الثورة بالغرب الإفريقي من خلال تجربة الشهيد إبراهيم صيكا - 3


الأماميون الثوريون
2019 / 9 / 29 - 20:57     

جاء اندلاع الحرب بالصحراء الغربية لتتميم الشروط الموضوعية لسياسية طبقية يكبل القوى الثورية للشعب المغربي واستكمال بناء نظام تبعي دموي بشمال غرب إفريقيا، من أجل هدف أساسي وهو تعطيل حركة القوى الثورية بغرب إفريقيا استجابة للمشروع الإمبريالي ـ الصهيوني ـ الرجعي العربي، بعد عزل الحركة العمالية المغربية عن حركة الفلاحين : تجريدهم من تنظيماتهم الذاتية المسلحة ـ المقاومة وجيش التحرير، وتقوية التحالف الطبقي المسيطرة : البرجوازية التجارية والملاكون العقاريون الكبار، ودعم الأرستقراطية العمالية المغربية : توظيف عملاء المخابرات العالمية الإمبريالية في أوساط الحركة العمالية المغربية، ودعم القيادات البورجوازية الصغير للأحزاب وترقيتها اقتصاديا واجتماعيا عبر إرشائها وتعيينها في مناصب سامية، وإعدادها لمناصب برلمانية وحكومية.

وفي الفترة ما بين 1982 و1991 عرفت قضية الصحراء الغربية تطورات خطيرة بعد اعتراف النظام الملكي الدموي بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره أمام حكام الدولة الإفريقية بنيروبي، فبدأت حدة الحرب تنخفض، بعد استقبال زعماء جبهة البوليزاريو بمراكش، وفتح صفحة المفاوضات وترتيبات الاستفتاء الوهمي، ووقف إطلاق النار الهدف الأساسي في المشروع الجديد للإمبريالية بالصحراء الغربية، مرحلة جديدة من المفاوضات/المناورات السياسية : إحصاء الصحراويين يعرف تجاوزات، نزاعات بين الشيوخ، بين الإخوة الأعداء، الذين فرقتهم حرب الحكومات على الشعوب.

وعرف الفساد في الصحراء الغربية دروته : تهريب البنزين والمواد الاستهلاكية، فتح سوق سوداء لتجارة المواد الرخيصة، أسعار المواد الاستهلاكية منخفضة ب50 في المائة، تجارة مربحة نشيطة بين الصحراء الغربية والمغرب من طرف مافيا التهريب، المضاربات العقارية نشيطة، الصحراويون يحضون بمكانة بعد الاعتراف بتقرير المصير، المنتظم الدولي يراقب حقوق الصحراويين : حق الشعب الصحراوي في الاستفادة من خيرات البلاد، كل ذلك من أجل إخماد نيران الحرب بالصحراء الغربية بعد بروز ملامح تغيير المواقع الاستراتيجية للحروب الإمبريالية الجديدة بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي.

استفاد الصحراويون من إعلان حقهم في توزيع خيرات الصحراء الغربية : الفوسفاط، الصيد البحري والضرائب، حالة استثنائية تنبعث هناك، نتيجة حمل السلاح، مرحلة الحرب الباردة بدأت، انتعشت المافيا التجارية.

إشاعة أكذوبة عالم جديد بعد إعلان انهيار الاتحاد السوفييتي بنشر أكذوبة "نهاية التاريخ"، حرب النظام الدموي بالمغرب على الشعب الصحراوي لم تعد له مبررات، الحرب الأولى على العراق تعلن تغيير مواقع الصراعات حول التقسيم الجديد للعمل، كل أنظار الإمبريالية تتجه إلى الخليج العربي، ما يسمى في أدبيات الحركة الماركسية اللينينية ب"الغرب العربي" وأطروحة "تصفية الإمبريالية" أصبح متجاوزا، مركز التغيير ب"العالم العربي" ينطلق من العراق، في اتجاه القضاء على كل مواقع المقاومة والصمود الشعبي من أجل تعطيل عمل القوى الثورية بالمنطقة العربية وشمال إفريقيا، بينما القوى الثورية بالغرب الإفريقي مازال تتحرك من الصحراء الغربية وامتداداتها بالساحل الإفريقي وصولا إلى السودان.

بعد إطلاق سراح بعض زعماء الحركة الماركسية اللينينية في 1991، الذين رفعوا شعار حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، والاعتراف بوجود معتقل تازمامارت، السجن الرهيب، الذي قضى به معتقلون حملوا السلاح ضد النظام الملكي الدموي، ضباط وعسكريون متمردون، من نجا منهم، قلة قليلة، تم إطلاق سراحهم، السياسيون والنقابيون الإصلاحيون الذين ساندوا الحرب على الشعب الصحراوي، يلتفون حول ما يسمى "الانتقال الديمقراطي" لذر الرماد في عيون الشعب المغربي، التاريخ يعيد نفسه بشكل مأساوي من إيكس ليبان إلى نيروبي والرباط.

في هذه الفترة تم إطلاق سراح الشباب الصحراوي القابع بمعتقل قلعة مكونة، حملوهم إلى ورزازات، تم استقبالهم بفندق فاخر، رفضوا تناول الطعام الفاخر الذي قدم لهم، يريدون معانقة الصحراء الغربية : شرب شاي بالخيمة مع الأهالي، لم يعرفوا، بعد عقد من الزمان بالسجون الرهيبة بعد اختطافهم بثانوية ورزازات، أن طفلا صحراويا ولد : مشروع شهيد، الشهيد إبراهيم صيكا.

الشباب الصحراوي يحظى باهتمام كبير بعد احتجاجاتهم بالصحراء الغربية واستقبالهم من طرف وزير الداخلية بالرباط، الذي رفض استقبال الشباب الصحراوي الثوري في السبعينات : زعماء جبهة البوليزاريو، الطلبة الصحراويون يحصلون على امتيازات : المنحة، التنقل، الحي الجامعي، جزء من خيرات الصحراء، حقوق تم فرضها من طرف المنتظم الدولي، عائدات الصحراء الغربية للصحراويين .

انتهز بعض الصحراويين بتندوف الفرصة، انتهازيون دخلوا للظفر بامتيازات على حساب القضية، يطلقون صرخاتهم الكاذبة، يصنعون لأنفسهم مواقع سياسية وهمية، يروجون كذبة "الوطن غفور رحيم" : تصريحاتهم بالإذاعة والتلفاز، تلهم الانتهازيين، حتى يلتحقوا بالداخل، إلى جانب الصحراويين المتحزبين، المسيطرون على خيرات الصحراء الغربية، المضاربين العقاريين، تجار البنزين والمواد الاستهلاكية : تجار الانتخابات.

في هذه الفترة، كبر الطفل إبراهيم، في التعليم الابتدائي، يعي أن أباه عسكري، خبر معارك الحرب بالصحراء الغربية، بدأت تكبر في ذاكرته، ذكريات إجازات أبيه، الهدايا التي يحملها، حديثه مع أبناء البلدة.

لم يعرف الشباب الصحراوي الثائر : شباب الجبهة، أن نبراسا قد اشتعل، أن مرور 3 عقود من الزمان، ليس إلا لحظة في تاريخ الشعوب : من 1984 إلى 2016 : 32 سنة، هي عمر الشهيد، جزء من الحرب والحرب الباردة بالصحراء الغربية، حرب جديدة بدأت في 1991 بعد وقف إطلاق النار.

الشهيد إبراهيم صيكا في مغامرات في سواحل المعرفة، من أسكا إلى النيل، من أيت باعمران إلى أرض الكنانة، أم الدنيا، مرورا بمراكش الحمراء، بالجامعة، بدهاليز سجن بولمهارز : دروس من تاريخ النضال الثوري تستمر عبر مناضلين صحراويين ثوريين يرفضون الاستسلام للانتهازية الصحراوية، يشقون طريقهم بالجامعات المغربية بعد 30 سنة من مغادرتها من طرف زعماء جبهة البوليزريو، حيث تنتعش حركة الطلبة الصحراويين، ترفض الفساد المستشري على حساب القضية الصحراوية، على حساب تفقير الشعب الصحراوي، وبيع دماء شهداء الحرب، يستلهمون ثورتهم الجديدة من روح الشهيد الولي مصطفى السيد، الذي يسمى خط الشهيد المعارض للمفاوضات السياسية التب قادتها الجبهة.

كانت سنوات ما بين 1991 و 1999 سنوات التحولات السياسية الشكلية للنظام الملكي الدموي، حيث تم التخطيط لانتقال السلطة من ملك إلى ملك بسلاسة، بدءا بما سمي "العفو لسنة 1995"، مرورا "حكومة التناوب" وصولا إلى "طي صفحة الماضي"، بعد العفو عن المعتقلين والمنفيين السياسيين، أغلبهم من الحركة الماركسية اللينينية المغربية، الذين انخرطوا فيما سمي "التجميع"، الفصائل الثلاثة للحركة الماركسية اللينينية المغربية، "إلى الأمام"، "23 مارس"، "لنخدم الشعب".

تم تهيء هذه الشروط بتأسيس "الكتلة السياسية" : التحالف الحزبي بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، وتنظيم الإضراب العام من طرف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب في 14 دجنبر 1990، الذي أسفرت عن شهداء ومعتقلين بعد قمع انتفاضة فاس، وتوقيع اتفاق فاتح غشت 1996 من طرف مؤتمر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والذي يضرب حقوق العمال وانعقاد مؤتمرها في مارس 1997 بحضور وزير الداخلية إدريس البصري، الذي خاطب الكونفدرالية في سابقة خطيرة تؤشر على بيع ما تبقى من حقوق الشعب المغربي علانية.

هكذا تمت شروط تأتيت المشهد السياسي الجديد/القديم الكل شارك فيها حتى جبهة البوليزاريو التي دخلت في سلم مع النظام الملكي الدموي دون ضمانات سياسية تصون حقوق الشعب الصحراوي : دخلت في مفاوضات من أجل تقرير مصير الشعب الصحراوي بلا أفق، فقط الطلبة القاعديين والصحراويين خط الشهيد كانوا خارج هذا المشهد المأساوي.

بدأت هذه المسرحية السياسية، في إدماج تام بين عروض الملهاة والمأساة السياسية عبر ما يسمى "الانتقال الديمقراطي"، المؤامرة السياسية في نسخها الثالثة بعد 1956 و1975 تأتي مؤامرة 1998 تاريخ بداية الشوط الثالث من المؤامرة : الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يقود الحكومة الديمقراطية البرجوازية المزورة، التي افتتحها اليوسفي بمقولة "الكتاب بيني وبين الملك" هذا الكتاب الميتافيزيقي الذي كبل القوى الثورية وأنعش الانتهازية.

تمت هذه الشروط في مؤامرة مكشوفة شارك فيها جميع اليساريين، إلا القلة القليلة منهم، كل بالصيغة التي تحلو له، حتى الماركسيين اللينينينن الذين أدوا ضريبة موقف تقرير مصير الشعب الصحراوي في محاكمة 1977 غاليا، باعوا الموقف بما يسمى "الإنصاف والمصالحة"، الكل يبحث عن موقع ساسي في المسرحية السياسية الجديدة.

لقد استطاع النظام الدموي ترويض جميع السياسيين إلا القلة القليلة منهم تم تهميشهم، خاصة منهم الشبيبة الماركسية اللينينية بالجامعات التي لم تسلم من سموم الاتجاهات الانتهازية الجديدة في الحركة الماركسية اللينينية.

في ظل هذه الشروط الجديدة/القديمة، التي ترعاها الإمبريالية خاصة الفرنسية المستفيدة الأولى من هذه الأوضاع السياسية، برزت سمسرة المواقف السياسية، الكل قابل للبيع والشراء، في ظل نقل مفهوم التجارة في السوق من المجال الاقتصادي إلى المجال السياسي والثقافي، الكل يبحث عن سوق لسلعته السياسية البائرة في المزاد العلني للسلع المستعملة.

في ظل هذه الشروط الجديدة/القديمة ناضل الشهيد إبراهيم صيكا من أجل استنهاض القوى الثورية الشبيبية في صفوف الطلب الصحراويين بالجامعات المغربية.