القرآن محاولة لقراءة مغايرة 19


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 6363 - 2019 / 9 / 28 - 10:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

[email protected]o
يُخادِعونَ اللهَ وَالَّذينَ آمَنوا وَما يَخدَعونَ إِلّا أَنفُسَهُم وَما يَشعُرونَ (9)
هنا يوصف المنافقون - حسب نعت القرآن لهم - كونهم يمارسون مخادعة لله وللمسلمين. وهذا الوصف لا يمكن أن يكون موضوعيا، خاصة في شقه الأول، نعم في شقه الثاني، أي كونهم يخادعون المسلمين، هذا يمكن أن يكون صحيحا، ولكن لا معنى لكونهم ينوون خداع الله، لأننا إذا افترضنا أن المنافقين المقصودين في هذه الآية هم إما المؤمنون بالله غير المؤمنين باليوم الآخر، أو غير المؤمنين بكليهما، لأن عدم الإيمان بالله يترتب عليه بالضرورة عدم الإيمان بما يتفرع عنه، أي اليوم الآخر، أو هم مؤمنون بالله واليوم الآخر، ولكن غير مؤمنين بمحمد والقرآن والإسلام. فالذي يؤمن بالله خالقا فقط، ولا يؤمن باليوم الآخر أي بالله مُجازِياً في حياة أخرى، وبالتالي باعِثاً للناس بعد موتهم، لا يمكن له أن يتظاهر أمام الله بإيمانه باليوم الآخر ويحاول بالتالي خداع الله، وأما إذا كان أصلا لا يؤمن بالله، فما معنى أن يحاول خداع الله، أي خداع كائن لا يؤمن أصلا بوجوده؟ وأما إذا كان مؤمنا بالله وغير مؤمن بالإسلام، فهو لا يحاول خداع الله بإيمانه الظاهر بالإسلام، لأنه لم يقتنع أصلا بكون الإسلام دين الله. نرجع بمسألة خداعهم للذين آمنوا، وحسب اللغة القرآنية فإن مصطلح (الذين آمنوا) إذا ورد مجردا بدون إضافة فيعني (الذين آمنوا بالإسلام)، وهكذا بالنسبة لمصطلح (الذين كفروا) إذا جرد فيعني الكافرين بالإسلام، أو لنقل غير المؤمنين به. أقول مخادعة المسلمين أمر وارد نظريا ومتحقق في الواقع فعلا حسب الروايات، ومن غير شك هناك نوعان من هؤلاء المنعوتين بالمنافقين، فهم إما متظاهرون بالإسلام خوفا من المسلمين، أو هم متظاهرون بالإسلام طمعا في الامتيازات، لاسيما من خلال غنائم الحروب سواء الدفاعية أو الابتدائية أي الهجومية، أو ما يسمى بالغزوات أو الفتوحات الإسلامية، أو حتى طمعا بالجاه الاجتماعي، خاصة لمن كانوا ذوي جاه قبل الإسلام، ولم يريدوا أن يفقدوا ذلك الجاه الاجتماعي، بعدما أصبح الإسلام أمرا واقعا يهيمن على الواقع الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ولكن القرآن يضع الجميع في سلة واحدة ناعتا إياهم بالمنافقين، ومحتقرا إياهم اجتماعيا في الدنيا، ومتوعدا إياهم بأقسى ألوان العذاب أخرويا. وهذا ناتج عن الحالة النفسية لصاحب الدعوة، الذي لم يتحمل كما يبدو من لم يؤمن برسوليته من المشركين وأهل الكتاب لاسيما اليهود، بل حتى المسيحيين، والحنفاء.