سهيل المزيف ( عن تجربه الوحده اليمنيه الفاشله )


عدلي عبد القوي العبسي
الحوار المتمدن - العدد: 6318 - 2019 / 8 / 12 - 14:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

سهيل المزيف
عدلي عبد القوي العبسي

تقول كلمات مقطع في الاوبريت االيمني لشهير (خيلت براقا لمع ) والذي تم انتاجه كعمل فني موسيقي غنائي كبير في العام 2000 بمناسبه الذكرى العاشره لتحقيق (الوحده اليمنيه )
سهيل يا نجم اليمن
من سفح صعده الى شمسان الابي شع نوره وازاح ظلمه بعد ليل

هنا اعطى مؤلف الكلمات رمزيه سهيل نجم اليمن والذي كان رمزا للحكمه اليمانيه
ليشير بها الى سطوع نجم الوحده اليمنيه باعتباره دليلا على الحكمه اليمانيه

لكن واقع الحال كان يقول بان هناك استعجال واضح وعمليه ( سلق بيض ) على السريع دون دراسه او ترو او تفحص لانسب اسلوب لتحقيق هذه الوحده الذي كان ينبغي ان يكون تدريجيا على مراحل وعلى اسس سليمه علميه وديموقراطيه وشعبيه (وهو ما كان يطرحه باستحياء وخجل بعض السياسيين االمتنفذين الحذرين وكذلك بعض المثقفين الوطنيين (في السلطه وخارجها ) حتى اولئك المثقفين الوطنيين الذين كانوا قد انزووا تماما وابتعدوا عن النشاط السياسي او التنويري قبل ذلك الوقت بكثير لوقوعهم فريسه الاحباط واليأس ومنهم والدي كان قد ابدى تخوفه الشديد في اواخر العام 1989 واعتراه خوف شديد لانه كان يتوقع حدوث دوامات صراع اكثر عنفا قادمه لا محاله ثم تحمس فرحا لها بعد ذلك مع ذلك القلق المصاحب له وهو يراقب تسارع الاحداث والانزلاق بعد ذلك دخولا في نفق مظلم اشد ظلمه من ( نفق جولد مور في عدن وكلكم يعرف الحكايه الشهيره عن نوقف سياره علي سالم البيض في نفق جولد مور وحديثه لعلي عبد الله صالح عن ضروره الخروج من النفق المظلم نفق التشطير والصراع الشطري السياسي الايديولوجي الى نور الوحده المشع )

ما زلت اتذكر كلمات والدي لي وانا في مطلع الشباب في تلك الايام وهو يقول لي ان الوحده ينبغي ان تتحقق بالتدريج وعلى مراحل والا ستبوء بالفشل !!

نعم ، كان لابد ان تحدث هذه العمليه السياسيه التاريخيه الاجتماعيه انطلاقا من ضروره معرفه اولا ماهيه التحديات المتوقعه وكيفيه معالجتها بل ودراسه معمقه لمعرفه انسب ما في النظامين الشطريين السابقين من سياسات ونظم وتشريعات وبرامج واليات عمل وتقاليد اداريه مع ايجاد الاليات الديموقراطيه (الملائمه لظروف واقعنا الاجتماعي ) المتوافق عليها لمعالجه الخلافات والاختلافات الموجوده والطارئه سواء تلك المتوقع حدوثها اوغير المتوقع
بالنظر الى ارث الصراع الثقيل وماضيه الطويل وبالنظر الى تخلف البنى الاجتماعيه في المجتمع اليمني ككل مع اختلاف في الخصوصيه هنا وهناك وفي الدرجه هنا وهناك

لم يحدث شئ من ذلك (بالرغم من ان قاده الحزب ومفكروه ومثقفوه وكوادره كانوا يتحدثون مرارا وتكرارا عن ضروره الاخذ بافضل ما في النظامين الشطريين حسب اتفاق الوحده ولكن ماالفائده اذا لم يكن ذلك واضحا ومشرعنا ومكتوبا ومنفذا بوضوح وبتفصيل شديد منذ اللحظه الاولى وبرغبه شديده واراده شجاعه في التصدي لمماطلات وخداع الطرف الاخر منذ اللحظه الاولى لم يحدث للاسف شيء من ذلك حسب معلوماتي .

ربما كانت صدمه انهيار المنظومه الاشتراكيه اهم العوامل والمتغيرات التي كان لها تأثير شديد عليهم ثقافيا وفكريا ونفسيا وسياسيا واجتماعيا ايضا مع ضراوه القصف الاعلامي الامبريالي العولمي والرجعي الاقليمي والمحلي والذي راح يتحدث بزهو سخيف وبخداع شيطاني مضلل عن افضليه نظام الشمال المطلقه في كل الجوانب

ومنذ البدء لم تحدث ايضا ازاحه للمتطرفين الذين ناصبوا هذه العمليه الوحدويه (المليئه بالاخطاء والثغرات والعيوب) العداء منذ اللحظه الاولى لها انطلاقا من خلفيه ايديولوجيه ظلاميه متطرفه وكان بيدهم الجهاز الامني والنفوذ القبلي السلطوي والدعم المالي الخارجي ولهم ارتباطاتهم المشبوهه بالعدو التاريخي لليمن (المملكه السعوديه ) التي كانت لا تخفي خشيتها من تحقيق وحده يمنيه تضع البلد الموحد والدوله الوطنيه الجديده في المسار الصحيح لامتلاك القوه سياسيا واقتصاديا بما يجعل منها دوله مهابه في الاقليم بدلا من ليل الوصايه والتبعيه الطويل المظلم
طبعا يتحمل الحزب الاشتراكي اليمني النصيب الاكبر في الوقوع في هذا التأسيس المتسرع العاطفي والغير المدروس للوحده باعتباره هو الذي كان الاكثر الحاحا على قيامها والابرز وطنيا من بين من دافع عن فكرتها وناضل من اجلها جنوبا وشمالا وروج لها على نطاق شعبي واسع لعقود من الزمن (منذ منتصف الخمسينات ) منذ ان كان استاذ المناضلين عبد الله عبد الرزاق باذيب يرفع شعار نحو وطن يمني ديموقراطي حر موحد في وقت كان فيه الكثيرون شمالا وجنوبا يفتقدون الرؤيه الصحيحه لمفهوم الوطن بل ان كلمه يمن نفسها كانت تشوبها الكثير من التضليل والتعميه والتشويش بفعل النشاط الاستعماري البغيض النشاط الذي كان يستهدف الهويه والثقافه الوطنيه وتحريف معاني النضال الشعبي وكان له مخططاته الشيطانيه في البلد ومشاريعه السياسيه القذره في خلق كيانات سياسيه مصطنعة زائفه مرتبطه بمشروعه التفتيتي الاستنهابي لثروه البلد .

الحزب الاشتراكي هو من كسب صف اغلبيه قطاعات الشعب الى الوحده بما فيهم معظم التجار وغالبيه ابناء القبائل في الجنوب والشمال ! لما امتلكه من كاريزما وشعبيه ومصداقيه عاليه في صفوف الحركه الوطنيه اليمنيه وبين أبناء الشعب اليمني وهوايضا اول من دافع عن فكره الوطنيه اليمنيه وامتدادها الجغرافي الطبيعي بحماس وثقه .

في الشمال كان حجم الغرور المتعصب الجاهل كبيرا لدى قطاع كبير من متنفذي المجتمع السياسي ووجهاء المجتمع والرموز السلطويه التقليديه والعسكر وموظفي السلك الاداري بل وحتى النخبه المثقفه !!!
كان الجميع ينعق ويتشدق بالوحده اليمنيه دونما معرفه بمتطلبات وشروط حامليها الاجتماعيين وقادتها ومناصريها السياسيين وهم من كان مرتبطا مباشره وغير مباشره بالدوائر الاستعماريه الاميركيه البريطانيه وحلفائها من رجعيه الاقليم كالمملكه السعوديه على وجه الخصوص .
ودونما معرفه حتى بابسط ابجدياتها السياسيه ومعظمهم كان يردد مقولات ومفاهيم قروسطيه قوميه ودينيه متخلفه عن الوحده ويستشهد ويسترشد باحداث زمن بعيد بناه وايديولوجيته وثقافته وسيكولوجيه مجتمعاته بعيده كل البعد عن مجتمعات الزمن المعاصر حتى المجتمعات شبه الاقطاعيه والراسماليه البدائيه المتأخره منها كمجتمعنا اليمني على سبيل المثال والتي بالكاد تضع اقدامها على العتبه الاولى للدخول في العصر .
والنتيجة اننا رأينا كلا يدعي وصلا بليلى وليلى كانت عنهم بعيده !!

لقد فشل دعاه الوحده هؤلاء ادعياء الوحدويه الذين سيطروا على السلطه قبل وبعد الوحده لانهم اخطأوا في فهم المعنى الحقيقي للوحده واخطأوا في الهندسه الاجتماعيه لها وفي اسلوب بنائها الصحيح اي البناء الديموقراطي الشعبي العلمي
لانهم فهموا الوحده بمضمون رجعي متخلف ولم يكن لهم الا ذلك لانهم ببساطه رجعيون متخلفون وفاقد الشئ لا يعطيه ولان لا مصلحه حقيقيه لهم في تحقيق هذه الوحده الشعبيه الديموقراطيه العلميه لانهم اصحاب مصالح لا اصحاب وحده ولا تربطهم بمشروع الوحده الحقيقي اي رابطه لهذا كانت ممارستهم وتجربتهم في الوحده ممارسه كاذبه ولم يفعلوا شيئا لانجاحها وتحقيقها الفعلي بل كان مبلغ همهم هو مراكمه ثرواتهم وتعظيم مكاسبهم السياسيه الضيقه والفئويه الضيقه والشخصيه الضيقه وكانت لديهم اطماع في السلطه والثروه تتحكم في سلوكهم ومواقفهم السياسيه الذهنيه العصبويه الضيقه والارث السيكوباتي الاجتماعي والنزعه النفعيه الضيقه وقبل كل ذلك المصالح الطبقيه الضيقه.

ما كان يعنيهم ابدا الخطاب الوطني الوحدوي الشعبي الثوري الذي كان يحمله ويقدمه حكماء الوحده اليمنيه من القاده الوطنيين الكبار واستاذهم عبد الله باذيب وابرزهم عبد الفتاح اسماعيل وعمر الجاوي السقاف وسالم ربيع علي وابراهيم الحمدي و علي سالم البيض واخرين
نعم ،كل الشعارات الجوفاء التي اطلقها ادعياء الوحده والوحدويه وفي معظمها كانت اقتباسا من غيرهم كانت فقط لخداع الشعب والهائه وذر الرماد في العيون
لقد ارتكبوا باسم الوحده ابشع الجرائم ونكلوا بخصومهم واستغلوا الشعار والمبدأ والفكره النبيله كقنطره عبور وحصان لاجتياح طرواده وراحوا يخفون الدوافع الحقيقيه للحرب العدوانيه الظالمه التي شنوها على الجنوب عام 4991
لقد كانت عدن في تاريخنا المعاصر اشبه باثينا وباريس وبرشلونه حيث تعرضت للاجتياح مرات عديده على يد
العصبويين الفاشيست من ادعياء الوطنيه والقوميه وادعياء الاسلام الذين خدعوا الناس بهذا الشعار وهذا المبدأ وحولوه من شعار ومبدأ وطني تقدمي علمي ثوري يصب في مصلحه الوطن ومصلحه الشعب الكادح ومصلحه التقدم الاجتماعي الى شعار فاشي بامتياز يخدم مصلحه الطبقه العليا البورجوازيه المتنفذه بمختلف فئاتها من كمبرادور وعسكريتاريا وبيروقراطيين

اوحولوه الى شعار رومانسي ثوري في احسن الاحوال يثرثر به بغباء شديد مثقفو الطبقه البورجوازيه الصغيره من يسارقومي ويمين ليبرالي وهم لا يعلمون مدى التيه والضياع وحال فقدان البوصله الذي وصلوا اليه.
علينا الان ان نقر ونعترف جميعا بان هناك طريقا طويلا وسنوات طويله لتحقيق تلك الوحده الديموقراطيه السليمه المنشوده

بعد ان رأينا الفشل الذريع لسلطتي الوحده السابقتين سلطه الوحده الاندماجيه سنوات 1990-1993 التي قادها الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام ووحده الضم والالحاق سنوات 1994-2014 التي حكم فيها فعليا حزبي المؤتمر والاصلاح وتقاسما فيها السلطه ودخلا معا في تجربه سلطويه سياسيه عصبويه عسقبليه وسياسات اقتصاديه راسماليه متوحشه فاشله ظالمه مفروضه من صندوق النقد الدولي ادت الى تعاظم الافقار الاجتماعي وانهيار الطبقه الوسطى وتبديد ثروه المجتمع واستشراء الفساد ونهب المؤسسات والموارد في الجنوب وكذلك الشمال وتدمير ركائز السلطه الوطنيه السابقه في الجنوب ومسح ما تبقى من إيجابيات نظام الحمدي في الشمال الذي كان لديه طموح بناء الدوله الوطنيه وطموح تحقيق الوحده

وكانت النتيجه هي تعاظم السخط الشعبي وصولا الى النهايه المنطقيه وهي الانفجار الاجتماعي الكبير واندلاع انتفاضه الحراك الجنوبي السلمي في منتصف العام 2007 كمرحله اولى في ثوره شعبيه سلميه امتدت بعد ذلك الى وسط وشمال البلاد .
لكن رأينا بعد ذلك كيف ان أعداء الوحده واعداء الثوره من المستعمرين الغزاه الى ادواتهم في الداخل تمكنوا من استغلال الاخطاء والتراكمات العميقه السلبيه في المشهد واستغلال غرور البعض وتعنتهم وانكارهم لارتكاب الجرائم والاخطاء واستغلال الشعور العميق بالمظلوميه والاضطهاد وحاله اليأس لدى البغض الاخر فراح هؤلاء المستعمرون وادواتهم ويتدخلون بشكل مباشر املا في حرف المسار النضالي الشعبي الثوري وجرفه بعيدا عن حل قضيه الجنوب العادله حلا سلميا ديموقراطيا شاملا وعادلا بالشكل الذي يرتضيه شعبنا في الجنوب اليمني المظلوم وبعيدا عن تحقيق مطالب الشغب اليمني ككل شمالا وجنوبا وبعيدا عن حل قضايا الازمه الوطنيه التي حاول مهندسو موفنبيك ملامسه اوجاعها الحقيقيه وهم الذين نجحوا بشكل جزئي في ذلك لكنهم للاسف اخفقوا في التعامل الديموقراطي العلمي الصحيح مع كل المكونات واستخفوا واحتقروا الى حد ما نشاطات ومطالب الحركه السلميه الجنوبيه وحاول البعض منهم تمييع القضيه الجنوبيه لنصل الى ما وصلنا اليه اليوم من احداث مؤسفه ومؤلمه .

عساهم ان يتعلموا من الدروس ويبدأوا بدايه صحيحه تدشينا لمسار وحدوي سلمي ديموقراطي يمتد باتجاه المستقبل عقودا قليله من الزمن وصولا الى الوحده اليمنيه الديموقراطيه السلميه المبنيه على اسس العداله الاجتماعيه والتفكير العلمي .

نعم الحوار والتسامح وحس العداله والنقد والمراجعه والتفكير الوطني الديموقراطي العلمي هو الحل
لنصغ بواقعيه واحساس رفيع الى صوت الشعب والجماهير ونحتكم الى رأي الغالبيه الشعبيه ونصغ بعقل الى صوت حكماء اليمن .