من تجلّيات تحريفية حزب العمّال التونسي و إصلاحيّته في كتاب الناطق الرسمي بإسمه ، - منظومة الفشل -


ناظم الماوي
2019 / 8 / 24 - 06:43     

من تجلّيات تحريفية حزب العمّال التونسي و إصلاحيّته في كتاب الناطق الرسمي بإسمه ، " منظومة الفشل "


ناظم الماوي

ملاحظة : نسخة بى دى أف من هذا المقال تجدونها بمكتبة الحوار المتمدّن .
---------------------------------------------------
" هذه الإشتراكيّة إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتوريّة الطبقيّة للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".

( كارل ماركس ، " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).

-----------------------------------------

" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقّفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظريّة و أن يتخلّصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليديّة المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أنّ الاشتراكيّة ، مذ غدت علما ، تتطلّب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلّب أن تدرس . و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمّال بهمّة مضاعفة أبدا..."
( انجلز ، ذكره لينين فى " ما العمل؟ " )
------------------------------------
" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذّجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "
( لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " )
---------------------------
"... حين أزاحت الماركسية النظريّات المعادية لها ، و المتجانسة بعض التجانس ، سعت الميول التي كانت تعبر عنها هذه النظريّات وراء سبل جديدة . فقد تغيّرت أشكال النضال و دوافعه ، و لكن النضال إستمرّ . و هكذا بدأ النصف الثاني من القرن الأوّل من وجود الماركسيّة ( بعد 1890 ) بنضال التيّار المعادى للماركسيّة في قلب الماركسيّة .

...لقد منيت الإشتراكيّة ما قبل الماركسيّة بالهزيمة ، وهي تواصل النضال ، لا في ميدانها الخاص ، بل في ميدان الماركسيّة العام ، بوصفها نزعة تحريفيّة .

... إنّ نضال الماركسيّة الثوريّة الفكري ضد النزعة التحريفيّة ، في أواخر القرن التاسع عشر ، ليس سوى مقدّمة للمعارك الثوريّة الكبيرة التي ستخوضها البروليتاريا السائرة إلى الأمام ، نحو إنتصار قضيّتها التام ، رغم كلّ تردّد العناصر البرجوازية الصغيرة و تخاذلها . "

( لينين ، " الماركسيّة و النزعة التحريفيّة " )
--------------------------------------------

" إنّ ديالكتيك التاريخ يرتدى شكلا يجبر معه إنتصار الماركسيّة في حقل النظريّة أعداء الماركسيّة على التقنّع بقناع الماركسيّة ."
( لينين ، " مصائر مذهب كارل ماركس التاريخيّة " المخطوط في مارس 1913 ، ( الصفحة 83 من " ضد التحريفيّة ، دفاعا عن الماركسية " ، دار التقدّم موسكو )
---------------------------------------------------------
" إنّ ميل المناضلين العمليين إلى عدم الإهتمام بالنظرية يخالف بصورة مطلقة روح اللينينيّة و يحمل أخطارا عظيمة على النظريّة تصبح دون غاية ، إذا لم تكن مرتبطة بالنشاط العملي الثوري ؛ كذلك تماما شأن النشاط العملي الذى يصبح أعمى إذا لم تنر النظريّة الثوريّة طريقه . إلاّ أنّ النظريّة يمكن أن تصبح قوّة عظيمة لحركة العمّال إذا هي تكوّنت فى صلة لا تنفصم بالنشاط العملي الثوري ، فهي ، وهي وحدها، تستطيع أن تعطي الحركة الثقة وقوّة التوجّه و إدراك الصلة الداخليّة للحوادث الجارية ؛ وهي ، وهي وحدها ، تستطيع أن تساعد النشاط العملي على أن يفهم ليس فقط فى أي إتّجاه و كيف تتحرّك الطبقات فى اللحظة الحاضرة ، بل كذلك فى أيّ إتّجاه وكيف ينبغى أن تتحرّك فى المستقبل القريب . إنّ لينين نفسه قال و كرّر مرّات عديدة هذه الفكرة المعروفة القائلة :
" بدون نظرية ثورية ، لا حركة ثوريّة " ( " ما العمل ؟ " ، المجلّد الرابع ، صفحة 380 ، الطبعة الروسية ) "
( ستالين ، " أسس اللينينية - حول مسائل اللينينية " ، صفحة 31 ، طبعة الشركة اللبنانية للكتاب ، بيروت )
-------------------------------------
" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بدّ أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم . فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا ، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي . "

( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية "
12 مارس/ أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 )
-------------------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)
==========================================












مقدّمة :
من تابع و يتابع كتاباتنا سيتفطّن دون عناء إلى كون هذا المقال يتنزّل ضمن مشروع نقدي للخطّ الإيديولوجي و السياسي لحزب العمّال التونسي و بالتالى ليس مقالا منفردا مناسباتيّا من ناحية و لا هو من ناحية أخرى، كافيا شافيا لوحده للبتّ نهائيّا في المسألة و إنّما هو لبنة من لبنات سلسلة من المقالات السابقة و محطّة من محطّات سلسلة مقالات لاحقة تمّت البرمجة لها على أنّنا لا نتعهّد للقرّاء بإنجازها و إصدارها في تاريخ معيّن ذلك أنّنا نشتغل وفق أولويّات خاصة .
في السنوات الأخيرة ، صدرت لنا على صفحات الحوار المتمدّن عدّة مقالات ناقدة و لسياسات حزب العمّال التونسي ومواقفه و أفكاره و اليوم نغتنم فرصة إعادة قراءة كتاب السيّد جيلاني الهمّامي المنشور سنة 2017 عن الثقافيّة للطباعة و النشر و التوزيع، تونس و الذى قدّم له السيّد حمّه الهمّامي ، لنقطع خطوة ضروريّة أخرى في مشروعنا النقدي فالكتاب يحمل في طيّاته مواقفا تعدّ وليمة بالنسبة للنقد الماركسي لن نفوّتها لا لشيء إلاّ لأنّها تكشف جوانبا هامة بل غاية في الأهمّية من الخطّ الإيديولوجي و السياسي التحريفي و الإصلاحي لهذا الحزب سيما و أنّ هذه المواقف خطّها قلم قيادي من أعلى قيادات هذا الحزب .
و لا يندرج هذا بتاتا ضمن الترف الفكري أو المناكفات و المهاترات الفكريّة أو التهجّم الشخصيّ و ما شاكل ذلك كما يحلو لبعض مشوّهي الصراع على الجبهة النظريّة و السياسيّة الزعم و إنّما يندرج ضمن المساهمة في القيام بالواجب الشيوعي المتأكّد والملحّ في دحض و تعرية التحريفيّة و الدغمائيّة بشتّى ألوانهما المهيمنتين على الحركة الشيوعية العربيّة و العالميّة و المعرقلتين إلى درجة كبيرة نشوء الحركات الثوريّة و نموّها و تطوّرها ، و في إعلاء راية الشيوعية الثوريّة لتكون سلاحنا العلمي البّتار في كفاحنا البروليتاري الجبّار في سبيل الثورة الشيوعية و تحرير الإنسانيّة من كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد الطبقيّة و الجندريّة و القوميّة ، و الغاية الأسمى هي المجتمع الشيوعي على الصعيد العالمي.
حيال تشويه الماركسيّة و تحريفها تشويها و تحريفا منقطعا النظير ، يتلخّص واجبنا و تتلخّص أوكد المهام الملقاة على عاتقنا في المساهمة قدر الإمكان في رفع تحدّى إزاحة الغبار عن التعاليم الشيوعية الحقيقية ، الشيوعية الثوريّة ( فمثلما أعرب عن ذلك إنجلز في خطابه على قبر ماركس، كان ماركس قبل كلّ شيء ثوريّا ) و عن تطوّرها ككلّ العلوم . و لن نملّ من ترديد ، سنمعن و نتمادى في ترديد ، أنّنا ننطلق في أعمالنا النقديّة من الشيوعيّة الجديدة أو الخلاصة الجديدة للشيوعية التي طوّرها طوال عقود من النضال النظري و العملي محلّيا و عالميّا بوب أفاكيان كونها شيوعيّة اليوم ، قمّة ما بلغته أسس الشيوعية من رسوخ علمي و تطوير تأسيسا على تقييم نقدي لتاريخ الحركة الشيوعية العالمية و دفاعا عن الجانب الصائب الرئيسي في نظريّاتها و ممارساتها و القطع مع الأخطاء وهي ثانوية و إن كانت جدّية و الجانب غير العلمي الذى علق بها منذ بداياتها الأولى و معالجة للمشاكل الجديدة الطارئة ؛ وإستفادة من مراكمات النضالات الشيوعية و الصراعات الطبقية عبر العالم قاطبة و من عدّة مجالات من النشاطات الإنسانية الأخرى.
و" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيء مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( بوب أفاكيان ،" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية "، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 .)
و من يتطلّع إلى تفسير العالم تفسيرا علميّا و تغييره تغييرا شيوعيّا ثوريّا ، عليه / عليها بدراسة و إستيعاب و تطبيق و تطوير هذه الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الشيوعية الجديدة و نقترح عليه / عليها التفحّص النقدي لأدبيّات أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية و أدبيّات مناهضيها التى ترجمها و نشرها بموقع الحوار المتمدّن شادي الشماوي ، و التفحّص النقدي لجدالات ناظم الماوي بهذا المضمار وهي منشورة كذلك على صفحات الحوار المتمدّن و بمكتبة هذا الموقع على الأنترنت. و كإطلالة أولى على الشيوعيّة الجديدة أو الخلاصة الجديدة للشيوعيّة الآن و هنا و دون تأخير ، وثّقنا كملحق لعملنا هذا نصّا يلخّص فيه بوب أفاكيان نفسه التوّجه والمنهج والمقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة للخلاصة الجديدة للشيوعيّة .

و لا نزيد عن هذا كيما لا نطيل عليكم ، ولنطلق فورا سهم النقد الماركسي و ندعه يتجّه إلى هدفه و يصيبه فيكشف جوانبا من المستور من التحريفيّة و الإصلاحيّة لدى حزب العمّال التونسي ، و ذلك وفق المحاور الآتى ذكرها :
1- لخبطة فكريّة بداية من العنوان ،
2- الدولة بين المفهوم الماركسي و المفهوم التحريفي،
3- أشكال حكم دولة الإستعمار الجديد و أوهام إمكانيّة إصلاحها لخدمة الشعب،
4- من أوهام الحزب التحريفي و الإصلاحي الديمقراطية البرجوازية ،
5- تجلّيات منهج مثالي ميتافيزيقي مناهض للمادية الجدليّة ،
6- السياسات التي يقترحها جيلاني الهمّامي إصلاحيّة و ليست ثوريّة ،
7- ثمّة فشل و ثمّة فشل !
خاتمة :
--------------------------------------------

1- لخبطة فكريّة بداية من العنوان :

منذ أن وقع نظرنا على الكتاب ، و نحن نعيد قراءته ، بنيّة نقديّة مصمّمة بعد مدّة من الإطّلاع عليه بسرعة و إخراجه من رفوف المكتبة ، أوّل ما وقع عليه نظرنا طبعا هو العنوان سيما و أنّه مسطور بالأحمر و موضوع أعلى الغلاف ،" منظومة الفشل ". و من الوهلة الأولى إرتسمت في ذهننا علامة إستفهام بحجم أخذ في التعاظم ذلك انّ القارئ لا يستوعب مباشرة و فورا و بيسر ما المقصود بكلمة منظومة وهي مفردة نادرة الإستخدام في أدبيّات الماركسيّين فضلا عن كونها إن إستخدمت فللدلالة في الغالب الأعمّ على أطروحات أو حزمة أفكار و سياسات كأن نتحدّث عن المنظومة التربويّة أي جملة التوجّهات و السياسات التربويّة و كيفيّة إدارة شؤون التربية ... و في موضوع الحال ، ندرك خللا في العنوان تأكّد أكثر عندما رحنا نجوب ثنايا المقالات المشكّلة للعامود الفقري للكتاب . فعن أيّة منظومة يتحدّث الكاتب ؟ هذا أمر يكتنفه الغموض في العنوان و حتّى في مجمل المقالات . فلو أنّ العنوان كان " منظومة حكم فاشلة " لكان الأمر هيّن فالمنظومة لوحدها بمفردها لا تحيل لعموميّتها على السياسة و الحكم على وجه التحديد و عن عُرف الكاتب بممارسة السياسة .
هذا من ناحية ، و من ناحية ثانية ، كان من المفروض منهجيّا على المؤلّف إعتبارا لأنّه يتوجّه لمروحة عريضة و متنوّعة من القرّاء من المفروض أن يكترث لتقبّلها رسالته ، أن يبادر بتحديد على الأقلّ مقتض لفحوى هذا المصطلح القليل التداول و التواتر عدا في فضاءات بعض المثقّفين البرجوازيّين أساسا و خاصة طائفة المثقّفين و الساسة العاملين في ركاب دولة الإستعمار الجديد ، شأنه في ذلك شأن مصطلح منوال الملصق غالبا بالتنمية ( منوال التنمية ) ، علما بأنّ معظم فرق ما يسمّى باليسار الماركسي إعتادت إستخدام مصطلح نظام الحكم أو النظام الحاكم و السلطة الحاكمة إلخ ( في تباين مع مصطلح النظام الاقتصادي -الاجتماعي أو التشكيلة الاقتصادية - الإجتماعيّة - و قد أفرزت و لا تزال مفردة النظام ذات الدلالتين المتباينتين موضوعيّا تداخلا في المفاهيم لدى الكثير من الناس في القطر و قد وظّف ذلك البعض توظيفا إنتهازيّا تضليليّا ليجعلوا من نظام الحكم مساويا للنظام الاقتصادي- الاجتماعي ، في شعار إسقاط النظام ...). و نحن ، بطبيعة الحال ، لسنا مبدئيّا ضد إستعمال مصطلحات جديدة على أنّنا و غيرنا ، مطالبون منهجيّا بتحديد ما تفيده بصفة دقيقة لتوخّى منتهى الوضوح المطلوب وإحتراما للقرّاء . و لكن هيهات أن يشرح لنا الهمّامي مقصوده و يحدّد مفاهيمه بالدقّة اللازمة ماركسيّا وهو و حزبه يدّعيان الماركسيّة . و لهذا تفسيرات ثلاثة ممكنة لا رابع لها ، في إعتقادنا ، أوّلها أنّ السيّد إعتاد المصطلحات البرجوازية فسارت تجرى على لسانه عن غير وعي تعبيرا عن مخزونه المتراكم من النظرة البرجوازية للعالم ؛ و ثانيهما أنّه لا يهتمّ للقرّاء من الجماهير الشعبيّة بقدر ما يهمّه إبراز تمكّنه من لغة الخطاب السياسي السائد، لغة " طبقة السياسيّين " البرجوازية الكمبرادوريّة عامة و إنتمائه إلى هؤلاء السياسيّين ؛ و ثالثها أنّه غير متمكّن بما فيه الكفاية من و لا يملك مقوّمات المنهج الماركسي و مقتضياته وبوسعنا أن نقول دون أن نخشى الزلل إنّه كناطق رسمي باسم حزب العمّال الدغمائي التحريفي الخوجي ، الإصلاحي منذ نشأته ، لا يأبه مطلقا لما نبّه إليه إنجلز و منذ أكثر من قرن من الزمن من :
" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقّفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظريّة و أن يتخلّصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليديّة المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أنّ الاشتراكيّة ، مذ غدت علما ، تتطلّب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلّب أن تدرس . و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمّال بهمّة مضاعفة أبدا..."
( انجلز ، ذكره لينين فى " ما العمل؟ " )
و نستطرد قائلين إنّ السيّد جيلاني الهمّامي قد أملى علينا أن نتفحّص عن كثب الصفحات المتتالية من كتابه علّنا نعثر له عن تحديد واضح جليّ و كافى و شافي للمصطلح الأوّل من عنوان كتابه الذى تلفّه ضبابيّة كثيفة فلم نعثر على ضالتنا إلاّ بالصفحة 147 من كتاب يعدّ 188 صفحة أي تقريبا على مشارف نهايته . و هنا ، بصريح العبارة و بدقّة متناهية ، يعرب عن كنه ما يعنيه بذلك المصطلح المتصدّر لعنوان الكتاب ، إذ كتب :" بات واضحا اليوم بعد سلسلة الحكومات التي تداولت على قصر القصبة أن خلاص البلاد و الشعب لا يكمن في تغيير الفريق الحكومي فقط بل إن التغيير المطلوب لوضع البلاد على سكّة الخروج من الأزمة الشاملة هو تغيير ينبغي أن يطال كلّ المنظومة الحاكمة بجميع مؤسساتها رئاسة و حكومة و برلمانا ..." . ( و في الحال تفطّننا إلى أنّ ذلك يساوى ما حبّره في الصفحة 21 من " مؤسّسات الحكم ، رئاسة و برلمانا و حكومة ". )
حالئذ نضع الإصبع على بيت القصيد ، المقصود بالمنظومة في العنوان " مؤسّسات الحكم "، الرئاسة و الحكومة و البرلمان، لا شيء غير ذلك . أهداف القلم الذى جنّده السيّد الكاتب على وجه الضبط هي ثلاثي من السلط القائمة و بكلمات أخرى مرمى نقده هو أهمّ جانب من السلطة التنفيذيّة ، رئاسة و حكومة و السلطة التشريعيّة ، برلمانا . لا يوجّه نقده هكذا السلطة القضائيّة ، إنّه يستثنيها من هذا النقد و من ثمّة من النعت بالفشل .
و لسائل أن يسأل لماذا يصبّ جيلاني الهمّامي جام غضبه بالذات على السلطتين التنفيذيّة و التشريعيّة ؟ و للجواب شقّان . الشقّ الأوّل هو أنّه يعبّر شأن سواد الشعب المضطهَد و المستغَل عن تذمّر و حنق إزاء المسؤولين مباشرة و عن إزدياد وضع الجماهير الاقتصادي و الاجتماعي سوءا كي يظهر بمظهر المدافع عن الجماهير الشعبيّة العريضة . ( علما و أنّ حتّى قوى رجعيّة خارج الإئتلاف الحاكم و أخرى تقول عن نفسها ديمقراطية او تقدّميّة تحمّل أولئك المسؤولين في السلطة التنفيذيّة و التشريعيّة مسؤوليّة ما آلت إليه الأوضاع من مزيد التأزّم و الإحتقان )؛ أمّا الشقّ الثاني، وهو الأهمّ ، في رأينا ، بالنسبة للناطق الرسمي باسم حزب العمّال و النائب عن الجبهة الشعبيّة في البرلمان الذى يدين ، فهو تركيز الهجوم على سلطتين بإمكان حزبه و الجبهة الشعبيّة العمل على الإطاحة بالمسؤولين فيهما و الحلول محلّهم و ذلك في إطار اللعبة الديمقراطية الإنتخابيّة لا غير . و يمسى إستثناء السلطة القضائيّة في هذا السياق مفهوما و لا يستدعى شرحا و ما عاد يبعث على الحيرة و الإستغراب .
إذن هذا ما قصده السيّد جيلاني بالكلمة الأولى من عنوان كتابه بيد أنّه لم يضع النقاط على الحروف من البداية ، لم يبح بأسراره من البداية ، و فضلا عن ذلك أخذنا معه في متاهات و صدمنا بجدار خلط فظيع بين مفهومه ل " منظومة " و" دولة " و مفهوم الدولة ماركسيّا . مفهومه و المفهوم الماركسي للدولة يقفان على طرفي نقيض . و بينما صدمنا أيّما صدمة بهذا الخلط ، مضى الرجل في حال سبيله متجاوزا الجدار و كأنّه يمتلك القدرات الخارقة لرجل يخترق الجدران كما في روايات و أشرطة الخيال العلمي .
فهذا السيّد في الصفحة 21 من كتابه ، يضع عنوانا لمقال من مقالاته " دولة العجز و الفشل – دولة تعفين الوضع " و بعد صفحة ( بالصفحة 22 ) ، يخطّ قلمه " بقيت الدولة بكلّ مؤسّساتها تتخبّط في المشاكل لا تعرف من أين تبدأ . بل أكثر من ذلك أظهرت عجزا واضحا و فشلا ذريعا فيما كان يتوقّع أن تنجح فيه على الأقلّ ". و بالصفحة عينها نلفى عنوانا فرعيّا بالبنط العريض فحواه " مخاطر فشل الدولة و عجزها ". و عندئذ تصاحب الفشل في هذه الإستشهادات الثلاثة كلمة الدولة بما يخوّل فهم أنّ الهمّامي يساوى بين المنظومة و الدولة أو هو لا يفرّق بينهما . و هذا إن عايننا مجدّدا فحوى مصطلح منظومة عنده عندما تجلّى كأوضح ما يكون بالصفحة 147( رئاسة و حكومة و برلمانا ) أي السلطتين التنفيذيّة و التشريعيّة، نستخلص أنّ هذا السيّد الذى يزعم أنّه و حزبه ماركسيّين يختزل الدولة في هتين السلطتين . و بالبساطة كلّها ، لا يسعنا إلاّ أن تهتف في أذن هذا الرجل بأنّ هذا لا يصحّ ماركسيّا أو هذا تحريف للماركسيّة بيّن و ساطع . هذه لخبطة فكريّة و رقص بهلواني على نغمات تحريفيّة مشوّهة للماركسيّة ، بعيد البعد كلّه عن المفاهيم الماركسيّة الصارمة و لا سيما مفهوم الدولة الذى سنتفحّص بالكثير من التفاصيل في النقطة القادمة .
و من المفيد في ختام هذه النقطة الأولى أن نلفت عناية القرّاء إلى أنّه حصلت لدينا قناعة ستتأكّد أكثر فأكثر و نحن نتقدّم في نقدنا لمضامين ما يحفل به كتابه بأنّ الرجل يلهو لهوا قد يعدّه البعض من الإنتهازيين بارعا و لكنّنا نوصّفه سياسيّا بالإنتهازيّة و منهجيّا بالميوعة البرجوازية في تحديد المفاهيم لتوظيفها إنتهازيّا . هذه إنتهازيّة في إنتهازيّة سيصرخ القرّاء الباحثين عن الصرامة العلميّة و المنهجيّة و الوضوح لا المراوغات ، موجّهين كلامهم للسيّد الهمّامي . و قد لاحظنا أنّ الكلمة الأولى من عنوان الكتاب ، منظومة ، قد تمطّتت و إمتدّت كقطعة بلاستيكيّة ، مطّاطيّة عاديّة تتعرّض للحرارة لتقولب من جديد فتصبح مماثلة للدولة و تشمل كلّ مؤسّسات الدولة حينما أعرب بالصفحة 140 عن أنّه على " الصعيد السياسي ... إستمرّت كلّ مؤسّسات الدولة تعمل وفق المنظومة القديمة " ( و لعلّكم لاحظتم ولادة ضمنيّة لمنظومة جديدة مقابل " المنظومة القديمة "، منظومة جديدة يأمل أن يساهم فيها الهمّامي و من معه ) . و سال البلاستيك ، المطّاط ، و فاض ليغمر مناطقا أوسع و أشمل و أكثر زئبقيّة بدلا من البحث عن الدقّة و الصرامة حيث بات يشمل " منظومة الحكم و الإدارة و تنظيم الحياة العامة " .
و ربّما من ما تقدّم حصلت لكم قناعة أو جملة أفكار تسمح لكم بأن تشاطروننا الرأي بأنّ التعريف التالي للإنتهازية و الإنتهازي ينسحب على السيّد الهمّامي :
" حين يتناول الحديث النضال ضد الإنتهازيّة ، ينبغي لنا أن لا ننسى أبدا السمة المميّزة التي تميّز كلّ الإنتهازيّة العصريّة في جميع الميادين : ما تنطوى عليه من غامض و مائع و غير مفهوم . فإنّ الإنتهازي يتجنّب دائما ، بحكم طبيعته بالذات، طرح المسائل بصورة واضحة و حاسمة وهو يسعى دائما وراء الحاصلة ، و يراوغ كالثعبان بين وجهتي نظر تتنافيان ، محاولا أن " يتّفق" مع كلّ منهما، و حاصرا خلافاته في تعديلات طفيفة و شكوك ، و تمنيات بريئة لا تغنى و لا تسمن ، إلخ " .
( لينين ، " خطوة إلى الأمام ، خطوتان إلى الوراء " ، الصفحة 592-593 من المختارات في ثلاثة مجلّدات ، المجلّد الأوّل ، الجزء الأوّل ، دار التقدّم ، موسكو 1976 )

الأكيد أنّ السيّد جيلاني الهمّامي أبان و من البداية بل من العنوان عن خلل جليّ في منظومته الفكريّة و نقصد أنّه أبان فشلا منهجيّا و لخبطة فكريّة يترجمان الإنحرافات الدغمائيّة - التحريفية و الإصلاحيّة في خطّ حزبهم الإيديولوجي و السياسي وهو ما قد يسكن فى قلوب أنصاره خوفا لا نظير له . ( و سنعود لتناول الفشل بالحديث مع نهاية المقال ) .

2- الدولة بين المفهوم الماركسي و المفهوم التحريفي للناطق الرسمي باسم حزب العمّال :

مثلما مرّ بنا ، يساوى السيّد جيلاني الهمّامي بين المنظومة و بين الدولة و كأنّهما شيء واحد و قد راينا أنّ مقصده من المنظومة هو السلطتين التنفيذيّة و التشريعيّة ( رئاسة و حكومة و برلمانا ) و بالتالى نسمح لأنفسنا بأن نعتبر أنّه يفهم الدولة على أنّها هتين السلطتين و قد نقبل حتّى بأن يضيف إليهما السلطة القضائيّة ( تحدّث بالصفحة 74 عن إصلاح مؤسسات الدولة ( العدل ...) ) ، بيد أنّ حتّى هذا التعريف الموسّع لا يمتّ بصلة أصلا إلى الفهم العلمي لمضمون الدولة من وجهة نظر الماركسيّة . و نظرا لأنّ الناطق الرسمي باسم حزب العمّال و أتباعه و أشياعه يقدّمون انفسهم لعقود الآن على أنّهم ماركسيّون- لينينيّون ، سنحتكم أساسا إلى ماركس و إنجلز و لينين في هذا الصدد و لا مناص عندئذ من العودة دون إبطاء إلى مؤلّف لينين العظيم ، المنارة التي طالما حاول التحريفيّون من كلّ رهط طمسها و تشويهها بشتّى الطرق و السبل .
في معرض حديثه عن فهم ماركس و إنجلز لجوهر الدولة ، أوضح لينين ( فى" الدولة و الثورة " ، دار التقدّم موسكو ، الطبعة العربية ، الصفحة 8) ملخّصا ما حلّله من ظهور الدولة ، تاريخيّا ، نتيجة المرور من المجتمع المشاعي البدائي و الملكيّة الجماعيّة المشاعيّة إلى الملكيّة الخاصة و المجتمع الطبقي خدمة لطبقة أو طبقات في قمع طبقة أو طبقات أخرى و بأنّ الدولة ستضمحلّ إذا لم يعد داعي لوجوها ببلوغ المجتمع الشيوعي الخالى من الطبقات :
" برأي ماركس ، الدولة هي هيئة للسيادة الطبقية ، هيئة لظلم طبقة من قبل طبقة أخرى ، هي تكوين " نظام" يمسح هذا الظلم بمسحة القانون و يوطده، ملطّفا إصطدام الطبقات."
و" الدولة هي " قوّة خاصة للقمع " إنّ إنجلز قد أعطى هنا بأتمّ الوضوح تعريفه الرائع هذا و العميق منتهى العمق "
( المصدر نفسه ، الصفحة 16 – التسطير في النصّ الأصلي )
و من مؤسّسات الدولة العديدة ( جيش و شرطة و محاكم و سجون و دواوين ...) ما هي المؤسّسات الأهمّ ؟ يجيب لينين :
" الجيش الدائم و الشرطة هما الأداتان الرئيسيّتان لقوّة سلطة الدولة ".
( الصفحة 10 من المصدر نفسه )
و حسب ما شاهدنا و سنشاهد ، لم يفقه السيّد الهمّامي المحنّك و هو من هو بالنسبة لحزب العمّال التونسي الذى يدّعى زورا و بهتانا تبنّى الماركسية – اللينينيّة ما فقهه رئيس الحكومة التونسي الذى وصفه أحد الصحفيّين في برنامج تلفزي بأنّه " قننّوقراط " أي تكنوقراط مائع لا تجربة سياسيّة له ، دائما حسب الصحفي إيّاه ، فهذا المنعوت ب" قننّوقراط " صرّح حينما إنطلقت إحتجاجات في منطقتي الباطان و طبربة ، غير بعيد عن العاصمة ، في جانفي 2018 :
" أنا أطمئن التونسيين أنّ الدولة صامدة بفضل المؤسّستين الأمنيّة و العسكريّة ..." ( جريدة " الشروق "، الخميس 11 جانفي 2018 ، الصفحة 4 )
فماذا نقول ؟ و ماذا نعلّق ؟ و هل يفى الأسف بالغرض ؟... ، ننأى بقلمنا عن خطّ الكلمات المناسبة !

و نتيجة التجارب المراكمة و خوض غمار الحرب الطبقية لعقود توصّل ماو تسى تونغ ، على خطى ماركس و إنجلز و لينين ، إلى مزيد تعميق النظرة الماركسيّة :
" يعتبر الجيش ، حسب النظرية الماركسية حول الدولة العنصر الرئيسي فى سلطة الدولة . فكلّ من يريد الإستيلاء على سلطة الدولة و المحافظة عليها، لا بدّ أن يكون لديه جيش قوي..."
( ماو تسى تونغ ، " قضايا الحرب و الإستراتيجية " ( 6 نوفمبر- تشرين الثاني- 1937)، المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني ، ورد أيضا ضمن الفصل الخامس من الكتاب الذى نسخه و نشره شادي الشماوي على موقع الحوار المتمدّن ، " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )
و متصدّيا لمن حوّروا الماركسيّة تبعا للإنتهازيّة ، أصرّ لينين على إبراز تحطيم " آلة الدولة الجاهزة " ، " آلة الدولة البيروقراطية العسكريّة "( ص 40 ) و " تكسير الالة الدواوينيّة القديمة " ( 51 )،" الشرط الأوّلى لكلّ ثورة شعبيّة حقّا " ( بكلمات ماركس ) هو الأساسي في تعاليم الماركسيّة عن الدولة ، فقال بالصفحة 30 من " الدولة و الثورة "، دار التقدّم موسكو ، الطبعة العربية :
" جميع الثورات السابقة أتقنت آلة الدولة في حين ينبغي تحطيمها و تكسيرها . إنّ هذا الإستنتاج هو الإستنتاج الرئيسي الأساسي في تعاليم الماركسيّة عن الدولة ... " .

و من هنا نلمس مدى إغتراب جيلاني الهمّامي ( وهو الناطق باسم حزب العمّال ، فما أدراك ببقيّة الكوادر والأعضاء و المتعاطفين ! ) عن الماركسيّة نظريّا و ممارسة . إنّه غريب في غربته عن الماركسيّة . بل هو يشوّهها تشويها ليبراليّا و يلوك مرارا و تكرارا مفاهيما و منهجا و مواقفا برجوازيين لا أبعد منها عن الماركسيّة و لها إنعكاسات ضارة على الطبقة العاملة و الطبقات الشعبيّة الأخرى ضررا بحجم جبال الهمالايا يتسبّب لها في خسائر جمّة ، و مع ذلك يدّعى هو و أمثاله أنّهم ماركسيّون و عن حقّ نعتناهم و سنظلّ ننعتهم بأنّهم ليسوا أكثر من متمركسين أي ماركسيّين قولا و أعداء الماركسيّة فعلا يشوّهون الماركسيّة دونما خجل .
و في السياق ذاته ، نتعرّض و لو بإيجاز لمفهوم صار يروّج له الإصلاحيّون من كلّ حدب و صوب فيذيعون الأوهام حول الشرطة و دورها في علاقة بالدولة ( التي هي عنصر من عناصرها ) و في علاقة بالطبقات و الجماهير بصورة عامة ، و هذا المفهوم هو " الأمن الجمهوري " ( ص 19 من كتاب السيّد جيلاني الهمّامي ) . حزب العمّال و حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد و غيرهما من الأحزاب و المنظّمات " اليساريّة " و غير اليساريّة التي كانت منضوية في إطار الجبهة الشعبيّة و حتّى أخرى خارجها ، صدّعوا رؤوسنا بالأمن الجمهوري على أنّه شرطة محايدة تجاه الأحزاب و تجاه الفئات و الطبقات الإجتماعيّة . و هذا منهم ضرب آخر من ضروب تحريف جوهر الفهم العلمي الماركسي للدولة ، و نشر لوهم وجود شرطة فوق الطبقات و من هناك دولة فوق الطبقات – الشرطة جزء ، مؤسّسة من مؤّسسات الدولة و الجيش هو العامود الفقري للدولة – يرون بفعل نظّارات برجوازية رجعيّة باثّة للأوهام ، حيث لا توجد ، شرطة لا تنتمى إلى دولة الإستعمار الجديد ، شرطة لا تخدم دولة الطبقات السائدة الرجعية المتحالفة مع الإمبريالية العالمية . هذه من أنصار الأمن الجمهوري طبخة أخرى من طبخات حياد الدولة و حياد الجيش إلخ وهي محض كذب لا يفيد الجماهير الشعبية الرازحة تحت وطأة الإستغلال و الإضطهاد بل يضرّها ضررا فادحا و قد عاينت بنفسها قمع هذا " الأمن " في مرّات لا تحصى و لا تعدّ جنوبا و شمالا و شرقا و غربا و شاهدته خارج البلاد في فرنسا و سواها من البلدان ، و بالعكس لا يستفيد من هذا النفاق والتزوير للحقائق سوى الإصلاحيّين و الرجعيّين في المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات وفي البلدان الإمبريالية.
أن تسمّى الشرطة كجهاز قمع طبقي إلى جانب الجهاز الأعتى ، الجيش العامود الفقري للدولة ، أمنا جمهوريّا أو أمنا وطنيّا أو قوميّا أو حتّى ديمقراطيّا أو شعبيّا ، لن تغيّر هذه التسمية في شيء من جوهرها ، من كونها ببساطة شرطة " دولة الإستعمار الجديد " ( المصطلح إستخدمه الهمّامي عينه بالصفحة 22) . و ماذا ننتظر من شرطة دولة الإستعمار الجديد عدا أنّها تخدم دولة الإستعمار الجديد أي دولة الطبقات الرجعيّة المحلّية المتحالفة مع الإمبرياليّة ، و ضد من ؟ بلا ريب ضد الجماهير الشعبيّة . لا يمكن أن يجدّ عكس ذلك . ( طبعا لا نتحدّث عن أفراد أو مجموعات قد تنتفض ضد ذلك في حالات معيّنة منها الإنتفاضات و الثورات و قد تقف إلى جانب الجماهير و قد لا تقف ).
ملخّصا حقيقة عميقة و شاملة ، كتب بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية و مهندس الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعية الجديدة :
" دور الشرطة ليس خدمة الناس و حمايتهم . إنّه خدمة النظام الذى يحكم الناس و حمايته . فرض علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، و ظروف الفقر و البؤس و الخزي الذى دفع إليها هذا النظام الناس وهو مصمّم على إبقائهم فيها . إنّ القانون و النظام اللذان تطبقهما الشرطة مع كلّ العنف و القتل هما القانون و النظام اللذان يفرضان كلّ هذا الإضطهاد و الجنون . "
( بوب أفاكيان ، " الثورة : لماذا هي ضرورية ، لماذا هي ممكنة ، ما الذى تعنيه ، فلم لخطاب لبوب أفاكيان " ؛ كتاب شادي الشماوي ، " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " 24:1 ، متوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن )

إنّ إيهام المناضلين و المناضلات و الجماهير العريضة بأنّ الأمن الجمهوري هو أمن محايد لاطبقي و لا يمثّل جزءا من مؤسّسات دولة الإستعمار الجديد لا يعدو أن يكون مغالطة تحريفيّة أخرى للماركسيّة الهدف من ورائها بثّ وهم حياد الشرطة أي حياد الدولة و من ثمّة تعبيد الطريق لتوظيف هذه الأجهزة ذاتها إن إنتخب أنصار الأحزاب و المنظّمات التي كانت منضوية في إطار الجبهة الشعبيّة إلى سدّة السلطة التنفيذيّة أساسا ( و السلطة التشريعيّة ) ليمسوا تحت قناع " شعبيّ " من مسيّري دولة الإستمعمار الجديد . و لا يخفى على القرّاء الماركسيّين المطلعين على تراث الحركة الشيوعيّة العالميّة أنّ مثل هذه الآراء التحريفيّة تطمئن الطبقات الرجعيّة بأنّه سيجرى الحفاظ على أهمّ مؤسّسات دولة الإستعمار الجديد و حتّى إن بلغ أحزاب متقنّعون بالماركسيّة سدّة الحكم و إن وُضعت مقاليد بعض السلط بأيديهم فلن يتجاوزا حدود هذه الدولة . و من أبرز الأمثلة التي تحضرنا الآن ، مثال حكم الحزب الشيوعي الهندي ولايات كاملة خدمة لدولة الإستعمار الجديد و قد تميّز في قمعه و قتله للشيوعيين الثوريين الماويين هناك . و هذا معلوم عالميّا و صحيح كلّ الصحّة ، لمن لا يدفن رأسه في الرمل أو يعمد إلى المغالطات و التضليل .
و البليغ أبلغ الدلالة هو أنّ المشكل كلّ المشكل بالنسبة للهمّامي و من لفّ لفّه هو السلطة التنفيذيّة ( رئاسة و حكومة ) و السلطة التشريعيّة (برلمان ) أمّا السلطة القضائيّة فقد رأينا تناسيها تقريبا مثلما تمّ التغاضي الكلّي المطلق عن العامود الفقري لدولة الإستعمار الجديد ، الجيش .
هذا المسعى التضليلي المحموم يستند إلى الإحلال المثالي الذاتي للأماني ( أمنية حياد الشرطة و كذلك الجيش والدولة ككلّ) محلّ الواقع المادي الملموس و التحليل الملموس للواقع الملموس الذى علّمنا إيّاه لينين ، و يطمس الأساسي في تعاليم الماركسية عن الدولة الذى على المناضلين و المناضلات و الجماهير الواسعة معرفته معرفة جيّدة ، حقيقة أنّ الدولة جهاز قمع طبقي ، جهاز قمع طبقة ( أو طبقات ) لطبقة ( أو طبقات ) لزاما على أيّة ثورة شعبيّة ان تحطّمه . و هذا المسعى التحريفي ، منهجيّا ، يعنى إحلال المثاليّة الميتافيزيقيّة محلّ الماديّة الجدليّة ؛ و عمليّا يلحق ضررا و أيما ضرر بالشيوعية و الثورة الشيوعية و غايتها الأسمى المجتمع الشيوعي العالمي حيث تضمحلّ كلّ الدول بعد مرحلة إشتراكية تكون فيها الدول دول دكتاتوريّة البروليتاريا . يبدو أنّ التحريفيين و الإصلاحيين المتمركسين سينشئون دول دكتاتوريّة البروليتاريا ( عرّج كتاب السيّد جيلاني الهمّامي ، " مساهمة في تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتية " الجزء الأوّل - ديسمبر 2018، على موضوع دكتاتورية البروليتاريا !!! ) ، بشتّى أنواعها ، حسب الظروف المتباينة في البلدان المتباينة ، بشرطة و جيش ( و بقيّة أجهزة الدولة من دواوين و محاكم و سجون ... ) دول الإستعمار الجديد و دول الرأسماليّة الإمبريالية ، في تعارض لا أجلى منه مع ما إستخلصته الماركسية من التجارب الثوريّة و دعت إليه بصفة مبدئيّة ، ما يستوجب أن نضع أصحاب هذه المغالطات الغارقين في حضيض الإنتهازيّة في خانة محرّفي الماركسيّة – اللينينيّة و أعدائها خدمة لأغراضهم الخاصة و أعداء الطبقات الشعبيّة .
هي بإعتراف جيلاني الهمّامي ( ص 22 ) " دولة الإستعمار الجديد " وهم يسعون جهدهم لتقديم خدماتهم لهذه الدولة و من يقف وراءها من طبقات رجعيّة و إمبريالية ، من خلال التنافس الإنتخابي لبلوغ منصب الرئاسة و مناصب حكوميّة و برلمانية ، غايتهم تقديم النصح ل " تدارك الأمور " ( نهاية ص 24 ) و " تمتين أسس الحكم " ( ص25 ) و لو أعرب رئيس دولة الإستعمار الجديد عن " ذرّة من الإرادة الحقيقيّة لتغيير السياسات الاقتصادية و الإجتماعيّة التخريبيّة التي تسير عليها ما يسمّى بحكومة " الوحدة الوطنيّة " لكنّا [ الهمّامي و أضرابه ] من الحاضرين لحفل الخطاب " المهمّ " و " التاريخي " الذى سيلقيه يوم الأربعاء و لصفّقنا له طويلا و هتفنا بحياته ". ( ص 159 )
و هنا نلفى الهمّامي و طبعا أشباهه ( قال لكنّا من الحاضرين ) يشترطون لا أكثر من إعلان نوايا بإصلاحات ليصفّقوا و يهلّلوا و يطبّلوا و يهتفوا بحياة رئيس دولة الإستعمار الجديد . فهنيئا لهم ! ( و قد فعلوا ما يشبه ذلك بالتحالف معه في إطار جبهة الإنقاذ و جعلوه خطيبا في ساحة باردو ولا ندرى إن صفّق له جيلاني الهمّامي أم لا ) و لكن لا تقولوا لنا هؤلاء ماركسيّون ، هؤلاء خدم دولة الإستعمار الجديد لا أكثر و لا أقلّ . إصلاحيّون كانوا و إصلاحيّون هم الآن و سيظلّون و بالتأكيد هم على طرف نقيض مع الشيوعيين الثوريّين حقّا الذين لم يصفّقوا و لن يفعلوا لرؤساء الدول الإمبريالية و دول الإستعمار الجديد فهدفهم الماركسي المعلن منذ " بيان الحزب الشيوعي " سنة 1848 هو الإطاحة بهم و بدولهم لإنشاء دول جديدة غايتها الأسمى لا أقلّ من المجتمع الشيوعي العالمي و تحرير الإنسانيّة من كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال الجندري والطبقي و القومي.
و إلى هذا ، نلفت عناية القرّاء إلى كون السيّد الهمّامي ، بعد أن تحدّث عن " دولة الإستعمار الجديد " ، تحدّث بالصفحة 24 عن " الدولة البرجوازية " لا غير و كأنّ المفهومين مترادفين و الحال أنّ ذلك ليس كذلك . فالدولة البرجوازية تستخدم كمصطلح عامة يقصد به الدولة الراسماليّة الإمبريالية كما في فرنسا أو أنجلترا وهو عامة رديف للدولة الراسماليّة الإمبريالية في حين أنّ هذا لا ينسحب على القطر و الهمّامي نفسه أشار إلى دولة الإستعمار الجديد . و بالتالى ، تختلط الأمور من جديد على صاحبنا . و مدار الكلام هو البرجوازية في دول الإستعمار الجديد و من المعروف أنّها توسم تقريبا آليّا لدى الماركسيّين بالكمبرادوريّة كمصطلح صائب و معبّر أفضل تعبير عن طبيعة هذه الطبقة لتمييزها عن تلك في البلدان الإمبرياليّة و هذا ما لم يقم به صاحب الكتاب الذى ننقد .
إنّ مطالبة السيّد الهمّامي و أمثاله بالوضوح و الدقّة ، و هم من هم من المتفنّنين في التلوّن و إعتماد الضبابيّة و اللعب على الكلمات و التمويه و الإختياريّة / الإنتقائيّة كأساليب تحريفيّة مناهضة للماركسيّة و مبادئها و منهجها ، يضاهي مطالبتهم بأن لا يكونوا ذواتهم ، بأن يتخلّوا عن أن يكونوا كما هم و هم واعون تمام الوعي بما هم عليه و ينظّرون له و يهاجمون مباشرة أو بصفة غير مباشرة من يخالفهم الرأي في ذلك . مطالبتهم بمثل هذه الأشياء لا تعدو أن تكون لتوضيح الأمور للقرّاء و لعقد مقارنة بين المفترض القيام به و ما يقومون به أمّا أن نتوقّع تلبية ما نطالبهم به فهذا ضرب من العمى و حتّى الغباء ففاقد الشيء لا يعطيه ، أليس كذلك ؟
و الأنكى أنّ صاحب الكتاب الذى وضع خصّيصا لتعرية " منظومة الفشل " يلجأ هو نفسه إلى الإلتفاف على حقيقة " فاقد الشيء لا يعطيه " من زاوية أخرى . فالسيّد ، في معمعان تدفّق أوهام إمكانيّة " إنجاز إستحقاقات الثورة " (قال ) على يد أعداء الشعب ، عملاء الإمبريالية ، يتمنّى على " منظومة الحكم الحاليّة " إحداث " تغيير جذري " و ضمن أشياء أخرى " إصلاح مؤسسات الدولة و أجهزتها و تمتين أسس الحكم الرشيد و الديمقراطية و دولة الحق و العدل " ( ص 25 ) . و فى نهاية الفقرة يقرّ أنّها غير قادرة على إنجازها و لكن ضمنيّا يقرّ كذلك أنّ ذلك ممكن بتحوير في منظومة الحكم أي الرئاسة و الحكومة و البرلمان دون سواهم و دائما في إطار دولة الإستعمار الجديد ، لا على أنقاضها .
بغضّ الطرف عن المفهوم البرجوازي المائع ل " الحكم الرشيد " ، نتوقّف عند تعبير " دولة الحقّ و العدل " ( صحبة توزيع الإنتاج ب " طريقة عادلة " ، ص 71 ) ، كمفاهيم برجوازيّ كلاسيكيّة متداولة متعارضة تمام التعارض مع الماركسيّة و نرسع إلى إيراد ردّ مفحم لماركس ، في " نقد برنامج غوتا " ، على لاسال الذى يعتبر التوزيع في ظلّ الإشتراكية كمرحلة إنتقاليّة نحو الشيوعيّة ( و ليس في ظلّ دولة رأسمالية و لا في ظلّ دولة إستعمار جديد ) " توزيعا عادلا " :
" نحن هنا في الاقع إزاء " الحقّ المتساوى " ، و لكنّه ما يزال " حقّا برجوازيّا " يفترض ، ككلّ حق ، عدم المساواة. إنّ كلّ حق هو تطبيق مقياس واحد على أناس مختلفين ليسوا في الواقع متشابهين و لا متساوين ، و لهذا فإنّ " الحقّ المتساوي " هو إخلال بالمساواة وهو غبن . و في الحقيقة ، أنّ كلّ فرد ينال لقاء قسط متساو من العمل الاجتماعي قسطا متساويا من المنتوجات الإجتماعيّة ( بعد طرح المخصّصات المذكورة )
بيد أنّ الناس ليسوا متساوين : أحدهم قوي و الآخر ضعيف ، أحدهم متزوّج و الآخر أعزب ، لدي أحدهم عدد أكبر من الأطفال و لدي الآخر عدد أقلّ إلخ " .( ذكره لينين في " الدولة و الثورة " ، صفحة 99 – التسطير في النص الأصلي )
لئن بيّن ماركس بدقّة متناهية أنّه في ظلّ الإشتراكية و في ظلّ تطبيق " كلّ حسب عمله "، ليس توزيع المنتجات عادلا بتاتا ، كيف يسمح السيّد الهمامي لنفسه وهو يزعم أنّه ماركسي ّبالحديث عن توزيع الإنتاج " بطريقة عادلة " في ظلّ دولة الإستعمار الجديد ؟ إن لم يكن جهلا مطبقا فهو شيء رهيب حتّى لا نقول شيئا آخر !
لقد أضاع الناطق الرسمي باسم حزب العمّال لإنتهازيّته مقدرته على التفكير الثوري و التفكير بالثورة الشيوعيّة إلى حدّ أنّه أضحى يرى إمكانيّة أن تكون دولة الإستعمار الجديد " دولة حقّ و عدل " !
و نرفق هذا بملاحظات إنجلز عن القيم العليا البرجوازية كحقّ والعدل و المساواة و الحرّية و ما آلت إليه في الواقع ، وهي ملاحظات صغناها ضمن فقرات نقتطفها لكم من كتابنا " حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد حزب ماركسي مزيّف " ( النقطة الرابعة من الفصل الثالث – و الكتاب متوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن ) و تستحقّ إنتباها خاصا و بما أنّها تنسحب على حزب العمّال التونسي، يكفى أنّ تغيّروا حزب الوطنيين الموحّد بحزب العمّال لتحصلوا على النتيجة المرجوّة :
" منذ قرون الآن سوّق منظّرو البرجوازية " للحرّية " و" العدالة " و " المساواة " ( و لنتذكّر شعارات الثورة البرجوازية الفرنسية " حرّية ، عدالة ، أخوّة ") على أنّها تمثّل قمّة ما يحقّقه نظامهم المثالي لل"عقد الإجتماعي " لمجتمع يقوم على سيادة العقل لا الأوهام ( و من المصطلحات المستعملة فى الصفحة الأخيرة من عدد جوان 2011 من " الوطني الديمقراطي " مصطلح " العقد الجمهوري " ) . و كان المتأثّرون بتلك الشعارات البرجوازية يعتقدون ، وقد إنتصرت الثورة البرجوازية، " الآن بزغت الشمس للمرّة الأولى وقامت سيادة العقل . فإنّ الأوهام ، و الجور ، و الإمتيازات ، و الإضطهاد ، كل ذلك يجب أن يخلّى المكان من الآن وصاعدا للحقيقة الخالدة ، و العدالة الخالدة ، و المساواة النابعة من الطبيعة نفسها ، و حقوق الإنسان الراسخة ."
لكن الواقع سفّه تلك الأحلام و الأوهام :
" إلاّ أنّنا نعرف اليوم أنّ سيادة العقل هذه لم تكن سوى سيادة البرجوازية المصوّرة بصورة المثال الأعلى ، و أنّ العدالة الخالدة تجسّدت فى العدالة البرجوازية ، و أنّ المساواة تلخصت فى المساواة المدنية أمام القانون و أنّ الملكية البرجوازية ... أعلنت أوّل حق من حقوق الإنسان . و أنّ دولة العقل - العقد الإجتماعي الذى وضعه روسو - قد رأت النور بشكل جمهورية ديمقراطية برجوازية ، و لم يكن بالإمكان أن يحدث ذلك على غير هذا الشكل فإنّ كبار مفكّري القرن الثامن عشر ، شأنهم شأن جميع أسلافهم ، لم يكن بوسعهم تخطّى الحدود التى فرضها عليهم عصرهم ." ( إنجلز " الإشتراكية الطوباوية و الإشتراكية العلمية " ، مكتبة الإشتراكية العلمية ، دار التقدّم موسكو ، بالعربية ، الصفحة 39 - 40).
هذا ما جاء على لسان إنجلز سنة 1880 ، هذا ما أثبته الواقع بشأن تلك الشعارات حينها غير أنّ الحزب الوطني الديمقراطي الموحّد بعد القرن و ثلث القرن ، فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية و ليس فى عصر الرأسمالية و الثورة البرجوازية الديمقراطية القديمة ، و بعد أن إفتضح حتى أمر " الديمقراطية " البرجوازية فى البلدان الإمبريالية ، يسعى لإحياء ما مات وشبع موتا من السخافات البرجوازية التى سفّهها الواقع أيّما تسفيه . طالين وجوههم بطلاء "ماركسي- لينيني" ينشر مؤسّسو هذا الحزب " التقدّمي" السموم الديمقراطية البرجوازية و يتقهقرون إلى المثل العليا البرجوازية للقرن 18. فلا يسعنا إلاّ أن ننعت هؤلاء الذين إبتذلوا التعاليم الشيوعية الثورية بإجتثاث مضمونها و ثلم نصلها الثوري و تعويضها بالمثل العليا البرجوازية للقرن 18 بالنكوصيين الرجعيين . " ( إنتهى المقتطف )

فاين السيد الهمّامي و أضرابه النكوصيين الرجعيين من الماركسية – اللينينيّة ؟ لكم الإجابة .
و مسك ختام هذه النقطة يتحفنا به صاحبنا حين يصرّح بالصفحة 24 ب " إنّ الدولة نفسها ستتحوّل إلى ضحيّة لفشلها و عجزها ذلك أن تكرّر الإحتجاجات و أعمال التمرّد سيضعف مؤسّساتها و سيحطّ من قيمة القانون و فعله في العلاقات العامة و الإجتماعيّة بما سيشجّع أكثر على الإستهتار بالمؤسّسات و بالدولة ككلّ ".
قبل كلّ شيء ، هل جال بخاطركم كما جال بخاطرنا أنّ هذا الكلام شبيه بكلام سمعناه يتردّد مرارا و تكرارا على لسان ممثّلي دولة الإستعمار الجديد و مدّاحيها ؟ لو لم يكن هذا الكلام من إمضاء الهمّامي ، ألم يكن لينسب بسهولة إلى أي كان من سياسيّي اليمين بتلويناته ؟
ثمّ ، ما رأيكم في هذا المسك ؟ من هذا الكلام تفوح بصورة لا أجلى منها غازات سامة من الإصلاحيّة العفنة . دولة الإستعمار الجديد " ضحيّة لفشلها و عجزها " ! ( سنعود كما قلنا إلى موضوع الفشل ، مع نهاية المقال ) . مسكينة هذه الدولة ، دولة الرجعيّة المتحالفة مع الإمبريالية ، الدولة المجرمة في حقّ الشعب ، مسكينة ، ضحيّة ! ضحيّة ماذا ؟ فشلها و عجزها ! عن الفشل سيأتيكم الحديث لاحقا ، أمّا العجز فلم نشاهده في الواقع ، ربّما حلم به الهمّامي ، ربّما ! هل عجزت عن قمع الجماهير المحتجّة في أكثر من ولاية ، من سليانة إلى العاصمة ، و من الشمال إلى الجنوب ؟ لعلّ أبناء سليانة سيسكبون الدموع على الدولة الضحيّة التي تسبّبت لأبناء المنطقة في ما لا ينسى من جرائم صار القاصى و الداني يعلمها وهي موثّقة بالصوت و الصورة و سجّلها التاريخ الحديث بحروف لن يمحوها تباكى الهمّامي على الدولة الضحيّة !
و زيادة على ذلك ، لا ينصح الناطق باسم حزب العمّال بتجنّب ذلك فقط بل يعرب بألم و حسرة عن خشيته من فشل الدولة و عجزها و من " ضعف مؤسّساتها " و من " الإستهتار بالمؤسّسات و بالدولة ككلّ " . و هذه معزوفة قرص مشروخ طالما أصمّوا آذان الجماهير بمضمونه اليميني المعادي للماركسيّة و إنحيازها للجماهير و مقاومتها للدول المستغلّة و المضطهدة. ساطع هو دفاع الناطق باسم ذلك الحزب المستميت عن دولة الإستعمار الجديد و عن قوّتها و بالتالى عن ضرورة العمل على تأبيدها فبلا مراء ليس بوسع المرء سوى إدراك أنّ السيّد المتمركس وضع نصب عينيه مهمّة تقديم أجلّ الخدمات لهذه الدولة و الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبرياليّة العالمية و إنتشالها من المصير السيّئ الذى يتربّص بها . فهل هذا من الماركسيّة في شيء ؟ بطبيعة الحال ، من له أدنى دراية بالمواقف الماركسيّة الحقيقيّة ، تاريخيّا و عالميّا ، سيصيح أو سيصرخ بكلّ ما أوتي من قوّة : لا ، ليس هذا من الماركسيّة بتاتا ، هو نقيضها فالماركسيّة الثوريّة في العالم قاطبة تستهدف دكّ الدول الإمبريالية و دول الإستعمار الجديد ، كشرط أوّلي لكلّ ثورة شعبيّة حقّا ، لتشييد دول غايتها الأسمى إضمحلال الدول ببلوغ المجتمع الشيوعي العالمي الخالى من الطبقات و الحاجة إلى الدول كأجهزة قمع طبقيّة .
و قد أوضح ذلك ماركس منذ الدروس الأولى المستخلصة من كمونة باريس في القرن التاسع عشر :
" فى أفريل سنة 1871 ، فى أيام الكمونة بالذات ، " كتب ماركس إلى كوغلمان : "... أعلنت أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون لا نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى كما كان يحدث حتى الآن ، بل تحطيمها . و هذا الشرط الأوّلي لكلّ ثورة شعبية حقّا فى القارة " [ و في العالم قاطبة ]. ( ذكره لينين في " الدولة و الثورة " )
الهمّامي و جماعته يتقنّعان بالماركسيّة ليمرّرا مواقفا يمينيّة إصلاحيّة تخدم الرجعيّة و الإمبريالية و دولها و الماركسيّة الحقيقيّة ، الماركسيّة الثوريّة من تلك المواقف براء ، براء !

3- كيف يفهم حزب العمّال الإستعمار الجديد ؟

فى ما مرّ بنا ، رأينا أنّ السيّد جيلاني الهمّامي يستخدم ، و إن في مواقع قليلة تعدّ على أصابع اليد الواحدة ، مصطلح دولة الإستعمار الجديد إلاّ أنّه يُركّز حديثه في أغلب الأحيان على التنديد بالإستعمار على أنّه علاقة خارجيّة أساسا تترجمها عبارات من قبيل الخضوع " لإبتزازات صندوق النقد الدولي " ( ص 143) . و هذه المسألة باعثة على البلبلة الفكريّة وتستحقّ أن نسلّط عليها بعض الضوء لفرز الموقف الشيوعي الحقيقي من المواقف التحريفيّة أي الشيوعيّة الزائفة و لتعرية خطابه الإصلاحي مهما كانت الأستر التي يتستّر بها .
صبّ الهمّامي جام غضبه على إملاءات صندوق النقد الدولي و كأنّها جوهر مسألة الإستعمار الجديد ( مثلا مقال " قانون الماليّة لسنة 2017 تنفيذ لإملاءات و تكرار للقديم " ) و يعدّ المديونيّة " القاعدة الماديّة للأزمة الإقتصاديّة و الإجتماعيّة الحادة التي تمرّ بها بلادنا منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي و التي تقع معالجتها كلّ مرّة بطرق تلفيقيّة و إعتباطيّة و بوصفات مستوردة من الخارج و مملاة خاصة من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي . " ( ص 126 )
ماركسيّا و إنطلاقا من التحليل الملموس للواقع الملموس ، الإشكال كلّ الإشكال ليس في صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي و لا يشكّلان جوهر القضيّة و إن كانا أداة بيد نظام إمبريالي عالمي ، جوهر القضيّة هو نمط إنتاج كامل هو نمط إنتاج الإستعمار الجديد أي تحالف بين الرأسماليّة الكمبرادوريّة و بقايا الإقطاعيّة و الإمبرياليّة العالمية و أسلوب الإنتاج هذا متداخل بحيث لا يخدم صندوق النقد الدولي الإمبريالية فحسب بل يخدم أيضا الطبقات الرجعيّة المحلّية و يتحالف معها في ذلك على حساب أوسع الجماهير الشعبيّة المستغلّة و المضطهدة . و التشابك و التداخل و التخارج بين الإمبريالية و الطبقات الرجعيّة المحلّية لا يسمحون لمن يفقه لبّ نمط الإنتاج هذا بالحديث عن خضوع لإبتزازات وكأنّ الحكومة تقاوم هذه البرامج، على العكس تماما من ذلك هي جزء لا يتجزّأ من خدم دولة الإستعمار الجديد و من يقف وراءها من طبقات رجعيّة و إمبريالية و لئن أبدت إعتراضات فيكون ذلك ضمن نقاشات أو حتّى إختلافات في صفوف الرجعيّة والإمبريالية و كيف يمكن خدمتهما على أحسن وجه ممكن . و واهم و باث للوهم من يصدّق مسرحيّات المقاومة و الإبتزازات إلخ و كأنّ الدولة وطنيّة و الحكومة وطنيّة و مغلوبة على أمرها و الحال غير ذلك .
هكذا مسرحيّات توظّف لإصباغ و لو مسحة من الوطنيّة على السلطة الحاكمة ، من جهة ، و للإيهام بإمكانيّة القطع مع هذه العلاقات المتداخلة مع الإمبريالية لو توفّر شيء من الإرادة لدى الحكومة . هذا ما يروّج له الإصلاحيّون عموما . القضيّة في جوهرها قضيّة نمط إنتاج نكرّرها ، و الاقتصاد التونسي أدمج ضمن النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي و لا مخرج حقيقي إلا بالإطاحة بالطبقات الرجعية و الإمبريالية و دولة الإستعمار الجديد و إنشاء دولة ثورية و نمط إنتاج جديد و علاقات إقتصادية و إجتماعيّة جديدة على أنقاض دولة الإستعمار الجديد و من يقف وراءها . هذا ما ترتئيه الشيوعية الثوريّة و ليس مجرّد تقليم أظافر صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي و قد جرّبت بلدان عديدة عبر العالم من أفريقيا – البركينافاسو زمن توماس سنكارا – و البرازيل و فنزويلا ...القيام بذلك في إطار دولة الإستعمار الجديد فمنيت في نهاية المطاف بالفشل : لم تخرج من إطار النظام الراسمالي الإمبريالي الذى أعاد تأكيد نفسه و بقوّة .
و نعود إلى واقع القطر و ما جاد به قلم الهمّامي بهذا المضمار فنلاحظ في ما يخطّه أنّه ينحو بصورة متكرّرة إلى إعتبار العلاقة بين دولة الإستعمار الجديد و صندوق النقد الدولي ( و البنك العالمي ) علاقة تصادم و خضوع الأولى لمؤسسات تمثّل الإمبريالية العالمية و سياساتها النهّابة تجاه الشعوب و ما يغفله عمدا الكثيرون هو أنّها مفيدة للسماسرة المحلّيين من البرجوازية الكمبرادوريّة و حلفائها . و على سبيل المثال لا الحصر، ضمن مقال " إلى أين تسير البلاد ؟ " ، بالصفحة 143 على وجه الضبط ، يخطّ جملة معبّرة بهذا الشأن ألا وهي " لقد رضخت الحكومة مجدّدا لإبتزازات صندوق النقد الدولي ..." و ضمن مقال " حول بداية تحرير الدينار و آثاره الاقتصادية و الاجتماعية " ، نعثر على أوّل عنوان فرعي يقول " صندوق النقد يبتزّ تونس " ( 149 ) .
و من هكذا جمل و أفكار ، يتصوّر المرء أنّ " تونس " تقاوم الإستعمار الجديد ، وهو يبتزّها و يتصوّر أنّ " الحكومة " تقاوم الإستعمار و تضطرّ " للرضوخ " و هذا التصوّر أبعد ما يكون عن الحقيقة . " تونس " بمعنى النظام الحاكم و " الحكومة " شريكان للإمبريالية العالمية فهما يمثّلان دولة الإستعمار الجديد و يعملان لصالحها و ليس ضدّها . يريد الهمّامي أن يجعلنا نعتقد و لو للحظة أنّ ممثّلي دولة الإستعمار الجديد ( في السلطة التنفيذيّة و التشريعيّة ...) ضد الإستعمار الجديد . هذه محاولة تضليل أخرى تقدّم أجلّ الخدمات للنظام الحاكم و الطبقات الرجعيّة التي يمثّلها و المتحالفة عضويّا مع الإمبرياليّة العالمية .
ألا يحجب مثل هذا الخطاب عن " الإبتزاز " و الضغط و الخضوع حقيقة الشراكة و التحالف بين الطبقات الرجعيّة المحلّية و الإمبريالية العالمة خدمة لمصلحهما المشتركة ؟ ألا يبيّض هذا وجه السلطة التنفيذيّة لدولة الإستعمار الجديد على أنّها تعرّضت – وهي بالتالى " ضحيّة " كالدولة الضحيّة التي أنف التعليق عليها - للضغط و لم تجد بدّا من الخضوع ؟ و أكثر من ذلك ، ألا يبثّ هذا وهم أنّه من الممكن أن لا تخدم دولة الإستعمار الجديد مصالح الرجعيّة المحلّية والإمبرياليّة العالميّة؟ و أن تمضي ضد تلك المصالح ؟ هذا مربط الفرس .
ينشر الإصلاحيّون بشتّى ألوانهم ، و حزب العمّال على رأسهم ، وهم أنّ هذه الإمكانيّة واردة جدّا شرط تغيير " منظومة الفشل " أي منظومة الحكم ( رئاسة و حكومة و برلمانا ) و تعويضها بمنظومة النجاح . يكفى أن تصعد إلى سدّة السلطتين التنفيذيّة و التشريعيّة مجموعة أشخاص لنفترض جدلا من الجبهة الشعبيّة ، تتحلّى ب " الحدّ الأدنى من الشجاعة " التي لم يمتلكها الرئيس السبسي حسب الهمّامي ، لتتحوّل الإمكانيّة إلى واقع ، و يصفّق الهمّامي وأمثاله لهم طويلا و يهتفوا بحياتهم، على غرار ما إقترح ( ص 159) !
هذا التفكير الإصلاحي فضلا عن كونه مثاليّة ذاتيّة فجّة تتناقض مع المادية الجدليّة ، ضار جدّا سياسيّا للجماهير الشعبيّة و للمناضلين و المناضلات . ببساطة تتناسى هذه المثاليّة الذاتيّة وجود الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية العالمية و مناوراتهما السياسيّة و العسكريّة و تتجاهل العمود الفقري لدولة الإستعمار الجديد ألا وهو الجيش . فهل يذهب الظنّ بالإنسان العاقل و ليس الماركسي و حسب أنّ هؤلاء جميعا ( الرجعيّة بقوّتها الاجتماعية و الاقتصادية و العسكريّة ... و الإمبريالية بقوّتها الاقتصادية و العسكريّة و علاقاتها مع القوى الاجتماعية ... ) سيقفون موقف المتفرّج مكتوفى الأيدى لو أنّ حكومة و رئيسا و برلمانا حتّى منتخبين شعبيّا يسلك أو يسلكون نهجا يلحق الضرر بمصالح هؤلاء الرجعيين و الإمبرياليين ؟ يقينا و من المسلّم به أنّهم لن يقفوا مكتوفى الأيدى لا قبل تلك الانتخابات و لا أثناءها و لا بعدها . و لنأخذ على سبيل المثال ما يمكن أن تفعله " بعدها " لأنّ قبلها و أثناءها صارا معلومين إلى حدود لدى عدد كبير من الجماهير المتابعة لمجريات الأحداث السياسيّة في هذه السنوات الأخيرة .
لعلّ احدهم سيوقفنا صارخا : هل صرتم أنبياء للتنبؤ بما سيجدّ مستقبلا و نحن لا تملك تجربة بهذا المضمار ، في القطر ؟ حسنا ، على رسلك أيها المحتجّ ، على رسلك أيّتها المحتجّة ؟ نسترسل في الشرح خطوة خطوة و سندرك بيت القصيد و نشرع بتذكير أنّ دولة الإستعمار الجديد منذ حكم نظام بورقيبة راكمت ممارسات ننتقى لكم منها ما إعترف به قائد السبسي الذى خدم نظام بورقيبة و من موقع متقدّم ، منذ سنوات حيث أقرّ أنّ وزارة الداخليّة في انتخابات بداية الثمانينات زوّرت نتائج الانتخابات التي كان سيفوز بها أنصار أحمد المستيري من الديمقراطيين الإشتراكيين آنذاك . و شهد شاهد من أهلها . و على الفور نضيف أنّنا في عالم رحب و بما أنّ تونس جزء هذا العالم الرحب و جزء بإعتراف السيّد جيلاني الهمّامي في نص مقال " إستقلال بطعم التبعيّة و المهانة "، من " التقسيم العالمي للعمل و النفوذ الذى وضعته كبريات الدول الرأسماليّة" ( ص 125 ) أي جزء من النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ، نتعلّم من الصراع الطبقي على النطاق العالمي و من تجارب الشعوب و البروليتارية العالمية . و كأمميّين بروليتاريين و بما أنّ الشيوعيّة علم لا يعترف بالحدود القوميّة ، نؤكّد أنّ علم الثورة البروليتارية العالمية فتح أعيننا على عدّة أمثلة ممّا يجرى إن سلكت سلطة تنفيذيّة ما أو سلطة تشريعيّة ما نهجا يلحق أضرارا و يكبّد خسائرا ليست طفيفة بل فادحة و بالغة بمصالح الرجعيّة المحلّية و الإمبرياليّة العالمية . عربيّا ، تاريخ العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 خير مثال على ما قد تفعله الإمبرياليّة تجاه من تعدّهم أعداءها في لحظة ما . و تاريخ الإنقلاب في الشيلي سنة 1973 من أبرز الأمثلة على تصرّفات الإمبرياليّة و الطبقات الرجعيّة المحلّية و جيش دولة الإستعمار الجديد إزاء من يتجرّأ على النيل من مصالح الرجعيّة المحلّية و الإمبريالية العالميّة وهو يستخدم أجهزة دولة الإستعمار الجديد : إن لم تفلح المساعي السياسيّة ، ينتظره الإنقلاب العسكري و المجازر ( و الشيء نفسه في أندونيسيا سنة 1965 إلخ ).
و هذا ليس سوى وجه من وجهي عملة إمبريالية رجعيّة واحدة و نعنى بذلك في مضمارنا هذا أنّ الإمبرياليّة و الرجعيّة المحلّية قادرتان علاوة على تنظيم الإنقلابات العسكريّة ، على الضغط بطرق متباينة تتراوح بين الرشوة و الإغراءات و التهديدات و العقوبات ... فتنتهج سياسة العصا و الجزرة حيال من ينوون او يقرّون العزم على النيل من مصالحهما كي يغيّروا من سياساتهم و إن ركعوا لا مانع لديهما من أن يظلّوا رؤساء لدول الإستعمار الجديد أو أصحاب حقائب وزاريّة و نواب برلمانيين ، لا مانع خاصة إن كانت لديهم شعبيّة ما ، بل قد يمسى ذلك مستحسنا لأنّه يساهم في مزيد مغالطة الجماهير العريضة و تمرير المخطّطات الرجعيّة و الإمبريالية على يد من يدّعون تمثيل مصالح الشعب . و لعلّ مثال سيريسا باليونان أفضل مثال حديث نذكره بهذا الصدد ( مع أخذ أوجه الإختلاف بعين الإعتبار ، طبعا ) فسيريسا كانت كصنف من الجبهات الإنتخابيّة التي تنعت باليساريّة ضد إجراءات التقشّف الرأسماليّة الضارة بمصالح الجماهير الشعبيّة اليونانيّة و لمّا آلت السلطة التنفيذيّة و التشريعيّة إليها ، لم تطبّق البرنامج الذى إنتخبت من أجله بل خانت وعودها التي نثرت على طول البلاد و عرضها و راحت تتفنّن في تمرير السياسات الرجعيّة و قمع الإحتجاجات الشعبيّة .
و مرّة أخرى ، يصطدم الإصلاحيّون من كلّ رهط بواقع عنيد و عنيد جدّا هو أنّ الدولة جهاز طبقي ، آلة قمع طبقي فدولة الإستعمار الجديد دولة في خدمة الإستعمار الجديد القائم على تحالف الطبقات الرجعيّة المحلّية مع الإمبرياليّة العالميّة ، و آلة من ثمّة لقمع أعداء هؤلاء ، لقمع الطبقات الشعبيّة و إن حاول حزب أو جبهة اللعب بذيله أو اللعب بذيلها و الخروج عن الإطار المرسوم له و لها تكون له آلة القمع بالمرصاد و إن لم تكفى آلة قمع دولة الإستعمار الجديد ، تتحرّك ، سرّا أو علنا ، آلة قمع الدول الإمبرياليّة بالتزويد و الدعم و المساندة و حتّى التدخّل المباشر بالغزو و الاحتلال ، و لا نظنّ أنّنا في حاجة إلى أمثلة على ذلك في أيّامنا هذه .
يبقى أن نعود إلى عنوان هذه النقطة بعد أن أجلينا جوانبا من المغالطات التحريفية الإصلاحية . من يقرأ للسيّد الهمّامي ، من يقرأ مقالات كتابه موضوع نقدنا هذا ، يخال أنّ السيّد وهو من قدماء حزب العمّال و ناطقه الرسمي ، لم يطّلع و لم يدرس كتاب لينين العظيم ، " الإمبرياليّة أعلى مراحل الرأسماليّة " حيث يقع شرح أنّ الرأسمال الإحتكاري كمرحلة جديدة من تطوّر الرأسماليّة يتميّز بتصدير أساسا رأس المال المالي ( مزيج بين الرأسمال البنكي و الرأسمال الصناعي ) عوضا عن تصدير السلع أساسا ، و أنّ عصر الإمبرياليّة يعنى تقسيم وإعادة تقسيم العالم من قبل حفنة من البلدان المتقدّمة للبلدان المتخلّفة فنجد من جهة عدد قليل من الدول الإمبرياليّة تستعمر مباشرة أو بصفة غير مباشرة ( إستعمار جديد ) بقيّة بلدان العالم و تدمجها قسرا في النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي . و من هنا ، لم تعد علاقات الإستعمار الجديد علاقات بين دولة آمرة و دولة مأمورة بل تداخلت أنماط الإنتاج و علاقات الإنتاج و صارت العلاقات الإمبرياليّة داخليّة و ليست خارجيّة بالنسبة للمستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات .
و نسرع إلى مزيد الشرح . علاقات الإستعمار في عصر الإمبرياليّة تتميّز بإلحاق نمط أو أنماط الإنتاج في المجتمعات المستعمرة و شبه المستعمرة و في المستعمرات الجديدة بالنظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي . لقد تمّت عمليّة دمج ( و لن نناقش هنا مسألة تطوير أم عرقلة تطوّر قوى الإنتاج في البلدان المتخلّفة التي تدمجها الإمبرياليّة في نظامها العالمي ، فهذا محور يستحق مقالا بذاته و ليس هذا مجاله ) فصارت قوى الإنتاج ( الأرض و المصانع و الآلات و قوّة العمل ...) المحلّية تشمل أحيانا مصانعا كاملة و ليس فقط بضعة آلات منقولة من المتروبولات إلى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و المستعمرات وهي على ملك الشركات الإمبرياليّة و الدول الإمبرياليّة و ليست على ملك الطبقات الرجعيّة المحلّية . و صارت بنوك محلّية بأسرها على ملك الإمبرياليين أو يتشارك فيها الرأسمال الكمبرادوري مع الرأسمال الإمبريالي . و لئن كان عنصر الملكيّة من أهمّ مكوّنات العناصر الثلاثة المكوّنة لعلاقات الإنتاج ( ملكيّة وسائل الإنتاج و الموقع من عمليّة الإنتاج و الموقع من عمليّة توزيع الإنتاج ) ، فإنّنا نلاحظ بوضوح أنّ علاقات الإنتاج الإستعماريّة الجديدة أضحت داخليّة ( ملكيّة الإمبرياليّة للبنوك و المصانع و المناجم و الأراضي ...) و تشغيلها اليد العاملة في مصانعها و على الأراضي وفى المناجم التي تملكها ما يجعل منها العرف المباشر حالئذ ...
و علاوة على ذلك ، يعنى تصدير رأس المال المالى الإمبريالي أنّ الدول و الشركات ... التي تقترض و تستخدم أموال البنوك الإمبريالية تدخل المال المقترض إلى دورة الإنتاج و ينال الوسطاء و العملاء و تحديدا البرجوازيّة الكمبرادوريّة بالخصوص نصيبا من الأرباح و يعطون البقيّة لأسيادهم و غالبا ما تكون المؤسّسات المملوكة للكمبرادور أو حتّى لدولة الإستعمار الجديد بشكل عام في جزء كبير منها مملوكة لرأس المال المالي الإمبريالي . و هكذا نلمس أنّ علاقات الإستعمار الجديد ليست علاقات خارجة عن التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية و عن المجتمع و دولة الإستعمار الجديد و إنّما هي داخليّة متداخلة و متشابكة ضمن النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي . فالقضيّة إذن قضيّة نمط أو أسلوب إنتاج برمّته بكلّ ما يعنيه ماركسيّا و ليست مجرّد إبتزاز و إخضاع لشخص أو حكومة كما يروّج إلى ذلك الإصلاحيّون و منهم حزب العمّال .
هذا توضيح بسيط للمسألة التي تقتضى لفت الإنتباه إليها و لو على عجل نظرا لأنّ التحريفيين و الإصلاحيين يستغلّون عدم فهمها لبثّ أوهام إمكانيّة إصلاح دول الإستعمار الجديد من داخل سلطها لتصبح في خدمة الشعب ، بدلا من دكّها و على أنقاضها إنشاء دول ثوريّة إقامة نمط إنتاج آخر يخدم مصالح الشعب و البروليتاريا المحلّية و العالميّة و يكون هدف هذه الدولة الجديدة الثورية و نمط الإنتاج الجديد الثوري هذا الأسمى الشيوعيّة على الصعيد العالمي .
و بعجالة نلخّص نقاشا طويلا خضناه مع سلامة كيلة فى الكتاب الذى أفردناه لنقد ماركسيّته ( " نقد ماركسيّة سلامة كيلة، إنطلاقا من الخلاصة الجديدة للشيوعيّة " ) : عصرنا هو عصر الإمبريالية و الثورة الإشتركية بما يفيد ماديّا جدليّا أنّ الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ضدّان في وحدة أضداد ، في تناقض . و نقيض الإمبريالية الواضح و الوحيد هو الثورة الإشتراكية بتيّاريها الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنيّة الديمقراطية في المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة و الثورة البروليتارية أو الإشتراكية في البلدان الإمبرياليّة ، بقيادة الإيديولوجيا و الأحزاب الشيوعية الثوريّة . و عليه ، لن يفلح العمل في إطار دول الإستعمار الجديد او الدول الإمبريالية في إحداث التغيير الثوري المرجوّ ، طريق الثورة البروليتاريّة العالمية و غايتها الأسمى المجتمع الشيوعي العالمي على أنقاض الإمبريالية هو الطريق الثوري و السليم الوحيد و غير ذلك هراء إصلاحي لا أكثر .
بعدُ سنة 1916 ، في معرض نقاشه لحق الشعوب و الأمم في تقرير مصيرها ، خلص لينين إلى التالى الذى يعبّر أفضل تعبير عن عمق الموقف الماركسي الثوري و مدى تهافت الإصلاحيين بشتّى ألوانهم :
" إنّ العصر الإمبريالي لا يقضى لا على مطامح الإستقلال السياسي للأمم و لا على " قابليّة تحقيق " هذه المطامح في إطار العلاقات الإمبريالية العالميّة . أمّا خارج هذا الإطار، فبدون جملة من الثورات و بدون الإشتراكية " يستحيل تحقيق" و توطد الجمهوريّة في روسيا و أي تحوّل ديمقراطي كبير جدّا في أي مكان من العالم . "
( لينين ، هامش " بصدد الكاريكاتور عن الماركسيّة و بصدد " الإقتصاديّة الإمبرياليّة " – أكتوبر 1916 ، الصفحة 188 من" المختارات في 10 مجلّدات – المجلّد 6 ( 1915- 1917) ، دار التقدّم ،موسكو 1977- التسطير للينين )

4- من أوهام الحزب التحريفي و الإصلاحي الديمقراطية البرجوازية :

و يهمّنا في إرتباط بما سلف أن نتطرّق لمسألة محوريّة أخرى في الخطّ الإيديولوجي و السياسي التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال ألا وهي مسألة فهم الديمقراطية فهما ديمقراطيّا برجوازيّا و ليس فهما شيوعيّا البتّة إلاّ أنّنا لن نلمس هنا سوى شذرات مواقف متناثرة أمّا نقاش المسألة بالعمق اللازم فقد قمنا به في غير مناسبة لا سيما منها كتبنا " نقد ماركسيّة سلامة كيلة، إنطلاقا من الخلاصة الجديدة للشيوعيّة " و " حزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد حزب ماركسي مزيّف " و" تعرية تحريفية حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعية الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعية " و مقالنا " حزب العمّال التونسي حزب ديمقراطي برجوازي لا غير".
و ننطلق مع فهم السيّد جيلاني الهمّامي لرئاسة " دولة الإستعمار الجديد " ( حسب كلماته كما سجّلنا أعلاه ) و دستورها . و نقرأ معا هذه الجمل عن " الباجي قائد السبسي شخصيّا ..." الذى " لم يفوّت فرصة إلاّ و كال لها [ الجبهة الشعبيّة ] الإنتقادات و التشويهات إلى حدّ أنّه إعتبرها في لقاءات صحفيّة مع وسائل إعلام أجنبيّة " يسارا متطرّفا أخطر من التطرّف الديني ". و بذلك فقدت مؤسّسة الرئاسة المكانة التي كان ينبغي أن تحتلّها وفقا للدستور كمؤسّسة تمثّل الشعب التونسي بعيدا عن الإعتبارات الحزبيّة و التجاذبات المعروفة ". ( ص 36-37) و " مؤسّسة الرئاسة أثبتت أنّها قاصرة عن أن تكون رئاسة لكلّ التونسيّين ..." ( ص 22) .
بادئ ذي بدء ، لا بدّ من التذكير بأنّ هذا الشاتم للجبهة الشعبيّة ليس سوى الذى تحالفت مع حزبه هذه الجبهة ضمن جبهة الإنقاذ و كالت له المديح على أنّه " ديمقراطي " مناهض للنهضة و التطرّف الديني و ما إلى ذلك و من ثمّة بيّضت الجبهة الشعبيّة وجه هذا " الدستوري " القديم الذى تبوّأ مناصب عليا في دولة الإستعمار الجديد و نظامي بورقيبة و بن علي ، فساهمت في رفعه فوق راسها و لمّا تمكّن من مآربه ، ماذا فعل ؟ عانق النهضة و شنّ هجوما ضاريا على الجبهة الشعبيّة. لقد وظّف الثعلب الرجعي الجبهة الشعبيّة و قيادتها الإنتهازيّة في صراع بين القوى الرجعيّة و حينما تطلّبت مصالح القوى الطبقيّة الرجعيّة التي يمثّلها وضع يده في يد النهضة رغم التصريحات الناريّة من الجانبين قبل الانتخابات الرئاسيّة و البرلمانيّة ، لم يتردّد في القيام باللازم رجعيّا . بإختصار ، أقام حزب العمّال ، على رأس الجبهة الشعبيّة ، تحالفا إنتهازيّا مع قوى رجعيّة أوهم نفسه و أوهم الجماهير لقراءته الإنتهازية الغالطة لهويّة تلك القوى أنّها ستعقد معه صفقات مربحة أثناء الانتخابات و بعدها ، فلم يخب ظنّه ( كما خاب ظنّ أمثاله من من صار يسمّى بالحزب الإشتراكي لمحمّد الكيلاني و لحزب العمل الوطني الديمقراطي و لبسمة الخلفاوي ، أرملة الشهيد شكرى بلعيد الذين كادوا يقبّلون يد السبسى أملا في فتات على موائده ) و خرج من تحالفه بيد فارغة الأخرى لا شيء فيها و لم تظهر تعاسة نظرته " الطبقيّة " " الماركسيّة – اللينينيّة " فحسب ، بل نال ما نال من سخاء الحملات التشويهيّة من قائد السبسى و قبله من النهضة التي تحالف معها حزب حمّه الهمّامي زمن حكم بن علي ، على أنّها من القوى التي أمست ديمقراطية كما حبّرت أقلامه في أكثر من وثيقة ؛ و بعد صعودها إلى الحكم سنة 2011، رمته بالزندقة و ما إلى ذلك . و لا نعبّر هنا عن شماتة و إنّما عن إفلاس حزب تحريفي إصلاحي لعماه الإنتهازي لم يفقه أنّ من دخل جحر الرجعيّة ، لسعته ثعابينها .
و في جملتي جيلاني الهمّامي ، تتبدّى بجلاء قراءة مثاليّة ذاتيّة لدور مؤسّسة الرئاسة ، تنشر اوهاما ضارة في منتهى الضرر. فهو يصوّر ، أو على الأقلّ يكرّر بلا تحفّظ ترّهات النظرة الديمقراطية البرجوازية ، أنّ تلك المؤسّسة " تمثّل الشعب التونسي " و الحال أنّها رئاسة دولة الإستعمار الجديد و ليس بوسعها أن تمثّل الشعب التونسي وهي تمثّل أعداء الشعب التونسي و من هنا نشاهد بصفاء القمر المكتمل الخلط الفظيع في فهم الواقع و الضرر الشنيع الذى يلحقه الهمّامي بالقرّاء من المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبيّة . و لئن رفع أحدهم عقيرته ليحتجّ علينا بأنّه تكلّم عن ذلك " وفقا للدستور " فسيكون ردّنا أنّه حتّى و إن أحال على الدستور ، كان عليه ، من منظور ماركسي – لينيني يدّعى تبنّه ، أن يفضح المغالطات السياسيّة المتّصلة بمؤسّسة الرئاسة و كذلك بدستور دولة الإستعمار الجديد ، دستور الطبقات الرجعيّة ، دستور أعداء الشعب و الهمّامي لا ينقده مثلما لا ينقد مؤسّسة الرئاسة بل ينقد فقط ممارسات أو تصرّفات الرئيس الذى كان سيصفّق له لو تحلّى ببعض الجرأة و أعلن بعض الإصلاحات كما سبق و رأينا . فى الوقت الذى يتّهم فيه الهمّامي السبسي بفقدان الجرأة على إعلان بضعة إصلاحات ، نجد السبسي يتحلّى بالجرأة التامة و الواجب الرجعي ليتحالف مع النهضة التي نعتها بنعوت سلبيّة جدّا قبل التحالف معها و كذلك نجده يتحلّى بالجرأة حين إلتزم بواجبه الرجعي ليحمل على الجبهة الشعبيّة و يشوّهها و قد كان تحالف معها لمدّة ، وظّفها لمدّة في صراعاته الرجعيّة مع النهضة . و هكذا السبسي يقدّر جيّدا سياساته الرجعيّة و الهمّامي و حزبه كالكرة تتلاعب بها القوى الرجعيّة و توظّفهما في الصراعات بينها . في كلّ مرّة ، تخرج القوّة الرجعيّة التي إستغلّت الهمّامي و أمثاله لتعلن " إنتهى الدرس يا ...".
رئاسة و دستور دولة الإستعمار الجديد الممثّلين لمصالح الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية ، ماركسيّا ، يجب فضح حقيقتهما لا الترويج للأوهام حولهما . بالإمكان إظهار التناقض بين المقول و الممارس لدى الرجعيّين و لكن الإكتفاء بذلك ليس من الماركسيّة – اللينينيّة في شيء، بالعكس هو نقيضها أي تحريفيّة ، و ليس من الثوريّة في شيء ، بالعكس هو نقيضها أي إصلاحيّة .
و في ما يتعلّق ب " تعديل الدستور و العودة على النظام الرئاسوي و نظام الحكم الفردي " ، فلنا من الملاحظات ثلاث ، الأولى تتّصل ب " النظام الرئاسوي و نظام الحكم الفردي " حيث هذه المصطلحات مستخدمة إستخداما يستهدف إستهجان النظام الرئاسي وفي الوقت نفسه يحجب حقيقة عدم " وجود نظام الحكم الفردي ". ففي عصر الإمبريالية والثورة الإشتراكية، تجميع السلطات أو تفريقها ، تختاره الطبقات الحاكمة حسب مقتضيات مصالحها و المرحلة التي تمرّ بها و يظلّ حكمها حتّى و إن إستبعدت بعض الفئات من الطبقات الحاكمة أو قمعتها ، في كلّ الحالات ، ماركسيّا ، دكتاتوريّة الطبقة او الطبقات الرجعيّة و ليس دكتاتوريّة فرد . الحكم الفردي ينبع من نظرة برجوازية للعالم و ليس من نظرة بروليتارية شيوعية للعالم و للدولة و الطبقات و صراعها . هنا أيضا يبرز الهمّامي غارقا للعنق في المفاهيم البرجوازية و النظرة الديمقراطية البرجوازية و هو غريب الغربة كلّها عن الماركسيّة .
و الملاحظة الثانية هي أنّ بوسع الطبقات الحاكمة أن تغيّر الدستور على هواها أو حتّى أن تضعه جانبا و تتجاوز ما يتضمّنه كما يعنّ لها ( طبعا بالأساس خدمة لمصالحها الطبقيّة ) وهي لا تعتبره وثيقة مقدّسة و حتّى المقدّس عندما تحتاج الطبقات الحاكمة الرجعيّة تخطّيه تتخطّاه و تدوسه و التاريخ حافل بالأمثلة و حتّى تاريخ تونس مع حكم بورقيبة و بن علي فيه ما يثبت ما نذهب إليه. و الغريب و العجيب هو أن يقدّس المتمركسون دساتير الدول البرجوازية الإمبريالية و دساتير دول الإستعمار الجديد و أن يدعون إلى تقديسها ، و بعد ذلك يصرّح هؤلاء التحريفيين والإصلاحيين بالصوت العالى أنّهم ماركسيّون و أنّهم ثوريّون .
و تخصّ الملاحظة الثالثة كون المرور من شكل حكم إلى شكل حكم آخر أو من نظام حكم إلى نظام حكم آخر ضمن ذات الدولة ( الدولة الإمبريالية أو دولة الإستعمار الجديد ) أمر وارد و قد جدّ في الماضي و يجدّ في الحاضر و سيجدّ في المستقبل ) و من الواهمين و السابحين في فضاءات الأحلام ( من المثاليّين الميتافيزيقيّين ) من يتوقّعون عدم قدرة الطبقات الرجعيّة على اللجوء بصفة متكرّرة ، حسب حاجيات مصالحها الطبقيّة ، إن لزم الأمر أو في فترات متقاربة أو متباعدة إلى هذا الشكل أو ذاك . و منذ قرن و بضعة سنوات تناهز العقد ، سنة 1910 ، أكّد لينين العظيم وهو يشرح "الخلافات في الحركة العمّاليّة الأوروبيّة " أنّ :
" برجوازية جميع الأقطار تصوغ حتما ، في الواقع ، نهجين للحكم ، أسلوبين للنضال ، دفاعا عن مصالحها و ذودا عن سيطرتها ، - مع العلم أنّ هذين الأسلوبين يتعاقبان تارة و طورا يتعاقدان بمختلف التنسيقات . الأسلوب الأوّل هو أسلوب العنف ، أسلوب رفض كلّ تنازل للحركة العمّاليّة ، و دعم جميع المؤسّسات القديمة البائدة، و التشدّد في إنكار الإصلاحات. ذلك هو جوهر السياسة المحافظة التي تكفّ أكثر فأكثر في أوروبا الغربيّة عن أن تكون سياسة طبقات الملاكين العقاريين و التي تغدو أكثر فأكثر شكلا من أشكال السياسة البرجوازية العامة . أمّا الأسلوب الثاني ، فهو أسلوب " الليبرالية " و التدابير المتّخذة بإتجاه توسيع الحقوق السياسيّة ، بإتّجاه الإصلاحات ، و التنازلات ، إلخ ...
و البرجوازية تنتقل من أسلوب إلى آخر ، لا بدافع الصدفة و لا بدافع حساب سيّئ النيّة يقوم به بعض الأشخاص ، بل بدافع التناقض الأساسي في وضعها بالذات ... "
( لينين ، " ضد التحريفيّة ، دفاعا عن الماركسيّة " ، الصفحة 50 من الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو )

و في مقال " تونس في أزمة حكم " ( و ليس أزمة نمط / أسلوب إنتاج أو أزمة دولة إستعمار جديد ! ) ، يتحفنا صاحبنا بجملة إقراريّة تنمّ عن فهم مثالي ميتافيزيقي للواقع الموضوعي و هذيانه بالديمقراطية البرجوازية التي نظنّ أنّه شربها حتّى الثمالة فترنّح و صار يهذى بها هذيان المصاب بحمّة لإرتفاع حرارته جدّا .
أنظروا إلى هذا و إعملوا فكرهم فيه مليّا:" من يتحكّم في السلطة المحلّية يتحكّم في دواليب الدولة و الحكم "!!! ( ص 44 )
نتوقّف لثوانى نترككم فيها تلتقطون أنفاسكم و تتدبّروا بفكر نقدي هذا التصريح عسى أن تبلغوا كنه الجملة و مدى الهراء الذى تنطوي عليه ؛ من الرائع المريع أن يقلب من يدّعى الماركسيّة الأمور رأسا على عقب .
و نشرح أنفسنا فنقول أوّلا ، المقصود بالسلطة المحلّية سلطة البلديّات بالأساس . فهل أنّ من يتحكّم في البلديّات يتحكّم في دواليب الدولة و الحكم ؟ لا ؛ و لكن ليس بصفة مطلقة . إن كان المتحكّم في السلطة المحلّية هو ذات المتحكّم ( و نعنى هنا القوى أو الأحزاب السياسيّة ) في السلطة المركزيّة قد يصحّ هذا . و قد يكون الحال العكس تماما أي قد يكون المتحكّمون في السلطة المحلّية غير المتحكّمين في السلطة المركزيّة و قد ينشأ و قد لا ينشأ تضارب أو صراع إعتبارا لمدى التناقضات البرنامجيّة و التوجّهات الطبقيّة و إعتبارا للحدود القانونيّة المرسومة للسلطة المحلّية و علاقتها بالسلطة المركزيّة . و قد يحصل أن يكون المتحكّم في السلطة المحلّية متحكّمون أي عدّة قوى متباينة من بلديّة إلى أخرى أو حتّى داخل البلديّة الواحدة أو من جملة بلديّات أي أنّ السلطة المحلّية تتقاسمها قوى متنوّعة إلخ . و زيادة على ذلك ، في علاقة السلطة المحلّية بالسلطة المركزيّة في أيّة دولة طبقيّة ، الرئيسي هو السلطة المركزيّة كتعبير مركّز عن سلطة الطبقة أو الطبقات الحاكمة و لئن أفلتت من يد الطبقات الرجعيّة سلطة محلّية أو عدّة بلديّات محلّية لن تصدّع رأسها كثيرا بمعنى لن تخشى على سلطتها المركزيّة بصورة إستعجاليّة و ملحّة و قد تستخدم ذلك لتلميع صورتها الديمقراطية و من ذلك على سبيل الذكر لا الحصر ما يصنعه الكيان الصهيوني مع بضعة بلديّات يتحكّم فيها فلسطينيّون . و هذا لن يفقه منه شيئا من لا يطبّق في تحليل الموضوع الماديّة الجدليّة من أمثال صاحب الجملة الرهيبة التي نسلّط عليها الضوء .
و ثانيا ، ينبغي رؤية نوع العلاقات بين المحلّى ( و حتّى الجهوي المعتبر أحيانا محلّيا ) و المركزي . لا يعتقد إلاّ من أصيب بعمى الديمقراطية البرجوازية و الإنتهازية أن في دول الإستعمار الجديد أو حتّى في الدول الإمبرياليّة ثمّة علاقة شفافيّة تسمح بخضوع " دواليب الدولة و الحكم " إلى السلطة المحلّية ، بعيدا عن البيروقراطية و الدواوينيّة . يتخيّل السيّد الهمامي وجود هذه العلاقة المتّسمة بالشفافيّة حيث لا تشوّه السلطة المركزيّة و لا تتدخّل في السلطة المحلّية و لا تحاصرها و تهرسلها إلخ بشتّى السبل القانونيّة و غير القانونيّة إن هي تنطّعت أو خرجت عن طاعتها و قد تعزل مسؤوليها أو تسجنهم إن هم خرجوا عن الإطار المحدّد لهم و أضرّوا ضررا فادحا بمصالح الطبقات الرجعيّة . قد يتمّ القبول ببعض المناوشات و تقدّم بعض التنازلات للسلطة المحلّية إن كانت بيد معارضين شرسين نوعا ما لكن لن يخرج الأمر عن إطار نمط الإنتاج الساري المفعول و العلاقات الطبقيّة السائدة و دولة الإستعمار الجديد القائمة . و لا حتّى في دول إمبرياليّة معروفة بديمقراطيّتها البرجوازية لقرون مثل فرنسا إستطاع بعض الماسكين بالسلطة المحلّية في بلديّات معيّنة لعقود و هم من الحزب الشيوعي الفرنسي التحريفي مثلا ، أن يتخطّوا الحدود المرسومة من قبل الدولة الإمبرياليّة .
و حتّى و إن كان بوسع الماسكين بالسلطة المحلّية أن يؤثّروا إلى حدّ ما و بطرق شرعيّة و غير شرعيّة في نتائج الانتخابات لمواقع السلطة المركزية تنفيذية كانت أم تشريعيّة ، لن يقبل عاقل جملة الهمّامي الإطلاقيّة غير الواقعيّة . فلا يجب بالتالى أن يصدّق أحد أضغاث أحلام الهمّامي هذه فهي تطمس الحقائق و الوقائع لا لشيء إلاّ لإيهام الأنصار بأهمّية و حتّى حيويّة خوض معارك الانتخابات البلديّة و كسبها و شحنهم لبذل قصاري الجهد . أداتيّة براغماتيّة هي في نهاية المطاف هذه الجملة و ليست تسجّل حقيقة نابعة من التحليل الملموس للواقع الملموس.
و ثالثا ، ماذا عن " دواليب السلطة و الحكم " و كيفيّة التحكّم فيها ؟ تحضرنا الآن و هنا صور و جمل لعدّة أعضاء من نواب الجبهة الشعبيّة في مجلس نواب الشعب و هم يطلقون حناجرهم بالصياح و العويل و التنديد ، في غضب لم يشهد له مثيل من قبل و يعكس حالة إحتقاق كبرى و يأس كبير ، بأنّ المجلس فقد شرعيّته ولا يمثّل الشعب و بأنّهم لم يستطيعوا أن يدافعوا عن مصالح الشعب فيه و أنّ المافيات تتحكّم في إصدار القوانين و هكذا دواليك . و هذه المشاهد الكثيرة و المثيرة متوفّرة على الأنترنت و قد شاهدها الآلاف و نقلت محطّات التلفزة لقطات منها و بالتالى لا داعى لذكر مرجع معيّن لها .
إن لم يستطع نواب بمجلس نواب الشعب وهو أعلى سلطة تشريعيّة لها صلوحيّة تعيين و مراقبة رئيس الحكومة و محاسبته ووزرائه إلخ ... التأثير في قرارات هذا المجلس و إعترفوا بعظم لسانهم بذلك ، فهل تستطيع ذلك سلطة محلّية أو تستطيع هذه السلطة المحلّية التحكّم في دواليب الدولة و الحكم ؟ لكم الجواب .
دواليب الدولة و الحكم تتحكّم فيها فعليّا القوى الممثّلة للطبقات الرجعيّة و الإمبرياليّة . و قد تكون هذه القوى في الواجهة مباشرة و قد تتخفّى خلف الستار لتدير الأمور من الكواليس و قد تمزج بين جزء في الواجهة و جزء يظلّ خلف الستار . و ما مجلس النواب و الرئاسة و الحكومة غالبا إلاّ دمى بيد القوى التي تفعل فعلها و تدير الملفّات و الشؤون بشكل مركزي من وراء الستار في الغالب الأعمّ و علنا إستثنائيّا .
عمدا عامدين ، يتجاهل التحريفيّون و الإصلاحيّون المرضى بالغباء البرلماني على حدّ وصف لماركس ، ما إستخلصه لينين حول سير دواليب الدولة و الحكم في الدول الإمبريالية ( وهو حتّى أكثر على دول الإستعمار الجديد ) في كتاب لا يزال يقضّ مضجع التحريفيين و الإصلاحيين هو كتاب " الدولة و الثورة " و الكتاب المنارة الآخر " ما العمل ؟ " وهما أكثر من غيرهما من كتب و مقالات لينين تعرّضا إلى الهجمات الأشدّ تزويرا للحقائق :
" أمعنوا النظر في أي بلد برلماني من أمريكا حتى سويسرا و من فرنسا حتى أنجلترا و النرويج و غيرها ، تروا أنّ عمل " الدولة " الحقيقي يجرى وراء الكواليس و تنفّذه الدواوين و المكاتب و هيئات الأركان . ففي البرلمانات يكتفون بالهذر بقصد معيّن هو خداع " العامة ". "
( لينين ، " الدولة و الثورة " ، الصفحة 45 من طبعة دار التقدّم موسكو )
و أيضا لا يرغب التحريفيّون و الإصلاحيّون في قيادة حزب العمّال في إستيعاب حقيقة أساسيّة سجّلها لينين وفى العمل وفقها ، فما بالك بنشرها شعبيّا ذلك أنّها تمضى ضد مشاريعهم الإصلاحيّة على طول الخطّ :
" ما دام الإنتاج البضاعي و البرجوازية و سلطة النقود سائدة ، فإنّ شراء الذمم ( مباشرة أو عن طريق البورصة ) " قابل للتحقيق " في ظلّ أي شكل للحكم و في ظلّ أيّة ديموقراطيّة ."
( لينين ، " بصدد الكاريكاتور عن الماركسيّة و بصدد " الإقتصاديّة الإمبرياليّة " – أكتوبر 1916 ، الصفحة 179 من
" المختارات في 10 مجلّدات – المجلّد 6 ( 1915- 1917) ، دار التقدّم ، موسكو 1977 )
و لا حاجة لنا لأمثلة مجسّمة لهذه الحقائق العميقة و الشاملة في واقع القطر فالقاصى و الدانى على علم قليل أو كثير على الأقلّ بشذرات من وقائع و عايش وقائع أو شاهد بأمّ عينه أشرطة عن وقائع . حقّا لا عمى أكبر من عمى الذى يتعامى !
و لن نخوض نقاشا مطوّلا بشأن " ديمقراطيّتنا الناشئة " ( ص 33 ) فقد أفردنا للديمقراطية مساحات هامة في جدالاتنا السابقة و نكتفى هنا بالتذكير بأنّ لينين يرى أنّ " الديمقراطية في المجتمع الرأسمالي هي ديمقراطية بتراء ، حقيرة ، زائفة، هي ديمقراطيّة للأغنياء وحدهم ، للأقلّية " و أنّ " الديمقراطية لا تعنى غير المساواة الشكليّة " ( الصفحة 96 و الصفحة 105 من " الدولة و الثورة " ) وبإيراد مقولة شهيرة للينين وردت في " الثورة البروليتاريّة و المرتدّ كاوتسكى " ( ص 18 من طبعة دار التقدّم ، موسكو ) نضعها جنبا إلى جنب مع ما نطق به الهمّامي و نتراجع خطوات إلى الوراء لنفسح المجال للقرّاء كي يفكّروا مليّا و يبدو رأيهم : " إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست سوى تعبير كاذب للبيرالي يخدع العمّال. إنّ التاريخ يعرف الديمقراطية البرجوازية التى تحلّ محلّ النظام الإقطاعي، و الديمقراطية البروليتارية التى تحلّ محلّ الديمقراطية البرجوازية " .
و ننهى جدالنا بخصوص هذا المحور بلفتة سريعة إلى كلمتين في تعبير له دلالة ساطعة في وضوحها ، " الجميع مهدّد " الواردتين بالصفحة 46 ، بخاتمة مقال " تونس في أزمة حكم " . و كي لا نتّهم بإقتلاع الكلمات من إطارها ، إليكم الفقرة المتضمّنة للكلمتين و ليفهم القرّاء السياق : " الحلّ الحقيقي سيكون بلا شكّ – و إن إستدعى ذلك كثيرا من الجدل و الشدّ و التجاذب – في البحث في مخرج مبنى على قدر كبير من الشجاعة و الجرأة و التجديد ، و في خلاف ذلك سيكون الجميع مهدّدا بالقضاء تحت ركام السقف المتهاوي ".
سنترك الآن التعليق على " مهدّدا " ( و فيه ما فيه من الدلالات : من يهدّد من ؟ و بماذا يهدّده ؟ و كيف ؟ و لماذا ؟ إلخ ) و نعتنى ب " الجميع " التي فضلا عن كونها لفظة وردت في صيغة مثاليّة فجّة في مجتمع منقسم إلى طبقات متعادية و متناحرة قد يسخر منها كلّ ماركسي و ماركسيّة مثلما سخر ماركس و لينين من أمثال هكذا صيغ ، و نضع سطرا تحت القناعات الراسخة لدى الناطق الرسمي باسم حزب العمّال بأنّه و جماعته و أمثاله ضمن " جميع " دولة الإستعمار الجديد المدعومة من قبل الإمبرياليّة ، هو ليس عدوّها و ليس عدوّ النظام الحاكم و إنّما فقط يختلف معهما في الرأي و هم " جميع" " في سفينة واحدة " و تحت " سقف " واحد . و يريد من الجماهير الشعبيّة ان تفكّر على هذا النحو و تدخل تحت هذا السقف.
لا ، يا سيّدى ، تعلّمنا الشيوعيّة الثوريّة أنّ البروليتاريا حفّارة قبر البرجوازية و أنّ دولة الإستعمار الجديد عدوّة الطبقات الشعبيّة و خادمة الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبرياليّة و من يخلط الأوراق بين الأصدقاء و الأعداء و يجمع "الجميع" تحت خيمة واحدة يمارس " الوحدة الوطنيّة " و الوفاق الطبقي و السلم الطبقي و الماركسيّة لا تقبل بهذا . الماركسيّة براء من الذى يقف في صفّ أعداء الشعب و تحت عمامة واحدة معهم و يدعو الجماهير الشعبيّة إلى الوقوف تحت ذلك " السقف المتهاوي ". الماركسيّة ثوريّة و تنادى صراحة بدكّ الدول الإمبرياليّة و دول الإستعمار الجديد لا إلى إصلاحها و كي يتمّ ذلك لا بدّ من الخوض الواعي للصراع الطبقي و فرز العدوّ من الصديق و ليس خلط الحابل بالنابل .
و إن كرّر الإصلاحيّون على مسامعنا معزوفة ستغرق السفينة التي يوجد على متنها الجميع سنردّ بأنّ ربّان السفينة بصدد إغراق السفينة و هذا يصحّ على النظام الرأسمالي العالمي الذى يدفع بكوكبنا برمّته نحو الفناء سواء عن طريق الحروب النوويّة غير المستبعدة أو عن طريق تحطيم البيئة و رفع حرارة الكوكب . و في حال مجتمع معيّن ، كالمجتمع التونسي ، ربّان السفينة رجعي و لا يهمّه ما يطال الجماهير الشعبيّة من تفقير و تجويع و تهميش و سحق أي غرق ما يهمّه قبل أي شيء هو إستغلاله و إضطهاده لها فدون ذلك الإستغلال و ذلك الإضطهاد لن يقدر على مواصلة العيش ، سينهار نمط الإنتاج الذى يخوّل له أن يكون ربّانا للسفينة و يتمعّش من ذلك الموقع . هذا ما يفرض فرضا ضرورة التغيير الثوري ، ضرورة الإطاحة بالربّان و تعويضه بربّان الجماهير الشعبيّة بقيادة البروليتاريا و الشيوعية الثوريّة و توجيه السفينة بإتّجاه ميناء آمن هو المجتمع الشيوعي العالمي ؛ لا الركوع للربّان المستغِلّ و المضطهِد باسم إنقاذ السفينة !
إنّ بتر الماركسيّة على هذا النحو يساوى الهبوط بها أسفل سافلين حضيض الإنتهازية !

5- تجلّيات منهج نقيض للماديّة الجدليّة :

لقد عايننا في النقطة السابقة معاينة سريعة لأوجه من المنهج المثالي الميتافيزيقي الذى إعتمده السيّد جيلاني الهمّامي فقد شاهدناه يتحدّث عن " الجميع " بصيغة مناهضة تماما للمادية الجدليّة التي تقرّ بوحدة الأضداد أو التناقض قانونا جوهريّا لها كما ألمح إلى ذلك لينين و شرح و طوّر ماو تسى تونغ بإقتدار. و في ما يتّصل بالموضوع الذى نحن بصدده علاوة على ما أجليناه من خلل في تلك الصيغة ، ننبّه إلى أنّها تطمس الواقع المادي الموضوعي لوجود الطبقات المتباينة من جهة و من الجهة الأخرى ، تنفى التضاد بين الطبقات الإجتماعية و الصراع الطبقي . مثاليّة هي لنكرانها الواقع المادي الموضوعي و ميتافيزيقيّة لنكران الجدليّة أي التناقض و الصراع أساس الحركة و النموّ و التطوّر إلخ .
و إلى جانب ذلك ألفينا صاحبنا ينفخ في السلطة المحلّية بمعنى سلطة البلديّات نفخا يجعل منها الشجرة التي تخفى الغاب أي أنّه لا يقرأ قراءة ماديّة موضوعيّة صحيحة أهمّية السلطة المحلّية و إنّما يبالغ بصيغة مثاليّة فيقذفنا بجملة إقراريّة إطلاقيّة ، " من يتحكّم في السلطة المحلّية يتحكّم في دواليب الدولة و الحكم " كأنّها تعبير عن حقيقة شاملة و عميقة و ما هي كذلك على حدّ ما فكّكنا آنفا و باحت به من أسرارها الهمّاميّة ( نسبة للهمّامي ). هذه منه مثاليّة فجّة تبالغ في أهمّية هذه السلطة و مدى صلوحيّاتها مبالغة أداتيّة حيث يستند إلى مثل هذه الجمل ليحفز الأنصار على رصّ الصفوف و بذل قصارى الجهد في هذه المعركة الإنتخابيّة . و هكذا يصوغ السيّد الهمّامي جملا لا تعكس الواقع و الحقيقة الماديّة الموضوعيّة و إنّما يصوغ جملا كأداة في الصراع من أجل المواقع في سلطة دولة الإستعمار الجديد . و فلسفيّا ، يعدّ هذا من البراغماتيّة / النفعيّة المعادية تماما للمبادئ الشيوعية و نظرية المعرفة الماركسيّة .
و دون فاصل ، نواصل في تعرية أوجه أخرى من المنهج الهمّامي المعادى لعلم الشيوعيّة .
في إرتباط بما مرّ بنا بشأن دور الرئيس و الرئاسة في دولة الإستعمار الجديد و بشأن دلالات " الجميع " و تبعاتها ، أدهشنا ما أفصح عنه الكاتب من إيمان راسخ بإمكانيّة أن " تكون الرئاسة لكلّ التونسيّين " ( ص 22 ) و سعيه لنشر هكذا أوهام . ما هذه إلاّ خدعة برجوازية عالميّة حيث كلّما إنتخب رئيس في فرنسا أو في الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرهما ، في خطابه الأوّل ، أو إثر إعلان النتائج مباشرة ، يعلن أنّه ليس رئيسا للذين إنتخبوه بل رئيس كلّ ... لقد إبتلع كاتبنا الطعم البرجوازي و منذ سنوات إن لم يكن منذ عقود و راح بدوره يكرّر كالببغاء " رئاسة كلّ ...". ليعطينا مثالا واحدا وفي جميع المجتمعات الطبقيّة عبر العالم، أين رئيس دولة إمبرياليّة أو رئيس دولة إستعمار جديد خدم " الكلّ " ، خدم الطبقات الحاكمة المضطهِدة و المستغِلّة و خدم في الوقت نفسه الطبقات المحكومة المضطهَدة والمستغَلّة ؟ أين هل في فرنسا ؟ هل في أمريكا؟ أم هل خدم بورقيبة في تونس " الكلّ "؟ أم خدم بن علي " الكلّ "؟
من حقّنا إذن و من حقّ القرّاء أن نلحّ إلحاحا شديدا في طلب إجابة و من حقّنا كماركسيّين أن ندين إعتماد المثاليّة الميتافيزيقيّة و الدعوة بشكل أو آخر " للتعايش المنظّم بين أفراد المجتمع " (ص 24 ) أي التعايش السلمي في ظلّ دولة الإستعمار الجديد (أو حتّى في ظلّ دولة إمبرياليّة ).
و يتوهّم صاحبنا المثالي الميتافيزيقي وجود إمكانيّة " تغيير منظومة التنمية تغييرا جذريّا و الإستجابة لتطلّعات الشعب التي ثار من أجلها على نظام بن علي و القضاء المبرم على الفساد و إتّباع خطّة ثوريّة و جريئة في مقاومة الإرهاب بتجفيف منابعه و التعويل على الشعب و على مقدّرات البلاد الماديّة و البشريّة و إصلاح مؤسّسات الدولة وأجهزتها و تمتين أسس الحكم الرشيد و الديمقراطية و دولة الحق و العدل " ( ص 24-25 ) و كلّ هذا " الدواء البلسم " (ص 24 ) في ظلّ دولة الإستعمار الجديد و ليس على أنقاضها . ولا نزيد تعليقا على هذه الآراء التي لم تباغتنا بتاتا من حزب إصلاحي منذ تأسيسه!
و قد أتى قبل هذه الفقرة مباشرة ( ص 24 ) أنّ " منظومة الحكم الحاليّة ليس أمامها من سبيل لتدارك أمورها سوى " تغيير ..." و قد تلى هذه الفقرة عينها ، بعد " الحق و العدل " تكرار تقريبا للفكرة ذاتها بكلمات أخرى ، ( ص 25 ) " دون هذا لا مخرج للمنظومة الحاكمة الحاليّة من المأزق الذى تردّت فيه و حشرت فيه البلاد و الشعب " إلاّ انّ صاحبنا يضيف جملة بدت مسقطة ، " و لكن هل أنّها قادرة فعلا على كلّ هذا ؟ بالطبع لا . " ( ص 25 )
معلّقين على هكذا كلام من مأتاه لا يستغرب نبدأ من النهاية و ليس من البداية . عقب الجملة الإستدراكيّة الأخيرة و جواب " لا " ، كنّا نتوقّع منطقيّا ، كسائر القرّاء ، أن يفسّر لنا الكاتب هذه " بالطبع لا " سيما و أنّه كما رأينا في مناسبتين يعدّ ما يقترح السبيل الوحيد ( ليس ... سوى ) الذى دونه " لا مخرج " من المأزق ... ، غير انّه يقفز فوق إنتظارات القرّاء و يحوّل الحديث إلى موضوع قوّة الدولة في الفقرة الموالية ( وهي فقرة تستدعى عناية خاصة لاحقا ).
و نحاول شرح الموقف بكلمات بسيطة : مقترح الهمّامي هو السبيل الوحيد و المخرج الأوحد " لتدارك " "منظومة الحكم " " أمورها " و للخروج من " المأزق ". هذا ما يجب أن يفهمه القرّاء بيسر بيد انّ النصيحة التي يقدّمها الهمّامي لمنظومة الحكم تضع الناصح ذاته في مأزق إن كانت تلك المنظومة قادرة على ذلك فما الحاجة إلى هذا الناصح و أمثاله غير البقاء في موقع النصح بعيدا عن السلطة و هذا يجعل الناصح يسيئ لنفسه و لأمثاله ، لذلك هرول إلى التراجع عن إمكانيّة قدرة المنظومة إيّاها على تحقيق المطلوب و لم يقدّم شرحا للماذا بعد أن كان ذلك المخرج الوحيد و السبيل الذى لا سبيل غيره لتدارك الأمور .
و من هنا ، يطلب الناصح المثالي من منظومة الحكم ما لا تقدر عليه و مع ذلك يعتبره المخرج الوحيد لتدارك أمورها ! مثاليّة هذا الرجل تضعه وجها لوجه و القرّاء الذين سينتفضون : ما هذا الدوران ؟ ما هذا الهروب من الشرح المستفيض ؟ ألا تعلم أنّ " فاقد الشيء لا يعطيه " ؟ منظومة الحكم فاقدة للقدرة على تنفيذ مقترحك و مع ذلك ، تصرّ أنّه المخرج الوحيد لها من المأزق . ما هذا اللغو ؟
و نقلّب المسألة من عدّة زوايا فنكتشف ما نعتقد أنّه أفضل تأويل لمأزق الهمّامي : تصرخ أعماق أعماقه الإصلاحيّة بانّ منظومة الحكم غير قادرة على " إنجازإستحقاقات الثورة " ( ص 24 ) و حالئذ هي فاشلة و يجب أن تحلّ قوى أخرى محلّها لتطبّق النقاط البرنامجيّة المعروضة للخروج من المأزق و تدارك الأمور. و بالطبع ، يرى نفسه و أمثاله أهل و مؤهّلين للعب هذا الدور. هذا أفضل تأويل على ما نعتقد و إن لم يستطع الناطق الرسمي باسم حزب العمّال تبليغه بوضوح هنا . و عقب مرور ثلاث سنوات و نيّف - حُبّرت هذه الأسطر في صائفة 2019 و مقال الهمّامي مؤرّخ في فيفري 2016 - هل تبيّن أن ذلك هو السبيل الوحيد و دونه لا مخرج من المأزق ؟ ما تبيّن هو أنّ في جعبة الرجعيّة الكثير و الكثير ممّا يُتصوّر و ممّا لا يتصوّر من الحيل و الألاعيب و المناورات للإلتفاف على " إستحقاقات الثورة " التي ليست في الواقع ، بنظرة ماديّة جدليّة شيوعيّة ثوريّة ، في تضارب مع مثاليّة و ميتافيزيقيّة محرّفي الماركسيّة الإصلاحيين ، سوى إنتفاضة شعبيّة كما أثبت التاريخ بجلالة أحداثه و أثبتت تحاليلنا المستندة إلى الوقائع الملموسة و إلى المنهج و المقاربة الشيوعيين . ( راجعوا كتاباتنا بهذا المضمار على صفحات الحوار المتمدّن و بمكتبته ).
و نسترسل داعين القرّاء أن يبقوا في ذاكرتهم تعليقاتنا الخاصة بدولة الحق و العدل و داعينهم للتعليق بأنفسهم على " إتباع خطّة ثوريّة و جريئة في مقاومة الإرهاب " بعدما تكشّف من حقائق للعموم عن الإرهاب و صلته بالنظام الحاكم و المسؤولين فى الدولة في تونس .
و لا تتوقّف آلة الهمّامي لصناعة الأوهام و بثّها عن الإشتغال في متن كتابه برمّته فقلّما يمرّ مقال دون توشيته بمقولات مثاليّة تبعث أحيانا على الغثيان . و من ذلك مثلا ، ما جاء بالصفحة 85 : " إنّ مفتاح الخروج من الأزمة ، خروجا نهائيّا و آمنا ، هو بناء صناعة وطنيّة و تطوير الفلاحة و تصنيعها و خدمات متقدّمة لبناء إقتصاد مندمج و منتج و مشغّل و ضامن لحماية البلاد من الهزّات التي تطرأ على أفقتصاد الرأسمالي العالمي ، إقتصاد موّجه إلى خدمة مصالح الشعب و توفير بنية أساسيّة صلبة و متطوّرة و إطار لائق للعيش و ضامن لمستقبل الأجيال القادمة ".
هنا ينتظر الواهم هو و أصحابه الإصلاحيّون من دولة الإستعمار الجديد ذات الاقتصاد المندمج في النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ( حتّى بإعتراف الناطق الرسمي لحزب العمّال ، مقال " إستقلال بطعم التبعيّة و المهانة " ، ص 125 بالذات ) ما يفيدنا بميزة أخرى من ميزات منهج مؤلّف " منظومة الفشل " هي الإنتقائيّة / الإختياريّة أو ما يساوى " حقيقة هنا ، ضلال هناك " ، توظّف توظيفا براغماتيّا / نفعيّا ) ، ينتظرون من الرجعيّة المحلّية و الإمبرياليّة العالمية أن يبنيا إقتصادا وطنيّا مندمجا و منتجا و مشغّلا و أن يطوّرا الفلاحة و يصنّعاها و ما إلى ذلك . إذا كانت دولة الإستعمار الجديد قادرة على ذلك ، لن تبقى هناك ضرورة لثورة وطنيّة ديمقراطية / ديمقراطية جديدة و لن تبقى هناك ضرورة لتحطيم دولة الإستعمار الجديد ! تتداخل الأمور على السيد الكاتب إلى حدّ عدم التمييز بين دولة الإستعمار الجديد و نقيضها ، بين برنامج الإستعمار الجديد و برنامج القطيعة معه . فتزيّن له مثاليّته الذاتية و براغماتيّته و إصلاحيّته أملا كاذبا ب" تغيير ثوري " و تحقيق برنامج ثوري على يد و في إطار دولة الإستعمار الجديد و بموافقة طبقاتها الحاكمة الرجعيّة المتحالفة مع الإمبرياليّة العالميّة و ليس على أنقاضها .
لا يسعنا و قد بلغنا ما بلغنا من كشف تهافت الرجل المثالي الميتافيزيقي إلاّ أن نذكر تقليعات أخرى مناقضة للمنهج المادي الجدليّ الماركسي و نتنحّى جانبا تاركين لمن شاء التعليق ، مع تمنّياتنا بالتمتّع بهذا الكلام الشبيه بالشهد في حلاوته ! فصاحبنا يؤكّد " بقيت الدولة بكلّ مؤسّساتها تتخبّط في المشاكل لا تعرف من أين تبدأ " ( ص 22 ) و يعتقد إعتقادا راسخا بانّه حتّى في ظلّ دولة الإستعمار الجديد ، يمكن :
- " القضاء المبرم على الفساد " ( ص 25 + ص 88 )،
- " القضاء على البطالة " ( ص 169)،
- " الخروج من الأزمة ، خروجا نهائيّا و آمنا " (ص 85)،
- " صيانة السيادة الوطنيّة " ( ص 25 ).

و ما شابه هذا مبثوث في ثنايا الكتاب من ألفه إلى يائه .

و لا يفوتنا أن نتوجّه لمن يعتبرون أنفسهم ماركسيّين بالدعوة إلى إعمال الفكر النقدي في فحوى و تداعيات مقولة صاحبنا هذا: " السياسة مبادئ و أخلاق "(ص 25 )، وإلى مقارنتها بالمقولة الشهيرة للينين" السياسة تعبير مكثّف عن الاقتصاد ".


6- مقترحات حزب العمّال إصلاحيّة و ليست ثوريّة :

و الآن لنلقى نظرة على مدى ثوريّة البديل الذى يقترحه السيّد جيلاني الهمّامي الذى يظنّ البعض أنّ علمه لا يخالطه جهل و لا يشوبه كذب . و ربّما قد تكونوا تفطّنتم من الفقرات التي تعرّضنا لها بالتحليل و التعليق إلى أنّها ليست أبدا مقترحات ثوريّة ، هي مقترحات إصلاحيّة كلّيا و بجلاء .
مضطرّون لتكرار ذلك ليستوعب من لم يستوعب بعدُ أنّ الناطق الرسمي باسم حزب العمّال و النائب بمجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبيّة يؤمن بإمكانيّة إحداث " تغيير جذري " في ظلّ دولة الإستعمار الجديد و ليس على أنقاضها أي في ظلّ سيادة الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبريالية و بالتالى ضمن النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي القائم . و هنا يكمن جوهر عدم ثوريّة هذه المقترحات الإصلاحية ، ما يطرحه الهمّامي بصراحة و ليس خلف الأبواب الموصدة هو إصلاحات في إطار دولة الإستعمار القائمة ليس أكثر . غايته كما مرّ بنا هي تمتين الدولة القائمة أي ترميمها و تقويتها و ليس تحطيمها. إنّه لا يرمى إلاّ إلى " إصلاح مؤسّسات الدولة و أجهزتها و تمتين أسس الحكم الرشيد و الديمقراطية و دولة الحقّ و العدل ..." ( ص25) و هذا جوهر الإصلاحية بهذا الشأن .
ما المشكل و ما الحلّ ؟ سؤال محوري آخر يساعد على تبيّن واضح لخطوط التمايز بين الإصلاحيين و الثوريّين . و في موضوع الحال ، المشكل يشخّصه السيّد الهمّامي أساسا في " منظومة الحكم " ، في " منظومة الفشل " ، في " مؤسّسات الحكم ، رئاسة و برلمانا و حكومة " . و الحلّ المقترح هو تحوير في هذه المؤسّسات طبعا دون المساس بأسس دولة الإستعمار الجديد و أعمدتها ماركسيّا كما شرحنا آنفا . و هذا تشخيص و علاج لا يعكسان نظرة بروليتاريّة ، نظرة شيوعية ثوريّة للعالم ، بقدر ما يعكسان نظرة برجوازية لا أجلى منها . فالموقف و المنهج الشيوعيين يحدّدان المشكل في دولة الإستعمار الجديد برمّتها و طبقاتها الرجعيّة المتحالفة مع الإمبرياليّة و نمط إنتاجها و يحدّدان الحلّ في الإطاحة بهذه الدولة و بالطبقات التي تقف وراءها و نمط إنتاجها ؛ و إنشاء دولة جديدة ثوريّة تعتمد على الطبقات الشعبيّة بقيادة البروليتاريا و تقمع أعداءها، و إنشاء نمط إنتاج يخدم الشعب و كلّ هذا كجزء من الثورة البروليتارية العالمية و في خدمتها و الهدف الأسمى بلوغ الشيوعية على الصعيد العالمي .
و قد ينبّهنا أحدهم أو إحداهنّ أو البعض إلى أن السيّد الهمّامي يشخّص أحيانا الداء في " إختيارات الإئتلاف الحاكم اللاوطنيّة و اللاشعبيّة و التي عمّقت الهيمنة الإستعماريّة الجديدة ..." ( ص 129 ) وهي " في جوهرها تثبيت للإختيارات القديمة " ( ص 82 ) و ينعت المنظومة التي أفرزتها انتخابات أكتوبر 2014 مثلها مثل منظومة أكتوبر 2011 بأنّها " منظومة رجعيّة عميلة و معادية للوطن و الشعب ..." ( ص 147 ) إلخ . أيّها المنبّه ، أيّتها المنبّهة ، أيّها المنبّهون سعيكم مشكور و إسمحوا لنا بلفت نظركم و بقيّة القرّاء إلى أنّ كلام الهمّامي يركّز مجدّدا على الإئتلاف الحاكم وليس على الدولة برمّتها ، بجميع مؤسّساتها ، كما أنّ الكلام عينه لا يتطرّق البتّة إلى الإطاحة بدولة الإستعمار الجديد ؛ أقصى ما يفعله هو نوع من التبرّم و الشكوى و التنديد كي لا يخسر قاعدة إنتخابية غاضبة على الأوضاع التي يعانى منها الشعب ، و كي يضغط على هذا المسمّى إئتلاف حاكم لعزله إلى حدود للتمكّن من الحلول محلّه في مؤسّسات الرئاسة و الحكومة و البرلمان ، لا أكثر و لا أقلّ ؛ و ذلك نعيدها ، في إطار دولة الإستعمار الجديد و ليس على أنقاضها .
و لن ندخل هنا في نقاش وهم " الثورات التي عرفتها منذ مطلع العشريّة الحالية "( 101) و" ثورة جديدة " ( ص 147 ) و ما سمّاه حمّه الهمّامي " المسار الثوري الذى تشهده منذ 17 ديسمبر 2010 " ( ص 7 ، ضمن تقديم حمّه الهمّامي ) بينما سمّاه جيلاني الهمّامي ب " ثورة 14 جانفى " (ص 121 ) – و لهذا الإختلاف في التسمية أكثر من دلالة - ، فقد خضنا جدالات طويلة و عميقة بهذا الصدد في مواضع أخرى من كتاباتنا و حسبنا هنا تثبيت عناصر إعترافات للسيّد جيلاني الهمّامي بعدم تغيّر الوضع السائد على عدّة مستويات أساسيّة و بأنّه ساء أكثر أحيانا بما يدلّل على مثاليّة المتحدّثين عن " ثورة 14 جانفي " أو ما شابه و أنّ ما تبقّى للإنجاز هو إستكمال مهامها . الأساسي تمّ و أنجز ، أنجزت ثورة ، و تظلّ هناك مهام عالقة للإستكمال لا غير ، هذا ما يلهث به التحريفيّون و الإصلاحيّون بينما يقف الواقع شامخا لتفنيد هكذا دعاوى تخدم الرجعيّة و الإصلاحيّين و تدير ظهر المجنّ للشعب و تضرّ ضررا كبيرا الجماهير و المناضلين و المناضلات الثوريين و الثوريّات و تمرغ وجه علم الشيوعيّة في الوحل .
و ممّا جاء على لسان صاحب كتاب " منظومة الفشل " إقرارا بعدم تغيّر الوضع السائد على اكثر من صعيد و بأنّه ساء أكثر أحيانا على عدّة مستويات سياسيّة و إقتصادية و إجتماعيّة و ثقافيّة ...، إضافة إلى ما أتينا عليه قبلا في هذا و في غيره من المحاور التي عالجنا :
1- " تستمرّ البلاد تحت حكم دولة عاجزة و فاشلة " ( ص 21 )،
2- " و رغم أنّ الثورة كنست الكثير من هذه الوجوه فإنّها في المقابل فتحت الباب على مصراعيه ليزداد هذا النشاط إنتشارا برموز جديدة و في مواد و سلع أخرى و خاصة تلك التي تدرّ أرباحا أكبر مثل المخدّرات " ( ص 15 ) [ + و عاد و يعود عدد متزايد من كوادر بن علي إلى تقلّد مناصب عليا في دولة الإستعمار الجديد ] ،
3- " قوّة الدولة و فعاليّتها ليست مطلقا في السياسة القمعيّة و التعسّف و العمالة لمراكز النفوذ المالي و السياسي العالميّة " ( ص 25 ) ،
4-" شرعت في أليّام الخيرة " ماكينة " الدعاية الرجعيّة تشتغل على هدف جديد ..." ( ص 29 )،
5- " حتّى مؤسّسات الشركة التونسيّة للكهرباء و الغاز ...و الشركة التونسيّة لتكرير النفط ... و ديوان الحبوب و تونس الجوّية ووكالة التبغ و الوقيد فسيقع قبل موفّى سبتمبر القادم إخضاعها لعقود سيتمّ ضبطها في ضوء مؤشّرات تصرف بمعنى آخر سيتمّ الشروع في خوصصتها ." ( ص 67 )،
6- " ما أشبه اليوم بالبارحة " ( ص 109 )،
7- " إنّ المقاربة الواردة في وثيقة المخطّط المعروضة الآن للنقاش في مجلس نواب الشعب مقاربة أكثر سوءا ممّا تمّ إتّباعه حتّى الآن " ( 122 )،
8- ..." حال البلاد اليوم التي خال معظم الشعب أنّه بإزاحة بن علي سيستقيم حاله و تتحسّن ظروفه فإذا به يجد نفسه في ورطة جديدة أعقد و أسوأ " ( ص 147 ).
و كلّما جرى الحديث عن ثورة إجباري على الماركسي أو الماركسيّة أن يثير أو تثير على الدوام طبيعة الثورة و الأصدقاء و الأعداء و قواها الرئيسيّة و أهدافها و ما إلى ذلك و طبعا مسألة في متنهى الأهمّية هي مسألة طريق بلوغ السلطة و أي نوع من الدولة ستكون البديل بإعتبار أنّ السلطة قضيّة مركزيّة في كلّ ثورة . و بما أنّ السيّد الهمّامي في ذروة تبرّمه يطرح " ثورة جديدة " ( ص 99 ) ، لزاما علينا أن نتوجّه له بسؤال مركزيّ بخصوص ما نحن بصدده في هذا المحور ، " ما هو طريق السلطة " في هذه " الثورة الجديدة " ، من منظور شيوعي ؟ ( واعون تمام الوعي أنّه أطلق " ثورته الجديدة " دون تحديد لطبيعتها و لا للأصدقاء و الأعداء و لا لقواها الرئيسيّة و لا لأهدافها إلخ كأنّ لا يعنيه الأمر البتّة ، لذلك في سبيل المضيّ بالنقاش إلى منتهاه ، إصطفينا أن نثير فقط سؤال طريق الثورة الكاشف للتحريفيّة والإصلاحيّة هنا ).
سيسبقنا قرّاء متحفّزون للإجابة إجابة سريعة أسرع من البرق في شقّين ، أوّلا ليس لصاحبنا منظور شيوعي و بالتالى " فاقد الشيء لا يعطيه " ، أليس كذلك ؟ و ثانيا ، لا يوجد في جعبة صاحبنا غير " من يتحكّم في السلطة المحلّية ، يتحكّم في دواليب الدولة و الحكم " و من ذلك نستشفّ أنّه و أضرابه يعوّلون على الإنتخابات فالإنتخابات ولا شيء غير الانتخابات.
لئن كان الجواب من هذا القبيل و بهذه السرعة الباهرة ، نسرّ لذلك و نحيّى أصحاب الإجابة على تركيزهم معنا و إستيعابهم أن ما يحقّ لنا تسميته بثورة الانتخابات الهمّاميّة ( نسبة للهمّامي ) لا صلة لها بالماركسيّة .
و إضطرارا لا إختيارا ، لا يسعنا في نهاية هذه النقطة إلاّ أن ندين أشدّ الإدانة ما إنحطّ إليه الهمّامي من تشويه لنضالات جماهير شعبنا على غرار ما يفعل أعداء الشعب حيث عثرنا عليه متلبّسا بإعتماد ذخيرة مفاهيم الطبقات الرجعيّة و الإمبرياليّة العالميّة فيعدّ مثلا إنتفاضة 3 جانفى 1984 " حريقا " ( ص 109 ) و يحوّل مقاومة الجماهير الشعبيّة و نضالاتها البطوليّة دفاعا عن حقّها في الحياة ضد التجويع و التفقير و القمع و ما شابه ، وإن كانت عفويّة في أساسها ، إلى مجرّد " أحداث الخبز الأليمة " . بفعل نظّارات الهمّامي التحريفيّة و الإصلاحيّة تستحيل الإنتفاضة الشعبيّة المجيدة " حريقا " ( دلالات هذا السلبيّة خمّنتموها ، على ما نعتقد ) و تستحيل جرائم الطبقات الرجعيّة و دولة الإستعمار الجديد ، بلغة ممجوجة إعتدنا عليها من الطبقات الرجعيّة ، إلى " أحداث أليمة " !
و غني عن البيان أنّ حمّه الهمّامي قدّم للكتاب و نوّه به و إعتبر بفخر أنّ المقالات التي تشكّل منها الكتاب " حريّة بالتجميع و النر " ، و على ضوء ذلك لا يمكن إعتبار ما أتاه جيلاني الهمّامي مجرّد زلّة قلم فرد : الموقف صادر عن أعلى ممثّلين لأعلى القيادات الحزبيّة ، الناطق الرسمي باسم حزب العمّال و أمينه العام . و لتنديدنا بلا ريب قاعدة صلبة قد تدفع غيرنا إلى إصدار تنديدهم هم أيضا بهكذا تشويه لنضالات الجماهير الشعبية و تشويه للماركسيّة !!!
و نسبق إعتراض من قد يعترض متحدّثا عن نزاهة هذا الشخص أو ذاك ، بإيراد موقف قطعي للينين رماه التحريفيّون و الإصلاحيّون في عداد " الكلمات المنسيّة " :
" إنّ هذا النسيان للإعتبارات الكبرى ، الجذريّة حرصا على مصالح اليوم العرضيّة ، و هذا الركض وراء النجاحات العرضيّة ، و هذا النضال من أجلها دونما حساب للعواقب ، و هذه التضحية بمستقبل الحركة في سبيل الحاضر ، إنّ كلّ ذلك قد تكون له دوافع " نزيهة " أيضا . و لكن هذا هو الإنتهازية ، وهو يبقى افنتهازيّة ، و لعلّ افنتهازيّة " النزيهة " هي أخطر الإنتهازيّات ..."
( لينين ، " الدولة و الثورة " ، الصفحة 74 من طبعة دار التقدّم ، موسكو )

7- ثمّة فشل و ثمّة فشل :

و نغلق الدائرة . بدأنا بالإنكباب على نقاش مصطلح " منظومة " و دلالاته و تبعاته و بؤرة تركيزنا الآن هي الجزء الثاني من العنوان ، مصطلح " الفشل " و إستعماله في كتاب الهمّامي و ما يمدّنا به من أوجه أخرى من تحريفيّة حزب العمّال و إصلاحيّته .
لقد ربط السيّد جيلاني الهمّامي " منظومة الحكم " ، رئاسة و حكومة و برلمانا ، بالفشل ربطا وثيقا أو بكلمات أخرى ألصق الفشل إلصاق المضاف إلى المضاف إليه : إنّها منظومة الفشل . لم ينعتها بالفشل ، لم يقل إنّها فاشلة و إنّما بصيغة إقراريّة لجملة إسميّة جعلها الفشل نفسه . و مستندين إلى المنهج المادي الجدلي الذى علّمنا إيّاه قادة البروليتاريا العالمية لا سيما لينين و ماو تسى تونغ و ما طوّره بوب أفاكيان في إطار الشيوعية الجديدة أو الخلاصة الجديدة للشيوعية ، يفرض علينا فرضا التساؤل هل يعكس تعبير الهمّامي حقيقة شاملة و عميقة أم لا ؟ هل هو تعبير وجيه و سديد أم لا ؟ هل بالإمكان أن نحصر " مؤسّسات الحكم " في الفشل تحديدا و مطلقا ؟
من الوهلة الأولى ، يتعيّن علينا أن نحدّد القوى الطبقيّة التي تمثّلها هذه " المنظومة " و ما هي أهدافها ، حتّى يتسنّى لنا تقييم آدائها من منظورها هي ثمّ من منظور أعدائها و الحكم بفشلها أو بنجاحها و إلى أيّة مدى ؟
هذه المنظومة بلا جدال و بإعتراف الهمّامي ذاته تمثّل دولة الإستعمار الجديد و الطبقات الرجعيّة المحلّية العميلة للإمبريالية. و ما كانت أهداف هذه الرجعيّة و هذه الإمبريالية ، عقب الإطاحة ببن علي ؟ بعدما رجّت الإنتفاضة الشعبيّة الدولة رجّة أدّت إلى ما سمّي بهروب بن علي ، ما يضاهي سقوط رأس السلطة التنفيذيّة الحاكمة ، كانت أهداف الرجعية و الإمبريالية جوهريّا ترميم الدولة ( " إعادة هيبة الدولة " ). كان هذا هو الهدف المركزي لمن كانت له آذان ليسمع و عيون ليرى و لم ينظر بمنظار مثالي للواقع المادي المتحرّك . كان ذلك طبعا على رأس أجندا الحكومات قبل الانتخابات و على رأس اجندا الترويكا بقيادة النهضة كما على رأس أجندا إئتلاف النداء - النهضة .
و لا ظلّ للشكّ في أنّ " منظومة الحكم " قد نجحت في مسعاها ، نجحت في تحقيق ذلك موطّدة الجيش و الشرطة عددا و عُدّة و مقيمة برلمانا أصدر و يصدر القوانين الخادمة للطبقات الرجعيّة و الإمبريالية العالمية ومجرية " مصالحة وطنيّة" بموجبها عادت عديد كوادر بن علي و عددا من رجال الأعمال المعروفين بالفساد إلى إستئناف نشاطاتهم العادية و تولّى مناصب عليا في إدارة أجهزة الدولة ، و متّبعة خطّة إقصادية تواصل السياسات السالفة لبورقيبة و بن علي أي مستأنفة سياسات دولة الإستعمار الجديد و من يقف وراءها من قوى طبقيّة رجعية و إمبريالية ... و ما أوردناه من إعترافات لصاحبنا بعدم تغيّر الوضع على أصعدة متنوّعة من الأدلّة الكثيرة على ذلك .
حين إحتاج رجال أعمال الطبقات الرجعيّة الذين زادوا في تكديس الثروات الإعفاء من الأداءات أو التخفيض فيها حصلوا على ذلك و حين إحتاجوا مالا من دولتهم نال أصحاب النزل المليارات في الوقت الذى كان الخطاب الرسمي يقول إنّ الدولة قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس كلّما نهض قطاع أو نهضت جماهير مطالبة بتحسين وضعها ... و حين إحتاج الرجعيّون إلى تمتين صفوفهم تكاتفت جهودهم و صدرت قوانين مصالحة وطنيّة و حتّى قوانين دفاع عن الفساد... جملة القول ، نالت الرجعيّة و الإمبريالية ما رغبت فيه من " منظومة الحكم " ، من منظومة حكمها ( هي وضعت السلطة بيديها بطرق شتّى و تلقّت الخدمات المنتظرة منها عبر وسائل شتّى ) .
هذه عمليّا ، نجاحات بالنسبة ل" منظومة الحكم " و من تمثّله و من تخدمه . و ما هي فشل بتاتا ، طبعا من منظور الرجعيّة و الإمبرياليّة . هي منظومة حكمهم وهي كانت محلّ الثقة التي وضعت فيها . التحليل المادي الجدلي ، الطبقي ، يدلّل على هذه الحقيقة التي ينكرها بفجاجة الهمّامي المثالي المعتمد على فزّاعة " السقف المتهاوي " على " الجميع " .
و الآن لننظر إلى هذا من زاوية نظر الجماهير الشعبيّة ، عدوّة دولة الإستعمار الجديد و منظومة حكمها . مصالح الجماهير الشعبيّة و الطبقات الرجعية المتحالفة مع الإمبريالية على طرفي نقيض ، يربط بينهما التناقض فى الأهداف و بالتالى في الفشل و النجاح . كان شعبنا يسعى إلى تحسين أوضاعه المعيشيّة أساسا و ما جناه ( بإستثناء بعض الشباب الذى وقع تشغيله أو تمكّن من إنشاء مشروع ما ... بعلاقات و في ظروف قد تكون في معظمها مشبوهة ) هو الوعود و لا شيء غير الوعود بوجه عام و القمع بوجه خاص . و بمنطوق كلام مؤلّف " منظومة الفشل " ، يجد اليوم " معظم الشعب " الذى لم تتحسّن ظروفه نفسه " في ورطة جديدة أعقد و أسوأ " . و عليه ، بلا مداورة و لفّ و دوران ، الفشل جناه الشعب رغم نضالاته و تضحياته و النجاح ناله أعداؤه .
من جهة تحسين ظروف الجماهير الشعبيّة في الغالب الأعمّ ، قد يحكم البعض على " منظومة الحكم " بأنّها فشلت ، غير أنّ هذا التحسين في الظروف ما كان من أهدافها الأهمّ أو على الأقلّ من الأولويّات التي رسمتها لنفسها لذلك قد نسحب كلمة الفشل في هكذا وضع . و واهم و غارق في الوهم من يتوقّع من أعداء الشعب أن يخدموا الشعب و كذلك واهم أشدّ الوهم من يتوقّع من دولة الإستعمار الجديد أن تخدم الشعب و تمارس الدكتاتورية على الرجعية و رجال أعمالها الفاسدين . هي منظومة حكمهم التابعة لدولتهم ( دولة القوى الرجعية و الإمبرياليّة ) وهي تمثّلهم و تخدمهم وهي جهاز و آلة قمعهم لأعدائهم و قد إستخدموها ضد المحتجّين من الطبقات الشعبيّة مرارا و تكرارا، و ليست نهائيّا دولة الشعب لننتظر منها خدمته و الدفاع عنه . منظومة حكمهم كجزء من دولتهم لم تخنهم و لا هي على إستعداد أصلا لخيانتهم و إن تجرّأت أحيانا على التفكير في خيانة دولة الإستعمار الجديد ككلّ ستزاح من السلطة بشكل من الأشكال ، على أنّ الرجعيّة و الإمبرياليّة تقبل من منظومة حكمها أن تتنازل إقتصاديّا و على مضض أن تتنازل سياسيّا لكن في حدود ، كتنازل القبول بتشريك النهضة بعد رحيل بن علي و قد تقبل حتّى بتشريك أحزاب و شخصيّات توسم بالديمقراطية و التقدّميّة و إن لزم الأمر الثوريّة لا لشيء إلاّ مجدّدا لخدمة تعزيز دولة الإستعمار الجديد و تأبيدها و ليس تقويضها و تحطيمها .
لغياب الوعي الطبقي الثوري ، الوعي الشيوعي ، كان من اليسير نسبيّا على الرجعيّة و الإمبريالية أن تلتفّ على الإنتفاضة الشعبيّة العفويّة في جانبها الرئيسي و على النضالات التي تلتها و تخدع ، بمساندة قوى تزعم التقدّميّة وحتّى الثوريّة المزعومة ، الجماهير و المناضلين و المناضلات المنحازين إلى صفّ هذه الجماهير الواسعة و نضالاتها ، و تضلّلها طورا و تقمعها تارة قمعا سافرا .
لم تراوح " منظومة الحكم " مكانها و تقدّمت أكثر من قيد أنملة في معالجة الملفّات الحارقة بالنسبة إليها و قد نجحت في خدمة الرجعيّة و الإمبرياليّة كما نجحت في تضليل أحزاب و منظّمات و مناضلين و مناضلات و أوسع الجماهير ؛ و موضوعيّا ، دولة الإستعمار الجديد و القوى الطبقيّة و الإمبرياليّة التي تقف وراءها اليوم في وضع أفضل بكثير ممّا كانت عليه قبل سنوات ( على عكس ما يشهده أعداؤها ). بينما فشلت بصورة عامة و ليست كلّية القوى التي تعتبر نفسها ثوريّة و كذلك فشلت الجماهير الشعبيّة في فرض الإستجابة إلى مطالبها المتنوّعة . بصفة عامة ، نجاح الرجعيّة و الإمبريالية يقابله فشل الشعب . هذه حصيلة تقييم موضوعي علمي للعلاقة المادية الجدليّة بين الفشل و النجاح في إطار الصراع الطبقي الراهن ، ضمن دولة الإستعمار الجديد.
و ساعتئذ ، تقدّموا أيّها القرّاء ، تقدّموا و قد تقدّم تقييمنا الموضوع المادي الجدلي بالتحليل و التلخيص و تجلّت حقائق واقع تعاينونه يوميّا ، تقدّموا و أحكموا بأنفسكم على قراءة حزب العمّال التحريفي و الإصلاحي للفشل و النجاح فى " منظومة الفشل " !!!

خاتمة :
و نقطع خطوة أخرى نحو إتمام عملنا النقدي هذا لكتاب السيّد جيلاني الهمّامي " منظومة الفشل " ، لنتناول بالنقد ، في نهاية المطاف ، نجاح و فشل هذا الكاتب ذاته في مسعاه . صراحة ، أظهر الرجل فشلا ذريعا في إستيعاب و تطبيق المقاربة و المنهج و النظرة العلميين الشيوعيين . ألفيناه غير مرّة مثاليّا ميتافيزيقيّا بدلا من أن يكون ماديّا جدليّا و فيما كان ينتظر منه أن يكون مبدئيّا شيوعيّا ما كان أكثر من براغماتي / نفعي .
و إلى ذلك ، أظهر فشلا ذريعا و مريعا في فهم قضايا الدولة و الديمقراطية فهما ماركسيّا و تطبيق ذلك الفهم في تفحّص المسائل المثارة للنقاش في كتابه . لقد سعى جهده أن يخدع القرّاء بأنّه و جماعته ثوريّين و فشل في ذلك ، على الأقلّ من ناحيتنا و قد نساهم في مزيد إبراز الحقيقة بمقالنا هذا فيكون فشله أشمل و أعمق ، إذ تجلّت أكثر للعيان تحريفيّته و إصلاحيّته هو و حزبه و أمثاله .
ما نجح فيه ، في المصاف الأوّل بالنسبة لنا و للقرّاء الباحثين عن الحقيقة ، هو كشف جوانب عدّة مواقف كانت تبدو ضبابيّة لدى المتابعين لخطّ هذا الحزب الإيديولوجي و السياسي ، نجح في تمكيننا من حيث لا يدرى من كشف حقائق هامة عن هذا الخطّ . كما نجح في أنّه أبان للطبقات الرجعيّة الحاكمة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية أنّه و حزبه بعيدان عن " التطرّف" الذى نعت به رئيس دولة الإستعمار الجديد حين نشر ذلك الكتاب الجبهة الشعبيّة و أنّهما ينقدان أداء منظومة الحكم و ليس الدولة برمّتها نقدا بنّاءا بمعنى أنّهما ينقدان للإصلاح ، لا للمساهمة في الإطاحة بهذه الدولة برّمتها و تشييد دولة أخرى جديدة ثوريّة على أنقاضها . و أيضا نجح في تقديم النصيحة و تقديم مشروعه لخدمة هذه الدولة و الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية على أفضل وجه ل " تمتين"ها و جعلها تظهر بمظهر " دولة الحق و العدل " ...
إنّ حزب العمّال و أشباهه يلهثون وراء تجاوز لعب دور ثانوي – إصباغ الشرعيّة على مؤسّسات دولة الإستعمار الجديد و خياراتها على أنّها " ديمقراطيتنا " ، قال الهمّامي - ، يطمحون الآن في النهوض بدور أهمّ في " منظومة الحكم " ، دور رجال المطافئ يطفئون لهيب " الحريق " ( قال الهمّامي ) أو " الحرائق" التي قد تنشب جرّاء إحتجاجات الجماهير الشعبيّة على تجويعها و قمعها و يحولون دون سقوط السقف على " الجميع " ( عبارة أخرى للهمّامي ) و غير ذلك بهدف " وضع البلاد على سكّة الخروج من الأزمة الشاملة " ( و عرفتم طبعا لمن هذه العبارات ) . من دور الكمبارس و المعارضة الإصلاحيّة إلى دور بطولي في " منظومة الحكم " يوهم بأنّ دولة الإستعمار الجديد أضحت " دولة الحق و العدل " ( و الكلام ل ...) . هذا ما يتطلّع إليه هؤلاء الإصلاحيين و أشباههم ... فهل تأخذ الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية هذه الطموحات الإصلاحيّة بعين الإعتبار و لا تضيّع فرصة الإستفادة من خدماتهم أكثر ممّا تفعل الآن ؟ في الظرف الراهن عالميّا و عربيّا و محلّيا ، الأرجح أن المتحكّمين في " دواليب الدولة و الحكم " يستبعدون ذلك الإحتمال ...
هذا فشل و نجاح الناطق الرسمي باسم حزب العمّال التحريفي و الإصلاحي المتمترس مخاتلة و خداعا وراء قناع تبنّى الماركسيّة – اللينينيّة و تمثيل مصالح العمّال و هذه وجهة نظره في النجاح و الفشل الخاصين بمنظومة الحكم في تونس .
أمّا وجهة نظر الشيوعيين الثوريّين للفشل و النجاح في الصراع الطبقي على وجه العموم مقابل وجهة النظر الرجعيّة و الإمبرياليّة ، وجهة النظر الشيوعية الثوريّة التي ينبغي أن تتبنّاها الجماهير الشعبيّة إن إبتغت الثورة الحقيقيّة و الفعليّة بقيادة شيوعية ثوريّة ؛ الثورة الضروريّة كما قال ماركس " للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه " و رامت تحرير نفسها و المساهمة في تحرير الإنسانيّة جمعاء من كافة ألوان الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي ، فهي مغايرة للمثاليّة و للإستسلام و الإصلاحيّة و قد لخّصها ماو تسى تونغ على النحو التالى :
" إثارة الإضطرابات ، ثمّ الفشل ، و العودة إلى إثارة الإضطرابات ثانية ، ثمّ الفشل أيضا ، و هكذا دواليك حتى الهلاك ، ذلك هو المنطق الذى يتصرف بموجبه الإمبرياليون و جميع الرجعيّين فى العالم إزاء قضية الشعوب و هم لن يخالفوا هذا المنطق أبدا. إنّ هذا قانون ماركسي . و نحن حين نقول إنّ " الإمبريالية شرسة جدّا " ، إنّما نعنى أن طبيعتها لن تتغيّر أبدا، و أنّ الإمبرياليّين لن يلقوا أبدا سكّين الجزّار التى يحملونها ، و لن يصيروا آلهة للرحمة إلى يوم هلاكهم .
النضال ، ثمّ الفشل ، و العودة إلى النضال ثانية ، ثمّ الفشل أيضا ، ثمّ العودة إلى النضال مرّة أخرى ، و هكذا حتى النصر، ذلك هو منطق الشعب ، هو أيضا لن يخالف هذا المنطق أبدا . و هذا قانون ماركسي آخر . لقد إتّبعت ثورة الشعب الروسي هذا القانون ، كما تتّبعه ثورة الشعب الصيني أيضا. "
( ماو تسى تونغ ، " أنبذوا الأوهام و إستعدوا للنضال" ( 14 أعسطس- آب- 1949) ، المؤلفات المختارة ، المجلد الرابع ؛ ورد أيضا ضمن الفصل الخامس من الكتاب الذى نسخه و نشره شادي الشماوي على موقع الحوار المتمدّن ، " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )
------------------------------------------------------------------------------------------------------
ملحق
الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة
بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية - صائفة 2015
جريدة " الثورة " عدد 395 ، 13 جويلية 2015
http://revcom.us/avakian/ba-the-new-synthesis-of-communism-en.html

نقطة توجّه إستهلاليّة . الخلاصة الجديدة بالمعنى الملموس ، " عمل بصدد التطوّر " بما أنّى لا أزال عمليّا منكبّا على القيادة و التعلّم من عديد المصادر و نأمل أن تواصل هذه الخلاصة الجديدة مزيد التطوّر و الإثراء بفضل العمل القائم فى مجال النظريّة فى علاقة جدليّة بمزيد التطوّرات فى العالم و خاصة مزيد تقدّم النضال الثوري وهدفه الأسمى هو العالم الشيوعي. لكن من الصحيح قول إنّه نتيجة العمل الذى قمت به ، طوال عقود عدّة ، ملخّصا تجربة الثورة الشيوعية والدول الإشتراكية و مستفيدا من عدّة مجالات متنوّعة من النشاط و الفكر الإنسانيّين ، هناك بعدُ تطوّر نوعي فى علم الشيوعية المتجسّد فى التوجّه والمنج و المقاربة الجوهريين و فى العناصر الأساسيّة للخلاصة الجديدة . و نظرا لأهمّية ما يمثّله هذا و أهمّية تقديم هذا بشكل مقتضب و مكثّف و كذلك بطريقة مناسبة لتكون قاعدة و مرشدا أساسيين و لتشجّع و تيسّر مزيد الإنخراط فى الخلاصة الجديدة ، صغت هذه الخطوط العريضة وشأنها شأن الخلاصة الجديدة ذاتها ، هذه الخطوط العريضة ليست شيئا نهائيّا و إنّما هي إنعكاس لما قد وقع التوصّل إليه إلى الآن ، و القفزة النوعيّة التى يمثّلها ذلك حتّى و السيرورة مستمرّة ؛ إنّه يوفّر فكرة أساسيّة عن المنهج و المقاربة الجوهريين و مكوّنات هامة أخرى للخلاصة الجديدة . و فيما يلى ، الأبعاد المختلفة حيث وقع مزيد تطوير الشيوعية بفضل هذه الخلاصة الجديدة ، مرفوقة ببعض المصادر المفاتيح أين تمّ الحديث عن ذلك ( أحيانا يتمّ ذكر أعمال أنجزها آخرون بصدد المظاهر الهامة للخلاصة الجديدة لكن حيث لا يذكر الكاتب ، تكون الإحالة على عمل من أعمالى ).

1- المنهج و المقاربة : الشيوعيّة كعلم – مزيد تطوير الماديّة الجدليّة :

- الحرّية و الضرورة – خلاصة أعمق . ( موقفى حول العلاقة بين الضرورة و الصدفة و بين الظروف الماديّة الكامنة و النشاط الإنساني الواعي – ما ذكرته آرديا سكايبراك فى كتاب " الخطوات الأوّلية و القفزات المستقبليّة " و ما نُوقش فى شريط " بوب أفاكيان يتحدّث : الثورة – لا شيء أقلّ من هذا ! " و" آجيث – صورة لبقايا الماضي " لإيشاك بارام و ك.ج.أ فى مجلّة " تمايزات " عدد 4.

- الإبستيمولوجيا : نظريّة علمية للمعرفة . ضد النسبيّة ( العلم و الثورة : حول أهمّية العلم و تطبيقه على المجتمع ، " الخلاصة الجديدة للشيوعيّة و قيادة بوب أفاكيان ، حوار صحفي مع آرديا سكايبراك " ، متوفّر على موقع
revcom.us
و " آجيث- صورة لبقايا الماضي " ).

- الإبستيمولوجيا والأخلاق . ضد " القوّة تحدّد الحقّ " و كيف أنّ النسبيّة و " الحقيقة كرواية " تؤدّيان فى النهاية إلى " القوّة تحدّد الحقّ " ( " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " 4:10 ؛ و كتاب " لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل و تغيير العالم راديكاليّا " لا سيما الجزء الرابع ؛ " الأساسي ... " 5:11 ؛ " آجيث – صورة لبقايا الماضي" ).

- الأبستيمولوجيا و التحزّب . فى العلاقة بين أن نكون علميّين و أن نكون متحزّبين ، أن نكون بصراحة علميّين هو الرئيسي وهو قاعدة ان نكون بطريقة صحيحة و تامة ، متحزّبين للثورة البروليتاريّة و هدفها الشيوعي . ( " آجيث – صورة لبقايا الماضي " ).

- ضد الشعبويّة والأبستيمولوجيا الشعبويّة . ضد التجسيد – المفهوم الخاطئ القائل بأنّ للمضطهَدين ، إعتبارا لوضعهم كمستغَلّين و موقعهم فى المجتمع ، " شراء خاص على الحقيقة " ، وبوجه خاص قدرة خصوصيّة على فهم ديناميكيّة المجتمع وتغييره . ضد نزعات التقوى / الدينيّة فى الشيوعية . ( " الأساسي ... " 4:11 ؛ " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، العلم و الفلسفة " ؛ " أزمة فى الفيزياء ، أزمة فى الفلسفة و السياسة " ضمن مجلّة " تمايزات " العدد 1 ؛ " الشيوعيّة بداية مرحلة جديدة ، بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة " .

- إقتصاد سياسي علمي منسجم ، مقاربة ماديّة جدليّة منسجمة للعلاقة بين القاعدة الإقتصادية و البنية الفوقيّة للسياسة و الإيديولوجيا . ( " حول القوّة المحرّكة للفوضى و ديناميكيّة التغيير " لريموند لوتا فى مجلّة " تمايزات " عدد 3 ؛ " هل بوسع هذا النظام أن يتخلّص أو أن يسير دون إضطهاد النساء ؟ - مسألة جوهريّة ، مقاربة علميّة للمسألة " ضمن مجموعة نصوص " كسر السلاسل جميعها ! بوب أفاكيان حول تحرير النساء و الثورة الشيوعية " ؛ " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا لكن بوسع الإنسانيّة أن تتجاوز الأفق " الجزء 1 ).

- تجاوز الديمقراطيّة و المساواة . مزيد تطوير الرؤية الثاقبة العميقة لماركس بأن التقدّم نحو الشيوعيّة يعنى أنّ المجتمع و الناس الذين يشكّلونه ، يتحرّكون نحو " تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي " فى ظروفهم الماديّة و فى تفكيرهم ؛ و فهمه النقدي بأنّ الحقّ لا يمكن أبدا أن يكون أعلى من الهيكلة الإقتصاديّة للمجتمع والثقافة المناسبة له .( " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز ما أفضل ؟ " ؛ " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " ، الجزء 1 ).

- اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة القائمة على اللبّ الصلب . ( " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، العلم و الفلسفة " ؛ " العلم و الثورة - حول أهمّية العلم و تطبيق العلم على المجتمع " ؛ " الخلاصة الجديدة للشيوعية و قيادة بوب أفاكيان، حوار صحفي مع أرديا سكايبراك " ).

- " محرّرو الإنسانيّة ". الثورة الشيوعيّة ليست ثأرا أو " الأخير ينبغى أن يصبح الأوّل ، والأوّل ينبغى أن يصبح الأخير" و إنّما تعنى تحرير الإنسانيّة ، وضع نهاية لكلّ الإستغلال و الإضهاد عبر العالم .( " آجيث – صورة لبقايا الماضي " ).

2- الأمميّة :

- الأساس المادي و الأساس الفلسفي ، و المقاربة العامّة للأمميّة الشيوعيّ . ( " الأساسي ... " 2:12 ؛ " التقدّم بالحركة الثوريّة العالميّة : مسائل توجّه إستراتيجي " ؛ " الشيوعية أم القوميّة ؟ " جدال للمنظّمة الشيوعية الثوريّة - المكسيك ، فى مجلّة " تمايزات " عدد 4.

- تلخيص الموجة الأولى من الحركة الشيوعية / الدول الإشتراكيّة . ( " كسب العالم ؟ واجب البروليتاريا العالميّة و إرادتها " ؛ " التناقضات التى لم تحلّ قوّة محرّكة للثورة " الجزء 2 والجزء 3 ؛ " الشيوعيّة : بداية مرحلة أولى ، بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية " ؛ " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفونه " حول الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرّر : تاريخها و مستقبلنا " ، حوار صحفي مع ريموند لوتا ، جريدة " الثورة " عدد 323 ، 24 نوفمبر 2013 ).

3- المقاربة الإستراتيجيّة للثورة خاصة فى البلدان الإمبريالية مثل الولايات المتّحدة الأمريكيّة – لكن تبعاتها أعمّ :

- إحياء كتاب لينين " ما العمل ؟ " و إثراءه – بمعنى تشديد التأكيد على عرض مشاكل الثورة أمام الجماهير و أيضا كيف يجب للوعي الشيوعي أن " يجلب من خارج " التجربة و الصراع المباشرين للجماهير و أهمّية المجال الإيديولوجي و تغيير تفكير الناس و الحاجة إلى " حثّ " التطوّرات الموضوعيّة و مزيد تطوير العنصر النواة فى " ما العمل ؟ " ، التسريع بينما ننتظر – العمل على تغيير الوضع الموضوعي إلى أقصى درجة ممكنة فى أي زمن معطى بينما نكون مستعدّين لأحداث جديدة و ربّما غير متوقّعة ( أو حتّى لا يمكن توقّعها ) و كيف أنّ القوى الطبقيّة / الإجتماعيّة هي ذاتها " تشتغل " على التناقضات الموضوعيّة من وجهة نظرها الخاصّة و فى إنسجام مع كيف أنّ ممثّليها يرتؤون مصالحها . (الفقرات الستّ الأولى من الجزء 2 من " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " ). لقد شدّد ماو تسى تونغ على العلاقة الجدليّة بين المادة والوعي وشدّد على الحاجة إلى التوجّه نحو الإستعداد للتطوّرات غير المتوقّعة لكن على وجه الضبط هذا التوجّه و الفهم و المنهج و المقاربة ، جرى تلخيصه – على نحو أتمّ و أرقى و مكثّف أكثر – فى الخلاصة الجديدة . ( و هذا يتخلّل " بعض مبادئ بناء حركة من أجل الثورة " و بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات التّحدة الأمريكيّة " حول إستراتيجيا الثورة " ).

- فصل الحركة الشيوعية عن الحركة العماليّة . تحليل الحجر الأساسى و القوّة المحرّكة للثورة ، و الجبهة المتّحدة الأوسع فى ظلّ قيادة البروليتاريا .( " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا لكن بوسع الإنسانيّة أن تتجاوز الأفق "، الجزء 2).

- دور المثقّفين كممثّلي سياسيّين أدبيّين لطبقة و التناقضات المتّصلة بهذا فى الثورة البروليتاريّة . ( " تأملات و جدالات : حول أهمّية المادية الماركسية و الشيوعية كعلم و العمل الثوري ذو الدلالة وحياة لها مغزى " ).

- الدور المحوريّ للمسألة القوميّة للسود و العلاقة المحوريّة بين التحرّر القومي و الثورة البروليتاريّة ، فى الولايات المتّحدة الأمريكيّة (" الشيوعية و ديمقراطيّة جيفرسون "؛ " إضطهاد السود و النضال الثوري من أجل القضاء على كلّ الإضطهاد"؛ أشرطة " الثورة و الدين : النضال من أجل التحرّر و دور الدين ، حوار بين كورنال واست و بوب أفاكيان " ؛ " الثورة : لماذا هي ضروريّة ، لماذا هي ممكنة و ما الذى تعنيه " ؛ و " بوب أفاكيان يتحدّث : الثورة – لا أقلّ من ذلك !" و" دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة فى شمال أمريكا ( مشروع مقترح ) للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية " ).

- الدور الحيويّ – و الدور المتأكّد أكثر حتّى فى عالم اليوم – للنضال من أجل تحرير النساء فى علاقته بالثورة البروليتاريّة و هدفها تحرير كافة الإنسانيّة من خلال التقدّم نحو عالم شيوعي . ( " الأساسي ..." 3:22 ؛ " التناقضات التى لم تحل قوّة محرّكة للثورة " ، الجزء 3 ؛ " كسر السلاسل كلّها ! – بوب أفاكيان حول تحرير النساء و الثورة الشيوعية " ).

- إفتكاك السلطة . ( " حول إمكانيّة الثورة " للحزب الشيوعي الثوري ؛ " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا لكن بوسع الإنسانيّة أن تتجاوز الأفق " ، الجزء 2 .)

4 - بناء المجتمع الجديد والتقدّم نحو عالم جديد :

- إنجاز التغيير الإشتراكي للمجتمع كجزء من - جوهريّا كجزء مرتبط - الثورة العالميّة ككلّ بإتّجاه الهدف الأسمى للشيوعيّة. (" وجهات نظر حول الإشتراكية و الشيوعية : نوع دولة جديد راديكاليّا، نظرة للحرّية مختلفة راديكاليّا وأعظم بكثير" ).
- " نقطة مظلّة الطيّار ". إنفتاح العلاقات الإجتماعيّة و التعبير عن التناقضات الإجتماعيّة و الطبقيّة مع تعزيز الدولة الإشتراكيّة الجديدة . ( " أسس الشيوعية و أهدافها و مناهجها " ).

- " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة القائمة على اللبّ الصلب " مطبّقة على المجتمع الإشتراكي . الإقرار بالحاجة إلى دكتاتوريّة البروليتاريا وقيادة طليعة شيوعيّة أثناء الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعيّة ، و فى نفس الوقت ، التشديد على أهمّية المعارضة و الصراع سياسيّا و فكريّا وثقافيّا ، على أساس و كجزء مفتاح من ممارسة دكتاتوريّة البروليتاريا وإنجاز الإنتقال نحو الشيوعية ، و مع بلوغ الشيوعيّة ، إلغاء أي نوع من الدكتاتوريّة .( " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، العلم و الفلسفة " ؛ " سياسة التحرير" لآلان باديو : شيوعيّة أسيرة حدود العالم البرجوازي " لريموند لوتا و نايي دونيا و ك.ج.أ ، مجلّة " تمايزات " عدد 1 ) .

- دور الدستور الإشتراكي – حقوق الشعب و حكم القانون مع دكتاتوريّة البروليتاريا ( " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا لكن بوسع الإنسانيّة تجاوزالأفق " الجزء 1 ؛ " الدستور ، القانون و الحقوق – فى المجتمع الرأسمالي و فى المجتمع الإشتراكي المستقبلي – مقتطفات من كتابات بوب أفاكيان و مقتطفات من دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة شمال أمريكا ( مشروع مقترح ) للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة " ).

- العلاقة بين الوفرة والثورة ضمن بلد إشتراكي و عالميّا .( " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا لكن بوسع الإنسانيّة أن تتجاوز الأفق " ).

- كلّ هذا وقع تجسيده و تطبيقه و التوسّع فيه فى " دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة بشمال أمريكا ( مشروع مقترح )".

خاتمة / خلاصة : الأكثر جوهريّة و أساسيّة فى الخلاصة الجديدة هو مزيد تطوير و تلخيص الشيوعيّة كمنهج و مقاربة علميين ، و التطبيق الأكثر إنسجاما لهذا المنهج و هذه المقاربة العلميين على الواقع عامة و خاصة فى النضال الثوري للإطاحة بكافة أنظمة و علاقات الإستغلال و الإضطهاد و إجتثاثهما و التقدّم صوب عالم شيوعي . وهذا المنهج و هذه المقاربة كامنان و يتخلّلان كلّ العناصر الأساسيّة و المكوّنات الجوهريّة لهذه الخلاصة الجديدة . "
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------