بناء الحزب الماركسي اللينيني المغربي من منظور منظمة -إلى الأمام-


امال الحسين
2019 / 8 / 31 - 13:19     

يعتبر حدث تأسيس منظمة "إلى الأمام" بداية بلورة مفهوم الانطلاقة الثورية في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية إلى جانب منظمة "23 مارس" باعتبارهما تيارين سياسيين ثوريين، تأسسا انسجاما مع نضج الحركة الثورية وطنيا وعربيا وعالميا بعد هزيمة "الإقطاعيات والبرجوازيات العربية" في 1967 واندلاع انتفاضة 1968 بفرنسا وامتداداتها في أوساط المناضلين الثوريين بحزب التحرر والاشتراكية وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وتعتبر وثائق منظمة "إلى الأمام" الصادرة ما بين 1970 و1980 ذات أهمية قصوى في ضبط أسس التصورات الأيديولوجية والسياسية للحركة الماركسية اللينينية الثورية المغربية، لكونها تشكل الأساس النظري الثوري الذي انبثقت منه الحركة الثورية المغربية وامتداداتها في أوساط الماركسيين اللينينيين لرسم معالم النضال الثوري اليوم، انطلاقا من ضبط الصراع بين الطبقات المتناقضة ورسم أسس الصراع الطبقي وفق شروط الحياة المادية للمجتمع المغربي اليوم.
ويعتبر الاطلاع على وثائق مرحلة التراجعات التصفوية للمنظمة ذا أهمية قصوى في مسار الحركة الماركسية اللينينية المغربية، لما لها من أهمية في فضح التحريفية الانتهازية وفتح الصراع الأيديولوجي والسياسي ضدها ومحاربة تداعيات توجهات الديمقراطية البورجوازية الصغيرة في أوساط الحركة الماركسية اللينينية المغربية.
وتعتبر القراءة النقدية العلمية المادية لتاريخ منظمة "إلى الأمام" أمرا ضروريا لتوضيح الرؤية لدى المناضلين الثوريين المغاربة لتجاوز مرحلة اللاتنظيم التي تعيشها الحركة، مما يتطلب فتح نقاش جاد بين الماركسيين اللينينيين الثوريين حول القضايا الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية للحركة، الشيء الذي يتطلب التحليل الملموس للوضع السياسي الراهن في جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وتشكل الطبقات الاجتماعية، لضبط مسار الصراع الطبقي بالمغرب والطبقات الحاسم في الصراع وبلورة مفهوم النضال الثوري في الواقع الموضوعي موازاة مع بناء منظمتهم الثورية الأداة الكفيلة بضبط الحركة الثورية بالمغرب.
ومع حلول الذكرى الأربعون لتأسيس منظمة "إلى الأمام" نمت الدينامية الثورية في صفوف الماركسيين اللينينيين المغاربة خاصة في أوساط الشباب، والتي يؤطرها الطموح في التغيير الثوري بعد 30 سنة من سيادة الخط التحريفي الانتهازي، الذي عمل منذ نشأته في نهاية 1979 على محاربة الخط الثوري للمنظمة بعد اغتيال الشهيد القائد عبد اللطيف زروال في نونبر 1974، الذي كرس جهده لبناء الخط الأيديولوجي والسياسي للحزب الثوري المغربي تلعب فيه منظمة "إلى الأمام" دورا هاما باعتبارها منظمة الثوريين المحترقين، وكان اختياره من طرف اللجنة الوطنية أول أمين عام لهذه المنظمة في 1974 حدثا تاريخيا عظيما قام بالحد بين الخط الثوري الذي يستوجب "نظام الطاعة الحديدي" الذي يتطلبه بناء الحزب البروليتاري "... حزب ثوري كفء حقا ليكون حزب الطبقة المتقدمة المدعوة إلى إسقاط البورجوازية وتحويل المجتمع كله" كما يقول لينين، وبين الخط التحريفي الانتهازي الذي نما بسرعة فائق في منظمة "23 مارس" وامتد إلى منظمة "إلى الأمام" ليبرز بعد عشر سنوات من النضال الثوري للمنظمة، مما حدا بالنظام الكومبرادوري بالمغرب إلى اغتال الشهيد القائد عبد اللطيف زروال قبل أيام من انعقاد المؤتمر الأول للمنظمة بعد وضع الأسس التنظيمية للحركة الماركسية اللينينية الثورية المغربية.
واستعان النظام الكومبرادوري بالخطط الإمبريالية والصهيونية لقمع منظمة "إلى الأمام" بعد انهيار مناضلي منظمة "23 مارس" أمام القمع الشرس الذي لحق الماركسيين اللينينيين المغاربة، مما ساهم في ضرب أسس الحركة الماركسية ـ اللينينية الثورية المغربية التي تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من الحركة العمالية الثورية العالمية، وكان من بين خطط النظام الكومبرادوري محاولة اختراق المنظمة من الداخل عبر دعم الخط التحريفي الانتهازي لتدميرها بواسطة أعضائها بعدما عجز عن ذلك بوسائل القمع المختلفة، واشتعل الصراع الأيديولوجي والسياسي من داخل السجن وبالمنفى قادته أروستقراطية عمالية ضد مناصري الخط الثوري للمنظمة الذين وضعوا شعار "بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو"، وأصبحت منظمة "إلى الأمام" منذ بداية 1980 في قبضة الخط التحريفي الانتهازي الذي أطلق شعار "إعادة بناء المنظمة" أو ما سمي ب"القيادة الثانية" من 1980 إلى 1985، داخل السجن وخارجه بالداخل والخارج في مساومة انتهازية لحل الإصلاحية محل المنظمة الثورية والاشتراكية الشوفينية محل الديمقراطية البروليتارية.
لقد ساهم غياب شرط "نظام الطاعة الحديدي" للمنظمة في سنوات التأسيس قبل اغتيال الشهيد عبد اللطيف زروال على انهيار أعضاء منظمة "إلى الأمام" أمام آلة القمع البوليسي، مما سهل بروز الخط التحريفي الانتهازي داخل السجن والذي قادته الديمقراطية البورجوازية الصغيرة لكون جل مناضليها لم تتشبعوا بعد بالفكر الماركسي اللينيني .

1 ـ الأطروحة الثورية الأولى لمنظمة "إلى الأمام"

خلال عشر سنوات الأولى لتأسيس منظمة "إلى الأمام" تم بلورة النظرية الماركسية اللينينية في صفوف مناضليها باعتبارها هوية أيديولوجية وسياسية للمنظمة في مواجهة الفكر البورجوازي والتحريفية الانتهازية للديمقراطية البورجوازية الصغيرة داخل الأحزاب الإصلاحية، وشكلت وثيقة "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري" الأرضية الايديولوجية و السياسية التي تم اعتمادها بعد الانسحاب من حزب التحرر والاشتراكية من طرف مجموعة من المناضلين الماركسيين اللينينية الثوريين، والتي ترتكز إلى أهمية بناء الحزب البروليتاري الثوري الضروري لبلورة مفهوم "الانطلاقة الثورية".
تضمنت وثيقة "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري!" في ديباجتها نقدا صريحا للإصلاحية الحزبية التي تقودها الديمقراطية البورجوازية الصغيرة بجميع الأحزاب الإصلاحية، وشنت هجوما صريحا على التكتل الحزبي الإصلاحي لما سمته "إعادة تكتل الأحزاب البرجوازية الوطنية" داخل ما سمته هذه الأحزاب "الكتلة الوطنية"، الشيء الذي اعتبرته منظمة "إلى الأمام" منظورا انتهازيا للنضال البرلماني البورجوازي في مواجهة "برلمانية الحكم الفردي المزيفة" في تجاهل تام لدور الشعب في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي، معتبرة ممارسة السياسيين المحترفين البورجوازيين الصغار خيانة للثورة المغربية و العربية والثورة الفلسطينية مما يتطلب توضيح الخط الأيديولوجي ل"الطريق الثوري" للمناضلين الثوريين المغاربة، الذي يشكل فيه "الحزب الماركسي ـ اللينيني" أداة ضرورية لبلورة مفهومة الثورة المغربية في علاقتها بالثورة العربية المرتبة بالثورة العالمية مما يتطلب تحديد أسس الصراع الطبقي بالمغرب.
وعملت الوثيقة على دراسة التشكيلة الاجتماعية بالمغرب بتحديدها للطبقات المتصارعة والتي تشكل فيها الطبقة العاملة بتحالف مع الفلاحين القوة الأساسية في مواجهة "الأوليغارشيا الكمبرادورية" لحسم الصراع لصالح الثورة المغربية، كما حددت التناقضات الثانوية داخل الكتلة الطبقية المسيطرة في علاقتها بتناقضات الرأسمالية العالمية باعتبارها السند الرئيسي للنظام الكومبرادوري و تقول الوثيقة: "السند الرئيسي لهذه الأوليغارشيا هو الرأسمالية العالمية. فوراء الخلافات السطحية والتي تصبح مجرد تغطية لتوزيع العمل وتقسيمه، نجد أن الوحدة العالمية الإمبريالية ما فتئت تتقوى وتتعمق تحت قيادة الإمبريالية الأمريكية".
لهذا عملت "الأوليغارشيا الكمبرادورية" على مواجهة الانتفاضة الشعبية في 23 مارس 1965 بالحديد والنار وبالتالي مواجهة جميع الانتفاضات الشعبية بنفس الحدة من القمع الشرس، وأكدت الوثيقة على دور الجيش في الصراع داخل الكتلة الطبقية المسيطرة و دور الحزب الثوري في بلورة المنظور الثوري للصراع في صفوف الجنود، نظرا لأهمية ارتباط الحزب الثوري بالجيش في الصراع ضد الإمبريالية في حسم هذا الصراع لصالح الديمقراطية البروليتارية، لذلك وضعت المنظمة أمامها مهمة بناء الحزب البروليتاري الثوري كمهمة مركزية لمنظمة الثوريين المحترفين في علاقتها ب"المعركة الثورية" التي تشكل فيها "الأطر العسكرية الوطنية" سندا للحزب، إلا أن غياب الحزب الثوري والتكوين الأيديولوجي البورجوازي الصغير لهؤلاء حال دون إدماج هذه الأطر في المعركة الثورية وفقط الحزب الثوري كفيل بتحقيق هذه المهمة الضرورية في تحقيق الثورة المغربية و تقول الوثيقة:"ويبدو أن هذا التناقض امتد إلى داخل الجيش الذي يشعر بالسياسة التي تقوم على خيانة المصالح الوطنية من طرف الأوليغارشيا الكمبرادورية التي تنتمي إليها جماعة كبار الضباط الذين أنتجتهم الجيوش الاستعمارية ... سوف يكون لنمو هذه المعركة و تجذيرها العضوي والإيديولوجي في البلاد نتائج إيجابية على هذه الأطر وعلى جماهير الجنود المنبثقة من الشعب شريطة أن يهدف كفاح الجماهير بقيادة الحزب الثوري وأن تهدف استراتيجيته وتكتيكه وتنظيمه إلى عزل الأوليغارشيا الكمبرادورية".
وبما أن الطبقة العاملة هي الطبقة الأساسية في الصراع الطبقي من منظور منظمة "إلى الأمام" فإن البورجوازية الصغيرة داخل النقابات تشكل عائقا أمام بلورة منظور الحركة العمالية الثورية في أوساط جماهير العمال، عكس ما كانت عليه النقابات والحزب الشيوعي المغربي في عهد الاستعمار المباشر من نضالية مكافحة سواء الاقتصادية منها أو السياسية بالعمل على بلورة الوعي الطبقي لدى هذه الطبقة الثورية، وتراجع المد الثوري في أوساط الطبقة العاملة بسيطرة الديمقراطية البورجوازية الصغيرة على النقابات بعد الاستقلال الشكلي يعتبر عائقا أمام نمو المد الثوري في أوساط البروليتاريا المغربية، مما جعل إنجاز الثورة أمرا صعبا بعد عزل البروليتاريا بالإدماج السياسي للقيادات النقابية في الدولة الكومبرادورية مما كرس مفهوم البيروقراطية النقابية، التي سخرت نضالات الجماهير العمالية في المساومات الحزبية الإصلاحية، وحول النقابات إلى أدوات لعرقلة تطور الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة المغربية بعد بلورة مفهوم النضال الاقتصادي الضيق الأفق في أوساط العمال بواسطة البيروقراطية النقابية، وتقول الوثيقة: "وبعد الاستقلال استطاعت الأطر النقابية المندمجة في الأجهزة السياسية للبرجوازية والبرجوازية الصغرى تكوين بيروقراطية خاصة... كانت تواجه التناقضات بالديماغوجية الناتجة عن البرجوازية بتجربتها المكتسبة على صعيد المعارك النقابية والاقتصادية، وبإيديولوجية توفر للطبقة العاملة إمكانية الانطواء على نفسها في الإطار النقابي وحده".
كل هذه العوامل جعلت بناء الحزب البروليتاري مهمة صعبة وضعت على عاتق منظمة "إلى الأمام" التي تعرضت منذ نشأتها إلى قمع شرس من طرف الأوليغارشيا الكمبرادورية بتحالف مع الإمبريالية العالمية والرجعية العربية و دعم من الإصلاحية الحزبية والبيروقراطية النقابية.
كان للتناقضات الجديدة التي أفرزها الصراع الطبقي في ظل دولة الأوليغارشيا الكومبرادورية أثر كبير في عجز الحزب الشيوعي المغربي/التحرر والاشتراكية عن بلورة الوعي الطبقي في صفوف الجماهير العمالية، نظرا لتبعيته للبيروقراطية التحريفية للحزب الشيوعي السوفييتي مما عمق التناقضات بين المناضلين الثوريين والتحريفية الانتهازية بالحزب و دفع الماركسيين اللينينيين الثوريين إلى تحديد موقفهم من البيروقراطية النقابية والإصلاحية الحزبية، التي عملت على التخلي عن المعركة الأيديولوجية وتحول الحزب الشيوعي المغربي إلى حزب ديمقراطي بورجوازي صغير يدافع عن الإصلاحية خدمة للأوليغارسيا الكومبرادورية، وتقول الوثيقة:"وبذلك قادوا هذا الحزب إلى التخلي الكلي عن المعركة الإيديولوجية وإدخالها إلى صفوف الطبقة العاملة، والتخلي عن الدور السياسي الذي يتحتم على كل حزب يقول بانتمائه إلى الماركسية – اللينينية القيام به من أجل بلورة الوعي الثوري للبروليتاريا، وذلك نظرا لاكتفاء مناضلي هذا الحزب بالقيام بالعمل النقابي المحدود في الإطار النقابي. وبدت هذه الخيانة أكثر وضوحا بعد التوجه الذي أعطي لحزب التحرر والاشتراكية الذي ما فتئ أن سقط في أفظع أنواع الانتهازية التي لا تعرف لها مبادئ".
وتعتبر البيروقراطية النقابية أخطر ما يهدد مصالح الطبقة العاملة المغربية التي انطوت على نفسها خاضعة للاستغلال البشع للأوليغارشيا الكومبرادورية وأرباب العمل الاستعماريين بعد فقدانها للدعم السياسي للحزب الشيوعي المغربي، الذي تحول إلى حزب بورجوازي صغير يتبنى النضال البرلماني الليبرالي في صراعه مع الحكم الفردي الإستبدادي للنظام الكومبرادوري مع تعاظم خياناته يوما عن يوم، وتقول الوثيقة:"إلا أن الخيانة التي تتضح يوما بعد يوم هي خيانة البيروقراطية النقابية التي تلعب بطريقة مباشرة، ليس لعبة البرجوازية الصغيرة الانتهازية فحسب، ولكن كذلك وبدون تهاون، لعبة الأوليغارشيا الكمبرادورية ولعبة أرباب العمل الاستعماريين، متخلية حتى عن المعارك النقابية المحضة، والتي تحرف بواسطة جريدتها وبقلم منظرها الرسمي إلى التلميح بشعار تفوق ما يسمى بالنخبة".
وانطلاقا من قراءة المنظمة للوضع الثوري المأزوم بالمغرب نتيجة تفشي الفكر الديمقراطي البورجوازي الصغير في أوساط السياسيين المحترفين الانتهازيين وسيطرة هذا الفكر على مضمون النضال النقابي، كان لزاما على المنظمة تحديد "الطريق الثوري" الذي يستوجبه إنجاز الثورة المغربية في علاقتها بالثورة العربية والتجارب الثورية العالمية بعد هزيمة 1967 التي كشفت زيف شعارات دول "الإقطاعيات والبرجوازيات العربية"، المتشدقة بالاشتراكية والتي فشلت في بلورة مفهوم الأنظمة الوطنية في هذه الدول نتيجة سيطرة أيديولوجية الديمقراطية البورجوازية الصغيرة عليها بدعم من التحريفية الانتهازية، مما جعل هذه الأنظمة عرقلة أمام إنجاز الثورات العربية بعد تحويلها إلى ديكتاتوريات تحارب الفكر الماركسي اللينيني و بالتالي فقدان دعم الثورة المغربية، وتقول الوثيقة: "إلا أن تأثيرات الفكر البرجوازي الصغير الذي لا زال قويا داخل الوطن العربي والمدعم من طرف الإيديولوجية التحريفية قد استطاع أن يشل نضالات الشعوب العربية حائلا دونها وتقديم دعم ملموس للثورة الفلسطينية خاصة ضد تطبيع مؤامرة التصفية التي خطتها الإمبريالية والتحريفية والحاملة اسم "مشروع روجرز".
وقد تطلب هذا الوضع من المنظمة مواجهة الإصلاحية والتحريفية الانتهازية والنضال ضد الأوليغارشيا الكومبرادورية في علاقتها بالدول الكومبرادورية المغاربية والعربية ومساندة الثورة الفلسطينية حاملة مشعل الثورة العربية، ولن يتأتى ذلك إلا ببناء الحزب البروليتاري الثوري الذي وضعت المنظمة أسسه الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية عبر تحديد "قضايا الاستراتيجية الثورية" للثورة المغربية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الثورية العربية المرتبطة بالتجارب الثورية العالمية، فاعتبرت أن المغرب يتوفر على مؤهلات الانطلاقة الثورية نظرا لاحتداد الصراع الطبقي مما يفرض على المناضلين الثوريين الماركسيين اللينينيين العمل في اتجاه بلورة مفهوم "الانطلاقة الثورية" في الواقع الملموس في علاقتها ببناء الحزب الثوري المغربي، وتقول الوثيقة: "وهذا الواجب يتجسد في تحقيق هذا الإمكان، وتحقيق الانطلاقة الثورية لمواجهة حرب العدوان الإمبريالي على أشقائنا الفلسطينيين من الخلف وإبقاء الشعلة الثورية في هذا الجزء الغربي من الوطن العربي".
وقد حتم ذلك على المنظمة وضع تصور أولي لهذا الحزب "حزب العمال والفلاحين الفقراء والمثقفين الثوريين" كما جاء في الوثيقة، الذي يستمد أيديولوجيته من النظرية الماركسية اللينينية في ارتباطها بالواقع الملموس للوضع السياسي والاقتصادي بالمغرب في علاقته بالثورة العربية المرتبطة بالثورة العالمية وحددت نقطتين أساسيتين في هياكله التنظيمية:
1 ـ على التطبيق العملي لمبدأ المركزية الديمقراطية وهذا يعني التحضير الجماعي والمتمركز من القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة ، من التطبيق إلى النظرية ومن النظرية إلى التطبيق للتوجيه الايديولوجي والعملي للتيار الثوري.
2 ـ على التطبيق الفعلي للمركزية فيما يخص المسؤوليات. إن واجب المناضل هو أن يلتزم بصرامة بمبادئ السرية التامة وبالاختيار الدقيق لمناضلي الحزب على أساس الممارسة النضالية الملموسة وعلى تهيئ الثوريين الذين يكرسون حياتهم وكل مشاغلهم لخدمة الثورة.
هكذا حددت "الأطروحة الثورية الأولى" الأسس النظرية لبناء الحزب الثوري ويبقى بلورة هذا المنظور في الواقع الملموس مهمة أساسية لمناضلي المنظمة الثورية "إلى الأمام"، التي تعتبر منظمة الثوريين المحترفين كمنظمة ضرورية لبلورة مفهوم الحزب البروليتاري الثوري في أوساط الطبقة العاملة المغربية وقف منظور البناء الحزبي في النظرية الماركسية اللينينية.
لقد اعتمدت الوثيقة الأطروحة في تصورها للثورة على مفهوم "الانطلاقة الثورية" التي اعتبرتها ممكنة لتوفر شروط الحياة المادية للانتفاضة الشعبية، مما يستوجب بناء الحزب الثوري المغربي من خلال الصراع بين القوى المتناقضة والتي تعتبر فيها البروليتاريا الصناعية والمعدنية القوة الأساسية في حسم الصراع لصالح الجماهير الشعبية، غير أن الحركة الثورية المتنامية في أوساط الجماهير الشعبية عبر انتفاضاتها الشعبية قد أفرزت "تيارات تلقائية" غير مسلحة بالأيديولوجية العلمية الثورية في أوساط الكاحدين والبورجوازية الصغيرة، مما يستوجب الارتباط بها في البوادي والمدن من أجل بلورة الفكر الماركسي اللينيني في أوساطها لدعم الانطلاقة الثورية، وتقول الوثيقة: "ويمكن في أول الأمر الارتباط بالتيارات التي تنبع في غمرة النضالات التلقائية للجماهير، هذه التيارات المنبثة من خلال تاريخ البلاد نفسه والذي يتجلى في الانتفاضات التي قام بها الفلاحون والحركة التمردية للجماهير في المدن".
ورفضت منظمة "إلى الأمام" أشكال الأيديولوجية الانقلابية التي يستغلها السياسيون المحترفون/البورجوازيون الصغار في الأحزاب الإصلاحية، والتي بلورتها الأنظمة الانقلابية العربية في دول الإقطاعيات والبورجوازيات العربية التي أبعدت المناضلين الثوريين عن الأيديولوجية الثورية/الماركسية اللينينية، ويعتبر بناء حزب العمال والفلاحين/الحزب البروليتاري الثوري المهمة الأساسية لإنجاح مهام "الانطلاقة الثورية"، وذلك بالتحالف بين البروليتاريا والفلاحين الفقراء بالمدن والبوادي اعتمادا على الأيديولوجية الماركسية ـ اللينينية المنغرسة في صفوف البروليتاريا التي يجب أن تقود الثورة بقيادة الحزب الثوري المغربي، انسجاما مع مضمون الثورة البلشفية حول تحالف العمال والفلاحين ضد منظور الديمقراطية البورجوازية الصغيرة التي تدعو إلى إبعاد الفلاحين ودعم الملاكين العقاريين، وتقول الوثيقة:"إن قيادة الثورة تتمثل في حزب العمال والفلاحين المبني على الإيديولوجية الماركسية-اللينينية والمنغرس في البروليتاريا، وبواسطة أداة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين الفقراء المباشرة عن طريق مجالس العمال والفلاحين الفقراء وجماعات النضال الشعبي للفلاحين ولسكان الأحياء الشعبية".

2 ـ من الانطلاقة الثورية إلى الاستراتيجية الثورية

أكدت الوثيقة الأطروحة على ارتباط الثورة المغربية بالثورة العربية في علاقتها بالثورة العالمية التي تعتبر فيها الثورة الفلسطينية المحرك الأساس، التي أصبحت "قوة ثورية لا تقهر" عبر الكفاح المسلح ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، مما فضح الأيديولوجية الانتهازية للبورجوازية الصغيرة وساهم في نمو الأيديولوجية الثورية العربية في اتجاه الأيديولوجية الماركسية ـ اللينينية، ولقي هذا التوجه في الثورة العربية صدى واسعا في بعض الأقطار العربية التي عرفت مدا ثوريا متقدما، وتقول الوثيقة:" إن هذا الإشعاع ما فتئ يتجسد في ثورة اليمن الجنوبي وفي نمو الحركة الثورية والتحررية في ظفار والخليج العربي وإريتريا." كما أكدت الوثيقة. إلا أن التيارات التحريفية الانتهازية والبورجوازية الصغيرة تحول دون نمو الأيديولوجية الثورية في الوطن العربي مما يستلزم محاربتها بمحاربة السياسيين المحترفين داخل الأحزاب الإصلاحية "هؤلاء السياسيون المحترفون المحكوم عليهم بالانقراض المخزي، كما كان الشأن بالنسبة للأحزاب التحريفية في مصر والجزائر وتونس".
وفي علاقتهما بالثورة العالمية تواجه الثورتين المغربية والعربية الثورة المضادة العالمية التي تقودها الإمبريالية عبر "الاستعمار الجديد" بدعم من التحريفية الانتهازية بالاتحاد السوفييتي لمواجهة "انطلاقة التحرر للشعوب"، مما يتطلب دعم "الثورة الجديدة" عبر العالم التي برزت انطلاقا من الثورة الكوبية وامتداداتها بأمريكا اللاتينية مرورا بالثورات الأسيوية الأفريقية والأوربية وانتهاء بمحاولات الثوار الأمريكان والتي تكبلهما التحريفية الانتهازية السوفييتية، وتعتبر التجربتين الصينية و الألبانية أهم هذه الثورات الجديدة اللتان أنجزتا مهام ثورية حقيقية عبر الثورة الثقافية، وتقول الوثيقة: "وإن تطور وانتصار الثورة الثقافية في الصين وألبانيا قد بعث الصورة الحية للاشتراكية وزود النضالات الثورية العالمية بمد ثوري جديد".
انطلاقا من عناصر الانطلاقة الثورية المغربية والعربية والعالمية التي ساهم فيها تداخل الصراع الطبقي بين الطبقات المسيطرة والبروليتاريا وحلفائها، ترى منظمة "إلى الأمام" أهمية بناء الحزب الثوري المغربي أساسيا لما له من أهمية في بلورة "الثورة الجديدة" ضد "الاستعمار الجديد".
وأكدت منظمة "إلى الأمام" في وثيقة "مسودة حول الاستراتيجية الثورية" على أهمية الاستراتيجية الثورية في تحقيق الثورة المغربية في علاقتها بالثورة العربية والعالمية، واعتبرت أنه يستحيل إنجاز الثورة بدون تنظيم ثوري يجسد العلاقة الجدلية بين النظرية الثورية والممارسة الثورية للمناضلين الثوريين، انطلاقا من أن الهدف الأسمى لكل ثورة هو الاستيلاء على السلطة مما يوجب على المنظمة بلورة مفهوم العمل الجماعي والتفكير الجماعي "داخل الحركة الثورية للجماهير"، ذلك ما تم بلورته في مسألة الاستراتيجية الثورية مما أعطى للتنظيم، انطلاقا من المنظور الجديد للمنظمة، بعدا أدق وأشمل، بدءا بالنقاش حول مضمون "الكفاح المسلح كطريق للثورة" الذي تباينت حوله الآراء مما ساهم في بلورة منظور جديد لمسار الثورة المغربية، وتقول الوثيقة:"هذا الانفصال الذي كان على مبدأ واحد: هو ضرورة الكفاح المسلح كطريق للثورة. وهكذا تواجدت خلال تلك المرحلة مواقف متباينة حول قضية الاستراتيجية من الغيفارية، إلى الانتفاضة البلشفية، إلى حرب التحرير الشعبية." كما جاء في الوثيقة، وانتهاء بوضع أسس الممارسة الثورية الجديدة عبر مفهوم "حرب التحرير الشعبية".
وهكذا بدأ يتضح مسار بناء الحزب الثوري المغربي ببروز العلاقة الجدلية بين "الانطلاقة الثورية" التي تستند إلى "التقدم الهائل لكفاحات الجماهير" و"الاستراتيجية الثورية" التي أوضحت "طريق الثورة" عبر "حرب التحرير الشعبية".
واتخذت المنظمة من التجربتين الثوريتين بروسيا والصين السند الأساس لأطروحاتها حول الاستراتيجية الثورية في علاقتها بالتنظيم الثوري، فكانت ثورة 1905 بروسيا السند النظري لتحقيق "الانطلاقة الثورية" في علاقتها بتفكيك نظام الأوليغارشيا الكومبرادورية وهي انتفاضة شعبية تعبد الطريق الثوري للحرب الشعبية التي بدونها لا يمكن السيطرة على السلطة، و كان لفشل الأيديولوجية الانقلابية في 10 يوليوز 1971 التي سبق للمنظمة أن انتقدت منطلقاتها في تجارب دول الإقطاعيات البورجوازيات العربية، أثر كبير في تعزيز مبدأ "حرب التحرير الشعبية" في الاستراتيجية الثورية لمنظمة "إلى الأمام" انطلاقا من انتقاد النظرة الميكانيكية التي تحكم مفهوم "الانطلاقة الثورية"، مما جعلها تتخذ من تجربة الثورة الصينية السند الأساس لاستراتيجية الحزب الثوري المغربي، الذي يجب أن يتجاوز مسار بنائه العلاقة الجدلية بين العمل السياسي وعفوية الجماهير إلى العلاقة الجدلية بين العمل السياسي و العمل المسلح .
فبعد سنة من التأسيس شرعت منظمة "إلى الأمام" في تغيير منطلقات بناء الحزب الثوري المغربي بالتخلي عن مفهوم "الانطلاقة الثورية"، هذا البناء الذي يجب أن يتخذ مسارا جديدا مناقضا تماما للمسار الأول يستند إلى "حرب التحرير الشعبية"، الذي تجاوز عفوية الجماهير عبر انتفاضاتها الشعبية إلى تنظيم الجماهير المسلحة، مما يضع أمام الحزب مهمة تهيئ الجماهير إلى الكفاح المسلح، وشكل بناء "القواعد الحمراء المتحركة" في منظور المنظمة للاستراتيجية الثورية منطلقا أساسيا للحزب في تهيئ الجماهير المسلحة، انطلاقا من انتقادات المنظور الميكانيكي لمفهوم "الانطلاقة الثورية" بعد دراسة التجارب الثورية الوطنية والعالمية، وتقول الوثيقة: "هذه الانتقادات التي تبلورت بشكل متكامل خلال نقاشات الندوة الوطنية التي شكلت حدا فاصلا في تطور تنظيمنا، بفعل الممارسة النقدية الشاملة لممارساتنا السابقة. هذه الانتقادات مكنتنا من استخلاص آفاق استراتيجية جديدة تمكن من رؤية أوضح للطريق الثوري لكفاح الجماهير والتخلي نهائيا عن مفهوم "الانطلاقة الثورية" في اجتماع يناير للجنة الوطنية. وهكذا برزت فكرة القواعد الحمراء المتحركة باعتبارها الاستراتيجية التي تنبع من التحليل الملموس لواقعنا الوطني والدولي ومن دراسة التاريخ النضالي للشعب المغربي والتجربة الغنية لثورات الشعوب".
و اعتبرت منظمة "إلى الأمام" أن فكرة القواعد الحمراء المتحركة لا يكفي لتحقيق الثورة المغربية حيث طرح أمامها كيفية إشراك الشعب كله في حرب التحرير الشعبية، وأمام نظام رجعي مستبد تسانده الإمبريالية العالمية يعمل على سحق الانتفاضات الشعبية بالحديد والنار وانطلاقا من دراسة تجارب الانتفاضات الشعبية الفاشلة بالمدن والبوادي المغربية، وأكدت المنظمة على أن فكرة "حرب العصابات" غير ناجعة في ظل الشروط الذاتية والموضوعية للثورة المغربية ، حيث لا يمكن لتكتيك هذه الصيغة من التنظيم العسكري أن تصمد أمام هجوم قوات نظامية مسلحة بأحدث الأسلحة ومدعومة من طرف الإمبريالية، وتقول الوثيقة :"ففي مثل هذه الشروط فإن تكتيك حرب العصابات المتنقلة يفتقد الظروف الموضوعية لنجاحه، فوجود حكم رجعي مركزي من جهة واستعداد الإمبريالية للتدخل للدفاع عن مصالحها من جهة أخرى سيحد من فعاليتها".
واستندت المنظمة في ذلك إلى تجرب الثورة الصينية التي اعتمدت في استيلائها على السلطة على تكتيك القواعد الحمراء المتحركة في دفع الجماهير نحو الحرب الشعبية الشاملة، وعبر هذه القواعد يتم تأسيس الجيش الأحمر من الفلاحين والعمال والجنود الثوريين بعد تدمير أجهزة النظام العسكرية والاستيلاء على السلطة، وكانت التجربة الصينية لتأسيس الكتائب العسكرية الأولى اعتمادا على انتفاضة الفلاحين سندا لنظرية الاستراتيجية الثورية للمنظمة من أجل تأسيس الجيش الأحمر، وتقول الوثيقة: "ولا ننسى أن انتفاضات الفلاحين في الصين في السنوات 27 – 1928 هي التي خلقت الكتائب الأولى للجيش الأحمر في الصين. إن هذه القواعد الحمراء المتحركة تختلف عن مناطق السلطة السياسية الحمراء في الصين، تلك التي تحدث ماوتسي تونغ عن إمكانية استقرارها واستمرارها في مقال "لماذا يمكن أن تبقى السلطة السياسية الحمراء في الصين؟".
وتشكل العلاقة الجدلية بين الانتفاضة الشعبية بالمدن وحرب التحرير الشعبية بالبوادي السند الأساسي لتغيير منظور منظمة "إلى الأمام" للاستراتيجية الثورية، انطلاقا من العلاقة الجدلية بين التجربتين الروسية والصينية في العلاقة بين الانتفاضة الشعبية وحرب التحرير الشعبية، باعتبارهما شكلين لثورتين عالميتين متناقضتين متكاملتين، في العلاقة بين الحرب النظامية وحرب القواعد الحمراء المتحركة، في العلاقة بين السرية في العمل السياسي والعلنية في العمل الجماهيري، في العلاقة بين العمل السياسي والعمل العسكري، في العلاقة بين الاستراتيجية الثورية وبناء الحزب الثوري المغربي. لقد استطاعت منظمة "إلى الأمام" بعد سنة من تأسيسها تحديد الطريق الثوري للثورة المغربية التي يشكل فيها بناء الحزب الثوري المغربي مهمة أساسية لمنظمة الثوريين المحترفين، ولم تغفل المنظمة قوة العدو الطبقي المتمثل في الأوليغارشيا الكومبرادورية والمدعوم من طرف الإمبريالية عالميا مما جعلها تغير استراتيجيتها الثورية بسرعة فائقة حتى يتخذ البناء الحزبي الثوري مساره الصحيح، والتي طرحتها للنقاش مع تيارات الحركة الماركسية اللينينية المغربية الأخرى كشكل من أشكال العمل السياسي الجماعي بين الفصائل، إلا أن الاعتقالات التي مست منظمة "23 مارس" حالت دون تحقيق النقاش الجماعي وبلورة الخلاصات الجماعية، وساهم انهيار مناضليها أمام آلة القمع البوليسية على امتداد الاعتقالات إلى صفوف منظمة "إلى الأمام" بعد بروز الاستراتيجية الثورية الجديدة، مما وضع أمام المنظمة وبإلحاح شديد مهمة بناء الحزب الثوري المغربي الكفيل ببلورة الاستراتيجية الثورية الجديدة في أرض الواقع.

3 ـ العلاقة بين القيادة البروليتارية والجبهة الثورية

في الوقت الذي شن فيه نظام الأوليغارشيا الكومبرادوري حربه العشواء ضد الماركسيين اللينينيين من أجل تدمير منظماتهم الثورية، قامت المنظمة بمراجعة عملها في السرية عبر إصدار وثيقة "لنبني الحزب الثوري تحت نيران العدو" التي اشتملت على قواعد مواجهة القمع البوليسي الشرس، واختلفت آراء المناضلين حول مواجهة هذا الوضع الخطير على منظمتهم الثورية مما جعلها تستند في موقفها الجديد للممارسة السياسية على دراسة تجارب المنظمات الماركسية عالميا، بدءا بموقف الحزب البلشفي خلال فترة الأزمة من 1907 إلى 1910 الذي اعتبر ارتباط الحزب بالجيش أمرا لا مناص منه في كل الظروف و في أقصاها قسوة، مرورا بموقف الحزب في أزمة 1921 بعد الحرب الأهلية الذي يرتكز إلى "قيادة المعارك الدفاعية للبروليتاريا" وتطويرها لرفعها إلى مستوى "معارك سياسية من أجل الهدف النهائي" في مواجهة الإمبريالية، و موقف المناضلين الثوريين الصينيين المرتبطين بالجيش من موقف الحزب الشيوعي الصيني في 1929 ضدهم، وموقف الحزب الشيوعي الألباني في 1941 الذي أكد على أهيمة الالتحام بالجماهير في ظل الأزمة، وصولا إلى تجربة الحزب الشيوعي الفيتنامي في مواجهة القمع والاعتقالات والقتل خلال الحرب ضد الإمبريالية. وتشكل دراسة هذه التجارب الثورية العالمية سند منظمة "إلى الأمام" في بلورة مفهوم البناء الثوري للحزب الماركسي ـ اللينيني "تحت نيران العدو" الذي يرتكز إلى محاربة الانطواء في صفوف مناضليها والانعزال عن الجماهير، انسجاما مع أسس بلورة الاستراتيجية الثورية الجديدة في أوساط الجماهير في علاقتها ببناء الحزب الثوري المغربي وحددت لذلك مبدأين أساسيين:
1 ـ أن الجماهير هي التي تصنع تحت القيادة السياسية والأيديولوجية للبروليتاريا.
2 ـ هذه القيادة يحققها الحزب الماركسي-اللينيني, كنواة قائدة للطبقة العاملة والجماهير الثورية.
وخلصت المنظمة إلى أهمية العلاقة الجدلية بين القيادة السياسية والممارسة البروليتارية في العلاقة بين القيادة والجماهير الشعبية التي تنبثق منها هذه القيادة و باستمرار، وتقول الوثيقة: "ليس هناك "قادة" يمتازون بامتلاك المعرفة ويقدمونها للمناضلين ونستنتج أيضا أن تكوين منظمة ماركسية-لينينية في قلب نضال الجماهير وفي قلب ممارستها الثورية هو وحده الذي يسمح, حتى من خلال هجمات العدو, بإعداد خط سياسي صحيح يدفع بدوره إلى بروز مقاتلين جدد وكوادر ثورية جديدة من وسط هذه الجماهير".
وأكدت منظمة "إلى الأمام" على أن تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية لا يمكن أن يتم إلا عبر الديمقراطية البروليتارية التي تقودها دولة ديكتاتورية البروليتاريا، ففي ظل الأزمة لا يمكن فقط ممارسة الهجوم على العدو بل يجب كذلك تعلم علم "التراجع الصحيح" كما قال لينين عن دور الحزب البولشيفي بعد أزمة 1907، مما طرح أمام المنظمة كيفية بلورة "التراجع الصحيح" في ظل وجوب استمرار المعركة خاصة و أن المنظمة في طور التكوين والتأسيس في الوقت الذي يجب عليها الالتحام بالجماهير الشعبية، و اعتمادا على انتقاد لينين لتجربة الحزب البولشيفي في لحظة الأزمة في علاقته بالجماهير الشعبية الثائرة غير القادرة على قيادة الثورة واستمراريتها بدون الحزب الثوري، تقول الوثيقة:"ولكن هل يمكن أن نتصور أن تتراجع قيادة أركان حرب تاركة الجيش يتدبر أمره وحده؟ هل نتصور قيادة أركان حرب لا تنظم التراجع؟ إن هكذا لا يعني معرفة وإتقان التراجع, ولكنه وبكل بساطة عدم تحمل مسؤولياتها".
وأكدت المنظمة أن التخلي عن النضال في أوساط الجماهير الشعبية بدعوى الأزمة لا يمكن اعتباره إلا خيانة تاريخية للثورة المغربية، واستندت المنظمة إلى تجربة الحزب الشيوعي الصيني في مسألتي "التراجع الاستراتيجي" و"الدفاع والهجوم الاستراتيجي" التي أوضحهما ماو تسي تونغ. واستخلصت المنظمة قواعد النضال الثوري من خلال دراسة التجربتين الروسية و الصينية بأسلوب الديالكتيك الماركسي المنافي للتصور الميكانيكي للعمل بتجارب الشعوب، مما يتطلب دراسة الواقع الموضوعي السياسي والاقتصادي للثورة المغربية لاستخلاص استراتيجية العمل السياسي في علاقته بالعمل العسكري لتجاوز الأزمة، في العلاقة الجدلية بين استراتيجية الثورة واستراتيجية التنظيم التي حددتها المنظمة في مبادئ التنظيم الثوري كما يلي:
- المبادئ اللينينية للحزب الثوري.
ـ كيف ترتبط الاستراتيجية الثورية في المغرب باستراتيجية التنظيم.
- كيف ترتبط استراتيجية التنظيم بمبادئ الدفاع الاستراتيجي المذكورة سابقا.
و أكدت المنظمة على المباديء اللينينية للحزب:
- تنظيم الثوريين المحترفين والمتجذرين داخل نضال الجماهير, هي الدعامة التي يقوم عليها الحزب.
- إن منظمة الثوريين المحترفين تتكون من مناضلين انبثقوا من نضال الجماهير في سيرورة مرتبطة جدليا بإعداد الخط السياسي للحزب وانطلاقا من هذه الممارسة الثورية الجماهيرية نفسها لا من خلال تكوين إيديولوجي داخل حلقة مغلقة.
- إن الحزب ليس منظمة الثوريين المحترفين المتفوقين على الجماهير, كما يدعي تقديم ما العمل في الطبعة الفرنسية لسلسلة كتاب الجيب Livre de poche بل إن الحزب مجموعة مكونة من منظمة الثوريين المحترفين إضافة إلى المناضلين الماركسيين اللينينيين في المنظمات الثورية الجماهيرية.
- من هنا بالذات, ومن خلال هؤلاء المناضلين, فإن الحزب يرتبط ويندمج(...) بالمنظمات الجماهيرية, في نفس الوقت الذي يقودها على مستويات مختلفة من الوعي الثوري, ويتغذى منها.
وارتكزت المنظمة في منظورها لبناء الحزب البروليتاري على المنظور الماركسي اللينيني انطلاقا من أعمال ماركس في نقده لفيورباخ في الأطروحة الثالثة وما أضافه لينين لها من توضيحات في أطروحته خطوتان، وركزت المنظمة على أهمية توسيع الحزب الثوري الذي يجب أن لا يبقى محصورا على المناضلين الثوريين المحترفين انطلاقا من تأكيد لينين على حاجة الحزب للمنظمات الأكثر والأقل توسعا على السواء، في ظل بلورة العلاقة بين السرية والعلنية في العمل داخل:
ـ منظمات الثوريين المحترفين.
ـ منظمات عمالية موسعة.
ـ منظمات عمالية مرتبطة بالحزب.
ـ منظمات غير مرتبطة بالحزب.
واعتمدت المنظمة في تحليلاتها الاستراتيجية الثورة المغربية على النظرية الماركسية اللينينية التي تؤكد على ضرورة "تحريك كل طبقات الشعب" من أجل رفع الوعي الثوري لدى الطبقة العاملة، ذلك ما يتطلبه بناء الحزبي الثوري المغربي في بلد تشكل فيه الطبقة العاملة أقلية من سكان المدن مما يستوجب طريق "حرب التحرير الشعبية" كطريق للثورة المغربية، الشيء الذي يتطلب انطلاق النضال الثوري بالبوادي والمدن مما يساهم في تنمية الوعي البروليتاري من خلال بناء "الجبهة الثورية للعمال والفلاحين" التي تساهم في بناء قيادة ثورية بروليتارية، اعتمادا على الديالكتيك الماركسي في العلاقة بين الثوريين المحترفين وجبهة العمال والفلاحين بانتقال الوعي من المثقفين إلى العمال ومن العمال إلى الفلاحين، تقول الوثيقة:"ومرة أخرى فإن بناء جبهة ثورية كهذه وبناء قيادة بروليتارية, ليس بناء آليا, أكاديميا: إعطاء العلم من المثقفين إلى العمال ومن جماهير العمال إلى جماهير الفلاحين, هذا البناء هو تحريك ديالكتيكي للعناصر المتقدمة أكثر التي تتأصل و تتجذر اليوم موضوعيا داخل قوى الشباب وداخل مجموع الجماهير الثورية في البلاد, أي داخل جماهير الفلاحين وفي نفس الوقت داخل الطبقة العاملة".
وألحت المنظمة على أهمية "المنظمات الثورية للشباب المدرسي" من طلبة وتلاميذ المرتبطين بالطبقة العاملة بالمدن والبوادي، في رفع الوعي الثوري لدى جماهير العمال والفلاحين، مما يجعل منظمة الثوريين المحترفين تستمد نموها من نضالات هذه المنظمات الثورية الجماهيرية التي يتم توجيهها من طرف الماركسيين اللينينيين للمساهمة في فرز العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة المتقدمة، ومن خلالها يتم تغذية منظمة الثوريين المحترفين في إطار الاستراتيجية الثورية لبناء الحزب الثوري في علاقته بإنجاز الثورة المغربية، إذ ليس فقط بالتكوين النظري يمكن فرز العمال والفلاحين المتقدمين بل كذلك باندفاع النضال الجماهيري العفوي في العلاقة بين النظرية والممارسة، إذ لا يجب على الثوريين المحترفين اعتبار أنفسهم فوق الجماهير وتحويل أنفسهم إلى معلمي ومربي جماهير العمال والفلاحين بل يجب كذلك أن يتعلموا من النضالات الجماهيرية العفوية كما يقول لينين، واعتبرت المنظمة الجريدة ذات أهمية قصوى باعتبارها "المنظم الجماعي" كما يقول لينين بجعلها أداة تربط العلاقة بين منظمة الثوريين المحترفين والمنظمات الثورية الشبابية والعمالية، تقول الوثيقة: "وضرورة جعلها أداة لتوجيه نضالات الجماهير, ولتكوين الكوادر البروليتارية في نفس الوقت, وذلك بالاندماج في الحركة الماركسية اللينينية, بالوصول إلى منظمة الثوريين المحترفين والمناضلين العمال والمناضلين المنحدرين من الشبيبة المدرسية".
وبعد هجوم الأوليغارشيا الكومبرادوية على مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية بالقمع والاعتقالات التي مست بعض قياداتها، ركزت منظمة "إلى الأمام" على بلورة هذا المنظور الجديد لبناء الحزب الثوري المغربي وقف استراتيجية ثورية جديدة تعتمد العمل السري في علاقته بالعمل العلني، بالصمود أمام آلة القمع البوليسية من طرف المناضلين الماركسيين اللينينين بالعمل على بلورة المنطلقات الثورية في أوساط جماهير العمال والفلاحين، وحددت المنظمة أسس العمل السياسي الثوري في ظل القمع الشرس للنظام الكومبرادوري فيما يلي:
1- بأنه في الوقت الذي نركز فيه مجهوداتنا لبناء حركة ثورية صلبة, فإن من المستحيل تجنب على الدوام أي اعتقال في صفوف المنظمات الماركسية اللينينية كيفما كانت درجة إتقان هيكلتها العضوية.
2 - بأن قدرة الرفاق على الصمود , كشرط أساسي لكي تكون الضربات التي يوجهها العدو محدودة, متعلقة مباشرة بتجذرهم داخل الجماهير, المصدر الوحيد والعميق للقوة وللثقة في الإيديولوجية الثورية.
3- بأنه بقدر ما تكون المنظمات الماركسية- اللينينية متجذرة داخل الجماهير؛ حتى إن كانت هذه الجماهير في المرحلة الراهنة- متكونة من الشباب الثوري؛ بقدر ما يتكون مكافحون ثوريون جدد وكوادر ثورية جديدة, والتي تأتي لتخلف الرفاق الذين سقطوا في المعركة, ولتقدم هذه المعركة إلى الأمام رغم ضربات العدو.
4 - بأن الرفاق الذين اعتقلهم العدو ليسوا لهذا السبب ضائعين من المعركة؛ ففي سجون العدو تنصهر كما كتب هو شي منه نفسه من سجنه سنة 1931, الطليعة التي يمنحها الشعب ثقته, ففي يوم ما سيخرج نضال الشعب هؤلاء الرفاق من السجن, وأن الخمس سنوات من سجن الأشغال الشاقة التي قضاها معظم كوادر الحزب الشيوعي الفيتنامي من سنة 1931 إلى سنة 1936 تظهر اليوم جد قصيرة بالنسبة للتاريخ المظفر للثورة الفيتنامية.

4 ـ الأسس المادية لتوحيد الماركسيين اللينينيين

كان توحيد الماركسيين اللينينين من المشاغل الأساسية لمنظمة "إلى الأمام" على اعتبار أن المنظمة الثورية الموحدة هي الكفيلة ببناء الحزب الثوري المغربي، وسلكت في ذلك أسلوب النقاش مع المنظمتين الماركسيين اللينينيتين "23 مارس" و"لنخدم الشعب" سعيا إلى بناء استراتيجية ثورية موحدة في علاقتها باستراتيجية بناء الحزب الثوري.
وتشكل وثيقة "من أجل بناء خط ماركسي لينيني لحزب البروليتاريا المغربي" أهم الوثائق التي تناولت علاقة المنظمة بالفصائل الثالث من أجل ضبط الخلافات الأيديولوجية والسياسية وتجاوز وضعية التشرذم للارتقاء بالحركة إلى مستوى التوحيد، وركزت المنظمة على الصراع المنظم الديمقراطي بين الفصائل الثلاثة إلا أن الانتهازية اليمينية لقيادة "23 مارس" دفعتها إلى طرح هذا الصراع جماهيريا من أجل الوضوح الأيديولوجي والسياسي، من لكشف الخط التحريفي اليميني داخل الحركة الماركسية اللينينية ومحاربته للمساهمة في بناء الخط الثوري للحركة الماركسية اللينينية المغربية، واعتبرت المنظمة أن الصراع الأيديولوجي والسياسي ليس مع منظمة "23 مارس" نفسها إنما ضد الخط التحريفي اليميني داخلها، مما يستوجب ربط العلاقة مع قواعدها المرتبطين بالخط الماركسي اللينيني وجرهم إلى النضال المشترك جماهيريا، من أجل عزل الخط الانتهازي اليميني داخل الحركة الماركسية اللينينية ووضع أسس توحيد الماركسيين اللينينيين بتوضيح الخط الثوري للثورة المغربية في العلاقة بين الاستراتيجية الثورية واستراتيجية بناء الحزب الثوري.
ووضعت منظمة "إلى الأمام" المبادئ الأساسية للنقاش المنظم الديمقراطي كما يلي:
1 ـ النقاش النزيه والهادف وتجنب كافة الأساليب الخاطئة والحلقية، النقاش الذي ينطلق من المفاهيم الأساسية ليصل إلى القضايا العملية.
2ـ إشراك مجموع قواعد المنظمتين بصورة فعالة في هذا النقاش مع حق إبداء آرائها بدون التقيد بالمواقف الرسمية.
3ـ احترام الالتزامات المشتركة والعمل على الحفاظ على روح الوحدة والاتفاق وعدم اللجوء إلى الابتزاز والتزييف.
4 ـ الانطلاق من التجارب العملية لكل منظمة في النقاش الجاري وفي تدعيم المواقف.
5 ـ النقد الذاتي كسلاح فعال بيد الماركسيين اللينينيين في تجاوز الأفكار والممارسات الخاطئة .
6 ـ خلق الشروط لتدعيم الممارسة المشتركة، وهذا العمل يمكن أن يتم في مجرى النقاش، وليس بعده، على أساس التحاليل السياسية الموحدة ومهام محددة، وعلى الرفاق أن يعيروا هذه المسألة الاهتمام الكافي، إذ تسمح بتوفيــر مناخ نضالي ورفاقي يساهم في تطوير النقاش الديمقراطي المنظم، ويسمح بممارسة القناعات والمواقف، ويخدم مهمة النضال ضد الحكم.
7 ـ ضرورة توفر برنامج متكامل للتوحيد حالما يتم قطع الشوط الأساسي في النقاش الديمقراطي المنظم، يحدد المراحل المتتالية لعملية التوحيد بشكل علمي.
وتشكل النقاط الثماني عشرة الواردة في مسألة الحزب بهذه الوثيقة الأطروحة المتكاملة لبناء حزب بروليتاري ثوري مغربي، باعتبار أن بناء الحزب البروليتاري الماركسي اللينيني يشكل مهمة مركزية داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية مما يتطلب تحديد الخط السياسي الثوري للماركسيين اللينينيين المغاربة، وكانت الأطروحة المقدمة في وثيقة "لنبني الحزب الثوري تحت نيران العدو" المرتكز الأساسي للمنظمة في ظل القمع الشرس المسلط على الماركسيين اللينينيين، والمناقض لنظرية منظمة "23 مارس" التي تدعو إلى "بناء الحزب في السلم" و"نظرية الأطر" و"الخط الداخلي" التي اعتبرتها المنظمة نظرية بورجوازية ، وبناء الحزب الثوري يتطلب النضال الكفاحي الثوري في أوساط جماهير العمال والفلاحين المنسجم مع الأطروحة الماركسية اللينينية، وتقول الوثيقة: "هذا الحزب الثوري المنشود هو حزب البروليتاريا الطبقي، يضم الفصيل الطليعي من البروليتاريا، الفصيل المنظم والمسلح بعلم الماركسية اللينينية، ويقود التحالف العمالي الفلاحي ومجموع الجماهير الكادحة في جميع مراحل النضال، في الهجوم والتراجع، وقد أكدنا على النضال الدفاعي في حالة هجوم العدو المتواصل الذي ينهج نظام الحسن- عبد الله- الدليمي ببلادنا، لأن الانحراف اليميني يقوم بتنظير انكماش الثوريين في حلقات التكوين النظري في حالة هجوم العدو وتراجع الجماهير الغير المنظم، إن على الحزب الثوري أن يحتفظ بارتباطه بالجماهير في جميع مراحل النضال وفي أحلك الشروط و أشدها قسوة، وان يكون هيأة الأركان العامة التي تقود العمليات الحربية لجيشها، ولا تنفصل عنه لحظة، مهما كان هذا الجيش صغيرا، ومهما كانت الظروف التي يقاتل فيها".
وأكدت المنظمة على دور الطبقة العاملة في القيادة الطليعية للحزب الثوري المغربي مما يتطلب التركيز في بناء الحزب البروليتاري الثوري أولا على تأسيس نواة حزبية بروليتارية تستند إلى العمال الصناعيين والمنجميين بالمدن والبوادي، وأكدت الوثيقة على أسس الهوية الطبقية للحزب البروليتاري الثوري باعتبار الماركسية اللينينية أيديولوجية الطليعة الثورية ووضعت المبادئ الأساسية لذلك كما يلي:
ـ لأن الحزب الثوري هو حزب البروليتاريا الطبقي، هو الفصيل الطليعي المنظم من البروليتاريا ومسلح بالماركسية اللينينية، وقيادة البروليتاريا ليست مسالة نظرية فقط ، بل هي مسألة عملية، فلا يمكن تصور الحزب الثوري بدون هوية طبقية فعلية.
ـ لأن البروليتاريا هي الطبقة الثورية حتى النهاية، التي يؤهلها واقعها الموضوعي لقيادة الثورة، في مرحلة النضال ضد الامبريالية، إلى النهاية وانتصار الثورة الوطنية - الديمقراطية- الشعبية والسير بها بخطى ثابتة نحو الاشتراكية.
ـ لأن البروليتاريا المغربية بما تملك من تقاليد نضالية راسخة ما يقرب من أربعين سنة قد أظهرت جدارتها واستحقاقها لقيادة الثورة، سواء في معركة التحرر الوطني ضد الاستعمار المباشر أو في النضال الوطني الديمقراطي ضد الاستعمار الجديد.
وانطلاقا من تجربة النضال الثوري للفلاحين ضد الاستعمار المباشر والنضال الثوري للطبقة العاملة المغربية بالمدن المنحدرة أصلا من البوادي في علاقتهما بانتصارت المقاومة وجيش التحرير، فإن المد الثوري للجماهير الشعبية بعد الاستقلال الشكلي/الاستعمار الجديد لم يتوقف إلا بعد انحراف الحزب الشيوعي المغربي الذي ترك الطبقة العاملة المغربية تحت رحمة الأوليغارشيا الكومبرادورية والبورجوازية الوطنية، ورغم التحريفية الانتهازية نمت شروط الانطلاقة الثورية للجماهير الشعبية من جديد في ظل الاستعمار الجديد في المدن منذ 1963، وحددت المنظمة أسس العمل الثوري في أوساط الجماهير العمالية كما يلي:
ـ الاندماج بنضالات الطبقة العاملة العفوية والاقتصادية والعمل على قيادتها، ووضعها في اتجاه جذري.
ـ التركيز على المراكز البروليتارية الأساسية التي تؤهلها شروطها الموضوعية لبلورة نواة البروليتارية صلبة.
ـ القيام بالتحقيقات في أوضاع الطبقة العاملة و نضالاتها، واستخراج الدروس منها.
ـ دمج الماركسية اللينينية بنضالات الطبقة العاملة ونشرها على أوسع نطاق.
ـ تكوين أطر البروليتاريا صلبة و ثوريين محترفين يشكلون النواة البروليتارية.
ـ بناء اللجان العمالية كإحدى أدوات إنجاز هذه المهام.
واعتبرت المنظمة أن بناء الحزب الثوري لا ينتهي عند تأسيس نواة بروليتارية بل يتعدى ذلك إلى بناء تحالف العمل والفلاحين إذ يعتبر الفلاحون القوة الثورية الأساسية في الثورة المغربية، وتعتبر القيادة البروليتارية ذات أهمية قصوى في جعل قوة الفلاحين جبارة وبدون الطليعة البروليتارية الثورية تكون هذه القوة الجبارة فارغة من مضمونها الطبقي، كما لا يمكن للأطر الثورية تحقيق هذا العمل بالارتباط الميكانيكي بالطبقة العاملة إنما في العلاقة الجدلية بين العمل بالمدن والبوادي بالارتباط بجماهير العمال والفلاحين ل"خلق نقاط ارتكاز تشكل انطلاق العمل الثوري في الفلاحين وفي البادية عموما" كما جاء في الوثيقة، التي اعتبرت المثقفون الثوريون أساس تغذية الأطر الثورية لبناء نواة طليعة ثورية، وتقول الوثيقة: "إن المصدر الأساسي للأطر في الشروط الراهنة وللحركة الماركسية اللينينيية هم المثقفين الثوريين، من حركة الشبيبة المدرسية بدرجة أولى ، ويشكلون الوسيلة الأولى مرحليا في عملية بناء الطليعة البروليتارية، إن الشبيبة المدرسية هي المعبر عن الوعي الحسي للجماهير الكادحة، وتشكل أداة حاسمة في نشر الماركسية اللينينية، وانحدار أوسع جماهير الشبيبة المدرسية من العمال والفلاحين يشكل ميزة هامة في هذا المجال، ولهذا فهي تفرز المثقفين الثوريين المرتبطين عضويا بالجماهير الكادحة. لكن الأمر يقتضي بلترة سائر المثقفين الثوريين، الذين يبقون من الرغم من ذلك معرضين لتأثير الإيديولوجيات الرجعية و البرجوازية السائدة في المجتمع، بواسطة الاندماج بنضالات الجماهير الكادحة و التشبع بخط الجماهير و بالماركسية اللينينيية، ذلك هو ما نقصده بمفهوم إعادة التربية".
وأكدت المنظمة على دور المثقفين الثوريين في بلورة الفكر الماركسي اللينيني في أوساط جماهير العمال والفلاحين، انطلاقا من الممارسة البروليتارية التي يجب أن ترتكز إلى التصور الماركسي اللينيني للممارسة العملية في علاقتها بالنظرية الثورية، التي تحث على الانصهار في أوساط الجماهير والتعلم من تجاربها الخاصة التي تبنيها انطلاقا من حركاتها العفوية التي يجب توجيهها من داخل الطبقتين، دون اعتبار المثقفين الثوريين فوق الطبقات ولعب دور المعلم المربي بل توجيهها من صلب هاتين الطبقتين بقيادتها الطليعية، وتقول الوثيقة: "إن دور المثقفين الثوريين لا زال كبيرا، لكنه بغية عدم السقوط في النخبوية والتحريفية، ينبغي عليهم الانخراط في الممارسة مع الجماهير الكادحة والتعلم منها، من أجل التخلص من رواسب المعرفة الرجعية والبرجوازية والتربية التي يتلقونها في مجتمع الاستعمار الجديد، وينبغي إعادة تربيتهم في سياق نضالهم من أجل بلورة الطليعة البروليتارية، ذلك أن المربي هو نفسه في حاجة إلى تربية".
وأكدت المنظمة على أهمية توحيد الماركسيين اللينينين في إنجاز مهمة بناء الحزب البروليتاري الثوري انطلاقا من تحدي الخط السياسي الثوري عبر التحليل الملموس للوضع السياسي الراهن، والذي يرتكزا إلى العمل المشترك بين الفصائل في أرض الواقع و قيادة المعارك الجماهيرية في الوقت الذي يشكل فيه النقاش المنظم الديمقراطي بينها المرتكز الأساسي للوضوح الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي، وتقول الوثيقة: "في مسألة التوحيد توجد بيننا اتفاقات باستثناء ما أشرنا إليه، بالإضافة إلى عدم إعطاء الرفاق الأهمية البالغة لمسألة بناء علاقات نضالية مشاركة، على أساس رؤية موحدة للوضع السياسي في كل مرحلة وللمهام التي يتطلبها، إن ذلك سيشكل وسيلة أساسية لتحقيق المزيد من التقارب الإيديولوجي والسياسي وممارسة القناعات الموحدة وتدعيمها، وتمتين جبهة النضال ضد الحكم الرجعي، ولهذا ندعو الرفاق إلى إعطاء هذه المسألة أهميتها البالغة، وذلك ما ننهجه حتى مع رفاق "23 مارس" لمصلحة النضال ضد الانحراف اليميني ذاته وتصفيته".
ونظرا لأهمية استراتيجية بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي في علاقته بالاستراتيجية الثورية وتوضيح الطريق الثوري، عملت المنظمة على وضع المبادئ الأساسية لعمل الحزب البروليتاري الثوري المغربي كما يلي:
ـ المركزية الديمقراطية: القائمة على جدلية الطليعة والجماهير، وتوفير منظمة حديدية وموحدة الإرادة والفكر والممارسة، وتفتتح مجال الانتقاد والابتكار، ومتدفقة الحيوية، على أساس وحدة الانضباط على جميع المستويات، وينبغي ممارسة المركزية الديمقراطية مع الجماهير وذلك من خلال جدلية المنظمة و التنظيمات الثورية الشبه جماهيرية و المنظمات الجماهيرية.
ـ النقد والنقد الذاتي داخل المنظمة وأمام الجماهير.
ـ القيادة الجماعية: عبر ضرب كافة أشكال تسلط الفرد والمبادرات الفردية اللامسؤولة، إن هذا المبدأ يجسد مفهوم البروليتاريا للعالم على صعيد الممارسة التنظيمية.
ـ الانضباط البروليتاري الصارم والموحد على كافة المستويات.
يتطلب تطبيق هذه المبادئ الشروط التالية:
ـ تعزيز الطابع البروليتاري للمنظمة وبلترة الأطر.
ـ تشديد التثقيف النظري والصراع الإيديولوجي الهادف، التطبيق المتواصل لخطها وانتقاده وإنمائه، التطهير المستمر للمنظمة من كافة العناصر المنحرفة والمتفسخة والمرتدة وتجديد دمائها باستمرار.
وحددت منظمة "إلى الأمام" أساليب العمل السياسي الثوري في علاقته بالعمل العسكري في نقطتين أساسيتين في هذه الوثيقة وهما "الجبهة الثورية الموحدة" و"العنف الثوري"، اللتان سطرت فيهما المهام الثورية للحزب البروليتاري الثوري المغربي التي ترتكز إلى السيطرة على السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية، انطلاقا من تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية في ظل الديمقراطية البروليتارية كمرتكز أساسي للبناء الاشتراكي في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا.
وأكدت المنظمة في وثيقة " الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية" على اختياراتها الثورية التي بلورتها في وثيقة "مسودة حول الاستراتيجية الثورية"، فبعد تحليل الوضع السياسي و الطبقات المتصارعة في علاقتها بالثورة المغربية المرتبطة بالثورة العربية والعالمية، تمت بلورة مفهوم العلاقة بين "الاستراتيجية الثورية" و"العنف الثوري" في النقطة المتعلقة ب"الاستراتيجية الثورية والعنف الثوري" انطلاقا من "برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية"، المرتكزة على "الحرب الشعبية الطويلة المدى" التي تم وضع أسسها في وثيقة المسودة عبر دور "القواعد الحمراء المتحركة" المنبثقة من "التحالف العمالي الفلاحي" المرتبط ب"القيادة البروليتارية الثورية"، مما يطرح أمام الحركة الماركسية اللينينية المغربية مهمة توحيد فصائلها في منظمة موحدة تشكل نواة الحزب البروليتاري الثوري في علاقتها بالعمل السياسي الثوري في أوساط الجماهير، وتقول الوثيقة" وإذا لم تستطع تحقيق هذه القفزة المطلوبة بشكل حاسم، في الشروط الجديدة للوضع الراهن، الذي يتطلب تحولا جديدا في مختلف مستويات العمل الثوري، السياسية والإيديولوجية والتنظيمية، فإنها تعجز عن القيام بدورها في عملية انبثاق الأداة الثورية، التي هي بالدرجة الأولى عملية اندماج الطليعة الثورية المنظمة بحركة الطبقة العاملة أولا، ومجموع الجماهير الكادحة، وهي عملية كفاحية شاملة، تتطلب خطا إيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا سديدا. إن الحزب الثوري هو حصيلة هذا الاندماج، فهو يتأسس ويتدعم كقيادة عامة لكفاح الجماهير، من خلال تقدم هذا الكفاح نفسه وتعمقه. ليس بناء الحزب الثوري عملية تتم خارج كفاح الجماهير بشكل سلمي وهادئ، وليس الحزب الثوري معطى سابقا على الحركة الجماهيرية أو نتيجة لها، إنه منتج ونتيجة لها في نفس الوقت، يتصلب وينصهر في عنف الكفاحات الشاقة للجماهير الكادحة".