لا تعطوا الشحاذين


محمد يعقوب الهنداوي
الحوار المتمدن - العدد: 6317 - 2019 / 8 / 11 - 21:59
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة     

لا تعطوا الشحاذين نقودا باسم الإنسانية والرحمة والدين

انتشرت في بغداد ومدن عراقية أخرى، وفي دول عربية وإسلامية كثيرة أخرى، منذ السبعينيات، ولم تكف عن الانتشار والتوسع مذّاك، "موضة" (لا أعرف أصحاب براءة الاختراع فيها) بين مافيات الشحاذين تقوم على "تقسيم العمل" وتوزيع الأدوار، فهناك عوائل يتلخص دورها في "توفير" الأطفال الصغار، الذين لا تتجاوز أعمار بعضهم بضعة أشهر، بينما تقوم عوائل أخرى بتوفير نساء من مختلف الأعمار يتوزعن في أرجاء المدينة ومفارقها وتقاطعات الطرق الرئيسية فيها وفقا لخارطة تقررها المافيات التي تتقاسم النفوذ وفقا لقواها وشراستها وصلاتها بالسلطات الحكومية من بلدية وشرطة، وتعمل تلك النساء كشحّاذات أجيرات بإدارة "شيوخ" و"زعماء" يتولون حمايتهن والرقابة عليهن وعلى انتزاع آخر قرش منهن في آخر النهار.

ويقوم الرجال في "دورة العمل" هذه بعدة أدوار، فهم يتولون اختيار مواقع الشحاذات وتوفير الحماية وضمان عدم تطاول اي شحاذين من مافيا أخرى على مناطق نفوذ شحاذاته، وتوفير الخدمات اللوجستية والتموينية اللازمة من حبوب مخدرة وماء الشرب والقليل من الخبز، وتوفير السيارات وجمع الأطفال والنسوة ونقلهم وتوزيعهم على نقاط الانتشار ومن ثم جمعهم واعادتهم الى مأواهم، وتنظيم شؤون الدعارة والسمسرة وبيع المخدرات والأسلحة والممنوعات الأخرى، وكل هؤلاء يمكن أن يكونوا أدوات تجسسية خطيرة جدا وفاعلة للجماعات الإرهابية وللقوى السلطوية والمافيات المسلحة في الوقت ذاته....

أما الأطفال فيتم تخديرهم طوال الوقت بوضع أقراص مخدرة في أفواههم ليناموا طوال النهار فلا يثيرون اية ضجة ولا يطالبون بأي طعام ويستنفرون في الوقت ذاته شفقة المارة ويستدرون عطفهم...

بعد سنين، سيكبر هؤلاء الأطفال، وستكون لدينا شريحة اجتماعية كبيرة من مدمني المخدرات الذين يستحيل شفاؤهم منها والمستعدين للقيام بأية جريمة تخطر أو لا تخطر على بال لأجل الحصول على جرعة المخدرات اليومية اللازمة التي أصبحت عنصرا أساسيا في مكونات أجسادهم...

ومن كانوا أطفالا صغارا استخدمتهم هذه المافيات في السبعينيات اصبحوا اليوم مجرمين كبارا وقادة وزعماء يترأسون الميليشيات المسلحة وعصابات الجريمة وتجارة المخدرات والدعارة وفرق الاغتيالات والقتلة المأجورين والمعتدين على المظاهرات الشعبية، وكل هذا يجري تحت قناع الدين وباسمه وبحماية مافياته.

هؤلاء هم بعض مكونات شبكات الإرهاب الإسلامي في العراق ومصر وليبيا وسوريا ومناطق أخرى... وثمة تفاصيل أخرى كثيرة،

ولهذا فكل شحاذ في الشارع هو مشروع جريمة واعتداء على المجتمع وعلى المرأة وعلى الطفولة وعلى حق الحياة وعلى عقل المواطن وانسانيته ووعيه وكرامته، وهو أداة قتل وتجسس وارهاب في كل الاحوال.

لذا يلزم شن حملة حازمة ضد كل الشحاذين وبلا استثناء مع اني ادرك تماما استحالة القضاء على هذه الظاهرة لكثرة المستفيدين منها وتغلغلها في الوعي المتخلف للمجتمع الذي هو حقل تفريخ للتخلف والعقم وديمومة الانحطاط برعاية المؤسسات الدينية الفاسدة