المثقف الثوري في الحياة


برهان القاسمي
2019 / 8 / 7 - 18:15     

المثقف الثوري في الحياة
" لم يعد دورا من الادوار...انها الحياة .وفي الحياة لا وجود للمتفرحين .يرتفع الستار." يوليوس فوتشيك ( تحت اعواد المشنقة)ة
أن يقدم اليسار والثورة التونسية اليوم مثقفا ثوريا للانتخابات الرئاسية،هذا في حد ذاته مساحة افتكها اليسار التونسي،وثغرة في جدار الرجعية والتخلف من اجل الحرية والكرامة الوطنية .
كتب الرفيق حمة الهمامي نصا صدر به اخر مؤلفاته "المفرد والجمع في الحرية والمساواة" ويحمل عنوان " في العلاقة بين الفكر والسياسة " بين فيه نوعية هذه العلاقة وابعادها ،وشروطها ،وماهية المثقف الثوري ودوره، وكذلك عواقبها ومصير أصحابها في المجتمعات المتخلفة ،وخاصة في المجتمعات العربية الاسلامية ومنها تونس على اعتبارها تطرح أمام المثقف والسياسي على السواء قضايا واشكالات مرتبطة بالشائع الديني والأخلاقي في المجتمع وهي ( محرجة وتمس من "عقائد الناس" )، وتستغلها القوى الرجعية ، وقد تؤدي إلى "خسارة اصوات الناخبين " اذا ما قرر الترشح للانتخابات هذا العام .فكان جوابه " ان هدفي ،...من النضال السياسي ليس البحث عن موقع أو منصب بل العمل على تغيير المجتمع نحو الأفضل ...حتى لو ادى ..ذلك إلى " التصادم " ،وهذا جوهر مفهوم المثقف الثوري الذي يحتاجه المجتمع من اجل تحرره وتطوره وتقدمه ،فلا المواقع والمناصب ولا الشعبية الزائفة،ولا خسارة اصوات الناخبين ولا الانتصارات المؤقتة والزائفة ولا الترشح في حد ذاته عدى كونه وسيلة لخلق شروط التغيير.فالسياسي اذا لم يكن مفكرا وحاملا لمشروع مجتمعي متكامل هو بالضرورة سياسي فاشل ، حيث لا سياسة ثورية دون مرجعية فكرية ونظرية تشكل بوصلته في الكشف عن قوانين تطور المجتمع والكشف عن التركيبة الاجتماعية والقوى المتصارعة فيه واتجاه سير خط التطور و تحديد مواقفه الانية والاستراتيجية وتقديم اليات ووسائل تغييره .هذا الجمع بين السياسة الثورية والفكر /المبدا ،لم يعرفها تاريخنا التونسي والعربي عموما إلا مع الثورة التونسية لدى حمة الهمامي .
عرف حمة الهمامي كاحد ابرز المعارضين السياسيين لنظام بورقيبة وبن علي والترويكا ،وكان من الرعيل الماركسي الأول ،منذ ستينات القرن الماضي الى اليوم كرس كامل حياته للنضال السياسي، عرف الايقافات والمحاكمات والسجون والتعذيب والملاحقات واجبر على السرية ولم يهادن ولم يساوم ولم يفاوض ولم يتراجع ولم تحبطه الانتكاسات والتراجعات التي عرفتها الحركة الشعبية ، كما انه لم يغتر بالانتصارات .
لقد كان صوت الثورة ورسالتها وجوابها بالامس والان ،وغدا فهو إلاستمرارية والتراكم في النضال الثوري والثبات على المواقف وتعامل بكل صدق واخلاص مع قضايا وهموم الفقراء و الكادحين والمسحوقين والمهمشين، خلافا لبقية المترشحين وليس المترشحين فقط بل كل المهرولين والمتهافتين ما قبل الثورة وبعدها من أصحاب النفوس الضعيفة الساعية الى مطامعها الشخصية والذاتية ...
كما كرس حمة الهمامي حياته في البحث والتنقيب وانتاج المعنى، حيث مارس الكتابة الصحفية السرية منها والعلانية ونشر الفكر التقدمي والتنويري عبر البحوث والدراسات النقدية خاصة في الفكر السياسي ،وفي جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والثقافية ،والتراثية التاريخية القديمة منها و الحديثة النهضوية التنويرية ،والثقافة الديموقراطية التقدمية.مستندا في كل ذلك إلى النظرية العلمية الماركسية اللينينية،والمنهج المادي الجدلي التاريخي ،مضيفا بذلك إلى المكتبة التونسية والعربية العديد من الكتب والمؤلفات تذكر منها ضد الظلامية في الرد على الاتجاه الاسلامي والمجتمع التونسي قراءة اقتصادية اجتماعية
وقراءة في تاريخ الحركة النقابية والمراة التونسية حاظرها ومستقبلها ،واشتراكية أو بربرية ، والاشتراكية والمراة و البريسترويكا السوفياتية ثورة مضادة داخل الثورة المضادة المفرد والجمع في الحرية والمساواة.....
بين كل السياسيين يظهر حمة الهمامي كحالة متفردة .مثقف ثوري في راهن متعفن ،وطنيا وقوميا ،حالة لم تعرفها تونس ولا كل الوطن العربي خلال كامل تاريخه . بقي صامدا ثابتا امام سيل الاكاذيب والاافتراءات و التشويهات والاتهامات والمؤامرات .وامام الانهيارات المتتالية لاشباه المثقفين والصحافيين الماجورين ،والسياسيين " اليساريين " الانتهازيين الذين انكروا وباعوا دماء شهدائهم ،والمحايدين والمستقيلين والمتباكين على وحدة اليسار ،وكامل جوقة الندابات بالاجر في الماتم .
خلافا لهؤولاء جميعا ومن الطرف المقابل لهم كانت رسالة حمة الهمامي واضحة وصريحة ولا لبس فيها أما الانتصار مع الجماهير ومعها أو المضي الى الموت مرفوع الرأس.ولذلك ضل قابضا على جمرة النضال الثوري الفكري والسياسي ولم ينكس راية الحرية والتقدم والثورة،ليصنع الارادة والفعل.
برهان القاسمي