المملكة السعودية والعداء للإسلام


جلبير الأشقر
الحوار المتمدن - العدد: 6320 - 2019 / 8 / 14 - 09:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

اشتهر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة التعصّب اليهودي الصهيوني، بصداقته المميّزة مع ألدّ أعداء اليهود ما داموا يعادون العرب والمسلمين بما يفوق عداءهم لليهود، بحيث يؤيّدون الدولة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني وسائر أخصامها من العرب والمسلمين. هكذا نجد بين الذين يتباهى نتنياهو بصداقتهم العديد من كارهي اليهود الذين يرسو تأييدهم لدولة إسرائيل على رغبتهم في تخليص بلدانهم من اليهود. وفي ذلك يواصل نتنياهو تقليداً عريقاً لدى الحركة الصهيونية التي رحّبت باستيلاء أدولف هتلر على الحكم في ألمانيا وتعاونت معه طيلة سنين عندما كان المشروع النازي «التطهيري» يقوم على ترحيل اليهود الألمان إلى فلسطين (وليس سواها، إذ لم يرغب هتلر بأن يساهموا في التحريض ضده في أوروبا وأمريكا) قبل أن ينتقل إلى إبادتهم وسائر اليهود الأوروبيين خلال الحرب العالمية الثانية.
فالانتهازية القصوى طالما كانت إحدى سمات الحركة الصهيونية التي لم تكن لديها مبادئ تحترمها، بل جعلت تحقيق حلمها بالدولة غاية سامية تسخّر لها كافة الاعتبارات، بما فيها مصلحة اليهود خارج المشروع الصهيوني. وإذ تستنكر الأخلاق النبيلة ويستنكر الضمير الإنساني تلك الانتهازية الصهيونية البشعة، يعترف لها العقل بالحنكة والفعّالية لأنّها تمكّنت من تأسيس دولتها ومن تدعيمها. وهي في ذلك نموذج فذّ لما يُطلق عليه تسمية «المَكيافيلية»، وفحواها تغليب الغاية على طهارة الوسيلة بحيث يتمّ اللجوء إلى كل ما يخدم بلوغ المرمى مهما كان منافياً للأخلاق المتعارف عليها.
ويبدو أن سياسة المملكة السعودية بقيادة «متولّ العهد» (وهو لقب أنسب من «وليّ العهد» في حالته)، محمد بن سلمان، تسير بوحي من تلك «المَكيافيلية» في نسج علاقات الصداقة السياسية والمشاركة الاقتصادية مع ألدّ أعداء الإسلام والمسلمين، بالرغم من تنصيب السعوديين لأنفسهم أوصياءً على الإسلام العالمي. فبعد نسج علاقة حميمة مع رئيس أمريكي وضع في رأس برنامجه الانتخابي تحريم دخول الولايات المتّحدة على المسلمين، وتميّز حكمه حتى الآن بدعم يكاد يكون غير مشروط لأقصى اليمين الصهيوني بما لم يسبقه عليه أي رئيس أمريكي، وبعد التوقيع على بيان مؤيّد لسياسة اضطهاد المسلمين الشنيعة والمقزّزة التي تمارسها الصين في شن جيانغ (وردت التفاصيل في مقال «لا تنصر أخاك مظلوماً إن كان ظالمه شريكك» بتاريخ 16/7/2019)، ها إن المملكة تخطو خطوة هامة على درب تدعيم علاقتها بحاكم الهند الحالي، رئيس الوزراء ناريندرا مودي، قائد «حزب الشعب الهندي» (المعروف بأحرفه اللاتينينة الأولى BJP) الذي تقوم أيديولوجيته على التعصّب الهندوسي والعداء للمسلمين. وكما هو معلوم يشكّل الإسلام ديانة الهند الثانية، وهي ثالث أكبر بلدان المسلمين في العالم من حيث تعدادهم بعد إندونيسيا وباكستان.

فبعد أن صرّح متولّ العهد عند زيارته للهند قبل ستة أشهر بإعجابه برئيس الوزراء الهندي واعتباره له «أخاً أكبر» (كذا)، ها إن شركة «أرامكو» السعودية التي تملكها الدولة ويتحكّم بن سلمان بالتالي بمصيرها، تعلن عن عزمها شراء خُمس أسهم شركة «ريلاينس للصناعات المحدودة» (Reliance Industries Ltd) لصاحبها موكيش أمباني، أحد أثرى رجال العالم وهو مشهور بالصداقة الحميمة التي تربطه بمودي. ويأتي ذلك في وقت تشهد حملة رئيس الوزراء الهندي المعادية للمسلمين تصعيداً خطيراً تمثّل قبل أيام بإلغائه الحكم الذاتي الذي كانت تتمتّع به ولاية جامو وكشمير في شمال الهند، وهي الولاية الهندية الوحيدة ذات أغلبية سكّانية مسلمة. وقد جاء الوضع الدستوري الخاص الذي كانت الولاية تتميّز به تعويضاً عن ضمّها من قِبَل الدولة الهندية عند تقسيم شبه القارة بينها وباكستان في عام 1947.
فما كان من أمباني الذي يتطلّع متولّ العهد إلى شراكته سوى أن أعلن يوم الإثنين الماضي أن «ريلاينس»، التي ستمولّها المملكة في وقت حرج تواجه فيه الشركة عجزاً مالياً كبيراً، تعزم على إجراء استثمارات في جامو وكشمير تدعيماً لقرار إلغاء الحكم الذاتي. ويحصل ذلك بينما تجتاح الهند حملة مسعورة من العداء الهندوسي للمسلمين يؤجّجها حزب مودي وبينما ينتفض الشعب الكشميري ضد القرار، بعد أن أقرّه البرلمان الهندي الذي يسيطر عليه الحزب المذكور ودخل حيّز التنفيذ وسط اجتياح عسكري للولاية.
يا تُرى، هل نشهد لبن سلمان بفعّالية مَكيافيلية لا أخلاقية تضاهي ما عرفناه من القادة الصهاينة؟ يجرّ هذا السؤال إلى آخر حول غاية متولّ العهد التي يمكن قياس فعّالية سياسته بها. فليست هناك سوى غايتين ممكنتين، تخصّ الأولى معاداة إيران التي باتت أولوية مطلقة لدى الحكم السعودي وتخصّ الثانية مستقبل المملكة بوجه عام. بالنسبة للموضوع الأول، فإن سياسة بن سلمان تعزّز تصوير إيران لنفسها حاملة لراية الإسلام في وجه آل سعود، وهو ما سعت وراءه «الجمهورية الإسلامية» منذ نشوئها قبل أربعين عاماً. وأياً تكن بالتالي المنافع التي قد تجنيها المملكة في تعارضها مع إيران (والحال أن الصين والهند على حد سواء تربطهما علاقة وطيدة مع طهران)، فإن مسلك متولّ العهد قصير النظر، مثلما كانت حتى الآن شتى أفعاله، من شأنه أن يؤدّي إلى ترجيح كفة إيران بما يهدّد أمن العرش السعودي ويقوّي توسّع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.
ولا ينفصل مستقبل المملكة عن أمنها بالطبع، بل إن هذا الاعتبار الأخير محوري تماماً في هذا الصدد، والحال أن أموال المملكة كفيلة بأن تفتح لها شتى الأبواب الاقتصادية. فبدل أن توظّف وزنها المالي في التوفيق بين مصلحتها الاقتصادية ونصرة الشعوب المسلمة، مثلما فعلت في الماضي بما في ذلك نصرة القضية الفلسطينية، حتى ولو جرت سياستها دوماً ضمن حدود الوصاية الأمريكية عليها، بدل أن تقوم بذلك وتجمع بالتالي بين المنفعة الاقتصادية والنفوذ السياسي بما يعزّزها، تسير المملكة اليوم على درب هلاكها. وإن شهد التاريخ في المستقبل لبن سلمان بفضل واحد وحيد، فقد يكون تسريع انهيار نظام بلاده الذي طالما كان قلعة الرجعية الرئيسية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.