والقيادة الجماعية ..في الأحزاب ؟!


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6307 - 2019 / 8 / 1 - 19:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

تحت هذا العنوان كتب يوم الثلاثاء 30/7/2019 في "الرأي " الأردنية الكاتب التقدمي الدكتور زيد حمزة يطالب بالقيادة الجماعية للحزب في جميع الأحوال وقد أخذ برأي أحد أصدقائه في أن تداول القيادة لا بد وأن تضمن القيادة الجماعية للحزب أقانيم الديموقراطية .
مثل هذا الخطاب البورجوازي الخبيث إنطلق في البداية إمتداداً لخطاب خروشتشوف السري ينتقد قيادة ستالين للحزب الشيوعي السوفياتي لثلاثين عاما متصلة 1922 – 1953 مدعياً أن الدكتاتور ستالين بنى الدولة السوفياتية بالحديد والدماء . رغم أن خروشتشوف نفسه تراجع عن مجمل أكاذيبه في خطابه السري وأثنى على أعمال ستالين موضع فخار السوفياتيين كما أقر في شباط فبراير 59 يفتتح المؤتمر الحادي والعشرين للحزب .
ومن جهة أخرى، فقد كانت الهيئة العامة للحزب الشيوعي السوفياتي تجتمع كل أربع سنوات وتنتخب أعضاء القيادة فرداً فرداً بحرية تامة وليس أدل على ذلك من أن الهيئة العامة في المؤتمر التاسع عشر للحزب في أكتوبر 1952 صوتت ضد ستالين علانية وكانت بذلك تضع نهاية الثورة الإشتراكية حيث كان ستالين قد حذرها من أنها لن تصل الشيوعية بمثل تلك القيادة ؛ والقول ما قال ستالين !!

الخطاب الذي ينادي بتداول القيادة في الحزب هو خطاب بورجوازي لأنه يرى في القيادة الحزبية إمتيازات شخصية قبل كل شيء آخر مع أنها في القيادة الشيوعية تخصيصاً حرمان تام حتى من الحياة العادية المتوافرة للناس العاديين . في صبيحة 7 نوفمبر 1917 ظهر لينين بعد طول اختفاء في قصر سمولني في بتروغراد ليعلن في مؤتمر صحفي استيلاء البلاشفة على السلطة في روسيا القيصرية وتشكيل دولة بلشفية جديدة برئاسته . لاحظ الصحفيون إذاك أن لينين كان يرتدي سروالاً لشخص آخر أطول منه ؛ أي أن لينين رئيس الدولة البلشفية الجديدة لم يكن يملك سروالاً لائقاً يظهر به أمام الصحافة العالمية . وبالمثل تأخر موعد جنازة ستالين بسبب فقدان اللباس المناسب لعرض الجثمان على المودعين . وأن ستالين وهو القائد للحزب وللدولة منذ العام 1922 لم يركب السيارة لقضاء أشغالة بل ماشياً على قدميه قبل العام 1928، لم يركب السيارة إلا بعد أن قررت قيادة الحزب وجوب الحفاظ على أمن الأمين العام للحزب بسيارة محروسة بعد أن جرت محاولة اغتيال لستالين . انتحرت زوجة ستالين لأنه لم يخصص لها الوقت الكافي وقد استمر طيلة حياته يداوم في مكتبه 16 ساعة يومياً دون انقطاع، وأبناؤه لم يذكروه بإحسان الأب أبداً ولم يخلف وراءه شيئاً ذا قيمة على الإطلاق . هكدا هو القائد الشيوعي المثال، فكم من القادة يمكنهم أن يكونوا مثل لينين أو ستالين !؟ لم يُعرف عبر التاريخ قادة يماثلون لينين وستالين بإنكار الذات إنكاراً مطلقاً . كان قد قلد لينين وستالين كل من ماوتسي تونغ في الصين وهوتشي منه في فيتنام وتشاوتشيسكو في رومانيا وأنور خوجا في ألبانيا لكن التاريخ لم يسمح لهم باستكمال الشوط حتى النهاية .
وهنا في هذا المقام لا يمكنني غير أن أتوقف عند الرأي القائل بوجوب تداول القيادة في الحزب الشيوعي السوفياتي بالتخصيص . كانت الهيئة العامة للحزب (حوالي 5 آلاف عضو) تجتمع في مؤتمر عام كل أربع سنوات وتنتخب 100 عضواً للجنة المركزية لأربع سنوات ثم تنتخب اللجنة المركزية 12 عضواُ من بين أعضائها للمكتب السياسي لأربع سنوات أيضاً وينتخب المكتب السياسي الأمين العام للحزب . وهو ما يعني أن القيادة كانت تتجدد كل أربع سنوات . لكن الحزب الشيوعي لم يعقد مؤتمره العام الدوري منذ العام 1939 وحتى العام 1952 ؛ وفي المؤتمر العام التاسع عشر في أكتوبر 52 خرق ستالين كل الأعراف الديموقراطية وأهاب بالهيئة العام ألا تنتخب أياً من القيادة القديمة بمن في ذلك ستالين نفسه لأنها لم تعد صالحة للعمل الشيوعي بسبب التقدم في السن وأن ثمة خطراً على الثورة بمثل تلك القيادة . بالرغم من التقدير الكبير لستالين والاستحكام دائماً بحكمته إلا أن الهيئة العامة في ذلك الحد الفاصل من التاريخ لم تستجب لطلبه وانتخبت نفس القيادة دون استثناء . وفي نفس المؤتمر طلب ستالين إعفاءه من مهامه مرتين لكن الهيئة العامة لم تستجب لطلبه أيضاً وهو ما تطلبه لأن يقود الحزب ثلاثة شهور أخرى مهددا أعضاء المكتب السياسي بالإحالة إلى التقاعد في أقرب فرصة ممكنة مما تسبب باغتياله بالسم أثناء عشاء 28 فبراير شباط 1953 .
ما أود التأكيد عليه بقوة في هذا المقام هو أنه لو عاش ستالين حتى العام 55 لكان لنا اليوم عالم جميل خالٍ من كل العيوب . كانت الخطة الخمسية (51 – 55) ستستكمل ليأخذ العالم، كل العالم، بالنهج الإشتراكي في التنمية ولا يعاني عالم اليوم قصوراً فاضحاً في الإنتاج فيضطر لتعويض قصورة لأن يستدين كل عام 2 ترليون دولار مع تزايد مستمر الأمر الذي يتهدده بكارثة كونية في وقت قريب .

كل الذين دعوا لتبادل القيادة في مختلف الأحزاب وما يسمونه للتجميل "الديموقراطية" في التراتبية الحزبية لم يشيروا لأي داعٍ من دواعي تبديل القيادة . هل هو الزمن والسن ما يقتضي التبادل كما يشي الإقتراح أم هناك دواعٍ أخرى !؟ العملية الديموقراطية التي تقتضي تعيين القائد بالإنتخاب لا تحكم بتبديله، فستالين لم يستبدل بالإنتخاب خلال 30 عاماً وكان سينتخب لأعوام كثيرة أخرى لو امتد به العمر .
يطالبون بتبديل القيادة دون أن يتطرقوا لأية شروط يُستوجب توافرها في القائد . هنا يمكن الحديث عن شروط كثيرة لكن ثمة شرطان أساسيان يجب توافرهما في قائد الحزب، أي حزب، أولهما هو أن يحسن قراءة التاريخ بموضوعية إنتهاءً بتحديد القوى الإجتماعية السائدة في المجتمع حينذاك، وثانيهما هو أن يعرف القائد أهداف الحزب المرحلية والاستراتيجية . في ندوة النخبة الوحيدة التي عقدها الحزب الشيوعي السوفياتي في العام 51 للنظر في "المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي" تبين بكل جلاء أن أحداً من قادة الحزب لم يستوفِ أياً من هذين الشرطين خلا ستالين وهو ما يعني أن تبديل ستالين كان هو تبديل الإشتراكية كما ثبت ذلك عملياً ؛ فمنذ أن أغمض ستالين عينيه إلى الأبد تحولت اشتراكية العمال في مركز الثورة الإشتراكية العالمية، الإتحاد السوفياتي، إلى "إشتراكية العسكر"، إشتراكية الجوع والموت .

بعيداً عن الثورة الإشتراكية العالمية فقد أسست البورجوازية الوضيعة الشامية بقيادة مشيل عفلق وصلاح البيطار لحزب البعث كعدو مباشر للشيوعية . السيدان عفلق والبيطار لم يحسنا قراءة التاريخ بصورة فاضحة إذ انطلق حديثهما المثالي عن "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" . لم يسجل التاريخ على الإطلاق أن الشعوب في العالم العربي كانت يوماً أمة واحدة .. ملوك امبراطورية الأمويين وأمراؤها وكذلك العباسيين وقبلهم خلفاء النبي لم يسطروا يوماً عبارة "الأمة العربية" . أصلاً الكيان المعروف اليوم بالأمة هو كيان حديث العهد وهو الإبن الشرعي للثورة الصناعية . بل عندما أعلنت البورجوازية الشامية ثورتها القومية بقيادة الشريف حسين اقتصر مفهوم الأمة على شعوب آسيا الناطقين بالعربية فكان أن احتج ممثلو الدول المؤسسة للجامعة العربية في الإجتماع التحضيري في حيفا في العام 1944 على مشاركة مصر (غير العربية) بشخص الرئيس النحاس باشا وكان شرطاً من إنجلترا .
الحرية والإشتراكية ظلتا غائمتين ومجهولتين في أذهان البعثيين أما الرسالة الخالدة فالشعوب في شمال الجزيرة العربية في الشام وفي العراق لم تعرف من العرب الذين فاضوا عليها في القرون المظلمة سوى النهب وسبي النساء والعبودية . هذا ما قاله سعد بن أبي وقاص إلى الخليفة عمر بن الخطاب إذ كتب يقول أنه احتل أرض السواد (العراق) ووزعها وماعليها من علوج – يقصد الإنسان كبهيمة – على أمراء الجيش والجنود، ولما صاح عمر مستنكراً يقول .. وماذا تبقى لحراسة الثغور !!؟ - يقصد فتح بلدان أخرى ونهب شعوبها – قاطعه نقيب الصحابة عبد الرحمن بن عوف يقول .. ولماذا الغضب با أمير المؤمنين، هذا ما أفاء الله به عليهم !! تلك هي الرسالة الخالدة لمشيل عفلق وصلاح البيطار !!
استبدال القادة في أحزاب البورجوازية الوضيعة استجلب حافظ الأسد وصدام حسين فعرفت البشرية قادة من صعاليك العسكر يحفرون قبوراً جماعية للشعب السوري وللشعب العراقي .