الحرس القديم - حب عربي 10-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 6357 - 2019 / 9 / 21 - 00:56
المحور: الادب والفن     

في الطب النفسي: لا مجال للاختصارات.. تفسيراته بحدود الروح، و الروح لا حدود لها…
لذلك يبدع أطباء النفس في غزل الحكمة، فيبتعدون كل البعد عن التأكيد في القول، و عدم الشك في الحلول.

السذج فقط يعطونك حلاً قطعاً لمشكلتك، بينما في الحقيقة لا يحلّ مشكلتك إلاك بمساعدة الطبيب النفسي و ذوي الخبرة لا مفرطي الثقة بنفسهم و حلولهم.

الثقة بالنفس جميلة، لكن معرفة حدودك أجمل..
الإيمان بقدراتك يعطيك الشجاعة، لكن وعيّك الذاتي يغزل الحكمة، و الشجاعة بلا حكمة تختصر تعريف الأخرق.

****************

“الرئيس عظيم.. الشعب هو الملعون” :

هذه أشيع عبارات المنتفعين من حكم ما.. المنتفعون هم غالباً ما يسمى “الحرس القديم”.

يشيع عند العرب مصطلح “الحرس القديم”، للدلالة على نظام حاكم مخترق بفعل نظام قبله -أحياناً-…

الحرس القديم كالسوس.. ينخر في جسد الوطن بما بليّ و اهترئ من القوانين و العادات.. لا يستطيع حاكم ما أن ينصر حقاً أو يغيّر من حال بلده إن لم ينزع سوس “ الحرس القديم”.. عاداته.. و فنونه من جسد القانون و الواقع.

مثال بسيط:
تعود الحرس القديم في بلاد الواق واق على السرقة، بناء القصور و تجويع الشعب.. هذا عرف و عادة متأصله…
إذا ما تغيّر شخص الحاكم فقط و بقي حرسه القديم، سيستمر هذا العرف..
لا و أكثر سيصبح الحاكم - بحكم الظروف- فرداً من مجموعة “ الحرس القديم”، فتشاهده و قد غيّر أقواله، بدّل ألوانه و أصبح مثل من قبله..

الدولة التي تدعيّ تغييراً، دون تغيير جذري في القانون و القيادات، لا تتعدى مجال الأمنيات الحالمة في زمن كوابيس الأطفال الجائعين.

هذا الكلام لا ينطبق فقط على دولتكَ أو دولتهِ..بل على كل دولة عربية لغت الطبقة المتوسطة، و تحوّل مجتمعها إلى طبقة أغنياء محدودة و طبقة فقراء تمثل الغالبية.. و إن قلنا جميع دول العرب مصابة بهذا الداء اللعين، لا يصيبنا خطأ التعميم.

النفس البشريّة تحمل حرساً قديماً أيضاً.. عادات اكتسبتها بفعل الطفولة، الظروف، البيئة الاجتماعية و الاقتصادية.. في تلك الحالات لا يستطيع أي طبيب نفسي أن يسيطر على أعراض المرض الحالية من دون نبذ الحرس القديم.. أو تفنيده، أو أقلّها إخضاعه لقانون العقل و مجهر التحليل.

نحن لا نحتاج ثورات شعوب جديدة، بل ثورات أفكار، و إطلاق العنان لعقولنا لتعمل في كل شيء، فنحرر العقول قبل الدول من الحرس القديم..
********************


“إلى الأبد” لرئيس ما.. و “نفديك يا ريس” لملك آخر:

عندما تُقهر إرادة إنسان ما، و يفرض عليه بحدّ السيف الولاء لشخص ما.. فإما أن يثور أو أن يتحوّل إلى متزلف منافق من الطراز الرفيع.. هذا -في جزء كبير- ما يسمى التكوين العكسي- Reaction formation و هو أحد دفاعات الأنا غير الناضجة التي تُدرس بعمق في الطب النفسي.

مثاله: عندما يكره باسم مديره في العمل أو يعتقد أن هذا المدير أبله و (عبيط) في لاوعيه أو وعيه.. قد تجده يحتفي به عندما يراه و يمطره بوابل المديح.. مع الانتباه إلى أن باسم قد يعرف أو لا يعرف بأنه يكره مديره و بأنه يمارس أحد دفاعات الأنا..
أجل لا تتفاجؤا كثير ممن يقولون بالروح .. بالدم و نفديك يا ريس لا يعرفون أنهم في لاوعيهم يحتقرون أو يكرهون هذا الملك أو ذاك المدير…

التأليه للملوك و عبادة الحكام ليست فعل وعي أو عقل، بل حتماً غرائز و لاوعي.. و دفاعات أنا…

العقل يقول بأن كل بني آدم هو خليط من الصح و الخطأ.. من الإيجابيات و السلبيات.. و الحكام هم خدم الشعب و يعملون عنده، فإما يعملون بضمير ، يبنون بيوت العلم و يفتحون بيبان العقل، فينقذون الجاهل و الفقير أو يريحون كروشهم و يسلمّون البلاد إلى الحرس القديم…

-من سيدفع الفواتير؟
- حتماً نحن.

-هل نستطيع النجاة؟
-حتماً نعم.

-كيف ننجو؟
-بإعمال العقل، و جعل الجميع و أولهم الحاكم تحت مجهر الطب النفسي، و حكم قانون حقيقي.. بنبذ الحرس القديم في دواخلنا و دولنا.


يتبع…