الشعب العربي في اليمن والأمم المتحدة


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 6347 - 2019 / 9 / 10 - 03:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تحاول الأمم المتحدة في ما تصدره من تقارير أن تبرىء ذمتها من مواقفها ومواقف مسؤوليها ومنظماتها عما لحق بالشعب اليمني منذ بداية العدوان عليه وتدمير دولته وتفتيت قواه السياسية والتآمر على حاضره ومستقبله. وقد تصب تقاريرها الأخيرة في هذا المسعى أو المحاولة وتكون بكل ما لها وعليها وسيلة رسمية، ارضية لتثبيت نتائج ودليلا لكشف وقائع وكوارث لا تنتهي بنهاية كل تقرير والإعلان عنه في وسائل الإعلام المختلفة، وما فيه من الطرح الخجول بخلط الأوراق فيه لتضييع البوصلة وعدم تحديد وتحميل المسؤولية القانونية والتاريخية. أن شعب اليمن تعرض لمأساة حقيقية تفرجت عليها الأمم المتحدة واسهمت قواها المؤثرة في صب الزيت على نيرانها. وليس عنوان تقريرها الاخير الا شاهد صارخ وإدانة لها اولا ولما حدث وحصل ثانيا. فإن يحمل التقرير عنوان: اليمن: فشل جماعي، مسؤولية جماعية، محاولة أخرى للتهرب من تحمل المسؤولية اساسا ومن ثم توزيعها بهذا الشكل الجماعي ويقدم حالة هروب إضافية من الواقع والوقائع والأحداث. التقرير الاخير نشر إعلاميا في مطلع الشهر، 3 ايلول/ سبتمبر 2019 والذي يكشف وقائع حدثت على الأرض ويحاول التهوين من قدرة المنظمة الدولية على وضع النقاط على الحروف، والابتعاد عن مسؤوليتها القانونية والأخلاقية، واعادة ما حصل سابقا من تغيير اعتباراتها وبياناتها ولائحتها السوداء. ورغم ذلك فإن ما نشر علنا يعري الصورة واطارها ويتطلب من الأمم المتحدة الوقوف أمامه ومحاكمة أسباب ونتائج ما حدث والعمل على وقف الحرب فورا وإعادة بناء الدولة واحترام حقوق الشعب العربي في اليمن كاملة. فما أشير له من أن التقرير "بشأن اليمن يفصّل مجموعة من جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبها أطراف النزاع المختلفون خلال السنوات الخمس الماضية، من خلال الغارات الجوية، والقصف العشوائي، والقناصة، والألغام الأرضية، فضلاً عن القتل والاحتجاز التعسفيين، والتعذيب، والعنف الجنسي والجنساني، وإعاقة الوصول إلى المساعدات الإنسانية في خضم أسوأ أزمة إنسانية في العالم" ماذا يعني كل هذا، وماذا أرادت المنظمة الدولية ومنظماتها من نشر هذا التقرير؟!.
وكأنه أمر جديد أو مستغرب أن يخلص فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين المستقلين بشأن اليمن الذي شكّله مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، (في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2017، وعيّن السيد كمال الجندوبي (تونس) رئيسا، والسيد تشارلز غارواي (المملكة المتحدة) خبيرا، والسيدة ميليسا بارك (أستراليا) خبيرة. وفي أعقاب تقديم التقرير الأول للفريق إلى الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان (A / HRC / 39/43) في أيلول/ سبتمبر 2018، جدد القرار 39/16 ولاية الفريق لمدة سنة أخرى، وطلب تقديم تقرير ثان في الدورة الثانية والأربعين لمجلس حقوق الانسان في أيلول/ سبتمبر 2019). إلى أن الذين تسببوا في الكارثة قد استفادوا من "غياب المساءلة"حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وبعد كل ما حصل يدعو التقرير إلى وقف فوري لجميع أعمال العنف التي ارتُكبت ضد المدنيين، وشكّلت انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدول، ويطالب الأطراف باتخاذ الإجراءات لحماية المدنيين وضمان العدالة لجميع الضحايا. وهذه أمور مطلوبة ومعلومة ولكن السؤال عنها أو حولها من يقرر ذلك ومن يفترض أن يحسم الأمر وينهي المأساة.
قد يكون من المهم الإشارة إلى أن التقرير شخّص الأطراف التي تشحن الحرب وتمد القوى المعتدية بانواع الأسلحة وحثّها على الامتناع عن توفير الأسلحة التي يمكن استخدامها في النزاع، ويذكّرها بالتزامها باتخاذ جميع التدابير المعقولة لضمان احترام جميع أطراف النزاع للقانون الإنساني الدولي.
في نقل خبر عن التقرير وضعت وكالة أنباء عالمية عنوانها للخبر: أمريكا وفرنسا وبريطانيا ربما شاركت في جرائم حرب باليمن، مؤكدة ذلك من خلال تقديم العتاد والمعلومات والدعم اللوجيستي للتحالف الذي يلجأ لتجويع المدنيين كأسلوب حرب. وأوصى محققو الأمم المتحدة بأن تفرض كل الدول حظرا على تسليم أسلحة للأطراف المتحاربة للحيلولة دون استخدامها في ارتكاب انتهاكات جسيمة.
قالت ميليسا بارك، خلال مؤتمر صحفي ”من الواضح أن استمرار إمداد أطراف الصراع بالسلاح يطيل أمد الصراع ومعاناة الشعب اليمني“. وأضافت ”ولهذا ندعو الدول الأعضاء لعدم تقديم أسلحة إلى أطراف الصراع بعد الآن“.
من جهته صرّح رئيس فريق الخبراء، السيد كمال الجندوبي، قائلاً: "بعد مرور خمس سنوات على النزاع، لا تزال الانتهاكات ضد المدنيين اليمنيين مستمرة بلا هوادة، مع ضرب عرض الحائط بمحنة الشعب وغياب أي إجراءات دولية لمحاسبة أطراف النزاع". و"يجب على المجتمع الدولي أن يضاعف جهوده لتحرير الشعب اليمني من الظلم المستمر الذي يعاني منه".
وجد الخبراء أسبابا معقولة للاعتقاد بأن الأعمال العدائية التي تقودها أطراف النزاع، من خلال الغارات الجوية والقصف، ما زالت تؤثّر بشكل خطير على المدنيين، وأن جزءاً كبيراً من هذه الهجمات قد يرقى إلى انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي. كذلك، والى جانب الانتهاكات ذات الصلة بسير الأعمال العدائية، اعتقد فريق الخبراء بأن أطراف النزاع المسلح في اليمن مسؤولون عن الحرمان التعسفي من الحق في الحياة، والاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي، والتعذيب، وسوء المعاملة، وتجنيد الأطفال، وانتهاك الحريات الأساسية، وانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهي ترقى إلى انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، حسب الاقتضاء. وقد يؤدي العديد من هذه الانتهاكات إلى تحميل الأفراد المعنيين المسؤولية عن جرائم الحرب فيما لو أحيلت الى محكمة مستقلة ومختصة.
حدّد فريق الخبراء، حيثما أمكن، الأفراد المسؤولين على الأرجح عن الجرائم الدولية، وقُدمت قائمة سرية محدثة بأسماء الأفراد إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان. وأضاف السيد الجندوبي قائلاً: "لا يمكن التسامح بعد الآن بشأن الإفلات من العقاب المستشري – عن الانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبها جميع أطراف النزاع. يجب تمكين التحقيقات الحيادية والمستقلة لمحاسبة أولئك الذين لا يحترمون حقوق الشعب اليمني. كما يجب على المجتمع الدولي التوقف عن غض الطرف عن هذه الانتهاكات وعن الوضع الإنساني الذي لم يعد محمولاً" (!).
يعترف فريق الخبراء بتفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية بسبب أثر الهجمات الشديد والمستمر على البنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات، والمرافق المائية، ونقل الغذاء، والمزارع والأسواق، وكذلك حالات الحظر والحرب الشبيهة بالحصار التي تعوّق وصول المساعدات الإنسانية، وغيرها من التدابير المماثلة.
ولعل في قول الجندوبي صرخة ضمير : "إن حرمان السكان اليمنيين اللاإنساني من حقوقهم في الأدوية، والماء، والغذاء، يجب أن يتوقف فوراً. ويجب إعطاء الأولوية لبقاء 24 مليون شخص معوزين على قيد الحياة".
في الخلاصة أن شعبا عربيا يتعرض منذ سنوات إلى جرائم ترقى إلى جرائم حرب، ومنها الابادة، كما يبين تقرير الأمم المتحدة، ومازال وضعه المأساوي مستمرا.. ولا أسئلة تكفي للتعبير عنه أو تغطي المحنة..