السلاح بيد الجهلة يجرح


جلبير الأشقر
الحوار المتمدن - العدد: 6327 - 2019 / 8 / 21 - 10:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


يبدو أن متولّييّ العهد الخليجيين، محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، يتباريان في مراكمة الأفشال منذ أن وصل أصغرهما سنّاً إلى الحكم بعد أن استوى والده على العرش السعودي. وتكاد إخفاقات بن سلمان تزيد عمّا يمكن إيجازه في مقال واحد. فقد بدأ بتدخّل عسكري مدمِّر في اليمن، ظنّاً منه أن المعركة سوف تكون خاطفة تحقّق مرماها في أمد قصير، وها هو بعد ما يزيد عن أربع سنوات من حرب تسبّبت بأعظم كارثة إنسانية في زمننا الراهن، يواجه حقيقة فشله العظيم. والحال أن حربه، بدل أن تحقّق هدفها المُعلَن بتوحيد اليمن تحت راية حكومته الشرعية، أفضت إلى وضع باتت فيه البلاد تواجه حالة انقسام، بل تفتّت، في الشطر الذي تسيطر عليه قوات التحالف الدولي الذي تقوده المملكة، بينما تمكّن الحوثيون من تعزيز هيمنتهم في شمال البلاد، بل أخذوا يتجاسرون على إطلاق الصواريخ وما شابهها على أراضي جارتهم، المملكة.
وقد ساير متولّ العهد السعودي نظيره الإماراتي في محاولة إرغام قَطَر على وقف دعمها لجماعة الإخوان المسلمين ولجم قناة «الجزيرة» بما يروق لهما، بيد أن العملية باءت بفشل جليّ إلى حدّ أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه، وهو الذي كان قد أعطى ضوءه الأخضر لفرض الطوق على الإمارة، غسل يديه من العملية برمّتها كما تبيّن من استقباله لأمير قَطَر في الشهر الماضي. هذا وقد هلّل متولّ العهد السعودي ومعه رئيس وزراء الدولة الصهيونية، بنيامين نتنياهو، لمّا نقض ترامب الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه مع طهران، ظنّاً من الثلاثة أن ذلك سوف يخنق إيران ويرغمها على الاستسلام، فما كانت النتيجة سوى أن أشتدّ عود إيران وازداد توسعّها الإقليمي وبدا محور واشنطن/الرياض/أبو ظبي/نتنياهو وكأنه هو المعزول إزاء استنكار عالمي لطعن ترامب بالاتفاق النووي.

ثم احتجز بن سلمان المواطنَ السعودي سعد الحريري، غير مبالٍ لكونه رئيس وزراء دولة لبنانية يُفترض بها أنها مستقلّة، فأثار موجة استنكار عالمي واضطرّ إلى الإفراج عنه بعد تدخّل الرئيس الفرنسي. ونفّذ أعوان متولّ العهد ما هو أقبح بقتلهم مواطنا سعوديا آخر، هو جمال خاشقجي، محاولين تمويه جريمتهم البشعة بما يسمح لهم بالتنصّل من مسؤوليتها. غير أن الأمر تحوّل إلى إحدى أكبر الفضائح التي عرفها التاريخ السياسي المعاصر. فاعتقد بن سلمان أن إصلاحاته في تحرير جزئي لنساء المملكة من السلاسل الثقيلة التي تكبّلهنّ، بينما كان يزجّ في السجون بالمناضلات البواسل اللواتي كافحن من أجل التحرير الكامل، اعتقد أن تلك الإصلاحات سوف تغطّي فضيحة قتل خاشقجي وتجلب عليه مديحاً عالمياً. فكانت النتيجة أن استنكار الاعتقالات تعدّى الترحيب بالإصلاحات صدىً. وهلمّ جرّا وهكذا دوليك…
أما متولّ العهد الإماراتي، وفضلاً عن الإخفاقات التي يشارك نظيره السعودي في مسؤوليتها بين الأفشال سابقة الذكر، فقد مُني مشروعه الخاص في اليمن بإخفاق مدوي بعد أن أطلق الفتنة من عقالها في جنوب البلاد، بما حدا نظيره السعودي الأصغر سنّاً والأكبر سطوةً إلى الضغط عليه من أجل رفع يده عن النزاع الدائر. وقد مُنيت سياسة بن زايد بإخفاق مدويّ آخر في ليبيا حيث قام الطاغي المحلّي خليفة حفتر، بدعم من أبو ظبي ومصر عبد الفتّاح السيسي وباريس وموسكو، وبتأييد من ترامب، قام بشنّ هجوم للاستيلاء على غرب البلاد وعاصمتها، فمُني جيشه بالهزيمة وتقهقر على مشارف طرابلس. وقد ارتدّت الأوضاع على حفتر بحيث سقطت أسهمه بما يشبه انهياراً في البورصة، ورجحت من جديد كفّة حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السرّاج والتي تحظى وحدها باعتراف دولي رسمي.
ينضاف إلى كل ما سبق ذكره إخفاق المحور السعودي/الإماراتي/المصري في تمكين رجلهم المعتمد في السودان، محمد حمدان دقلو، قائد عصابات جنجاويد التي حوّلها عمر البشير إلى «قوات الدعم السريع»، إخفاقهم في تمكين المذكور من دفع الأمور نحو تصفية دامية للحراك الشعبي. كانت غاية دقلو تحقيق طموحه الشخصي بتولّي الحكم بعد ارتداده على عرّابه السوداني والمساهمة في خلعه، وكانت غاية عرّابيه الإقليميين المضادين للثورة وأد السيرورة الثورية السودانية والحؤول دون تواصلها، خوفاً من أن يعجّل التواصل صعود موجة ثورية إقليمية ثانية بعد موجة «الربيع العربي» لعام 2011. طبعاً، لا يزال الصراع دائراً في السودان مثلما لا يزال دائراً في اليمن وليبيا، وكلّما طال أمده، لأسفنا الشديد، كلّما تفاقمت المآسي الناجمة عن مصيبتنا الكبرى في أن لدينا في منطقتنا العديد من الجهلة الذين يحوزون على ترسانات عظيمة من السلاح الفتّاك.