يا أمريكا أريد أن أكون ملكًا للأردن وفلسطين 5


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 6363 - 2019 / 9 / 28 - 14:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

إسرائيل بين الرعب والذنب

منذ نشأتها، إسرائيل موطنٌ للرعب، أستوديو لأفلام هتشكوك، أجمل مكان للشياطين ينامون فيه تحت مخدات الإسرائيليين، في الليل أحلامهم نتنياهو، وفي النهار أوهامهم حماس وحزب الله، الشعور بعقدة الذنب يطاردهم باتجاهنا كما يطارد نفس الشعور الأوروبيين باتجاههم، فالنازي الذي في هؤلاء لا يرتاح كالصهيوني الذي في أولئك، وللهرب من هذه العقدة المدمرة للنفس يضحك الإسرائيلي، وهو يعرف أنه يضحك على نفسه، يبكي الإسرائيلي، وهو يعرف أنه يبكي على نفسه، يهدد فقط ليهدهد عقدته، وليقول لها أنا قوي، يتآمر فقط ليورط غيره معه في عقدته، وليقول لها أنا وغيري، يتجاهل فقط ليتجاهل عقدته، وليقول لها أنا السلم وأنا الحرب فعن أية عقدة يتكلمون؟



إسرائيل بين الادعاء والبكاء

ادعاء إسرائيل ديدنها، توراتها، حروبها، أطماعها، فتوراتها مزورة، وحروبها مفبركة، وأطماعها من أطماع الإنجليز قبل تأسيسها والأمريكان بعد تأسيسها، هذا ما تعرفه الأرض، ويعرفه الإسرائيليون أول سكان هذه الأرض، إنهم أضعف شعوب الأرض قاطبة، بقنابلهم النووية، فقنابلهم النووية هذه كارثة أخرى من كوارثهم، لأن استراتيجيا الردع اليوم تكنولوجية بالأحرى، والتكنولوجيا قوة لا تكون إلا بالشراكة، لا تكون إلا بالمشاركة، لا تكون إلا بالتشريك، نرجع دومًا إلى مشروعي. هذا عن الادعاء، فماذا عن البكاء؟ يحكي كيسينجر في مذكراته، أن الإسرائيليين في حرب أكتوبر كانوا يبكون، جولدا مائير، موشيه دايان، أبا إيبان... وكانوا يبوسون يديه راجين إياه أن يبوس يدي السادات عنهم ليقبل باقتراحات سلامهم، وعلى الرغم من تنازلاتهم الكبرى التي قدموها، قال لهم كيسينجر السادات لن يقبلها، وليقبلها سأقدم له خطة سلام قوية سيناء لا، جيش مصري فيها لا، تطبيع نعم، تركيع نعم، خطة سلام سيرفضها السادات، فأعرض عليه الخطة البديل، خطة الإسرائيليين الباكين. غير أن المذهل في الأمر أن السادات قبل خطة فيها كل التنازلات التي يعرفها العالم، وبأي حق ذاك القذر الديكتاتوري الأقذر من هذا القذر الديكتاتوري يخضع شعبه؟ ومن العجب العجاب –كما كانت تقول ماما- عندما عاد كيسينجر إلى الخرعين، وأخبرهم بما حصل، انتفخت أرياشهم، وبدأوا يقولون، وقناة السويس، وموانئ الاسكندرية، وبترول سيناء... وهم إلى اليوم يسيرون على نفس الطريقة السافلة. يبكون لضعفهم الموضوعي، ثم يتشاطرون على ضعف غيرهم، وعندما يدعوهم داعٍ مثلي إلى الإبداع لقوة مناطقية لقوة منطقية، يفضلون الضعف على القوة، القوة المبدعة لا القوة المبكية.



أمريكا بين العملاء والنبلاء

كارتر الرئيس الأمريكي العراب لاتفاقيات مخيم داوود، كشف في حديث له عما أذهلني في ذلك الوقت، ولا حاكم عربي زاره وحكى عن فلسطين، كلهم يريدون أسلحة! والأسلحة لا سمح الله ليست لتحرير فلسطين، لقمع شعوبهم. أولئك العملاء عاملهم كارتر، ومثله كل الرؤساء الأمريكيين، معاملة الكلاب، ونظر إليهم، ومثله كل الرؤساء الأمريكيين، نظرة الاحتقار. ومن هذه الناحية، يضيف كارتر أنه أثناء مفاوضاته مع بيجن والسادات كم من مرة انتهر فيها السادات وصاح به ليقبل هذه النقطة أو تلك والسادات يرتعد من شدة الخوف، ذاك الديكتاتور على شعبه المرعب المتجبر، ليتعوض عن جبنه وخذلانه. أما النبلاء الذين هم مثلي، والذين هم الجديرون بالعمل معهم، وبفهمهم، وبقبول إستراتيجيا النفوذ بشروطهم التي هي الشروط الأمريكية، فكل الطرق تؤدي إلى روما حينما تكون شروط الجميع واحدة كالفوائد واحدة والمصالح، أما النبلاء الذين هم مثلي، فقد اكتفى أوباما بإدراج إيميلي الحامل لخطة سلامي الأولى إليه في قائمة إيميلاته، ليرسل لي رسالته الدورية الموجهة للأمريكيين ولمراسليه في العالم، وقالت لي كلينتون إنها ستدرس مطالبي، وحتى الآن هي تدرس! في الواقع، هناك عقلية سائدة يجب أن تتبدل بعد أن جربت أقوى قوة في العالم كل ما قدرت عليه من حروبات وابتزازات واستنزافات دون أن ينفع أي شيء اللهم سوى الانهيار البطيء للنظام العالمي الذي هو النظام الأمريكي. أنا لم أكن يومًا ضد أمريكا المبدعة، إنا ضد استراتيجيتها المبغضة، ولتبديل هذه الاستراتيجية في الشرق الأوسط هناك قوس قزح مؤسستي، وهناك ضماناتها لأمريكا ولكل دول المنطقة.