ديالكتيك العمل السياسي الثوري عند لينين


امال الحسين
2019 / 9 / 9 - 12:58     

يشكل الأساس الاقتصادي في النظرية الماركسية اللينينية/مكونات البنية المادية لتطور الأنظمة الاجتماعية الذي يتم بداخله الصراع بين القوى المنتجة (وسائل الإنتاج المادية والثقافية والناس المنتجون) وعلاقات الإنتاج (الأسس الأيديولوجية والسياسية والقوانين التي تضعها الطبقات المسيطرة على الدولة) أرضية العمل الثوري التي يجب فهمها واستيعابها، ويدخل في تحديد الأساس الاقتصادي للنظام الاجتماعي جميع مظاهر الحركة الاجتماعية المادية والثقافية لمجمل الطبقات والفئات المتصارعة خلال عملية الإنتاج، أي جميع الطبقات والفئات التي توجد في صلب الصراعات الطبقية بين الطبقات المنتجة والطبقات المسيطرة على وسائل الإنتاج. ففي المجتمعات الرأسمالية تكونت طبقتان أساسيتان، الطبقة العاملة التي تبيع قوة عملها وهي طبقة ثورية والطبقة البورجوازية التي تستغل قوة عمل البروليتاريا وهي طبقة رجعية، أما باقي الطبقات والفئات (أشباه البروليتاريا، الفلاحون المتوسطون والصغار ، التجار المتوسطون والصغار والكادحون/الفراشة، الحرفيون، التقنيون، المهندسون، الأطباء، المحامون، الأساتذة، الطلبة، المعطلون ...) أي الطبقة الوسطى وعلى رأسها البورجوازية الصغيرة المثقفة، فهي تتدحرج بين أيديولوجيتي هاتين الطبقتين المتصارعتين حول السلطة رغم أن فئات الطبقة الوسطى تشارك في عملية الإنتاج بشكل من الأشكال أو توجد خارج عملية الإنتاج وتتعرض لاستغلال الطبقة البورجوازية.

لقد حددت المادية التاريخية أن الطبقة العاملة والبورجوازية هما الطبقتان اللتان تشكلان أساس الصراعات الطبقية في النظام الرأسمالي، لهذا أكد ماركس على أهمية البروليتاريا في الصراعات الطبقية باعتبارها طبقة ثورية حاسمة في إسقاط الرأسمالية وبناء المجتمعات الإشتراكية. وأكد لينين على أهمية الحزب الثوري في تحقيق انتصار البروليتاريا على البورجوازية في عصر الرأسمالية الحديثة/الإمبريالية التي سماها "أعلى مراحل الرأسمالية" و"عشية الثورات الإشتراكية".

وحدد لينين أسس الإمبريالية فيما يلي :

ـ سيطرة الرأسمال المالي على الرأسمال التجاري والصناعي في السوق التجارية العالمية.
ـ سيطرة الاحتكارية على المزاحمة الحرة في عملية الإنتاج عالميا.
ـ ظهور الدولة الاحتكارية تعبيرا عن تطور أعلى للاحتكارية في عصر الإمبريالية.
ـ الاستعمار والحرب ميزتان أساسيتان تلازمان سيطرة الإمبريالية عالميا.

لهذا دعا لينين إلى بناء الأنظمة الاشتراكية عبر قيادة الثورات الديمقراطية البروليتارية في البلدان التي تحكمها دول امبريالية وتحرير البلدان المضطهدة التي تستعمرها هذه الدول، كما دعا إلى الثورات الديمقراطية البورجوازية في البلدان المضطهدة تقودها البروليتاريا في أفق بناء مجتمعات اشتراكية في ظل الديمقراطية البروليتارية.

وقد علمنا لينين أن شراسة البورجوازية عندما تفتقد سيطرتها على وسائل الإنتاج تكون أشد قتالية كما علمته الحرب الأهلية التي تحالفت فيها الإمبريالية العالمية والبورجوازية الروسية والملاكون العقاريون/الكولاك لإسقاط الثورة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا، ولم تنتصر البروليتاريا على البورجوازية إلا بالتحالف الحربي مع الفلاحين والذي تطور إلى التحالف الاقتصادي لنباء النظام الاشتراكي. وهكذا أكد لينين على دور التحالف الطبقي بين الطبقة العاملة والفلاحين في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا.

وأكد لينين على أهمية الدفاع عن الوطن الاشتراكي حيث أن "الثورة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها ليست بثورة"،فالعنف الثوري عامل مركزي في بناء المجتمعات الاشتراكية عبر القضاء على عنف الطبقة البورجوازية، فديكتاتورية البورجوازية لا يمكن إسقاطها إلا بديكتاتورية البروليتاريا كما أن الثورة الديمقراطية البورجوازية لا يمكن تجاوزها إلا بالثورة الديمقراطية البروليتارية.

وأكد لينين على الدور الطبقي للدولة الذي وضع ماركس وإنجلس أسسه الطبقية باعتبار الدولة "أداة قهر الطبقات المسيطرة للطبقات المضطهدة"، أي قهر الطبقة العاملة والطبقات الوسطى من طرف البورجوازية في المجتمعات الرأسمالية، لهذا فالدولة في ظل الديمقراطية البورجوازية لا يمكن أن تسمح إلا باضطهاد هذه الطبقات من طرف الطبقة البورجوازية المسيطرة على وسائل الإنتاج المادية والثقافية. وتعتبر الديمقراطية البروليتارية الوسيلة الكفيلة لحل التناقضات بين البروليتاريا والبورجوازية لصالح الطبقات المضطهدة عبر سيطرة البروليتاريا على السلطة وتجاوز نتائج الثورة الديمقراطية البورجوازية بالشروع في البناء الاشتراكي، وذلك بالإنتقال من مستوى الثورة الديمقراطية البورجوازية إلى مستوى أعلى أي الثورة الديمقراطية البروليتارية.

وأكد لينين على أهمية العمل السياسي السري في المنظمة الثورية للثوريين المحترفين في كتابه ما العمل؟ الذي وضع فيه أسس بناء المنظمة الماركسية اللينينية الثورية، معتمدا في ذلك على دراسة التناقض بين العفوية التي تطبع نضالات الطبقة العاملة والوعي الذي يجب أن يتجسد أكثر فأكثر في عمل الثوريين المحترفين كلما ارتفع نهوض الجماهير العفوي، واعتبر صفة العفوية التي تطبع نضالات الجماهير العمالية المرحلة الجنينية للوعي، معتبرا أن المنظمة الثورية هي أرقى مظاهر الوعي والكفيلة بنقل الوعي السياسي الطبقي إلى الطبقة العاملة.

وواجه لينين الاقتصاديين الذين يدعون إمكانية نقل المعرفة السياسية للطبقة العاملة عبر النضال الاقتصادي، معتبرين أن النضال الاقتصادي وسيلة أساسية لجذب الجماهير الشعبية إلى العمل السياسي عبر التحريض الاقتصادي الذي يتبعه التحريض السياسي، وهم يجهلون أن جميع مظاهر الاضطهاد البوليسي الذي تمارسه أجهزة الدولة ضد الجماهير الشعبية غير المرتبط ارتباطا مباشرا بالنضال الاقتصادي أساسية في جذب الجماهير إلى العمل السياسي.

ولخص نقده للإقتصاديين في: "والواقع أن عبارة "إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه" خالية من كل شيء عدا النضال في سبيل الإصلاحية". ما العمل؟

إن النضال الثوري يتضمن دائما المطالب الإصلاحية عبر استعمال التحريض الاقتصادي لكن ليس فقط من أجل الإصلاحات ولكن لمطالبة الحكومة أولا وقبل كل شيء ب"أن تكف عن أن تكون حكومة استبدادية"، والنضال السياسي ضد جميع مستويات مظاهر الاضطهاد الذي تمارسه الدولة على الجماهير الشعبية إلى جانب النضال الثوري من أجل الحرية والاشتراكية. فالطبقة العاملة لا يمكنها أن تكون "واعية لذاتها" إذا لم تستطع التعبير عن المظاهر الاجتماعية لباقي الطبقات والفئات المضطهدة، بشكل علمي مادي حيث وعيها بنفسها لا يتم بمعزل عن معرفتها بواقع جميع الطبقات والفئات المضطهدة، فتوجيه الطبقة إلى "وعيها بذاتها" لا يمكن أن يجعل منها الطبقة الثورية القادرة على الاستقلال الأيديولوجي والسياسي عن باقي الطبقات الاجتماعية.

وأكد لينين على بناء منظمة الثوريين المحترفين تكون مهمتها المركزية اليومية تنظيم العمل السياسي للثوريين المحترفين هدفه نقل المعرفة السياسية إلى الطبقة العاملة، فلا يكفي اندفاع الشباب الثوري لبلورة الوعي السياسي الطبقي لدى الطبقة العاملة في الوقت الذي يفتقدون فيه لأيديولوجيا ثورية تنير طريقهم نحو الثورة. فدرس لينين واقع الحركة الثورية بروسيا في أواخر القرن 19 واكتشف ما يلي:

ـ وجود مجموعات شبابية ثورية شغوفة بمعرفة الماركسية تتوجه إلى الطبقة العاملة.
ـ عدم وضوح التصور الأيديولوجي لدى هذه المجموعات الشبابية الثورية.
ـ سهولة اختراق هذه المجموعات من طرف البوليس السياسي لضرب أنويتها التنظيمية وتفكيك مجموعاتها.
ـ إنتشار الأفكار التحريفية والفوضوية والشعبوية في صفوف الحركة العمالية الروسية مما يعرض الحركات الشبيبية الثورية للخطر.

وأكد لينين أن "نمو حركة العمال يسبق نمو المنظمات الثورية وتطورها" حيث يكون الثوريون العاملون في أوساط الطبقة العاملة أقلية غير قادرة على استيعاب نضالات العمال المضطربة، وحدد عمل المنظمة الثورية للثوريين المحترفين وسط الطبقة العاملة فيما يلي:

ـ ضرورة وجود وسائل التحريض السياسي في أوساط الجماهير الشعبية وعلى رأسهم الجماهير العمالية، وأساسها الجرائد والمناشير والنشرات والمطبوعات السرية مما يتطلب الدعم المالي.
ـ الابتعاد عن العمل الحرفي الضيق والعمل الاقتصادي باعتبارهما منافيان للمنظور الماركسي الثوري.
ـ النضال الثوري أبعد بكثير من النضال الاقتصادي ضد الباطرونا والحكومة مما يطرح أهمية المنظمة الثورية في بلورة النضال الثوري ضد الدولة.
ـ منظمة الثوريين المحترفين يكون عملها سريا وتضم بداخلها أناسا مهمتهم المركزية النضال الثوري عكس منظمة العمال المهنية الواسعة للجماهير.
ـ ضرورة محو كل الفروق بين أعضاء المنظمة الثورية بسبب مهنهم أو ثقافتهم بين العمال والمثقفين.
ـ ضرورة الاستفادة من المناضلين الأكفاء الذين تفرزهم الحركة العمالية.
ـ أهمية المركزية الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي في عمل المنظمة الثورية.
لهذا فإن أي عمل ثوري في أوساط الجماهير الشعبية وعلى رأسها الجماهير العمالية يتطلب التنظيم داخل منظمة ثورية للثوريين المحترفين.

لكن السؤال المطروح هو : هل ما زالت مهمة بناء المنظمة الماركسية ـ اللينينية المغربية مهمة مركزية ؟ أم بناء منظمات حسب الاختلافات المطروح حول الخط الأيديولوجي والسياسي ؟