خمسة أسباب تجعل الثورة الاشتراكية ضرورة

بينوا تانغواي
2021 / 11 / 9 - 09:24     

إنها أوقات كئيبة. الاضطرابات النفسية، وخاصة الاكتئاب، تعرف تزايدا سريعا، خاصة بين صفوف الشباب. يزعم بعض الصحفيين الخبثاء أن الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي هي المسؤولة، مما يجعل المرء يعتقد أنهم لا يقرؤون الصحف. لكن القاء مجرد نظرة على الأخبار تكفي لفهم أسباب المزاج السيء الذي يسود بين الشباب، فكل يوم نشهد هجوما جديدا على الظروف المعيشية للطبقة العاملة، وكل يوم نشهد حربا جديدة، أو مذبحة جديدة على يد يميني متطرف، أو كارثة طبيعية بسبب تغير المناخ…


تبدو الرأسمالية المعاصرة وكأنها مسخ خرج من رواية رعب. وككومة من النفايات النتنة التي لم يتم التخلص منها كما يجب، يتسبب المجتمع الرأسمالي في انتشار أسوء الأمراض. لكن لحسن الحظ فإن انحطاط النظام الرأسمالي لا يتسبب فقط في نشر السخط بين الشباب، بل يتسبب أيضا في تنامي المشاعر الثورية. لقد أصبح المزيد من الشباب يدركون الحاجة إلى الكفاح من أجل الإطاحة بهذا النظام المفلس، وأنه قد حان الوقت لرميه في مزبلة التاريخ. إننا نحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى ثورة تطيح بهذا النظام الاقتصادي قبل أن يتسبب في تدمير كل الحضارة الإنسانية.

وبالنسبة لأي شخص ما تزال لديه شكوك في ضرورة الثورة، ها هي خمسة أسباب تثبت ضرورة القيام بها:

1) الرأسمالية نظام في أزمة دائمة

قد يهنئ السياسيون البرجوازيون [في البلدان الرأسمالية المتقدمة]، وعملاؤهم في وسائل الإعلام، أنفسهم على انخفاض معدل البطالة وعلى ما يفترض أنه انتعاش اقتصادي، لكن الحقيقة هي أن فترة الانتعاش التي نمر بها الآن لن تستمر طويلا. إن الاقتصاد العالمي بالكاد تعافى من تلك الأزمة الاقتصادية التي ضربته خلال 2008-2009، وقد بدأ الخبراء الاقتصاديون يعلنون بالفعل أن الركود يقترب. أسواق الأسهم مضطربة والمستثمرون حذرون. وألمانيا، التي تعتبر واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، مهددة بركود خلال الربع القادم، مما قد يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل عبر العالم بأسره. كانت الحكومات قد عالجت الأزمة الأخيرة من خلال إنقاذ البنوك بمليارات الدولارات، التي تم الحصول عليها عن طريق المديونية الهائلة. واليوم أصبحت الدول مثقلة بالديون، كما أن الأبناك المركزية خفضت أسعار الفائدة لتسهيل الاقتراض وتعزيز الاستهلاك والاستثمار. لكن معدلات الفائدة في الاقتصادات الكبرى قد صارت بالفعل في أدنى مستوياتها. لذا فعندما ستضرب الأزمة القادمة، ستكون الحكومات عاجزة أمامها. سوف تتخذ تلك الأزمة أبعادا هائلة، وكما هو الحال دائما فإن الناس العاديين والعمال والطبقات الفقيرة والشباب هم الذين سيعانون من تبعاتها. بينما سيواجه الرأسماليون الركود من خلال التقليل من سفرياتهم بطائراتهم الخاصة وتخفيض شربهم للشمبانيا.

2) الرأسمالية نظام ينتج اللامساواة

إن ما يسمى بالانتعاش الاقتصادي الحالي هو في الواقع مجرد وهم. فعلى الرغم من استعادة بعض النمو، فإن الانتعاش الحالي هو أضعف انتعاش شهده الاقتصاد منذ الحرب العالمية الثانية. هناك بالفعل وظائف، لكن أي نوع من الوظائف؟ لاحظت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) العام الماضي أن “الارتفاع الذي تحقق في مجال التوظيف قد طغى عليه ركود غير مسبوق في مستوى الأجور”. في الواقع لقد استمرت الأجور الحقيقية للعمال في البلدان الصناعية راكدة منذ ثمانينات القرن الماضي. وبينما تعرف ظروفنا المعيشية وشروط عملنا جمودا أو حتى تدهورا، والتقشف يقضي على ما تبقى من مكتسباتنا الاجتماعية، فإن الثروة تتراكم بوتيرة متسارعة في أيدي الرأسماليين. وفقا لأحدث بيانات منظمة أوكسفام، يمتلك 26 من أكبر الأغنياء في العالم ثروات تساوي ما يمتلكه نصف سكان العالم الفقراء. وفي حين أن حفنة من الأفراد تعيش في ترف فاحش، فإن معظمنا ليس لديه ما يتوقعه من الحياة سوى تكريس القسم الأكبر من وقته لرب عمل في وظيفة محبطة، مقابل أجرة هزيلة، إلى أن يسقط صريعا بسبب هذا المرض المسمى رأسمالية. ليس للرأسمالية ما تقدمه للعمال والشباب سوى حياة من الاستغلال من أجل تسمين أرصدة أرباب الأعمال.

3) الرأسمالية نظام عنيف

في حين يوزع حكامنا ابتساماتهم الجميلة في الداخل أمام عدسة الكاميرا، فإن حكوماتنا ترتكب في أماكن أخرى من العالم أسوأ أعمال العنف الإمبريالية. تفرض تلك الضباع في وول ستريت ولندن وباريس وموسكو وبكين والرياض… حالة حرب دائمة في الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من أفريقيا، وترسل ملايين الناس ليلقوا حتفهم عوضا عنها من أجل تحديد من منها سيمتلك هذا السوق أو ذاك أو هذا الحقل النفطي أو ذاك. أدى الغزو الإمبريالي للعراق في بداية الألفية إلى موت مليون عراقي، كما أدى تدخل حلفاء الولايات المتحدة في سوريا، عبر تمويلهم لمختلف فصائل الأصوليين الدينيين، إلى إحداث فوضى هائلة وقتل أكثر من نصف مليون شخص وتشريد الملايين. وليبيا، التي كانت بلدا حديثا نسبيا ومتطورا، إلى حد ما، قبل ما يسمى بالتدخل الإنساني للولايات المتحدة وكندا وفرنسا والمملكة المتحدة في عام 2011، صارت اليوم سوقا كبيرا مفتوحا للاتجار في البشر كعبيد. ثم هناك اليمن التي دمرتها المملكة السعودية، بمساعدة الرؤساء الغربيين والأسلحة التي باعوها لها. من يدري ما هو البلد القادم الذي ستتم إعادته مائة عام إلى الوراء على يد أمير حرب تموله المخابرات الأمريكية؟ إن الرأسمالية المتعفنة وجشع الإمبرياليين ومصنعي الأسلحة للأرباح ينتجان الحروب بوتيرة متسارعة.

4) الرأسمالية نظام يغذي الانقسامات

لا بد لهؤلاء الملايين من الأشخاص الفارين من تلك الحروب أن يلجأوا إلى مكان ما. يهاجر ضحايا الحروب الإمبريالية إلى أوروبا على وجه الخصوص، حيث يُستقبلون بالأسلاك الشائكة ومعسكرات الاعتقال. ومع تدهور الظروف المعيشية للطبقة العاملة والفقراء في أوربا، يوجه السياسيون الرأسماليون أصابع الاتهام إلى هؤلاء المهاجرين ويحملونهم مسؤولية المشاكل التي خلقها هؤلاء السياسيون الرأسماليون أنفسهم. إنه تكتيك قديم قدم العالم: فرق تسد. فمن أجل تفادي غضب الجماهير ومنع نمو المشاعر الثورية، يسعر الرأسماليون نيران كراهية الأجانب وينشرون أشد الأفكار الرجعية بشاعة. وقد بدأت مشاعر العنصرية وكذلك التمييز الجنسي والتمييز ضد الجنس مثليين وضد المتحولين جنسيا، وما إلى ذلك من المشاعر التي يعتقد بعض الليبراليين الساذجين أنها اختفت، تعرف تصاعدا سريعا بين بعض شرائح السكان اليوم. صارت شرذمة اليمينيين المتطرفين تخرج أكثر فأكثر إلى العلن، وأصبحت أكثر جرأة. وقد تعرضت الولايات المتحدة مؤخرا لموجة من الهجمات اليمينية المتطرفة، كما أن بقية البلدان الأخرى ليست محصنة ضد هجمات مماثلة، كما يتضح من خلال الأحداث المؤلمة التي عرفها مسجد مدينة كيبيك في يناير 2017. عرف الحق في الإجهاض في الولايات المتحدة سلسلة من التراجعات هذا العام، وقد انتهز عدد من السياسيين في بلدان أخرى الفرصة ليقولوا إنهم يريدون فعل الشيء نفسه. كما نشهد تصاعد مناخ من الكراهية العنصرية، حيث يغذي الصحفيون والسياسيون الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين ويعتمدون ما يسمى بقانون العلمانية لمحاربتهم. في ظل الرأسمالية تتعرض مكتسبات النساء والأقليات المضطهدة للتدمير الممنهج. إن الرأسمالية نظام عنصري وقمعي ومتحيز جنسيا، تقوده طبقة محافظة وكارهة للأجانب.

5) الرأسمالية نظام يدمر الكوكب

وبينما تكرس الطبقة الحاكمة طاقاتها ومواردها لاضطهاد المهاجرين ومناقشة “قضايا” سخيفة مثل ارتداء الرموز الدينية، فإن الكوكب يحترق فعليا. الأمازون، رئة الأرض، تحترق، وقادة العالم لا يفعلون شيئا. الأنهار الجليدية تذوب، وكل عام يتم تحطيم أرقام قياسية في ارتفاع درجات الحرارة، وتختفي الأنواع الحيوانية والنباتية بمعدلات تنذر بالخطر، كما أن المحيطات صارت مكبات نفايات ضخمة، لكن الأرباح تواصل الارتفاع. يسيطر الرأسماليون على مفاتيح الاقتصاد، ويحتكرون الثروات الهائلة والموارد والصناعات التي يمكن استخدامها لتطوير التقنيات الخضراء وشبكات نقل عمومية نظيفة، وإعادة توجيه الإنتاج بطريقة تحترم التنمية المستدامة. إلا أنهم لا يفعلون شيئا على الإطلاق، ويواصلون استغلال هذا الكوكب لإثراء أنفسهم أكثر فأكثر. تتمثل حلولهم الوحيدة في مطالبة العمال والفقراء بتقديم المزيد من التضحيات، يقولون لنا: تناولوا كميات أقل من الطعام، وقللوا من استخدام سياراتكم وقللوا من فترات الاستحمام، وما إلى ذلك. لقد أبان الرأسماليون عن عجز تام عن حل الأزمة البيئية. لقد حان الوقت للتخلص منهم وإدارة الاقتصاد بطريقة صديقة للبيئة. إن الرأسمالية تدمر الكوكب: فلندمر الرأسمالية!

نحن بحاجة إلى ثورة اشتراكية!

من المحتمل أن يقول العديد من القراء إنهم يعرفون كل هذه الأشياء بالفعل، وهناك المزيد أيضا. نحن جميعا نتابع آخر الفظائع وهي تحدث مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونشاركها عبر صفحاتنا بمرارة وبغضب حينا وبلا مبالاة حينا آخر. نعرف في أعماقنا أنه لا يمكن لهذا أن يستمر وأنه يجب القيام بشيء ما. نعلم جميعنا بشكل غريزي أنه في مجتمع منظم بطريقة عقلانية، سنتوقف عن تكريس الموارد لإنتاج الأسلحة، وسنطفئ حرائق الغابات وسنحقق التوازن البيئي، وسنضع حدا للفقر والجوع والحروب. لكن وفي الوقت نفسه يشعر الكثير من الناس أنه لا يوجد أمل وأنه لا يمكن فعل الكثير لتغيير الوضع. في الحقيقة إذا لم يكن بالإمكان فعل شيء، فذلك لأن المجتمع الحالي منظم بطريقة تجعل من غير الممكن فعل أي شيء. جميع القرارات المهمة يتم اتخاذها من قبل أصحاب الأبناك والمحامين والصناعيين الذين يحركون الخيوط من فوق. ومع ذلك لا ينبغي لنا أن نيأس. وبدلا من اليأس أو الانتظار بشكل سلبي حتى تتغير الأوضاع بطريقة سحرية ما، علينا أن ننظم قوانا. إن الثورة هي بالتحديد تنظيم القوى من أجل التخلص من هذه الطفيليات التي تعيق إقامة مجتمع عقلاني. لدينا، نحن العمال والناس العاديون، كل المصلحة والقدرة على إدارة المجتمع بأنفسنا، لصالح الغالبية العظمى، وليس لصالح الأقلية كما هو الحال الآن. هذا هو البديل الذي تقترحه الاشتراكية.

بينوا تانغواي
05شتنبر 2019