مع الأكراد ضد الكورد... تقنياً


محمد يعقوب الهنداوي
الحوار المتمدن - العدد: 6319 - 2019 / 8 / 13 - 03:38
المحور: الصحافة والاعلام     

شاعت في السنين الأخيرة ظاهرة مزعجة ونشاز في الكتابات الصحفية وفي مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية هي كتابة كلمات مثل (كرد) و(كردي) و(كردستان) بإضافة حرف (واو) بعد الكاف، والحجة التي يسوقها المدافعون عن هذا الخطأ ان تلك هي الطريقة السليمة لكتابتها بعدما تعرضت هذه الكلمات للتشويه طويلا في الكتابة العربية. وبدأت هذه "الحملة" في الصحافة التي تصدرها الأحزاب القومية الكردية قبل أن يتلاقفها أشباه المثقفين والصحفيين المبتدئين العرب وخصوصا منهم أولئك الذين يعيشون في كردستان البارزانية وكردستان الطالبانية.

وهذا المقال لا صلة له بموضوع استقلال الشعب الكردي الذي اوضحت موقفي بشأنه مفصلا في مقالات سابقة كثيرة، وقبلها، في منتصف السبعينيات، كنت مقاتلا في كردستان ومنحازا كليا، ولا أزال، للدفاع عن حقوق شعبنا الكردي، ولي كتاب منشور على هذا الموقع فيه ما يكفي من الدلالات. وغني عن القول إنني لا أنتمي للأكراد "عرقيا" لكنهم أخوتي في الانسانية اضافة الى كونهم أهلي وأحبتي وابناء وطني ورفاقي في الكفاح ضد القمع الطبقي والقومي وكل صنوف الظلم اللا انساني.

فالأمر هنا يقتصر على مسألة تقنية لغوية بحتة نبعت من اصرار من أشرت اليهم على كتابة كلمة الكرد بإضافة "واو" الى وسطها، ليصبح شكلها (كورد)، مما يمثل خطأ لغويا يهدف من يصرّ عليه الى التلاعب حتى بشكليات الكتابة العربية (وأشدد "العربية") بفرض تقنية خاطئة، والمضحك أنهم يضيفون "الـ" التعريف العربية الى كلمة "كورد" بطريقة كتابتها الكردية وبذلك "يضيعون المشيتين"، كما يقال.

ويصرّ هؤلاء على ان كلمة "أكراد" أو "كرد" دون حرف الواو هي تشويه واهانة لتسمية هذا الشعب وما يخصه من شؤون ثقافية وغيرها، وهي دعوى عنصرية سخيفة. وسبق لي وواجهت هذا الطرح مرارا من قبل شوفينيين أكراد اصابتهم لوثة التطرف القومي رغم رقي عقولهم ونضج تفكيرهم فيما سبق.

وسأكتفي هنا بتسجيل هذه الملاحظات على عجالة:

• طريقة التلفظ وهذا الموضوع كله قائم، للأسف الشديد، على أوهام متطرفين قوميين لا يهمهم تطور الانسان الكردي وحضارته وحقوقه وكيانه وتراثه وإبداعاته قدر ما تهمهم خزعبلات الكلام وفرض الشكليات التي يرونها أهم من منجزات الاكراد وانسانيتهم وصلتهم بباقي الشعوب والحضارات.

• من يكتب بهذه الطريقة (في السياقات العربية) ويزعم صحتها جاهل بتقنيات الكتابة، لان لكل لغة تقنياتها الخاصة في التلفظ والكتابة، فالكردية لا تستخدم "الـ" التعريف العربية، ولا الحركات بل تستخدم التكرار للتمييز بين حروف العلة الخفيفة والعميقة، بينما في العربية هناك ما يسمى حروف العلة العميقة وحروف العلة الخفيفة.

فحروف العلة العميقة تكتب على شكل حروف بارزة مستقلة غالبا، غالبا وليس دائما، وهي الألف والواو والياء، وحروف العلة الخفيفة التي تعبر عنها "الحركات اللغوية"، فتقوم الفتحة مقام الألف وتقابلها الهاء بالكردية، وتقوم الضمة مقام الواو (تقابلها الواو المفردة بالكردية)، والكسرة مقام الياء (تقابلها الياء المفردة بالكردية) المفردة بالكردية، أما الواو العميقة في العربية فتقابلها الواو المكررة في الكردية كما تقابل الياء المفردة في العربية الياء المكررة في الكردية، وهكذا.

• إذا اقتنعنا بالرأي المعارض وكتبنا كلمة "كرد" بطريقة "كورد" كما يريدون، فكيف سنكتب كلمات كردية مثل هورامان وقرداغ وهلكوت وسردشت وشمندفر؟
هل سنكتبها "هه ورامان" و"قه ره داغ" و"هه لكه وت" و"سه رده شت" و"شه مه نده فه ر" بالعربية كما في الكردية مثلا؟

• في تقنيات الكتابة باللغة العربية، وهي أغلب الظن مأخوذة عن السريانية او الآرامية او مزيج من الاثنتين، يحذف حتى حرف العلة العميق تماما أحيانا مع أنه يظل موجودا لفظيا كما في كلمات (هذا وهكذا وذلك وكذلك وأولئك وطه ورحمن وإله والله... الى آخره). بل ويتم أحيانا اختزال شكل الكلمة في الكتابة كليا وفقا لموروثات اللغتين اللتين سبق ذكرهما كما في كتابة كلمة (يس) التي تلفظ (ياسين) وكذلك في المطالع الرمزية في بعض الآيات التي لم يعد حتى بإمكان العربي اليوم قراءتها وفهمها بشكل سليم لأنه فقد مرجعياتها اللغوية الأصلية، والقرآن بقراءاته المختلفة وطرق نسخه ملئ بالأمثلة.

• حين نزل القرآن في بداية الدعوة المحمدية لم تكن اللغة العربية تكتب بحروف ذات نقاط وحركات بل ولم تكن هناك حروف عربية بالمعنى الحقيقي بل كانت قواعد أصول كتابة اللغتين الآرامية وحروفها هي السائدة في جزيرة العرب.

• يزعم البعض ان الآثاريين "عثروا على ثلاثين كتابا مكتوبة بلغة كردية ذات ثلاثين حرفا وانه ترجم اثنين منها خلال ثلاثين عاما"، ولا أظن ان هذه المزاعم التي يرويها البعض، وكما يرد في بعض المنشورات الشوفينية التهريجية، إلا تخريفات وضحكا على عقول الجهلة والمنفعلين بعبقرية ذلك الراوي الذي لا قيمة لحديثه في عصر جرى فيه تشويه حتى أحاديث الرسول والافتراء عليه.

• اللغات الكردية التي يتكلم بها ويتداولها الاكراد اليوم أربع على الاقل لا يفهم الناطقون بها بعضهم بعضا وتحتاج الى قواميس لترجمتها بين بعضها البعض. فعن أية لغة كردية يتكلم هؤلاء: السورانية أم البهدينية أم الهورامية أم اللرّيــّة؟


• لو كانت تلك الكتب المزعومة موجودة فعلا، ولا يساورني الشك على الاطلاق في إمكانية أن يكون التراث الكردي والمعارف والآداب والمنتجات الفكرية للأكراد عبر التاريخ قد جاوزت عشرات آلاف الكتب والمخطوطات لسبب بسيط هو كون الأكراد أمة حية أنتجت، عبر تاريخها الطويل الذي سبق العرب والأتراك في استيطانهم هذه الأرض، ولا تزال تنتج أروع العبقريات والعقول والشخصيات العظيمة. ولكن هذا التراث الفكري لم يكن مكتوبا بلغة خاصة بهم بالضرورة، وإلا لوصلتنا بعض الشواهد على ذلك خاصة وان الأكراد أمة قائمة لم تندثر، ولها تواصلها الإنساني والمجتمعي رغم كل ما تعرضت له من كوارث واضطهاد وتنكيل.

بل لا زال الكثيرون من الاكراد يبدعون بلغات أخرى كالعربية والفارسية والتركية واللاتينية بمستويات تفوق منتجات أبناء هذه اللغات الأصليين ذاتهم أحيانا، والشواهد أكثر من أن تحصى.

• طريقة أصحاب اللغات المعنية في كتابة وتلفظ أسماء قومياتهم لا يمكن فرضها على سواهم من أبناء الأمم والشعوب الأخرى، بل يختار أبناء تلك الأمم كيفية كتابتها بما يتفق مع قواعد لغتهم ذاتها وينسجم مع أصول تلفظها، فالاسپاني باللغة العربية مثلا إسمه الأصلي سپانيول بلغة قوميته، والألماني إسمه دويچه بلغة بلاده وكذلك الإنػليزي إسمه إنػلش... بل وحتى كلمة "الكرد" ذاتها يلفظها أكراد تركيا "كيرد" وخصوصا حين ترجمتها الى اللاتينية.

• أما أتفه ما في هذه اللعبة اللغوية العقيمة كلها فمحاولة ربط كل ذلك بالدين وملحقاته من كتابات دينية في حين ان الموضوع كله لغوي بحت وقائم على عنصرية دعاته وهي شوفينية مريضة لا أكثر، واضفاء طابع من القدسية عليه لا يحيله الى موضوع يستحق تناوله بجدية أكبر،

• أشدد مرة أخرى على أني أوردت هذه الملاحظات لاهتمامي بقضية الأكراد طوال حياتي ولي كتاباتي التي سبقت الكثيرين (وحتى الاكراد) دفاعا عن الاكراد وقضاياهم، وعلى صفحتي هذه نموذج من تلك الكتابات كراس بعنوان "أكراد العراق الواقع والآفاق"، ولأن ما يهمني أساسا هو تحرر شعبنا الكردي من القمع والاستبداد والظلم الطبقي وتطوير ثقافته التي أنجبت عددا ضخما من المبدعين والأدباء الذي فاقوا زملاءهم العرب حتى مجالات اللغة العربية ذاتها في حالات كثيرة. أما طريقة الآخرين في الكتابة فهي شأنهم هم.

يبقى أن أشير الى خطورة هذا الموضوع البالغة لأن جميع مكتبات العالم ومؤسساته الثقافية والأكاديمية التي تحتفظ أو تنشر كتبا ذات صلة بالكرد وكردستان إنما تشير اليهما كما تكتبان باللغة العربية تقليديا (أي بدون حرف الواو)، كما تقوم قواعد البيانات العالمية العملاقة على نفس الطريقة، ومحاولة فرض هذه الواو الزائدة يسيء بشكل كبير جدا الى ذلك التراث التاريخي والثقافي المهم ويختلق مشكلة لا وجود لها من الأساس.

* * *