كيف تحولت مصر إلى دولة الرعب؟ 1/2


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 6342 - 2019 / 9 / 5 - 01:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تقول: “لا يجوز تعريض أحد لتدخّل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسّ شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات”.
حكَّام العربان بوجه عام والعسكريون منهم بوجه خاص لا يحترمون الإنسان ولا يعترفون بحقوقه على الإطلاق، ويرون مواطنيهم على أنهم عبيد مسخَّرين لخدمتهم والخضوع التام لإرادتهم، ويعتبرون جميع المنظمات الحقوقية العالمية والمحلية مجرد رسم على ورق، أو هياكل من ورق، وكلامها مجرد هراء في الهواء أو على ورق، ولا يستحق قيمة حتى الورق الذي كُتِب عليه أو الحبر الذي كُتب به أو الوقت الذي ضاع في صياغته. لا يعترفون حتى بوجود الورق!، هل رأى أحدنا يومًا مسؤولًا عروبيًّا يحمل في يده ورقة واحدة في أي مكان يتواجد فيه، حتى وإن كانت للتباهي؟
من هنا تبدأ المأساة الحقيقية لشعوب المنطقة، لأن البديل المستحب لدي حكَّامها هو استعمال أساليب العنف والإرهاب بحق شعوبهم؟ إنه العجز الواضح على ممارسة السلطة. وتكون المأساة فادحة إذا اجتمع الجهل والعجز معًا، خاصة لدي الذين لم يتعلموا ويتدربوا على شيء سوى إطلاق الرصاص على الآخرين، إذ يعملون على تطوير أساليبهم بحيث تصبح منظومة ممنهجة يعتادون عليها ويتماهى معها شعوبهم؟
الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت في كتابها بعنوان: في العنف، ترجمة: إبراهيم العريس، دار الساقي، بيروت، 1992. فرَّقت بين إستعمال العنف كأداة لممارسة السلطة، وبين إستعمال القوة والقدرة على السلطة، وقالت إن السلطة الأكثر رسوخًا وتجذرًا واستقرارًا هي تلك التي لا تضطر إلى ممارسة العنف المباشر أو غير المباشر في كل شاردة وواردة، لإجبار الناس على طاعتها، بل تجعلهم ينصاعون إليها من تلقاء أنفسهم، عبر تقنيات عديدة.
العنف عند أرندت تعبير عمّا هو فردي، ومن ثمّ فإنَّ شعار الواحد ضدّ الجميع هو خير تعبير عن العنف، بينما السّلطة هي القدرة الإنسانيّة ليس على الفعل، وإنّما على الفعل المتناسق والمنسجم مع احتياجات المواطنين وطبيعتهم البشرية. ولذلك لا يمكن أن يكون العنف مرادفاً للسلطة، لأنَّ السلطة ليست خاصيّة فرديّة، وحين نقول بأنها فردية فإننا نعني في الحقيقة أن فردًا قد سُلِّط من قبل جماعة من الأفراد لكي يكون مستبداً، فإذا اختفت الجماعة التي نبعت عنها السلطة، سوف تختفي ايضاً سلطة الفرد المتسلط باسمها، لأن كل سلطة مستبدة لا تقوم على تفوق ادوات العنف فحسب، بل وعلى تضامن بين المستبدين الكبار والصغار. وحين لا يجد المستبدون من يدعمهم ويصفق لهم لا يكون هناك مبرر لاستخدام العنف استخداماً ناجحاً. والحال لا يستمد المتسلط قوته ونفوذه من مؤهلاته الخاصة، وانما من ضعف المجتمع وتمزق الجماعات وعدم وعيهم وتنظيمهم ووحدتهم، وكذلك شعورهم بالعجز عن تحمل المسؤولية، وهو ما يساعد المستبد على توسيع حدود نفوذه بمساعدة اعوانه من المستبدين الصغار وتابعي أعوانه من المرتزقة (ص 39).
وهذا يؤكد حقيقة الحكمة المستقاة من تاريخ هذه المنطقة والتي تقول: كما تكونوا يُوَلَّى عليكم!، (يقال أنه حديث ضعيف منسوب إلى نبي الأسلمة)!!
ولكن إذا كانت السّلطة هي القدرة على الهيمنة المنسجمة مع احتياجات المواطنين، فإن عدم توفر هذه القدرة لا يبرر استعمال العنف كوسيلة لممارسة السلطة ضدهم. لأن العنف مرتبط إرتباطًا وثيقًا بالمنطق الميكيافيلي القائل إن الغاية تبرر الوسيلة، لذلك يجب ألَّا يوجد العنف تحديدًا إلَّا في مؤسسات العقاب وحدها. خاصة وأن الغاية التي تراد ويتم التوجه إليها، دائمًا ما تكون معرَّضة لخطر الوقوع ضحية الوسائل المتعددة والمتباينة التي تبررها، مما يجعل الفعل البشريّ (بما فيه الفعل السياسيّ) لا يمكن التنبؤ به.
السيدة آرنت ذهبت إلى أن العنف يجلبُ عنصراً إضافيّاً هامّاً من الاعتباطيّة (arbitrariness) في العمل (ص 4)، أي التخبط والعشوائية ومزيد من العنف والعنف المضاد. فقد يؤتي العنف ثماره، لكنّه ينجح على نحو عَرَضيّ، فالتغيير الأكثر ملائمةً الذي سيُحدثه هو التغيير إلى عالمٍ أكثر عنفاً (ص 60)، ومن ثم يتم اختزال إمكانات السياسة ويتمّ إفسادها في نفس الوقت.
تعتمد السّلطة، كما تقول أرندت، على أعداد الأشخاص، في حين يعتمد العنف على الأدوات (implements) التي يستخدمها المستبد واعوانه من المستبدين الصغار وتابعي أعوانه من المرتزقة في اللحظة الجوهرية بهدف الابتزاز والرضوخ. ويختلف العنف عن القسوة واستعمال القوة، حين يكون استخدام القوة شرعياً وقانونياً، شرط ان يكون الحاكم شرعياً وعادلاً وقوياً، ولكن ليس من الضروري ان يكون الحاكم قاسيا وعنيفاً في استخدام القوة. والقسوة بمعنى آخر هي استخدام قصدي ومتعمد لالحاق الاذى الجسدي باشخاص في موقع ضعف وعجز امام استخدام القوة ورد ذلك الأذى.
وفي تحليلها للنظم الشموليّة ترى آرنت أنَّ العنف يتعارض جوهريّاً مع السياسة بل يقصيها ويغيبها تماماً، ويعبّر في كثير من الأحيان عن مشاعر لا ترتبط بالضرورة بالسياسة مثل الخوف الغير مبرر. إنَّ الأفعال السياسيّة الحاقة لا تحتاج إلى تبرير، أمّا العنف، فيوجب التبرير في أغلب الأحيان، لذا لا يمكن للعنف أن ينحدر من نقيضه الذي هو السلطة )ص (115.
كيف تحولت مصر خلال سبعة عقود إلى أقسى أنواع الفاشية العسكرية، التي تتخذ من العنف والرعب الممنهجين أداة لممارسة السلطة في البلاد تحت شعار: ”إن لم تكن معنا فأنت ضدنا“!
وكيف أصبحت منظومة العنف والرعب تزداد كل يوم حتى أصبحت امرًا معتادًا لدي الحكام ومن ثم يتماهى معه المواطنون؟
ولماذا أصبح من الصعب جدًّا ما لم يكن مستحيلًا التخلص من تلك الفاشية العسكرية؟
بدأت المأساة حقيقة مع اعتلاء البكباشي عبد الناصر وعصابته العسكرية الفاشلة سدة الحكم في عام 1952، ولأول مرة في تاريخ مصر راح المصريون يعايشون ويعتادون كل يوم على بهرجة سياسية كاذبة، تعتمد على التعبيرات الغريبة والتحركات المريبة والتغييرات العجيبة، فقد انطلق عصر الشعارات الجوفاء، والتصريحات الدنكوشوتية الوهمية، مما أصاب المجتمع بالدوار والارتجاج والاهتزاز من داخله. بدأت تظهر الفهلوة والأكاذيب في تبرير الأحداث، والغربلة والمفاضلة بين الأفراد والطوائف والجماعات، والطرد المركزي لمن لا يخضع ويستكين.
الأغلبية العظمى من عامة الشعب لم تكن تدري ما يدور حولها أو ما يحيق بها، ومع ذلك انخرطت تلقائيًا بزخم العاطفة وتفجُّر الفرحة في دعم الحكم الجديد متصورة أن تحقيق الأحلام أصبح قاب قوسين أو أدنى. ولم ينتبه الكثيرون منهم إلى أنه بعد 3 أسابيع من استيلاء العسكر على مصر؟ تم إعدام العامليْن محمد البقرى (19سنة و6 شهور) ومصطفى خميس (18 سنة) فى مذبحة عمال كفر الدوار ومحاصرة المصانع وبيوت الأهالى بالدبابات واعتقال567 عاملا والحكم العسكرى بسجن الكثيرين منهم .. وتـمّ إعدام البقري وخميس أمام 1500 عامل فى ملعب كرة القدم. وبحضور أهالى العمال.. كل هذا لمجرد مطالبتهم بحقوقهم في وقت ظنوا أن الانعتاق من الظلم والإجحاف قد حان أوانه.
بعدما نجح الانقلابيون العسكريون الفاشلون، وتم لهم خلع الملك فاروق دون إراقة دماء لدماثة خلقه، بدى عجزهم عن ممارسة السلطة بانقلابهم علي قيم الديموقراطية والحداثة والحضارة والعقلانية والعلم وحقوق الانسان التي كانت موجودة بشكل ما في مصر منذ عام 1919. وساعدهم في ذلك علاقتهم العضوية الوثيقة بعصابة أخرى تحظى بشعبية كبيرة، وتنافسهم السلطة على البلاد وتسييس العباد تحت غطاء ديني كثيف، هي تنظيم الاخوان المتأسلمين، فكلاهما يرفض تلك القيم وما تمثله من حضارة وتقدم، وتنحصر نظرتهم الضيِّقة للغرب في أنَّه استعمار واستغلال ومدبِّر مؤامرات، ولم ينظروا للوجه الاخر المتمثل في قيَمه الحضارية وتوجهاته الإنسانية.
ما كاد النصف الثاني من عام 1954م يحل، إلا والبكباشي الفاشل يسيطر تمامًا على مصر، ويؤَمِّن ظهره في ذلك العام بإنشاء جهاز المخابرات العامة الذي خرج من رحم جهاز المخابرات الحربية، وجعله يتَّخذ نهجًا شديد القسوة والإرهاب ليكون الذراع الأمني السري لبطشه وجبروته، فوضع على رأسه بلطجي من العسكر يدعى: صلاح نصر، فكان هذا الرجل هو الوحيد المناسب للمكان المناسب في الدولة بأسرها، كان مرهوب الجانب، فمجرد ذكر اسمه يصيب المواطنين بالرعب والفزع. عمل البلطجي صلاح نصر على زيادة ميزانية الجهاز بالطراد، وتقويته وتجنيد أعداد كبيرة من البلطجية السريين والعلنيين من الجنسين، وخلال عشر سنوات انخرط الجهاز في التجسس على المئات، بل الآلاف، إن لم يكن الملايين من المواطنين المصريين، ووضعهم تحت الرقابة المرئية والمسموعة حتى وهم في غرف نومهم، بهدف ابتزازهم وتشويه سمعتهم وتلفيق التهم لهم وتعذيبهم للاعتراف بتهم لم يرتكبوها. وليس من الغرابة في شيء أن صلاح نصر كان يتلاعب بالجميع وفي مقدمتهم عبد الناصر نفسه، تبعًا لما أفادت به زوجته المُكرهة: "اعتماد خورشيد" في كتابها: ”شاهدة على انحرافات صلاح نصر“. وهي التي طلقها من زوجها أحمد خورشيد رغما عنه وعنها، وتزوجها زواجا باطلا.
بدأت تنشأ وتُربَّى أجيال المصريين في ظل خوف عميق من البلطجية المخابراتية الذين أطلق عليهم لاحقًا لقب “زوار الفجر”. وراح الناس يتهامسون سرًّا عن ممارساتهم اللاإنسانية ضد المواطنين، دون أن يجرؤ أحد منهم على الاعتراض عليها علنا حتى لا يناله منها نصيب. تسبب ذلك في كثرة الفتن والنميمة والغدر وعمليات الانتقام الشخصي بين المواطنين.
ولكن الأدهى والأمر من كل هذا أن العسكري البلطجي صلاح نصر قام لأول مرة في تاريخ البلاد، وربما في تاريخ العالم أجمع، بإنشاء شركات تجارية تابعة للقوات المسلحة والمخابرات الحربية على أن يتقاسما أرباحها، دون تدخُّل من الجهاز المركزي للمحاسبات أو من أية جهة رقابية أخرى. فكانت هذه الشركات هي النواة الأولى للإمبراطورية الاقتصادية التي تملكها مجموعة من الرتب العليا في الجيش الآن ويتحكمون بها في %60 من اقتصاد الدولة، ويدافعون من أجل البقاء عليها بكل ما لديهم من أسلحة وعتاد.
في ذلك الوقت التعيس أخذ معظم المسيْطِرين على زمام الأمور من ضباط "مجلس قيادة الثورة" يتعطشون تدريجيًّا للمناصب المدنية والثروة وجمع الأموال، فبدأوا في إظهار الكذب والنفاق والمحسوبية، وكان لهم في زعيمهم أسوة حسنة، فرغم أن عبد الناصر في خطاباته الحماسية الشهيرة زعم بأنه واحد من "الجماهير"، وأن: "ابن رئيس الجمهورية زي ابن أي واحد"، إلَّا أنه في نفس الوقت وعلى الجانب الآخر كان يُعيّن بهدوء تام أبنيه وبنتيه وزوجيهما في أعلى مناصب هرم السلطة في مصر. بالمناسبة أعلنت إسرائيل مؤخرا أن أحدهما وهو أشرف مروان كان جاسوسًا لها.    
وبدأ الأقارب والأصدقاء وأهل الثقة يتقدمون تدريجيًّا على أهل الكفاءة والعلم. ويتولون المناصب المفصلية في الدولة، مثلًا لأول مرة في تاريخ مصر يتقلد ضابط عسكري من الضباط الضالعين في الانقلاب وهو ثروت عكاشة منصب رئيس تحرير مجلة التحرير عقب الانقلاب مباشرة ثم وزارة الثقافة لأربع سنوات متوالية.
وكما اعترف محمـد نجيب الرئيس الأول للجمهورية، والضحية التي أكلها الضباط "الأحرار"، وعلى رأسهم عبد الناصر، لحمًا ورموها عظمًا كما يصف في مذكراته، يقول: "تولّد في داخلي إحساس بأننا فتحنا بابا أمام باقي الضباط ليخرجوا منه إلى المناصب المدنية، ذات النفوذ القوي والدخل الكبير، وحاولت قدر استطاعتي إغلاق هذا الباب، وابتعاد الجيش عن الحياة المدنية، وعودته إلى الثكنات وترك البلد للسياسيين، لكن كان الوقت على ما أعتقدُ قد فات؛ فقد اخترق العسكريون كل المجالات وصبغوا كل المصالح المدنية باللون الكاكي"! (محمد نجيب ، كنت رئيسًا لمصر ص 156).
أطلق العسكر الفاشلون على أنفسهم تعبير ”الضباط الأحرار“ وهم بالفعل كانوا أحرارًا فيما يفعلونه ويمارسونه من محسوبية وفساد لتحقيق رغباتهم الشخصية، تحت شعار ”العدالة الاجتماعية“ المتمثلة في تجريف اقتصاد البلاد لصالحهم، وزرع الخوف والاستكانة والخمول في الشخصية المصرية. فصادروا ممتلكات الأغنياء أو فرضوا الحراسة عليها، وطبقوا قوانين زعم أنها اشتراكية (!) بشكل مجتزئ أو عشوائي، وبدلاً من حث الشعب على العمل بآليات حداثية وفق أفضل السبل المتوفرة في ذلك الوقت، تحركت آلتهم الإعلامية، مدفوعة من المخابرات ومدعومة برجال الدين الأزهريين والهواة لتنفخ في الذات المصرية، وتُصوِّر للمصريين أنهم من ”العربان“ شعب الله المختار، أو أنهم جزء لا يتجزأ من خير أمة أخرجت للناس، وأن كل شيء يحلمون به سيأتي إليهم وهم في أمكانهم، دون أعباء أو شراكة في تحمل المسؤولية السياسية للبلاد.
ولأن البكباشي ومن معه كانوا ضباطًا فاشلين في عملهم الذي تعلموه، ولا علم أو معرفة لهم بالسياسة، وأدركوا مدى عجزهم عن قيادة البلاد وخدمة العباد، وسقطوا على الفور تحت سحر ورونق السلطة ورفاهية الثراء، زاد اعتمادهم في سياستهم الداخلية على المزيد من ”البلطجية“، ودسِّهم للعمل مع رجال الشرطة والمخابرات العامة في عمليات الانتقام والاعتداء على المعارضين لهم، والدفع بهم للتدخل في المظاهرات السلمية واستعمال العنف ضد المتظاهرين، مما يتيح الفرصة للشرطة كي تتدخل من جانبها بعنف أشد لقمع المتظاهرين العزل، بحجة أنهم يثيرون الشغب أو يعطلون الطريق أو يهددون السلم العام، مع أنه من واجب الدول المتحضرة في جميع أنحاء العالم أن تسمح بالتظاهر السلمي في أي وقت وأن تحمي المتظاهرين السلميين في أية مظاهرة.
كان من الطبيعي أن ينقلب عبد الناصر وعصابته على عصابة الإخوان المتأسلمين، ويقوم بإعدام قادتهم والزج بهم في السجون، رغم استغلالهم لهم حين انضموا إلى تنظيمهم السري، مما جعل الإخوان يحمون انقلابهم في البداية. ولكن في المقابل لم تغب الديانة الإسلاموية (حصريًا) عن أذهان السلطة الحاكمة، فالإسلاموية - كما هو معروف - ديانة سياسية خالصة، ولذلك كانت منذ بدايتها ولازالت حتى اليوم وسيلة ناجعة وفعَّالة لتبرير إجرام الحكام وفسادهم وطمس جهلهم وعجزهم، لذلك أتوا بالدين إلى المسرح السياسي، وأولي للأزهر عناية خاصة لتفريخ البلطجية في كافة المجالات العلمية والعملية المدعومين بنصوص إلهية وسنة نبوية إلى جانب بلطجية العسكر في مجتمع يسود فيه ثلاثية الجهل والفقر والمرض. تم تضخيم الأزهر وتفخيمه بإدخال العلوم النظرية والتطبيقية إليه ليصبح (جامعة) تخرِّج المشايخ من المهندسين والأطباء والقضاة … إلخ، وتم تعيين شيخ الأزهر من قبل رئيس الدولة ليكون تحت إمرته. وقدِّمت في عصر السادات ومبارك تنازالات شاذة كثيرة في الدستور والقوانين لصالح العصابات المتاجرة بالدين والتي تكاثرت كالذباب في ربوع الوطن، هذه التنازلات رغم شذوذها، قد ختمت بالختم الإلهي، لذلك من الصعوبة بمكان إلغائها إذا ما حاولت مصر أن تصبح في يوم ما دولة مدنية ديموقراطية ذات مبادئ إنسانية.
هذه الفترة السوداء من تاريخ مصر هي التي أفضت إلى حاضر أشد سوادًا من ذي قبل، لذلك يجب على المؤرخين الشرفاء كتابتها من جديد، وتقييمها بموضوعية حتى يصبح التاريخ علم،ا بالفعل، تستفيد منه الأجيال القادمة.
للحديث بقية…