من تكتيك عمل الثوريين إزاء تسلط بيروقراطيات النقابات (*)


ليون تروتسكي
2019 / 9 / 26 - 22:27     

أيها الرفاق الأعزاء

لا تزال مسألة العمل في النقابات تكتسي أهمية استثنائية في كل البلدان. وتُطرح في الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة على نطاق كبير في لحظة حيث الاضطراب سمةُ لكل حياة الأمة الاقتصادية والسياسية، وحيث تعطي سياسة الحكومة دفعا للحركة النقابية(1). ومن المحتمل المستبعد جدا أن تدوم ليبرالية الحكومة إزاء النقابات أمدا طويلا، دون الحديث عن سياسة التخطيط الراهنة بوجه عام. ويمكن القول بجميع الأحوال، وبكل يقين، إن ليبرالية الإدارة إزاء النقابات لن تتحول فجأة، فيما يخص البيروقراطية النقابية، إلى ليبرالية إزاء الشيوعيين. بل على العكس تماما، فليس فقط عقلية غرين ومن معه(2) الرجعية من سيضاعف الهجمات ضد الجناح الثوري، بل حتى البيروقراطية “التقدمية” للنقابات(3)، كي تُبينا معا للبيت الأبيض أنهما تستحقان كليا تمويله ودعمه. يكمن الخطر الكبير في أن ينساق الشيوعيون من جديد، في حقبة اهتياج الجماهير العميق وتطور النقابات هذه، إلى الانعزال عن المنظمات النقابية(4). ويسهل على البيروقراطيين بلوغ ذلك بقدر ما أن البيروقراطية الستالينية لوثت سمعة الشيوعية بأنظار العمال بسياستها القائمة على الإنذارات والأوامر والعجز، وسنكون نحن أيضا عرضة للتشويه.

أينما يجري طرد الشيوعيين من النقابات، وأينما قد يُطردون منها مستقبلا، ليس جائزا وحسب، بل واجبا، عدم إظهار راية الشيوعية قبل الأوان، بل القيام بعمل ثوري “متكتم”. رُبَّ معترض بأن هكذا منهجية عمل تنطوي على مخاطر، إذ أن إخفاء الراية قد يؤدي بالمنظمة إلى نسيانها. فالتكيف مع عدو أو مع الآراء المسبقة لدى الجماهير ينطوي بذاته على خطر انحطاط إلى الإصلاحية. كل هذا صحيح. يجب على الحزب، بما هو حزب، أن يعمل مرفوع الراية وأن يسمي الأمور بأسمائها. لكننا لا نقصد، في الحالة التي تشغلنا، الحزب (الرابطة(5)) بل فيالقه النخبوية التي تعمل داخل نقابات معادية(6). إن الأمر مغاير تماما. لا يمكن طبعا للشيوعيين العاملين في النقابات التنكرُ بأي وجه لحزبهم، أي إتيانُ تصريحات مناقضة لبرنامجه وقراراته. لكن، لا شك أن المناضل الشيوعي داخل النقابة ليس مجبرا أن يقول ما يقولُ الحزب بما هو حزب. وليس مرغما على إعلان صفته الشيوعية(7).

يجب على الحزب أن يشرح بتفصيل في صحافته، وفي التجمعات الجماهيرية، وفي اجتماعات المضربين والجموع العامة للنقابات، ما قد يستحيل على الشيوعيين داخل النقابات قولـُه في لحظة ما. لا غنى عن تنظيم قسمة عمل تتيح تكامل مختلف عناصر المنظمة السياسية.

لا يعني هذا، طبعا، إمكان أن يقرر الشيوعيون العاملون داخل النقابات، من تلقاء أنفسهم، سياسةَ عملهم في النقابات: إن المنظمة السياسية بمجملها هي من يمتلك القرارَ بشأن الجائز والمرغوبِ من أشكال التكيف مع وضع النقابة. بقدر ما تتزايد صعوبةُ العمل الثوري في النقابات، بقدر ما يجب أن تكون رقابة الحزب على أعضائه في النقابات منظمةً بدقة وصرامة. لكن هذا الرقابة قد تكون- ويجب أن تكون في معظم الحالات- سريةً كليا.

صحيح أن العملَ “المتستر” في النقابات قد يؤدي، حتى عند وجود هذه الرقابة، إلى تضييق الأفق وخفض المستوى الثوري. وما من وسيلة لاتقاء ذلك غير ما يلي: يجب على الشيوعيين ألا يكونوا مجرد نقابيين، بل أن يعملوا أيضا في الحزب، خارج النقابات، سريا عند الضرورة كي لا يُعرضوا أنفسهم لشبهة إزاءها.

صرح الستالينيون، في حالات عديدة، أنهم قد يقبلون العمل داخل النقابات، لكن بشرط منحهم من البداية حق تشكيل تكتلاتهم الشيوعية. إن هكذا “شروط” مضحكة: مطالبة البيروقراطية النقابية التي تطارد الشيوعيين بأن يستفيد هؤلاء من رفاهة عمل تامة؛ مع التهديد، في حال رفض من البيروقراطيين، بالإضراب، أي الكف عن قبول القيام بعمل ثوري، إنها سخافة جلية. يجب أن نعرف كيف نعمل بلا رفاهة في النقابات، وبلا ترخيص من البيروقراطية.

جلي أنه يجب على الشيوعيين أن يتجمعوا في تكتل، لكن يجب على هذا التكتل، مع اشتغاله على أساس انضباط صارم، أن يتفادى بجميع الأحوال البروزَ كتكتل إنْ اتضح أن الظروف غير ملائمةٍ- وهي كذلك في معظم الحالات.

وجلي وجوبُ أن تكون للحزب أرضيةٌ للعمل النقابي في حقبة معينة. ويجب التعبير عنها بلغة النقابيين بنحو يتيح السيرَ بالجماهير قُدما بصورة أَوْكد. وسنتجنب بنحو أفضل ما نسميه “الاقتفائية” – هذا الخطر الحقيقي والجدي جدا- بقدر ما يُكمل الحزب برمته عمل تلك التكتلات النقابية.

وجليٌّ من جانب آخر وجوب أن يتواصل عمل بهذا القدر من الحيطة داخل النقابات حتى يتمكن الشيوعيون من إتيان الحجة للعمال على أنهم ليسوا بيروقراطيين ستالينيين، ولا انذاريين أغبياء، بل محاربون جديون وأكفاء يمكن التعويل عليهم، ومن ثمة جديرون بالثقة. وبقدر ما يكبر تأثير التكتل الشيوعي بقدر ما سيستطيع رفع راية حزبه بجرأة وعلانية.

نأمل بصدق أن تصادقوا على هذه الاعتبارات الأساسية.

ليون تروتسكي

23 سبتمبر 1933

المصدر: Léon Trotsky- Œuvres, tome 2 Juillet1933-Octobre1933 . Paris EDI .1978

صفحات 218 إلى 221

ترجمة : جريدة المناضل-ة

===========

[*] – عنوان النص الأصلي : مشاكل النقابات في أمريكا.

صدر بالعدد 1 ، السلسلة الجديدة من النشرة الدولية للرابطة الشيوعية بأمريكا (المعارضة اليسارية) International Bulletn , Communist League of America . كتب هذا النص يوم 23 سبتمبر 1933 ونشر بتوقيع اجتماع كامل الأعضاء، الذي صادق عليه ووضع له تاريخ 25، في شكل رسالة من الأمانة العالمية إلى فرعها الأمريكي.

1- كان وصول فرانكلين ديلانو روزفلت (1882-1945) إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية قد فتح حقبة سياسة نيو ديل، المطبوعة خاصة في مايو بتبني National Industrial Recovery Act الذي يقر في بنده 7a بحق العمال في التنظيم النقابي، وانتخاب ممثليهم والتفاوض حول اتفاقات جماعية.

2- وليام غرين William Green (1873-1952) عامل مناجم سابق، أصبح مداوما نقابيا، ثم رئيس فدرالية العمل الأمريكية AFL في 1924 خلفا لسامويل غومبرسSamuel Gompers ، مواصلا سياسة “الغومبرسية” الأشد ضيقا، محاربا تنظيم نقابات الصناعة ومشاركا في “مطاردة الحُمر”.

3- كان جناح النقابات “التقدمي” يتجسد في بيروقراطيين نقابيين مرتبطين بتنظيم العمال غير المختصين في نقابات صناعة: دافيد دوبينسكي David Dubinsky (ولد عام 1892)، رئيس الاتحاد الدولي لعمال الملابس ILGWU (خياطو ملابس نساء)، وسيدني هيلمان Sydney Hillman (1887-1946) رئيس Amalgamated Clothing Workers وخاصة آخر منضم John L.LEWIS (1880-1969) من نقابة عمال المناجم UMW .

4- في أثناء “الحقبة الثالثة” كان شيوعيو الولايات المتحدة الأمريكية تخلوا عمليا عن العمل في النقابات المنضوية تحت لواء فيدرالية العمل الأمريكية AFL محاولين تشكيل “نقابات حمراء” تحت لواء رابطة الوحدة النقابية Trade Union Unity League .

5- Communist League of America

6- سيصبح أحد تلك “الفيالق” ذائع الصيت: ذلك الذي شكله داخل المقر574 لأخوية عمال الشاحنات في فيدرالية النقابات الأمريكية في مينيابوليس قدماء المعارضة الشيوعية : Carl Skoglund(1884-1961) و الإخوة Dunne الثلاثة و grant(1894-1941) و Miles(1896-1958) وVincent(1889-1870).

7- في هذا التاريخ تقريبا، باشر فاريل دبس Farrell Dobbs أحد تروتسكيي المقر 574 سائلا إياه إن كان “شيوعيا” بقصد أن يصبحه هو أيضا (انظر كتابه Teamster Rebellion ص 24(