النقد العلمي المادي لتجربة 30 غشت - 1


الأماميون الثوريون
2019 / 9 / 1 - 01:39     

نعمل على نشر مقالات نقدية لما نشر في موقع 30 غشت كبداية للعمل الكبير الذي ينتظرنا والذي أعطينا انطلاقته بمقال "30 غشت : انطلاق النقد العلمي المادي للتجربة"، هذا العمل الذي سبقته مجموعة من المقالات نشرت في 2014 وتم توقيفها بشكل مؤقت.


لقد ترددنا كثيرا قبل أن نقرر تناول كتابات هذا المناضل الماركسي اللينيني الذي تناول جزءا هاما من تاريخ الحركة الماركسية ـ اللينيننية المغربية التي شارك فيها بشكل من الأشكال إلى جانب مناضلين كبار في تلك المرحلة أمثال الشهيد عبد اللطيف زروال وأبرهام السرفاتي قبل ارتداده، والغاية من تناول هذه الكتابات بالتحليل والنقد إنما يروم تسليط الأضواء على مرحلة تاريخية من تاريخ النضال الثوري ببلادنا تم فيها بدل الكثير من أجل تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية ببلادنا، هذا العمل الثوري الذي يروم حسم السلطة لصالح الطبقة العاملة والفلاحين، سلطة الشعب في مواجهة سلطة ديكتاتورية البورجوازية التبعية، العمل الثوري في مواجهة السياسات الاستعمارية الجديدة.

في تقديم عام للمناضل فؤاد الهلالي لتجربة منظمة "إلى الأمام" وبعد سرد مجموعة من وثائق المنظمة التي تبين مدى قوة العمل النظري والصراع الأيديولوجي والسياسي في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، هذا العمل الذي لا يقابله ما يوازيه من الممارسة العملية حيث المنظمة لم تطلق رصاصة واحدة تعلن هويتها السياسية العسكرية الثورية. وقام الكاتب بالإسهاب في سرد مجمل الوثائق التي أصدرتها المنظمة عبر إسهامات مناضليها دون أن نرى في كتاباته ما يوازي ذلك من الممارسة العملية الثورية للمنظمة التي تعمد الكاتب إغفالها في نقده الذاتي للمنظمة، وكأن المنظمة عبارة عن ورش نظري للثقافة الماركسية اللينينية.

في التقديم العام الذي قدمه المناضل فؤاد اختزل بداية تاريخ الحركة الثورية في نتيجة هذه الحركة وهي انتفاضة 23 مارس 1965 التي اعتبرها منعطفا تاريخيا لنضال الشعب المغربي، والتي اعتبرها كذلك "نقدا دمويا لأحزاب الإصلاح" و"مؤشرا على بداية إفلاس الخط البورجوازي الصغير لأحزاب الإصلاح ..."، هنا تعمد الكاتب إغفال مرحلة تاريخية حاسمة في العمل الثوري الذي قاده المناضلون الثوريون لليسار الثوري بعد إفلاس العمل السياسي الاصلاحي للبورجوازية الصغيرة في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن 20 الذين اختاروا طريق العمل السياسي العسكري وحملوا السلاح، هذا المؤشر الذي سيعتبره الكاتب عملا بلانكيا والذي رفضته المنظمة ووجهت له نقدا لاذعا دون إعطاء البديل في الممارسة العملية العسكرية الثورية، وذهب الكاتب مع النظرية الثورية للمنظمة بعيدا في غياب الممارسة العملية لهذه النظرية التي سيعتبرها فيما يلي من كتاباته "استراتيجية ثورية" لكن دون القدرة على حمل السلاح الذي يعتبر المرحلة العليا في العمل السياسي الثوري، الذي تجرأ عليه ما تسميهم المنظمة بالبلانكيين الذين استثناهم الكاتب في كتاباته لتاريخ العمل الثوري ببلادنا ليختزل مؤشر بداية العمل الثوري الحقيقي في "الانطلاقة الثورية" بعد انتفاضة 23 مارس 1965.

إن هذا النوع من التعاطي مع تاريخ بلادنا إنما هو عمل تجزيئي مخالف لقواعد النظرية الماركسية اللينينية التي تعتمد المادية التاريخية في التعاطي مع الأحداث التاريخية دون إغفال جميع التفاصيل الدقيقة في تفكيكها وتركيبها لإعادة بناء العمل الثوري بناء ماديا تاريخيا حتى لا تتم إعادة مأساة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.

إن هذا النوع من الكتابات لتاريخ العمل الثوري ببلادنا إنما هو يغلب عليه الوصف وإقحام الذات في الموضوع بعيدا عن التعاطي الموضوعي في تناول التجربة بالنقد والنقد الذاتي، فما جدوى إذن هذا النوع من الكتابات إن لم يرم تشريح ذات المنظمة وتحليلها ونقدها نقدا ماديا تاريخيا ؟ ما جدوى هذا العمل التأريخي الذي يقحم الذات في الموضوع بشكل تعسفي الذي حول الصراع الأيديولوجي والسياسي داخل المنظمة إلى عمل شخصاني ؟

إن مثل هذا العمل كغيره من جل كتابات المساهمين في الحركة الماركسية ـ اللينينينة المغربية في سنوات 1970/1980 إنما هو عمل تقديسي للتجربة التي تترفع عن هذا الأسلوب من التنويه والإثراء الذي يحولها إلى أيقونة تضر بدماء الشهداء.

بعد سرد وجيز لطبيعة الأحزاب الاصلاحية وطبيعة النظام "كومبرادوري تبعي" كما جاء على التقدم العام كأن هناك كومبرادور غير تبعي مع العلم أن طبيعة الكومبرادور هي خدمة أسياده الإمبرياليين وهو يلعب دور الوكيل التجاري للرأسمال في بلده، بعد هذا السرد المليء بالأخطاء كالقول " ... لأحزاب الإصلاح التي مرت بفترة انعاش امتدت من 1958 إلى 1965 لتبدأ في الإندحار باندلاع أحداث الإنتفاضة المجيدة لسنة 1965" ولم يكلف الكاتب نفسه عناء توضيح هذا الإنعاش في الوقت الذي تجاهل فيه دور العمل السياسي العسكري للجناح العسكري لليسار الثوري في هذه المرحلة التاريخية الهامة من التاريخ الثوري الشعب المغربي، لينتقل بنا إلى اعتبار 1970 "سنة تلاقي العوامل الموضوعية والذاتية وتضافر الجهود لتأسيس وتشكيل الأنوية الرئيسية للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية"، في تجاهل تام لاستمرار العمل السياسي العسكري لليسار الثوري إلى حدود 1973 الذي يتم نعته بالبلانكية دون قدرة المنظمة على ربط العلاقة مع هذا الخط لتحويل هذا العمل الثوري البلانكي في الواقع الموضوعي إلى عمل ثوري استراتيجي أو على الأقل الاستفادة منه في الممارسة العملية الثورية حيث المنظمة لم تحمل يوما السلاح، وكما هو معروف في جميع الحركات الثورية العالمية فإن حمل السلاح شرط أساسي في طبيعة أي منظمة تسمي نفسها ثورية، ويتجاهل الكاتب أن العمل البلانكي من بين الأساليب الأساسية في العمل السياسي الثوري العسكري وجزء هام من عمل أي منظمة ثورية ماركسية ـ لينينية وأسلوب ضروري في العملية الثورية، فبدون حمل السلاح لا يمكن نعت عمل المنظمة بالثوري ودون استراتيجية العمل السياسي العسكري للمنظمة لا يمكن أن تتقدم في إنجاز مهامها الثورية المسطرة نظريا في استراتيجيتها للسيطرة على السلطة، ذلك ما أغفله الكاتب في جميع كتاباتها التي ستأتي بعد هذه المقدمة التعسفية لإقحام الذات في الموضوع.

واختزال بداية العمل الثوري الماركسي ـ اللينيني في 1970 إنما يريد اختزال تاريخ الشعب المغربي في نهج أسلوب القطيعة الإبيستيمولوجية مع مجمل التراكم النظري للثورة المغربية منذ بداية القرن 20 كأنما الصحوة الثورية الهائلة قد حدثت فجأة في 1970، إن هذا النوع من التعاطي مع التجربة الثورية المغربية إنما يرو إبراز الذات عن الموضوع وتقديس الشخصنة باعتبار كل من لم يعش هذه المرحلة التاريخية وبالأخص في أحضان الحركة الماركسية ـ اللينينية بالذات ليس له تاريخ ثوري.

إن هذا النوع من التعاطي مع التجربة الماركسية ـ اللينينية المغربية إنما هو تعبير عن الإنحطاط الفكري وضيق الأفق النظري وتجميد الحركة الثورية ببلادنا، فبدل أن يقوم الكاتب بتشريح هذه التجربة التي يقول أنه عايشها بما لها وما عليها لم يستطع التنكر للأساليب التي نهجها من سبقوه لتناول هذه التجربة والذين يطغى في عملهم التمجيد والإثراء في الذات بدل ممارسة النقد الذاتي المادي التاريخي للمرحلة.

فدون تناول هذه التجربة بالنقد لا يمكن للحركة الماركسية ـ اللينينية أن تتقدم وهي تحمل معها جميع الأمراض التي لم يتجرأ أحد من دوي الرصيد في هذه التجربة في تقديم النقد الذاتي الموضوعي لها ما داموا أحياء، أما وإن أصبحوا في عداد الموتى فللباحثين الحق في تحليل وتشريح وتجزيء وتركيب أعمال هؤلاء الكتاب المرموقين في كتابة تجاربهم الخاصة الخالية من قواعد أدب السيرة الذاتية في علاقتها بالموضوع.

ينتقل الكاتب إلى تناول العوامل الموضوعية المساهمة في نشأة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وضمنها منظمة "إلى الأمام" وذلك بمزيد من الوصف الخالي من التحليل المادي التاريخي كما هو معتاد في جميع التحاليل التجزيئية المعروفة لدى الأحزاب الاصلاحية التي يوجه لها الكاتب النقد في قوله "تحدثنا أعلاه عن تلاقي الظروف وتضافر الجهود الفاعلة في تأسيس الحملم سنة 1970 إلا أنه لابد من التذكير بأن تلك النشأة لم تكن فقط رغبة ذاتية بقدر ما كانت كذلك نتيجة لضرورة موضوعية ستعبر عن نفسها أواخر الستينات وصولا إلى لحظة التأسيس سنة 1970 كتتويج تركيبي وبلورة وتركيز لعدة أفكار وتصورات أجابت عن تساؤلات المرحلة التاريخية لدى العديد من المناضلين الثوريين المغاربة".

بعد هذه المقدمة الموجهة لكتاباته ينتقل الكاتب إلى وصف الوضع السياسي والطبقي وصفا تقليديا : عالميا، وطنيا، ذاتيا، بشكل لا يختلف تماما عن التحليل البورجوازي والوصف الصحفي ولا يختلف عن التأريخ الخالي من النظرة السوسيولوجية للأحداث في تجاوز تام للنظرية الماركسية ـ اللينينية التي تتبناها المنظمة، هذا النوع من التأريخ الذي لا يفيد كثيرا تقديم التجربة على حقيقتها التاريخية نظريا وممارسة والذي تطغى عليه الذاتوية التي لم تكن حتى في مستوى الإطاروية الأكاديمية مما يجعل هذا النوع من العمل خاليا من الرغبة في تعليم الأقلام الناشئة في صفوف الشباب الماركسي أسلوب التعاطي المادي التاريخي للتجربة الثورية ببلدنا.

هنا لا نرغب في تناول ظاهرة الذاتورية في تقديم العمل الثوري السري في تجربة المنظمة للمس في شخص الكاتب إنما يجب التنبيه إلى خطورة مثل هذا التعاطي مع تجربة ثورية أعطت الكثير من التضحيات الجسام دون قدرة المساهمين فيها على حمل أمانة نقدها نقدا ماديا تاريخيا للمساهمة في تطوير العمل الثوري ببلادنا.

الحسين الزروالي