وقضم حلمه، الثالث جعل من الحكم الذاتي طريقه إلى نظام تنهشه الذئاب من كل نوع الذئب الإسرائيلي أشرسها، الرابع جعل من الله أكبر طريقه إلى قطع القطاع عن الضفة وتقطيع العالم العربي بمخالب الأديان، فماذا جنى شعبي بزعمائه غير غربته واغترابه وخسارته لكل شيء لأرضه وعرضه وإنسانه وحيوانه، نعم حتى الحيوان الفلسطيني عانى لمعاناتنا. أستاذ كوشنر أبو الصفقة السافلة كلبك لم يعانِ مثل كلابنا، أستاذ جرينبلات أبو الخطة المنحطة إنسانك لم يشرب الشخاخ مثل إنساننا، أستاذ فريدمان أبو ضد الدولتين عرضك لم يُنتهك مثل عرضنا، أستاذ بومبيو أبو أرض الفلسطيني قبره حديقتك لم تقتسمها مثل حدائقنا. يا أساتذة هل تعرفوننا لتتصرفوا بأقدارنا؟ هل قرأتم عنا رواية أو حتى فصلاً من رواية؟ هل عشتم بين جنبينا لتدركوا كيف نفكر كيف نعيش كيف نخرأ؟ لتتفادوا أفكاركم المسبقة؟ لتعرفوا كيفكم حياديين؟ لترفعوا عين الاحتقار عنا؟ لتحكموا علينا بالحرية؟ لتقمعونا بالسلم؟ لتقهرونا بالتقدم؟ لتذلونا بالشراكة؟ بالاستثمار؟ بسي آي إيه التفاهم لا التآمر؟ بمصانع التواضع لا التحاقر؟ بهوليود ماريلين مونرو لا رامبو؟ بالقدرة على التحكم بالزمن الذي يتجاوزكم ويتجاوز طرقكم وأفكاركم وهلوساتكم؟ هلوسات المستقوي بمديونيته بانحطاطه بسقوطه القريب الأكيد –هذا ليس كلام روايات هذا كلام أخصائيين في علم الاقتصاد- إن لم يتفادَ ذلك في هذه اللحظة الأخيرة من زمنكم؟ المليارات التي ستدفعونها لعملائكم الأوغاد في المنطقة ثمنًا لتصفية قضيتي سيلطشها أولئك اللصوص كما لطشوا غيرها، حتى ولو أشرفَتْ على توزيعها لجانكم، فالأوغاد هم أرباب في مادة اللصوصية دون حساب ودون أي حساب. هذه النقطة عليكم دراستها مع دراسة باقي النقاط التي أطرحها، والتي تطرح بقوة مسألة دمقرطة الأنظمة العربية أولاً ليوثق بها وبطريقة صرف الأموال التي ستعطى لها. بانتظار ذلك، ستتكلف مؤسستي قوس قزح بالإنفاقات، إنها الأداة المالية الأعلى شفافية والأرقى. ختامًا أريد فقط أن أنهي هذه السلسلة من مقالاتي قبل قصيدة الغد عن الغد بحكاية لها الكثير من الدلالات عساها تمسس بعض المشاعر التي لم تمت في إنساننا الغربي الذي كان لي حظ العيش معه وفهمه مثلما كان لي حظ العيش مع إنساننا المشرقي وفهمه، وبفضل ذلك صرت المواطن الكوني، ولأني المواطن الكوني لا الأمريكي لا الإسرائيلي لا الفلسطيني لا العربي لا الإيراني لا التركي لا الكردي لا الفرنسي لا الغيري، لأني كل هذا، وبإملاء من إنسانيتي وعالميتي، رأيت ما لم يره أي زعيم فلسطيني أودى بنا إلى مراحيض رام الله، وما لم يره أي زعيم غربي أودى بنا إلى سيرك كوشنر... الحكاية عن أبي الذي بقي في يافا حتى دقائق قليلة قبل سقوطها كصحافي وكأستاذ وكمكافح من أجل فلسطين ومن أجل الحرية، وفي ظنه أنه سيعود إليها بنا أنا وماما وأختاي من نابلس "بعد عدة أسابيع" تكون الأحوال خلالها هدأت: أطعم أبي الحمام الذي كان يربيه على سطح دارنا، وأسقى أشجار الخشخاش في حديقتنا، آه ما ألذ تطلي الخشخاش المزّ بالسكر! وأعلى وراء بابنا صفًا من الحجارة كي لا يقدرَ أحدٌ على فتحه، ثم تسلق سورنا، وقفز منه على الرصيف ليغلق الباب بالمفتاح الحديدي الضخم كباقي مفاتيح زمان. عندما أكمل "مهمته" تنهد لراحةٍ في نفسه، فلن يستطيع أحد اقتحام منزلنا! كان لا يعلم أن الجرافات ستقتلعه من شروشه قبل أن تقتلع شجر الخشخاش وتهدم برج الحمام ومعه بيتنا لشق كورنيش للأقدام الناعمة! ومن العجب العجاب –كما كانت تقول ماما والكلام لبابا- أن الحمام طار فوق رأس أبي الذي ركب السيارة وَرُسُل السلام تبكي مودعة إياه. المفتاح... بقي والدي يحمله حتى ثَقُلَ في جيبه، فعلقه على الحائط، بعد بعض الوقت أخذتُ ألعبُ به، وبعد كثير الوقت أكله الصدأ، فرميناه.